مدير “المرصد العربي للإعلام” يوجه رسالة مفتوحة إلى العثماني بعنوان: “دوزيم الإصلاح أو الإغلاق”

22 نوفمبر 2020 23:11

هوية بريس – نبيل بكاني (مدير المرصد العربي للإعلام)

لقد أفاضت نقطة البرنامج التلفزيوني على القناة الثانية الموجه إلى الطفولة المغربية، والذي لم يكلف منتجوه أنفسهم عناء اختيار اسم عربي له، وإنما اكتفوا بالاسم الفرنسي – لحكمة في قلوبهم – كما لو أنه سيوجه لأطفال ليس لديهم هوية متوارثة وأصيلة؛ فشارة البداية (أو جنيريك البداية) غيبت فيها لغة الطفل الأولى ولغة البلاد الرسمية، وقد تفتقت أذهانهم عن فكرة – بحد ذاتها “انجاز غير مسبوق” – تمثلت في إعطاء الكلمة الافتتاحية للمندوب الفرنسي ليتحدث إلى المغاربة بلغته الأجنبية، قبل ظهور مقدم البرنامج المغربي، هذا البرنامج أفاض ما في الكأس من غضب متراكم، على هذه القناة، أو بتعبير أدق على الإدارة التي يتوارث أفراها السيطرة على القناة منذ تأميمها، أي مذ فرض على المغاربة دفع تكاليف إنقاذها من الإفلاس، أشخاص من نفس الخلفية الأيديولوجية المتنمرة والمعادية لكل ما يرتبط بقيمنا وثقافتنا، وعلى رأسها لغتنا العربية الفصحى التي يُتعامل معها في هذه القناة كلغة أجنبية، فبداية من موظفة الاتصال في القناة التي تستقبل مكالمتك بلغة فرنسا..

البرنامج أثار غضب ملايين المغاربة، لأنه تجاوز جميع الحدود الأخلاقية بل والإنسانية، وسمح لشخص لا يتوفر أي تدريب أو مؤهلات خاصة تؤهله للتعامل مع أطفال لهم خصوصيتهم وحساسيتهم، لتأخذ أسئلة مقدم البرنامج مسارا مثيرا، عندما سمح لنفسه تمرير نزوات ورغبات دفينة وتصريفها، كما لو أنها قيمة مضافة لطفل هو في الأصل في حاجة إلى إثارة ملكات المعرفة لديه لا إثارة النزوات البريئة فيه.

عبر الملايين من المغاربة عن غضبهم من هذا التعدي السافر على أطفال المغرب وانتهاك حقوقهم التي يصونها الدستور. فيكفي إعادة سرد تلك العبارات والجمل الساقطة التي تفوه بها المعني تجاه هؤلاء الأطفال ليصاب الشخص بالصدمة تجاه هذا الوضع الخطير الذي وصلته هذه القناة التي تصر على أنها مؤسسة فرنكفونية ضدا على منشورات رئيس الحكومة ووزير إصلاح الإدارة، وضدا على الدستور وأحكام القضاء التي أجتمعت على أنه لا مشروعية للغة الفرنسية في الادارات المغربية، واعتبرها مجرد لغة أجنبية، لا أكثر ولا أقل، وبالتالي فإن تعنت القناة الثانية وإصرارها على الدفاع عن فرنكفونيتها عزز التباعد بينها وبين المغاربة، وهذا الوضع الغير مقبول دستوريا، يسائل أولا الفاعل الحكومي حول النص الدستوري الذي استندت إليه إدارة هذه القناة لتجعل قضيتها الأولى في الترويج للفرنكفونية لغة وثقافة ومصالحا، ضدا على دستور البلاد.. فكما هو معروف، فإن مؤسسات الدولة المغربية غير ملزمة، بل غير معنية، بالدفاع عن الفرنكفونية وقيمها المتدنية، طالما أن دستور المملكة الذي كتبه المغاربة لم يذكر مكونا أو رافدا أو ثقافة إسمها الفرنكفونية.

تعمد معدي البرنامج تمرير محتوى لا أخلاقي يهدف إلى إفساد فلذات أكباد المغاربة، وحشو عقولهم البريئة بمحتوى إيحائي لا أخلاقي وثقافة المستنقعات والانحطاط والسوقية، عندما اختار أسئلة لا تخلو من إيحاء غرائزي، لا تتناسب مع طبيعة أطفال يقل سنهم عن ست سنوات، ولا تقدر حرمتهم وبراءتهم والبيئة الثقافية والاجتماعية للمجتمع المغربي وأخلاقه التي يحميها الدستور، وكمثال على المحتوى السوقي والغرائزي، تعمد مقدم البرنامج طرح سؤال على طفل صغير من قبيل العلاقات الغرامية مع زميلات الدراسة، كما أن سؤال الطفل عن موضوع غاية في الخصوصية والحميمية من قبيل إن كانت والدته تُشخِّر أثناء النوم، هو انتهاك للحياة الأسرية الشخصية والحميمية وتحرش غير مباشر بالمرأة، ومثل هذه الأمور يعتبرها الوسط الاجتماعي المغربي (قلة حياء)، في المقابل أن سؤال سخيف وتافه كهذا يجعل اي شخص يتساءل عن القيمة المضافة التي سيستفيد منها طفل في مرحلة عمرية تحتاج إلى إشباع فضوله بالمواضيع المفيدة والمعرفية والجمالية.

إن فضيحة البرنامج الفرنسي الذي مررته القناة إلى جمهور مغربي، له ثقافته وهويته المتوارثة عبر قرون، دون أن تكلف نفسها عناء تكييفه شكلا ومضمونا ولغة مع ثقافة هذا الشعب، تلزم الفاعل الحكومي، اعتبارا للمسؤولية التي حمله إياها الدستور وكلفه بتفعيلها، بالتحرك لإنصاف ملايين من المغاربة الذين ما لبثوا يعبرون عن سخطهم من استفزازات محطة تلفزيونية، وفق دفتر تحملاتها تعد خدمة عمومية تابعة للقطاع العام، مهما كانت استقلالياتها، لأن استقلاليتها هذه لن تصل بأي حال من الأحوال إلى حدود الانفصال عن المراقبة الحكومية، وعن قرارات الإصلاح التي يفترض في حكومة منتخبة، يمتعها الدستور بصلاحيات واسعة، أن تبادر إلى إصلاحها وتأهيلها.

وبناء على ما سبق ذكره، ندعو معالي رئيس الحكومة باعتباره المسؤول الأول عن السلطة التنفيذية التي حملها الدستور مهمة تنفيذ القوانين والتشريعات بما فيها الفصول الدستورية، ومتعها بحق تنفيذ التزاماتها مع المواطن، ندعوه إلى وضع حد لعدوانية إدارة هذه القناة تجاه كل ما يمت بصلة لثقافة هذا الشعب، قيما واخلاقها ولغة، ووقف انصياعها، غير القانوني/ غير الدستوري، وراء الترويج للنموذج الفرنكفوني المفلس وتنصيب نفسها مدافعا عن لغة ليس لها أي حضور حقيقي في الأوساط المغربية، وسبق أن حسم القضاء المغربي كل جدل حولها إذ اعتبرها بنص صريح “لغة غير قانونية، وانتهاكا للسيادة الوطنية”.

لن نبالغ إذا قلنا إنها القناة الحكومية الوحيدة في العالم التي تدافع عن لغة وثقافة أجنبية على حساب ما هو وطني، و الوحيدة على مستوى العالم التي تصر على خلق جميع أسباب العداء تجاه منقذيها من الإفلاس الذين أجبروا على دفع رسوم على فواتير الكهرباء والماء لتسديد خسائرها المالية، رغم أن غالبية المغاربة تفضل عدم مشاهدتها، والوحيدة على صعيد العالم التي تصر على استفزاز مشاهديها وإلحاق الضرر المعنوي والنفسي بهم وضرب قيمهم الأخلاقية.

بات من المؤكد أن التركيبة الإدارية للقناة لن تقدم أكثر مما قدمته من فشل وافلاس على جميع الأصعدة، وأن انتظار الإصلاح في ظل هذه التركيبة المفلسة ثقافيا والفاشلة بكل المقاييس المتعارف عليها في مجال الإعلام المرئي، كمن ينتظر تحقق معجزة. لقد ضجر المغاربة من تكرار نفس الاسطوانة التي ترافق كل مبادرة للوزارة الوصية لإحداث نقلة في المسار المتردي لهذه القناة، كما ضجر عموم المغاربة من تكرار نفس الانتقادات ونفس الغضب في كل موسم تلفزيوني رمضاني، والتعبير عن السخط على ما تقدمه هذه القناة من تفاهات لملايين المغاربة، في كل رمضان. إن كل أمل، في إصلاح هذه الخدمة العمومية، بات من المؤكد انه مستحيل التحقق في ظل عقلية مستلبة تقدس كل ما هو فرنسي وتحتقر كل ما له صلة بالثقافة الوطنية والقيم الأصيلة والهوية الوطنية التي سعا الدستور إلى تحديد ملامحها، وبالتالي جعلها حقا مكفولا للمواطن وللوطن، ولهذا البلد الذي تزيد عراقة تاريخه عن ثلاثة آلاف عام.

رغم السخط والغضب الذي عبر عنه المغاربة جراء الاستفزاز الذي مثلته فضيحة البرنامج الفرنسي التافه، الذي ارتأت القناة شراء حقوقه من الخارج في عز أزمتها – مع تحميل الصائر للمغاربة – وفي وقت تشارك فيه الفعاليات الوطنية في صياغة نموذج مغربي/ مغربي تنموي خاص، وفي وقت خرج فيه إلى الوجود المجلس الوطني للثقافة المغربية، ورغم موجة الغضب المتواصلة، غير أن الحكومة، بما فيها الوزارة الوصية، اختارت إلتزام الصمت، وفضلت أن لا تحرك ساكنا، مفضلة بذلك التنصل من مسؤوليتها والتزاماتها الدستورية، ولهذا رأينا أن نوجه هذه الرسالة المفتوحة باسم مجلس إدارة المنظمة العربية للتعريب والتواصل، إلى مسؤولي الحكومة، بما متعنا به الدستور كمجتمع مدني من حقوق في المشاركة في الشأن العام، لنطالب هؤلاء بالتحرك لوقف هذا العبث الذي تصرفه هذه القناة العدوانية بلا هدف واضح، اللهم الرغبة في استفزاز شعور المغاربة والانتصار على قيمهم الأصيلة، الإسلامية والعربية، وفرض نموذج لا هو غربي ولا هو شرقي، نموذج عدمي بلا هوية وبلا ملامح، نموذج فرنكفوني غير قانوني وغير دستوري، وبهذا نطالب السيد رئيس الحكومة بتحمل مسؤوليته واتخاذ قرار فعلي لإصلاح هذه القناة أو اللجوء إلى القرار الصعب والمؤلم والمتمثل في إغلاقها احتراما لحقوق المواطنة التي تضمن لعموم المغاربة الحق في الأمن المعنوي، والسلم الاجتماعي وصونه مما يمكن أن يكدره، وحماية الشعور العام للمغاربة.

إننا عندما نوجه هذه الرسالة إلى رئاسة الحكومة، فإننا بذلك نتجاوز ونستثني وزارة الشباب والرياضة والثقافة، المسؤولة عن قطاع الإعلام، وذلك بعدما تيقنا من عدم جدوى تضييع الجهد في التواصل مع وزارة لم نجد فيها مخاطبا أو مستمعا، عكس جميع تلك الشعارات المضللة والكاذبة التي تروج لها هذه الوزارة، التي أريد لها، أيضا، أن تحمل مشعلا بعيدا كل البعد عنها وهو مشعل “الثقافة” أي القطاع الذي ألحق بها والذي يفترض أن تُصَرِّفه هذه الوزارة في دفاتر تحملات التلفزيون العمومي.

فقد سبق أن قدمنا إلى هذه الوزارة مذكرة مقترحات من شأنها أن تساهم برفع جودة هذه القناة، وتأكدنا من مسؤولي الوزارة توصلهم بها، غير أنهم في مرة لاحقة ادعوا عدم علمهم بها، كما سبق أن تقدمنا بملاحظات إلى هذه الوزارة، وجاءت اجوبتها لتحيلنا إلى الهيئة العليا للسمعي المرئي مدعية عدم مسؤوليتها على القناة، وكل ذلك مثبت لدينا في أجوبة رسمية.

بعد فضيحة البرنامج الفرنسي سالف الذكر، لم يعد لصمت الحكومة على هذا الوضع أي مبرر، بل صار هذا الصمت بحد ذاته يشكل استفزازا للمواطن، وقد صارت السلطة التنفيذية والتنظيمية ملزمة أكثر من أي وقت مضى، بتخطيط برنامج إصلاحي ينتشل هذه المؤسسة العمومية، التي يصرف عليها عموم المغاربة، الذين يوصفون بدافعي الضرائب ودافعي نفقات الإعلانات والاشهارات التي يشترون موادها ومنتجاتها، ينتشلها من مستنقع الرداءة والتخلف والانحطاط والميوعة والسوقية، وتحويلها إلى قناة حقيقية تشرف المواطن المغربي، وتغيير النظرة الدونية التي ما لبثت تتعزز في نفوس المغاربة تجاه ما تقدمه من مضامين ومحتوى، لن نبالغ إذا ما قارناه بما ينشر من فيديوهات تافهة على قنوات ينشئها هواة على المواقع الخاصة بالفيديوهات، إلى درجة بات يضرب بها المثل في الرداءة والانحطاط، فقد صار المغربي يخجل أن يصرح بمشاهدته برامج هذه القناة، وأصبح مجرد إزالتها من قوائم تشغيل القنوات على أجهزة التلفزيون، بحد ذاته أمر يفتخر به الكثير من المغاربة، ويعبرون عن ذلك في تعليقاتهم بمواقع التواصل الاجتماعي.

إن أي إصلاح لوضعية هذه القناة لا يمكن أن يكتب له النجاح إلا في حالة واحدة وهي تغيير التركيبة التي تحكم إدارة هذه القناة بذهنية عتيقة مازالت حبيسة فترة أيديولوجية من زمن الجمر والصدام السياسي التي طواها المغرب رسميا، عقلية لا تعترف بشيء إسمه التطور الطبيعي للمجتمعات، وبأن الواقع المجتمعي الذي كان يتقبل التبعية والاستيلاب نحو جغرافيا ثقافية بعينها في فترات من الماضي، ليس هو ذاته الواقع الحالي المرتبط بعصر الانفتاح وتكنولوجيا التواصل الحديثة مع العالم، وهي تركيبة إدارية مفلسة تعاقبت على إدارة القناة منذ ابتاعتها الدولة، وقد برهنت على أنها غير صالحة لتحمل مسؤولية تدبير هذه المؤسسة المملوكة لعموم المغاربة، بذهنيتها العدوانية والعدائية تجاه المقوم الوطني ثقافة ولغة وهوية. وأن نجاح أي نموذج إصلاحي يتطلب:

أولا فتح الباب للكفاءات الحقيقية المثقفة والواعية والناضجة ممن قدموا إضافات ذات قيمة للثقافة والفكر والإعلام.

ثانيا إن إصلاح هذه القناة يتطلب، في الأساس، صياغة دفتر تحملات يقطع مع مرحلة ما قبل الدستور الحالي، ويتوافق مع المستجدات الدستورية، تكون فيه الهوية الوطنية، والثقافة واللغة الوطنيتين بحمولتهما القيمية والأخلاقية والاجتماعية، محور أي سياسة تحريرية تتبناها إدارة الإنتاج في القناة.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M