من أجل “إلدورادو” مدينة طنجة.. (تعليقا على توقيف مؤسسة الفطرة)

20 أكتوبر 2016 08:36
المحكمة الإدارية تلغي قرار إغلاق المؤسسة النموذجية «الفطرة 2» بطنجة

هوية بريس – زينب أحمد

حين كان فولطير يُجهد عقله سابحا به عبر نسيج المآسي والأحزان، والتي يُنْتِجُها خياله ليجعل بطل قصته “Candide” يَتمرَّغ فيها ويُعاني ألوان العذاب وهو يُجاهد للحفاظ على نظرية مُعَلِّمِهِ الفيلسوف المتفائل “Pangloss” في أن: “كل شيء يؤول إلى الأفضل”.. حتى إذا ذاق “Candide” هذا الأفضل في مدينة الأحلام “إلدورادو” وجد أن نظرية معلّمه تفقد بريقها..
في خلال هذه القصة، وفي الوقت الذي كان فيه فولطير ينقل هذه المآسي من الواقع.. ما أظنه خطر بباله أن توجد بقعة على أرض الواقع، يظن فيها أهلها أنهم يعيشون عبر أحلامهم!!
في مكان آخر وفي زمان آخر، بينما كان أفلاطون يحاور شخوصا عبر قصته ويُنَظِّر لجمهوريته الفاضلة، كان يوقن تماما أن تنظيره مجرّد حبر على ورق، تستهلكه العقول في سويعات حاجتها إلى الهروب من ظلام الواقع الحالك إلى تصوُّر عقلاني لمدينة الأحلام.
لكن.. صدقا.. هل “إلدورادو” حبيسة خيال فولطير؟
هل المدينة الفاضلةِ نِتاجُ حوارِ رجلٍ هاربٍ من وطأةِ الواقعِ، إلى مُحاورة شخوصٍ من خياله عن تنظيره لأحلامه؟

سَجِّلوا هذه الشهادة عن الأطر الإدارية والتربوية لمؤسسة الفطرة، نقولها من غير مبالغة ولا فخر.. موقنين أنّها شهادة نُحاسب عليها يوم لقاء الله تعالى.. لقد لامسنا أحلاماً ورديّةً كثيرةً خلال يومياتنا في مدرسة الفطرة.

وقد تسألون .. ما الذي يوجد في هذه الصورة المصغّرة عن الجمهورية الفاضلة؟
√ توجد فرنسيةٌ أسلمتْ في بلدها، ثم ضاقت ذرعا بتجبّر السلطة وحجرها على حريتها التي أوهمتها طويلا أنها ملك خاص، لكنّها تدوس على كل شعاراتها البرّاقة حين يُقرِّر أحد أفرادها ممارسة جزء بسيط من حريته!!
√ توجد طفلةٌ صغيرةٌ والداها فرنسيان أسلما وحملاها إلى المدرسة، لتجد نفسها سعيدة غاية السعادة وهي تُردِّد كل صباح النشيد الوطني المغربي، فتستشعر لُُحْمَتَها بزميلتها المغربية وهما يصرخان بأعلى صوتيهما: “بشعار.. الله.. الوطن.. الملك”..
√ توجد أستاذة مغربية تُدََرِّس العربية وتتحدث بها طول الوقت، فيظنها تلاميذها لا تعرف الدارجة!!
√ توجد مرافِقة للتلاميذ، تحدِّثُُهم باللغة العربية وتراقبهم في خلال دخولهم المرحاض وبعد الخروج منه.. تحثهم على العناية بنظافتهم حتى تصبح فطرية فيهم..

√ في مدرسة الفطرة، تقول لفرنسية مازحة:أنت لطيفة على عكس الفرنسيين!!
– فتجيبك:يبدو أن هناك مشكلا بين الفرنسيين والمغاربة؟

– ثم ترد عليها: هل تريدين أن ننسى أنكم قتلتم أجدادنا في فترة الاستعمار؟
– فتردّ عليك آسفة:صدقيني، حين يُذكَر هذا أكره أنني فرنسية.
√ في هذه المدرسة، تضمك أستاذة فارقتها البارحة مساء، وكأنّها حبيب احتدم في قلبه شوق الغائب المطيل في الغياب..
√ فيها إفريقيّة ، تبحث عنك بين رؤوس التلاميذ لتُسلِّم عليك بحرارة في كل وقت..
√ تملأ غرف المدرسة أصوات أطفال تتعثر في اكتساب اللغة و والتعبير عن المشاعر الجميلة بلغة الكتب لا “الشوارع”، وهم يقولون في كل لحظة الفطرة بيتي الثاني..
√ خارج المدرسة، تسمع صوتا بعيدا يُنادي: “معلِِّمتي..معلِِّمتي”..و حين تلتفت تجد طفلا انفلت من يد أمّه جاريا إليك ككنزه المفقود ليتعلّق بك وتضمّك ذراعاه الصغيرتان وهو يقول:”آه..يامعلِِّمتي لقد وجدتك”
√ في هذه المدرسة جيل من أطفال ساعدهم التحدّث باللغة العربية على تهذيب أخلاقهم وأذواقهم وسلوكهم، فلم يجد أساتذتهم أيّة صعوبة في صقل هذه التربية السليمة فيهم.
√ في مدرسة الفطرة، صور جميلة من الحب في الله.
√ ولولا ضيق المقال لملأت حكاياتنا في مدرسة الفطرة كتابا ضخما عن ملامح الفضيلة..
لكن الفارق الذي حدث، هو أنّ فولطير استطاع أن يحمي “إلدورادو” الخيالية بافتراض أنها واقعة بعيدة عن الشرور البشرية ومحروسة بجبال شاهقة… لكنّنا لم نستطع أن نحرص مدرستنا الواقعية من قُدرة مُمَثِّلي السلطة على خرق القانون واختراع اتهامات باطلة، ثم خرق القانون مجدّدا والأمر بإغلاق المدرسة دون إشعار أو إنذار.
للأسف في الوقت الذي كنّا نُلقِّن هؤلاء الأطفال ضرورة احترام القوانين، وجدنا الأكاديمية الجهوية ،كجهة رسمية مُمَثِّلة للقانون، تخرق هذا القانون لتحرم أطفالا من حقهم في اختيار المدرسة التي يُريدون.. لينهار هؤلاء الأبرياء بالبكاء والشهيق وفيهم من يقول لا أريد العودة إلى فرنسا والبقية تقول لا نريد ترك مدرسة الفطرة.. . هذا قبل أن يكبروا ويفهموا أن مُمثِّلي القانون لا يجدون غضاضة في خرقه متى شاءوا وكيف شاءوا.. ليجعلوا من قداسته مجرّد شعار لا يصدِّقه أحد.
بل وصل الأمر بالأكاديمية الجهوية إلى الارتجال في الإعلان عن القرار واستعمال وسائل المكر والاتصال بأولياء الأمور لحثّهم على سحب ملفات أبنائهم.. لكن شاء الله أن يكون هؤلاء الآباء والأولياء مفخرة للمغرب والحمد لله.. حيث ألغى غالبيّتهم مصالحه وانشغالاته ورابطوا في المدرسة إلى ساعات متأخرة من الليل وهم يفكّرون فيما تقتضيه مصلحة أبنائهم.. فرفضوا تزويد لجنة الأكاديمية بملفات أبنائهم، هتفوا بهم أنّنا سندافع على بقاء أبنائنا في الفطرة حتى لو كان على حساب سنة بيضاء، توزّعوا على لجان انتشرت لتوزيع ملتمسات واستنكارات كتابية في أكاديمية تطوان وفي الرباط…
إنّ مواقف آباء وأولياء التلاميذ كانت صورة حيّة لما ظننّا طويلا أنّه لا يوجد إلا في الكتب والملاحم.. لكن شاء الله أن تكون تلك البذرة المغربية المُسطَّرة في خصال أجدادنا الدّاحضين للاستعمار، ما تزال حيّة شاهدة على أنّ لا خطر على هذا الوطن ما دام أولئك الذين نربِّيهم أبناء هؤلاء الآباء والأمهات والأولياء..
لذلك، وأمام هذه المحنة، أصبح واجبا على كل المغاربة مساندة إخوانهم والوقوف معهم جنبا إلى جنب لأنّ قضيتهم بالإضافة إلى أنّها جد قانونية، هي قضية هوية حقيقية ودرس في الانتصار للحق الذي نؤمن بأنّه يؤخذ ولا يُعطى..
فلتدعموا قضية إخوانكم ولتعطوا درسا للجيل القادم في أن لا ينتفض فقط لقضايا الاقتصاد وارتفاع الأسعار.. بل يجب أن تكون قضايا التربية والتعليم أولى اهتماماته..
وجزاكم الله خيرا

آخر اﻷخبار
6 تعليقات
  1. السلام عليكم يعجز اللسان عن قول كلمة لكن لن يعجز عن قول لا حول و لا قوة إلا بالله، حسبنا الله و نعم الوكيل، نسأل الله العظيم أن يفرج عنهم و ييسر في إعادة فتح المدرسة

  2. حب الوطن من الايمان
    نزرع حب الوطن في ابنائنا فليعينونا على ذلك بتوفير جو مدرسي مريح واحترام للقيم

  3. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    مادام هناك نية صادقة و إصرار و عزيمة فلا تيؤسوا.
    فالله وليكم و حسيبكم.

  4. صدقت في كل عبارة، وفي كل كلمة. ننتني إلى الفطرة وعيننا عن كثب لما يجري ويجول، بالفعل هي مؤسسة نموذجية اسمى معاني الاخلاق تبثها في نفوس الاطفال. نتمى لها السيرورة.

  5. صدقت وأحسنت القول في مقالك. مأساة يعجز اللسان والقلم وصفها، أسأل، بالله عليكم ما هي الأسباب الحقيقية والجهات الخفية وراء هذا القرار ؟ هل من الإنصاف أن تأمر نيابة التعليم بغلق هذه المؤسسة التي يشهد كل أباء تلاميذها بإخلاص الإداريين والأساتذة في مهامهم ؟ هل يشعر المسؤولون هن هذا القرار بالانعكاسات السلبية على كل الأطراف المتضررة ؟ ما ذنب هؤلاء الأطفال الأبرياء الذين وجدوا بيتا ثانيا في هذا الفضاء السعيد ؟ هل بإمكانكم تحمل الأضرار النفسية التي نتجت بفعل الصدمة التي كنتم طرفا مسؤولا عنها ؟ ستلامون وستحاسبون عن مشاركتكم في القرار الظالم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

  6. Je tiens tout d’abord à féliciter Ahmed Zineb pour la qualité de son article, je dois avouer qu’il n’y a rien à rajouter si ce n’est vous remercier pour l’émotion que vous décrivez au sein de l’école AlFitra. Effectivement, les enfants vivent en osmose dans l’environnement AlFitra dans lequel le corps enseignants est un véritable transmetteur de savoir et d’amour. La pédagogie novatrice et la didactique sont les véritables atouts de cette école qui sont véhiculés par des hommes et femmes dont les principales préoccupations sont la réussite des enfants et et la transmission des valeurs nobles du royaume.

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M