ما الحكمة من خلق الله الشر؟! العمق الفلسفي لقصة آدم عليه السلام

21 مايو 2019 11:23
النظريات الفلسفية الثلاث التي أطرت القراءة المعاصرة للقرآن عند الدكتور محمد شحرور

هوية بريس – أحمد الشقيري الديني

هذا أكثر الأسئلة رواجا، قديما وحديثا، يطرحه الملحد بصيغة لماذا خلق الله الشر؟! ويسأل المؤمن عن الحكمة من وجود الشر في عالمنا..؟ فيقولون ما بال هؤلاء الأطفال والعجزة وأصحاب الإعاقات الذين يقتلون في الحروب؟!..إلخ ونحن سنقارب هذا الموضوع الذي تناوله مفكرون بمشارب شتى، قدامى وجدد، من زاوية مختلفة..

فأقول وبالله التوفيق: الشر في عالمنا ناتج عن الصراع غالبا ـ وليس دائما ـ وهذا الصراع ناتج عن تزاحم المصالح، وتزاحم المصالح ناتج عن طلب الإشباع، وطلب الإشباع يفضي إلى الظلم الذي ينشأ عن تلبية داع الغريزة، غريزة السلطة وغريزة الجنس وغريزة حب المال، وهذه الغرائز ركبها الله في الإنسان لحكمة بالغة ندركها جميعا، وهي توزيع الثروة، واستمرار النوع البشري، وتشييد العمران، وهي أسس الاستخلاف، استخلاف الله لهذا الإنسان في الأرض (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الارض خليفة).. والاستخلاف لا يتحقق مراده إلا بالإرادة الحرة، فركب الله العقل في الإنسان، وهو آلة جبارة بواسطتها يعقل الإنسان غرائزه أي يضبطها، فالعقل في اللغة الربط، ومنه عقلت الناقة أي ربطتها.. فالمتأمل في عالم الحيوان يرى صراعا دائما، القوي يأكل فيه الضعيف، لأنه عالم منضبط لشهوة الغريزة فحسب..!

بالمقابل هناك عوالم عاقلة لا شر فيها، وهي عالم الملائكة وعالم الجنة، فعالم الملائكة عالم عقلاء بدون غرائز، فهو خال من الصراع والمصالح وبالتالي فهو خال من الشرور..

وعالم الجنة عالم آخر سكانه عقلاء بغرائز، لكنهم هذبوا في دار الدنيا وابتلوا ومحصوا بالخير والشر، ليستحقوا جوار الرب في مقعد صدق عند مليك مقتدر.. وهذا ما سنفصل فيه القول بإذن الله فإن سأل سائل: ما بال ربنا، وهو اللطيف الخبير الرحيم الودود، لم يخلقنا للجنة ابتداءً دون اجتياز هذا الامتحان الشديد في دار الدنيا الذي تبين أن الراسبين فيه أضعاف أضعاف الفائزين؟! نقول، بلى..! لكننا لا نتأمل كلمة الله التي أنزلها على رسله..! ففي جميع الديانات قص الله سبحانه قصة آدم، وهي قصة لها بعد فلسفي عميق لمن تأملها، فقد تبين أن الله خلق هذا الإنسان بيده (قال يا إبليس مالك ألا تسجد لما خلقت بيدي، أستكبرت أم كنت من العالين؟) وشرفه وكرمه وأسجد له ملائكة قدسه، وعلمه كل شيء (وعلم آدم الاسماء كلها) وأظهر الحكمة من ذلك في اختبار تفوق آدم على الملائكة.. ثم أسكنه الجنة وقال له (إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى، وإنك لا تظمأ فيها ولا تضحى) أي أن رزقك فيها وما تحتاجه مضمون من دون تعب ولا شقاء.. لكن بشرط واحد..! (ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) مخاطبا آدم وزوجه، وهذا معناه أنك وزوجك محاطان بالتكليف منذ أول يوم، فأنتما مخاطبان بالحلال والحرام..! ثم حذرهما ربهما من مخلوق ثالث عاقل ومكلف أيضا لكنه فسق عن أمر ربه برفض السجود لآدم، وهو إبليس (يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى)..! فتشقى كدحا في طلب الرزق وفي طلب اللذة وفي طلب السلطة وفي طلب حقوقك التي يسلبها عنك بنو جنسك..! ستشقى بالآلام والأمراض والحروب والفقر.. أما هنا في الجنة فلا شقاء ولا ألم لأن الشر جمعناه في عدوك إبليس وحذرناك منه فعداوته لك ظاهرة..! فصراعك محصور مع هذا اللعين فاحذره، فلا سلطان له عليك، إلا الوسوسة وإلقاء الخطرات السيئة والكذب، فهذه عملته..! فكان هذا هو أصل الصراع ولازال، وليس كما تحصره الفلسفات المادية في كونه صراعا حول السلطة والجنس والمال، فهذه كلها تجليات للصراع الأصلي، الصراع الحقيقي، صراع إبليس ضد آدم بسبب الموقع الرفيع الذي احتله آدم وحسده عليه إبليس، (قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لأن أخرتني إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا) وكان المدخل لإغواء إبليس آدم عليه السلام غريزة حب البقاء والملك الذي لا يبلى، وهي مترسخة في أعماق آدم (قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى)؟! فأظهر الحق سبحانه ـ وهو العالم بالسرائر ـ أن في هذا الإنسان جانبا يحتاج للابتلاء والتمحيص والصقل ليصلح لذلك الجوار العظيم، جوار ربه..! (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) فقامت سوق الجنة والنار والحساب والميزان والجهاد والمجاهدة والمصالح والصراع والخير والشر وإرسال الرسل وإنزال الكتب والحلال والحرام..! (قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو، ولكم في الارض مستقر ومتاع إلى حين).. وتتكرر مهمة التكليف والاستخلاف مع بني آدم على هذه الأرض، والتحذيرات من الاقتراب من شجرة الشرك وأغصانها متمثلة في الحقد والظلم والحسد وحب الدنيا وإيثارها على الآخرة..وثمرتها متمثلة في الزنا والربا والقتل والسرقة..! تماماً كما حذر آدم وزوجه أن يقربا تلك الشجرة في الجنة..! (فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) فنشأ الشر عن هذا الأصل في الصراع، صراع آدم وإبليس، وهو مستمر في ذريتهما إلى يوم القيامة..

فإن قال قائل ولم لم يخلقه عاقلا مكرما من دون تكليف ولا عدو، قلنا له أنت تتحدث عن عالم آخر، موجود بالفعل، وهو عالم الملائكة..! والله تعالى أعلم

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M