من أسرار تعظيم عشر ذي الحجة تعظيم وحي الله وشرعه

11 أغسطس 2018 16:59
السعودية تطلق خدمات رقمية لإرشاد الحجاج في المشاعر المقدسة

د.محمد بولوز – هوية بريس

عظمت العشر الأواخر من رمضان لاشتمالها على ليلة القدر، وعظمت عشر ذي الحجة لاشتمالها على يوم عرفة فضلا عن يوم النحر ويوم القرّ، أي اليوم الثاني من أيام التشريق حيث يستقر الحجاج بمنى.

وعظمت ليلة القدر بنزول القران فيها إلى سماء الدنيا بالإضافة لتقدير أمور السنة كلها وغيرها مما شرفها الله به، قال تعالى في سورة الدخان “إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ(3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ(4) أَمْرًا مِّنْ عِندِنَاۚ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ(5) رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(6)”.

ومما عظم به يوم عرفة تاج عشر ذي الحجة، أن كان وعاء زمنيا لختم شريعة الإسلام وأحكام الوحي المنزل من رب العالمين للناس، حيث نزل فيه قوله تعالى من سورة المائدة: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا..).

وهي لحظة عظيمة وان أبكت من أبكت من المومنين بقرب انقطاع وحي السماء، إلا أنها إيذان برشد الإنسان باتساع إعمال عقله فيما لم يشرعه الرحمن، وإيذان باكتمال اقتدار الإنسان على حسن التنزيل بعد حسن الاستماع كما قال تعالى في سورة الزمر: “الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ(18)” وأحسنه العمل به وحسن تنزيله على الوقائع والمستجدات والإحسان في تطبيقه على أحسن وجوهه واستحضاره مقاصده ومراعاة مآلاته.

وحق ليوم نزول الآية الموذنة بكمال الشريعة وتمام النعمة وتحقق رضى الله الإسلام لنا، أن يتخذ عيدا لولا أنه سبق في حكم الله تشريع عيدين للأمة في كل العام.

روى البخاري في صحيحه أن رجلا من اليهود جاء إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال: يا أمير المؤمنين، إنكم تقرءون آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، فقال: أي آية هي؟ قال: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) فقال عمر: والله، إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والساعة التي نزلت فيها على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشية يوم عرفة، في يوم جمعة”.

نجمع بين الحدثين العظيمين في اليومين العظيمين ليلة القدر ويوم عرفة حيث تعظم الأجور ويكثر الثواب من رب العباد للعباد، فعبادة ليلة القدر خير من ألف شهر، ويوم عرفة بعشرة آلاف يوم وصومه يكفر سنتين، ولعل من أسرار ذلك ومن أسبابه التنبيه إلى الحدثين العظيمين اللذين وقع فيهما إنزال القران وختم الأحكام، لتعظيم شعائر الله وشرائعه، وتؤدى حقوق القرآن كاملة غير منقوصة من الإيمان به وتلاوته وتدبره والعمل به وحفظه والدعوة إليه وعدم هجرانه في كل ذلك حتى لا يدخل العبد في قوله تعالى في سورة الفرقان:”وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30)”.

فمن الاحتفال الحق بليلة القدر الاحتفال بالقران اعتقادا وعملا، تلاوة وتشريعا، عبادة وأحكاما، استقامة ومنهج حياة، فلا يرى عنه المسلمون بديلا من كل تشريعات الأرض قديمها وحديثها.

ويرون في ختم الاحكام وكمال الشريعة وإتمام النعمة ورضى الله الإسلام لنا دينا ما يغنيهم عن انتظار رسالة جديدة ونبوة أخرى ودينا بديلا، أو استجداء لتوجيهات وتشريعات وأحكاما من غيرهم إلا ما كان استفادة في إطار أصول الشريعة ومقاصدها.

استثمار الليالي العشر من رمضان وليلة القدر واستثمار عشر ذي الحجة ويوم عرفة في الشعائر والتعبد وفعل الخير لابد أن يثمر مزيدا من تعظيم شرع الله وأحكامه في مختلف مجالات الحياة الأسرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والقضائية والدستورية وغيرها، فالتعبد وإن كان مقصودا لذاته في ذات الله وإخلاصا له وإليه، فهو مقصود في ثماره من حسن الخلق والاستسلام لشرعه وأحكامه، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والبعثة كلها لتتميم مكارم الأخلاق، وتعظيم هذه الأيام لتعظيم شريعة الإسلام تنزيلا وختما.

وإن وجب بعد ذلك تضحية بنزوات وبعض الشهوات وما يتوهم من مصالح فقد ختمت عشر ذي الحجة بأضحية العيد التي ترمز إلى نموذجي التضحية في العالمين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، حيث هم الوالد بذبح الولد واستسلم الابن لحكم الله قائلا: “يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ(102)” الصافات.

فنحن نصوم العشر ونتصدق ونتطوع بنوافل الصلاة وعموم الخير لا نغفل عن إقامة الدين وشرعه وتعظيم أحكام الله، فهي عين الحياة الطيبة وسعادة الدنيا والطريق المضمون لسعادة الآخرة.

آخر اﻷخبار
1 comments

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M