ما الرد على القائلين: إن الله ظالم وجاهل؟

19 أغسطس 2016 23:41
عن واقع نقل صلاة الجمعة تساؤلات واستفهامات؟؟؟

هوية بريس – د. محمد وراضي

ورد في الآية الرابعة من سورة “الحديد” قوله سبحانه: “وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير”. أي أنه عز وجل يوجد معنا بقدرته وسلطانه وعلمه. بحيث إنه يبصر أعمالنا ويراها ولا يخفى عليه شيء منها. تأكيدا وتوضيحا منه لنفس الدلالة التي نقف عليها في أكثر من سورة أوفي أكثر من آية. نظير قوله تعالى: “وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون“. ونظير قوله: “يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور“.

ومن تأكدت لديهم القناعات التي تحملها الآيات الثلاث -وهي في الحقيقة قناعة واحدة- لترسخ في نفوسهم مفهوم الإحسان، الذي يجعل المؤمنين المخلصين يتقربون إلى ربهم بالأعمال الصالحة المسنونة. وكأنهم يرونه كما يراهم في كل لحظة وحين. حتى إذا ما أقبلوا على ما أقبلنا عليه من طرح تساؤل، يثير استغراب المتدينين قبل غيرهم من خصوم الدين في الجملة، اطمأنت نفوسهم، كما اطمأنت نفوسنا ونحن متجرئون على طرح سؤال هو في الحقيقة ترجمة مباشرة، لما عليه الواقع الإسلامي برمته في الوقت الحاضر كما سوف نبرهن على ما ندعيه.

فما الذي يقدمه الواقع منذ تعرضنا للغزو الاستعماري بخصوص السؤال عنوان المقال؟ ما الذي يقدمه بعد تخلص شعوبنا من الاستعمار، وأصبحت حرة مستقلة، كما يقول مؤرخو ما قبل الاستعمار وأثناءه وبعده؟

   هل تم استرجاع العمل بالنظام الإسلامي الذي ألغاه الاستعمار وأحل محله النظام العلماني؟ أم إن نفس النظام الذي فرضه الاستعمار هو الذي يجري العمل به حتى الآن؟ وهذا النظام الذي يجري به العمل، أو ليس هو الذي ثارت الشعوب ضد قادته من المحيط إلى الخليج؟ وثورة الشعوب المشهودة، أو ليست في واقعيتها إعلانا سافرا بإفلاس النظام العلماني المفروض من الأعلى بقوة السلطان والدسائس والمكر والخداع والغلبة؟

والعلمانيون الذين هم منا -أي من بني بجدتنا- كشعوب عربية وإسلامية، أو لا يرون بأن العلمانية وحدها وسيلة مضمونة  للرقي والتقدم؟ وما موقفهم من قضايا تناولها الإسلام كتابا وسنة؟ هل قبلوا بها أم إنهم رفضوها بحجة وجوب مسايرة المبادئ الكونية، أو القيم العالمية العقلانية؟

لن نخوض نحن في مهاترات كلامية لتكفير سعيد؟ أو لتكفير خالد؟ بصرف النظر عن ضحايا المكفرين في عامة الدول العربية والإسلامية؟ وعندنا بالمغرب تحديدا نماذج من أئمة فصلوا عن وظائفهم لمجدر أنهم استنكروا بعض المناكر التي تجسدها الصور الفاضحة لما يجري ليل نهار! كالإغراق حتى النخاع في الفكر الظلامي الديني؟ وكالإغراق حتى النخاع في الدعارة والعربدة وأخواتهما من أخمص الأقدام حتى أعلى الهامات؟

لنسأل حكامنا في مختلف العواصم العربية عن الوقائع التي جعلت مسمى المبادئ الكونية متقدمة على المبادئ الإسلامية؟ لنسألهم دون أن نكفرهم من طرفنا، لا بالتلويح ولا بالتصريح! كما يفعل بعض من وعاظنا ومرشدينا ومشايخنا بكيفيات أو بطرق فجة، منطق الدين ومنطق العقل ومنطق الواقع والتجربة في حاضرنا الماثل لا تساندها! والحال أنه كان من المفروض أن نسلك مع خصوم الدين مسلكا آخر من السهل عليهم وعلى القراء إدراك مغزاه. فعندما نقول: لا لتعدد الزوجات! وعندما نقول في علم الفرائض: لا ينبغي أن يكون للذكر مثل حظ الأنثيين؟ قبل أن تعقد ندوات وتنظم لقاءات، ويفتح باب الإعلام الرسمي أمام زعامات إلغاء التعدد ووجوب التنصيص قانونيا على المساواة بين الذكور والإناث في الإرث. أي وجوب إلغاء حكمين إلهيين بالإجماع المفروض على الأمة! أو بما يشبه الإجماع!!!

فعندما نرفض التعدد ونرفض التفاوت في الإرث، بحجة أن ما رفضناه ظلم يتنافى والمبادئ العالمية الكونية! معناه بمنطق الواقع التجريبي والعقلاني والديني، أن الله الذي قال: “فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع”. والذي قال: “للذكر مثل حظ الأنثيين” ظالم وجاهل!!! وهذا إجماع واضح الدلالة على ضلال مبين! فإن كان الله ظالما كما وصفه العلمانيون من حكام وأحزاب وهيئات ومنظمات حقوقية ودينية، وجمعيات خيرية إحسانية ورياضية بسكوتها وإذعانها! فأين حكمة الله وعلمه وعدله؟ وكلها صفات يزخر بعشرات منها كتابه المبين؟ فالحكمة وحدها بهذا اللفظ، وردت في القرآن عشرين مرة؟ وحكيم وحده بالألف واللام وبدونهما ذكر في القرآن 99 مرة! من ضمنها قوله سبحانه: “عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير“. وقوله تعالى: “فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم“. وقوله عز وجل: “ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم“؟

لكن اتهام الله علانية بالجهل والظلم، لأنه أباح للرجال التزوج بأكثر من واحدة، ولأنه ظلم النساء اللواتي يجب أن تكون لهن نفس حقوق الرجل في كل شيء، ينتج عنه الإلقاء بحكمته وعلمه سبحانه في سلة المهملات!!! خاصة متى تأكد لدينا أن العدل على أساس من العلم والحكمة يقوم. لا على أساس من السفاهة التي تعني غياب المنطق عندما يتم تناول موضوعات اجتماعية على قدر كبير من الحساسية؟

وكون الله غير عادل، وكونه غير حكيم، وكونه غير عالم! معناه أن كل المتحمسين لتناول   الموضوعين المذكورين، شاركوا في لجان أو لم يشاركوا فيها، كلهم عادلون وحكماء وعلماء! أي إنهم بتعبير آخر: أعدل من الله وأحكم وأعلم منه؟؟؟

إنما ما الذي نفعله بآيات تؤكد كونه سبحانه يكره الظلم ولا يقبله، وفي الوقت ذاته، يكره الظالمين وينذرهم بسوء العاقبة؟ قال عز وجل: “يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم“! فاتضح أن الظلم درجات، أفظعها وأبشعها نوع الظلم الذي يرتكب في حقه سبحانه، كظلم من نسبوا إليه الأبوة! وكظلم من نسبوا إلى صنم معبود كمال القدرة على التصرف في الأكوان عطاء ومنعا! بحيث إن من بين هذه الأصنام أصحاب الأضرحة والقباب المزورين المقدسين؟ وكيف بظلم من يدعون أن الله تعالى جانب الصواب في إقرار العدل والمساواة بين البشر؟

قال تعالى مكذبا زعم مستهدفيه بالنقص من ربوبيته: “من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها، وما ربك بظلام للعبيد“؟ ثم قال جلت قدرته وعظمته: “إن الله لا يظلم مثقال ذرة“؟

   وبما أن رسول الله مسؤول عن بيان، أو عن توضيح ما ورد في الذكر الحكيم “وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم” فإنه خصم عنيد للظلم والظالمين. يكفي قوله عليه الصلاة والسلام: “اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة” الحديث. وعنه قوله: “إن الله يملي للظالم، فإذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ: “وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد“؟

وقد ننتقل من الخاص إلى العام، فنجد كيف أن اتهام الله بالجهل في المغرب المسلم على وجه التحديد، انطلق حين تم إلغاء الزكاة بإيعاز من أحد الغربيين قبيل توقيع عقد الحماية بثمان سنوات. وتم في الوقت ذاته استبدالها بمسمى “ضريبة الترتيب”! وذلك حتى تتضاعف مداخيل الدولة! بحيث إن الزكاة تقريبا منذ عام 1904م، ولت جبايتها -كركن من أركان الإسلام- إلى غير رجعة حتى الآن على الأقل! فكأن الإسلام عندنا لم يعد مبنيا على خمسة أركان! بل إنه أصبح مبنيا على أربعة في العالم العربي كله!!!

وإن نحن أضفنا إلى إلغاء الركن الثالث من أركان الإسلام (الركن الاجتماعي)، اتهام الله بالجهل والظلم، والتخلي نهائيا عن النظام الإسلامي -وهذا حال جميع الدول العربية- سهل علينا فهم ما يجري في هذه الدول، حيث الصراع بين فريقين: فريق لا يرى بديلا من إعادة تفعيل النظام الإسلامي. وفريق يكذب الله ورسوله إلى حد اتهامهما بالجهل والظلم! وهذا الفريق معزز بحلفاء غربيين! كل شغلهم الشاغل تجسيد النزعة الصليبية على أرض الواقع! لكن وقودها هذه المرة هم الشعوب العربية والإسلامية التي يتشرد من أبنائها الملايين! ويقتل منهم الملايين! دون أن يفطن حكامنا إلى أنهم أصبحوا أضحوكة! إذ كلما حاولت شعوبنا النهوض للتخلص من التبعية العمياء، كلما تم الاستنجاد بأحفاد الصليبيين لإعادتها إلى بيت الطاعة! فقد حوصرت الثورة الإيرانية بدعم لامشروط من الغرب! وحوصرت الديمقراطية الوليدة بالجزائر مطلع التسعينيات من القرن الماضي! وتم إفساد العمل الديمقراطي الذي مكن حماس من احتلال المركز الأول في الانتخابات البرلمانية! وأطلق الغرب يده لقطع دابر صدام حسين بالعراق، ولو أنه مستبد ظالم! وأرغم القذافي قبل الثورة التي أطاحت به على التخلي عن صنع أسلحة نووية! ثم تم إجهاض ثورة الشعب المصري الباسل! وبتآمر مع الأمريكيين والصهاينة والغرب الصليبي جرت محاولة لقلب نظام الحكم في تركيا! وكأن الحلف الغربي أقسم أن لا تقوم للمسلمين قائمة! وكيف تقوم لهم وحكامهم وعلمانيوهم نعتوا الله ورسوله بالجهل والظلم والطغيان والدكتاتورية!!!

 فليفهم إذن من يريد أن يفهم من الذي يقف وراء ظهور جماعات إسلامية مسلحة هنا وهناك بأسماء مختلفة وبمواصفات متعددة؟؟؟ ثم ليتصور من يريد أن يتصور رد الغيورين على الدين وهم متأكدون من صحة اتهام الله عز وجل بالجهل والظلم في وضح النهار! وبدون ما خجل! وبدون ما حياء!

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M