من تساؤلات القارئ المتدبر لسورة الفاتحة (10)

20 مايو 2019 16:58
من تساؤلات القارئ المتدبر لسورة الفاتحة (15)

هوية بريس – سفيان أبو زيد

إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)

لماذا قدم المفعول على فعله وفاعله لأن إياك مفعول به ؟

ونجيب الآن على هذه التساؤلات المهمة:

في إعراب {إياك}

قال العلماء : إياك في الموضعين مفعول بالفعل الذي بعده، وإنما قدم للاهتمام، لأن شأن العرب تقديم الأهم.

ويذكر أن أعرابياً سبّ آخر فأعرضَ المسبوبُ عنهُ ، فقال له السابُّ : « إياك أعني » فقال الآخر : « وعنكَ أُعرِضُ » فقدَّما الأهم .

وليفيد الحصر فإن تقديم المعمولات يقتضي الحصر كما تقرر في علم المعاني، فاقتضى قول العبد إياك نعبد أن يعبد الله وحده لا شريك له، وأعلى درجات الحصر عند العرب هي التقديم والتأخير.

هذا تصريح خطير، كما سيأتي معنا، لأنه إخبار عن قرارات ومكنونات الدواخل، فما صرحت به كان مكنونا، وكان مقتنعا به، ثابتا. ومقتضى هذا التصريح، (إياك نعبد) فهل يا ترى أن عملي في مستوى هذا التصريح؟ هل مقاصدي في درجة هذا الحصر؟

لذلك أمرنا الله عزوجل أن نكرر هذه الآية حتى تجدد ونستذكر مقتضى هذا التصريح.

والعبادة هنا بمعنى الخضوع لا مجرد الطاعة، لأن النصارى عبدت عيسى عليه السلام ولم تطعه، والنبي صلى الله عليه وسلم مطاع وليس معبودا، وسيأتي معنا زيادة بيان لمعنى العبادة، فما من شيء جاءك عن الله تعالى من حكم أو خبر أو قصة أو مثل أو قدر، فلا بد أن تسلم له وأن تقول {سمعنا وأطعنا}

إذن فتقديم إياك كان لإفادة الحصر والاهتمام بالمبدوء به.

فـ{إياك نعبد} أي لا نعبد إلا أنت.

و {إياك نستعين} أي لا نستعين إلا بك.

وهنا لابد للمسلم أن يقف مع نفسه وقفة .. هذا حصر وهو إقرار واعتراف، مكرر في كل ركعة مأمور به .

فهل يا ترى أن عملي وحركاتي وسكناتي متوافقة مع هذا الحصر؟

فإذا كان قريبا منه فليحمد المؤمن ربه وليزد وليستزد، وإن كان غير ذلك فلابد من إعادة النظر في الأمر، حتى يرتفع الحصر العملي إلى مقام هذا الحصر العلمي والقولي.

قال الإمام ابن جزي: واقتضى قوله: «وإياك نستعين» اعترافا بالعجز والفقر وأنا لا نستعين إلا بالله وحده.اهـ

وهذا متمم لمعنى الإيمان بالملك الرباني{ ملك يوم الدين}.

فإذا كان الله عزوجل متصفا بالربوبية المطلقة التي أحد أركانها الملك المطلق، فإنه يقتضي الاستعانة به في كل لحظة وحين، يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث، أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

وقد سمعت بعض أهل العلم من أهل التربية وسلوك يقول: اللهم إني أبرؤ إليك من أوهام حولي وقوتي.. لأن الإنسان في حقيقة لا حول له ولا قوة، وما هي إلا أوهام عندما تنقطع صلة ذلك الحول بمدده وأصله، وإذا وكل الإنسان إلى نفسه لحظة سقط دون تردد، وانتهى وضل وتبددت أحلامه سواء كان السقوط حسيا، أو كان معنويا بأن يسلك الطريق الشاق المفسد، أو بأن لا يصل إلى مراده ومبتغاه.

ولما قيد هذا العالم بغير عناية من الله تعالى وبغير منهجه عزوجل ضل وتخبط وظهرت مفاسده، من فقر وأمراض وظلم واستبداد وعنصرية وطبقية.

فمقتضى إيماننا بالملك الرباني المهيمن على كل شيء أن نستعين به سبحانه وتعالى، وألا نستغني عن هذه الاستعانة بالله تبارك وتعالى باستعانات أخرى، قد نظن أنها تؤتي أكلا ولكنها في الحقيقة سراب خادع يتراأى من بعيد حتى إذا هرع إليه الظمآن لم يجده شيئا.[1]

إذن فتقديم (إياك) كان لأمرين:

  • الاهتمام والمهتم به في هذه الآية هو الله عزوجل، فركز على هذا المقدم.
  • الحصر، وهو حصر الفعل في المفعول، أي حصر العبادة في الله تعالى، وحصر الاستعانة به.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[1] – أنظر [ التسهيل (1/65) / المحرر الوجيز (1/72)/ الجامع لأحكام القرآن = تفسير القرطبي لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (المتوفى: 671هـ) (1/145)تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش دار الكتب المصرية – القاهرة الطبعة: الثانية، 1384هـ – 1964 م / روائع البيان تفسير آيات الأحكام لمحمد علي الصابوني (1/41) طبع على نفقة: حسن عباس الشربتلي مكتبة الغزالي – دمشق، مؤسسة مناهل العرفان – بيروت الطبعة: الثالثة، 1400 هـ – 1980 م / النكت والعيون (1/58)]

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M