مصابيح الصيام: (ح2)

18 مايو 2019 18:38
إثارة الأشواق في حبّ خير البشر

هوية بريس – رشيد الذاكر

يعيش الإنسان حالة من الإضطراب وعدم التوازن والقلق والحيرة في وضع الأمور في نصابها، فتجده بين الفينة والأخرى: يقدم أمورا ويؤخر أخرى، ثم يكتشف خطأ في التقديم أو التأخير، فيقدم ما ينبغي أن يؤخر، ويؤخر ما ينبغي أن يقدم، هذا والاختيار بين اثنين فقط، فكيف الحال إذا كثرت المسائل والتوت المسالك؟
إن فقه مراتب الأمور من أولويات الوجود الإنساني الصحيح المنطلق من العقل السليم والعمل الصالح، وإن من مقتضيات العقل والعمل: ترتيب الأولويات ومعرفة مراتبها، ولذلك قرر علماء الإسلام في تفاعلهم السلوكي والوجداني مع القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة: الاستنباط من نصوص الوحيين: أن الأحكام التي كلف الإنسان بإجادها: خمسة أحكام تكليفية: إما أمرا يحققه الإنسان في الوجود على جهة الإلزام والحتم، وإما على غير جهة الإلزام، وإما نهيا عن فعل شيء على جهة الإلزام والحتم، وإما نهيا لكن على غير جهة الإلزام، وإما أمرا: له الحق في إيجادة أو عدم إيجاده، فكانت الأحكام إذن: واجب: ويقابله الحرام، ومندوب: ويقابله المكروه، ومباح، وفي ضمن هذه الخماسية يأتي حكم الصيام من أجل إضاءة مصباح جديد في حياة المؤمن، وذلك أن فرضية الصيام لشهر رمضان تكتنفها أمور:
أولا: أنها فرضية من قبل الله تعالى، وهذا وحده دافع قوي ومحرك لمشاعر الإيمان الكامنة في قلوب أهل الإسلام نحو القيام بهذا الواجب: لأن الآمر فيه: هو رب العزة سبحانه وتعالى، فالصوم فريضة ربانية، وعندما يصوم المؤمن إنما يصوم من مبدأ تلقي الأمر الإلهي، ونظرا لكوننا نستشعر حبه والرغبة في القرب إليه والأنس به فقط وضع لنا جلا وعلا طريقا لذلك والتي منها الصيام.
ثانيا: طريقة التعبير عن هذه الفرضية {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ } [البقرة: 183] فهذا الفرض مكتوب موثق: وهذا يزيد المسلم إلى جانب قيمة الوفاء المطبوعة في نفسيته الإيمانية، أن يعطي الإلزام الموثق – المكتوب – مزيدا من الاهتمام، ونحن في الصيام: عندما نمتثله في شهر رمضان إنما نعمل على تنفيد إلتزام موثق بيننا وبين رب العزة سبحانه وتعالى.
ثالثا: التعبير بـ : (عَلَيْكُمُ) المفيدة إلى جانب الإشعار بالحتم والفرضية: العلو والاستعلاء والذي يُراد به ترقي هذا الإنسان وعلوه بهذه العبادة المفردة من عالم الأرض إلى عالم السماء، من عالم الحياة البهيمية إلى عالم الحياة الملائكية، إلى التميزعن حالة المشاركة: مع من بَعُدَ عن التكاليف الألهية، فعاش حياة أقرب إلى البهيمية والنباتية منها: إلى الإنسان العاقل، ونحن عندما نصوم لله تعالى فإننا نترفع عن هذا الوضع الأرضي، فهذا التلقي يستدعي الترقي من وضع أسفل إلى وضع أعلى.
هذه المنطلقات الثلاث في فرضية الصيام سوف تخلق لك أيها القارئ الكريم: أربعة شموس كبرى تضيء دربك وأنت تسير إلى الله رب العالمين، وتعطي لحياتك الإيمانية والتعبدية بعد جديدا يغير كل ما كنت تفقده من لذه العبادة وحلاوة الصيام…
– أولا: إخراج العمل من العادة إلى العبادة: وذلك أن العديد منا إنما يصوم إلفا ومجارة للناس، فلا يجد طعما ولا لذة لتلك العبادة، وإنما حركات آليه لا أثر لها.
– ثانيا: عدم الاهتمام بالنوافل على حساب الفرائض: وهذا مانشهده اليوم في تصرفات الصائمين: إذا تجدهم أحرص ما يكونون على نوافل شهر رمضان مثل صلاة التراويح، في الوقت الذي ضاعت منهم الفرائض الخمس من الصلوات.
– ثالثا: إذا تعرض واجب ومستحب قدم الواجب على المستحب، وكذا يقال في الضروري والحاجي والتحسيني: لأن القيم والأحكام والتكاليف متفاوتة في نظر الشرع، وليست على رتبة واحدة، فمنها الكبير ومنها الصغير، ومنها الأركان ومنها المكملات، فلا ينبغي أبدا إعطاء المكمل حق الركن. (ولمزيد من التوسع في هذا الباب: عليك بكتاب: في فقه الأولويات: الدكتور يوسف القرضاوي، أو فققه الأولويات: لمحمد الوكلي)
– رابعا: التركيز على أعمال القلوب وتقديمها على الجوراح: لأن أجر العمل تابع لنية صاحبه: وسوف يكون هذا مفتاح المصباح الثالث من هذه السلسة ألتي أرجو من الله أن تنير طريقكم المبارك.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M