مواصفات اختيار الزوجة الصالحة في الإسلام

15 مارس 2023 18:54

هوية بريس – محمد بن داوود

تعتبر قضية اتخاذ القرار بغية الاختيار الأنسب من أصعب المواقف التي تواجه حياة الإنسان، خاصة حينما تكون المواقف مصيرية كتلك المتعلقة باختيار شريك الحياة المناسب استجابة لقوله صلى الله عليه وسلم: “تخيروا لنطفكم”[1]؛ لأن الاختيار هنا تترتب عليه علاقة زوجية إما أن تكون مبنية على قيم الصدق والتفاهم والتراحم والاحترام، أو علاقة زوجية مبنية على الاختلاف والبغضاء والتناكر والشحناء، بشهادة معلم البشرية جمعاء قائلا: «الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف»[2]، حيث إن اختيار الزوج لزوجته لا ينبغي أن يكون غير مسؤول وإنما يتوجب أن ينبني على مواصفات ومعايير تجعل اختياره ناجحا؛ لأن صلاح اختياره أساس صلاح زواجه وصحة قراره واستقرار أسرته والاستمتاع في دنياه والنجاح في أخراه إذ “الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة”[3]، وللظفر بها حدد لنا ديننا الحنيف مجموعة من مواصفات حسن اختيار الزوج لزوجته يمكن بيانها فيما يلي:

صاحبة الدين: هذه أهم صفة ينبغي مراعاتها في الفتاة من طرف الشاب المتطلع إلى الزوجة الصالحة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأرْبَعٍ… ولِدِينِها، فاظْفَرْ بذاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَداكَ)[4]، والمقصود في الحديث “بالدين: الإسلام والتقوى”[5]، ومعلوم أن أدنى الدرجات التدين أن تكون الزوجة على الإسلام؛ الذي هو دين التوحيد وصفاء العقيدة من الوثنية والشرك؛ قال تعالى: { وَلَا تَنكِحُواْ اُ۬لْمُشْرِكَٰتِ حَتَّيٰ يُومِنَّۖ}[6] فالنهي هنا لمقصد حفظ الدين، وكذلك حفاظا على فطرة الأبناء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)[7]، ثم من المعلوم أن من أعلى درجات التدين أن تكون المرأة على التقوى بغية تحقيق التفاهم والائتلاف وعدم الاختلاف قصد إنشاء أسرة مسلمة مستقرة في ظلال قوله تعالى: {وَمِنَ اٰيَٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنَ اَنفُسِكُمُۥٓ أَزْوَٰجاٗ لِّتَسْكُنُوٓاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحْمَةًۖ}[8]؛ حيث إن صاحب الاستقامة لا يستقيم عيشه إلا مع من على استقامة وتقوى من أمر ربها؛ لذلك جاء التأكيد من النبي صلى الله عليه وسلم قائلا: “فاظفر بذات الدين ترتبت يداك”[9]، والظفر بذات الدين مقتضياته توكل على الله، ودعاء له سبحانه، وبحث في مظانها، ثم استخارة فاستشارة فتسابق إليها، وانتهاء بالتوكل على الله عند اتخاذ القرار في اختيارها، فقوله صلى الله عليه وسلم: “فاظْفَرْ بذاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَداكَ”[10] حكمة ربانية ونصيحة نبوية في غاية الأهمية لكل مقبل على الزواج متطلع للزوجة الصالحة.

صاحبة الخلق الحسن: من الصفات التي ينبغي مراعاتها في الزوجة الصالحة هو حسن الخلق؛ الذي إذا ما تجملت به المرأة المسلمة كانت كالجوهرة المكنونة، ومن أعظم الأخلاق التي تحبب الرجل في المرأة:

خلق الحياء: هذا الخلق من أجمل ما يمكن أن تتجمل به الفتاة؛ لأن “الحياء لا يأتي إلا بخير”[11]، ويظهر حياء المرأة واحتشامها في أقوالها وعند حديثها، قال الله تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ اَ۬لذِے فِے قَلْبِهِۦ مَرَضٞ وَقُلْنَ قَوْلاٗ مَّعْرُوفاٗ}[12]، كما يتجلى حياؤها  في مشيتها {فَجَآءَتْهُ إِحْد۪يٰهُمَا تَمْشِے عَلَي اَ۪سْتِحْيَآءٖ}[13]، وكذلك في سترها بلباسها {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ اَ۬لْجَٰهِلِيَّةِ اِ۬لُاول۪يٰۖ}[14]، فاختيار الفتاة الحيية من أعظم النعم ودلالة على صلاحها.

خلق العفة: فالعفة بمعنى كف النفس ومنعها عن فعل المعاصي والذنوب كمنعها من النظر إلى محرم أو قول أو فعل فاحش؛ قال الله تعالى: {وَقُل لِّلْمُومِنَٰتِ يَغْضُضْنَ مِنَ اَبْصٰ۪رِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}[15] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا صلت المرأة خَمْسَها، وصامَت شهرها، وحَفظت فرجها…قيل لها: ادخلي الجنةَ من أيّ أبواب الجنة شئت”[16]، فأن تكون الفتاة عفيفة، فهذا فيه حفظ لعرضها وعرض زوجها، وهذا رابع مقصد جاءت به الشريعة الغراء من رب الأرض والسماء، فحينما الفتاة تكف بصرها عن الحرام، وتجدها تنظر باحتشام، بعيدة عن علاقات الحب والغرام في دروب الحرام، فإن هذا دليل على عفتها وصلاحها؛ لذلك هلم إليها.

خلق الصدق: ضد الكذب، وهو خلق من صفات المؤمنين ودرب الصالحين؛ لذلك كان صلاح المرأة في صدقها وعدم كذبها في حديثها عامة ومع زوجها خاصة؛ وما أحوج الزواج إلى الصدق لتحقيق الطمأنينة والسكينة، فكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”إن الصدق طمأنينة، وإن الكذب ريبة”[17]، وقيمة الصدق من أعظم القيم التي تقام عليها الحياة الزوجية في سكينة واطمئنان؛ لذلك صدق الفتاة إشارة لطيفة على صدق سريرتها ونظافة لسانها.

صاحبة الجمال: لقد جبل الإنسان على حب الجمال؛ لأنه قبس من جمال الرحمن وتجل من تجلياته سبحانه؛ كما قال المصطفى العدنان عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام: “إن الله جميل يحب الجمال”[18]، لذلك عد الجمال من أهم الصفات التي تؤثر في عملية اختيار الزوج لزوجته، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تنكح المرأة لأربع: …ولجمالها”[19].

إن الجمال له معايير تختلف من عصر لآخر ومن مصر إلى مصر آخر؛ فنجد اللون الأسمر كان عند العرب من سيمات الجمال على خلاف ما عليه الحال في مجتمعنا العربي الذي يرى اللون الأبيض عند المرأة من محاسن جمالها، وعند الأوروبيين اللون الأشقر، وعليه مهما كان الجمال، وكيف ما كان؛ فإن تقديره يبقى نسبيا عند كل إنسان؛ فما هو جميل في عين فلان ليس بالضرورة أن يكون جميلا في عين علان، لكن المسَلم به أن الجمال والحسن مما يُرَكز عليه أكثر من غيره، وإن كان مطلوبا ابتداء وانتهاء إلا أنه لا يكون بمعزل عن باقي الصفات خاصة صفة الدين؛ كما قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى عن جمال المرأة (وحسن الوجه فذلك أيضا مطلوب إذ به يحصل التحصن… وما نقلناه من الحث على الدين وأن المرأة لا تنكح لجمالها ليس زجرا عن رعاية الجمال بل هو زجر عن النكاح لأجل الجمال المحض مع الفساد في الدين؛ فإن الجمال وحده في غالب الأمر يرغب في النكاح ويهون أمر الدين… وقد ندب الشرع إلى مراعاة أسباب الألفة ولذلك استحب النظر”[20]؛ لأنه أحرى أن يحقق المودة والدوام؛ فعن المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما”[21]، فالنظر في الحديث حاصل، والمحصول منه الذي هو الإعجاب يدور حول جمال المنظور إليه وجودا وعدما، وبذلك يكون الحديث النبوي قد ركز على الجمال بهدف التأكد من حصول الإعجاب ليؤدم بين الزوجين، ما يبرز أهمية اعتباره في الزواج مقرونا بالدين، وبالتالي كانت صفة الجمال محددا رئيسا مقرونا بالتدين في اختيار الزوجة الصالحة؛ لأجل أن يؤدم بين الزوجين، وتحصيل الإحصان والعفاف.

النظافة والتزين: إن النظافة والتجمل من مميزات الإنسان المؤمن وفيه تقرب إلى الله تعالى؛ فقد قال عليه الصلاة والسلام :”إن الله جميل يحب كل جميل”[22]، فأن تكون الزوجة متزينة لبعلها بضوابط الشرع نظيفة في جسدها ولباسها وبيتها مما رغب فيه الإسلام، ومن الصفات التي ترغب الرجل في الزواج من الفتاة؛ لأن الأنفس المؤمنة الطاهرة ترتاح إلى كل طاهر طيب وتبغض كل خبيث فاسد؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الطهور شطر الإيمان”[23]، لذلك كان على الرجل أن ينظر في صفة طهارة المرأة ومدى تجملها؛ عند زيارة أهلها للخطبة فتبدو نظافتها من نظافة أهلها، ونظافة مكان جلوسهم ونظامه، ومدى نظافة مائدة الأكل وترتيبها.

إن التأكيد على ضرورة نظافة المرأة وتزينها راجع لأهمية ذلك في نشر السعادة والسرور بين الزوجين؛ فحينما سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي النساء خير؟ قال: “التي تسره إذا نظر”[24]؛ لأن تزينها وتطيبها يبعث الراحة في النفس والسكينة في الروح والمودة والمحبة في القلب، مما يسهم في نشر الألفة بين الزوجين، وذلك أدعى لتحقيق السكينة والاستقرار والائتلاف وعدم الغضب والاختلاف وطردا للشياطين، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: “لَمَّا كَانَتِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ غِذَاءَ الرُّوحِ، وَالرُّوحُ مَطِيَّةُ الْقُوَى، وَالْقُوَى تَزْدَادُ بِالطِّيبِ، وَهُوَ يَنْفَعُ الدِّمَاغَ وَالْقَلْبَ، وَسَائِرَ الْأَعْضَاءِ الْبَاطِنِيَّةِ، وَيُفَرِّحُ الْقَلْبَ، وَيَسُرُّ النَّفْسَ وَيَبْسُطُ الرُّوحَ، وَهُوَ أَصْدَقُ شَيْءٍ لِلرُّوحِ، وَأَشَدُّهُ مُلَاءَمَةً لَهَا، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الرُّوحِ الطَّيِّبَةِ نِسْبَةٌ قَرِيبَةٌ، كَانَ أَحَدَ الْمَحْبُوبِينَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَى أَطْيَبِ الطَّيِّبِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ”[25]، لذلك كانت النظافة والتزين مما يراعى في الزوجة؛ لأن بيت الزوجية لا يستقيم العيش فيه إذا لم يكن نظيفا متزينا طيب النظر والرائحة.

الودود والرحيمة: هذه من الصفات التي يحبها الزوج في زوجته، ومن المقاصد التي جعلها الله تعالى في الزواج؛ ما يعني أن الود والرحمة صفتان كسبيتان من الحياة الزوجية، ولا تستقيم إلا بهما، ولا تدوم إلا عليهما؛ لذلك حث النبي صلى الله عليه وسلم على الزواج من الودودة المحبة قائلا: “تزوجوا الودودَ”[26]، ولا تنفصل صفة الرحمة عن الود؛ لأن الرحمة قرينته وهي غايته، فلا يرحم إلا ودود وقلّ ما تجد الرحمة في قلب لا يشعر بالود؛ لذلك كانت الرحمة ثانية في ترتيب الآية: {وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحْمَةًۖ}[27].

وتُعرف الفتاة بأنها ودودة محبة متميز بالرحمة والعطف من خلال استعدادها للزواج من الشخص المتقدم لها، ومن إبداء موافقتها؛ ذلك أن الاستعداد يكون مبنيا على النضج العقلي والنفسي والجسدي، وموافقتها تنبني على إعجابها وكذا استعدادها العاطفي، فإن حصل ذلك كان اتصافها بالود والرحمة سبيلا لتحقيق التفاهم والاستقرار والسكينة؛ مصداقا لقول الحق سبحانه: {وَمِنَ اٰيَٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنَ اَنفُسِكُمُۥٓ أَزْوَٰجاٗ لِّتَسْكُنُوٓاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحْمَةًۖ}[28]، حيث إن الآية الكريمة بينت الغاية من الزواج وهو تحقيق (السكينة) التي لا تحصل إلا بالمودة والمحبة والرحمة العطف.

وتحصيل ذلك في الحياة الزوجية لا يكون إلا بتحصيل زوجة ودودة رحيمة؛ لأن تحلي الزوجة بصفتي الود والرحمة في زواجها من أهم ما ينجح علاقتها بزوجها فكما قيل: “إِنَّ الرَّجُلَ أَصْلُهُ مِنَ الْأَرْضِ، وَفِيهِ قُوَّةُ الْأَرْضِ، وَفِيهِ الْفَرْجُ الَّذِي مِنْهُ بُدِئَ خَلْقُهُ فَيَحْتَاجُ إِلَى سَكَنٍ، وَخُلِقَتِ الْمَرْأَةُ سَكَنًا لِلرَّجُلِ، فَأَوَّلُ ارْتِفَاقِ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ سُكُونُهُ إِلَيْهَا مِمَّا فِيهِ مِنْ غَلَيَانِ الْقُوَّةِ”[29].

الولودة: بمعنى أن تكون الزوجة ولادة غير عاقر، وهذه الصفة مما يستحب اعتبارها عند اختيار الزوج لزوجته، وهي مما يحبب الرجل في الزواج من المرأة؛ لأن حب الأولاد طبيعة جبلية فطر الله الإنسان عليها؛ لقوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ اُ۬لشَّهَوَٰتِ مِنَ اَ۬لنِّسَآءِ وَالْبَنِينَ}[30]، وقوله سبحانه: {اِ۬لْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ اُ۬لْحَيَوٰةِ اِ۬لدُّنْي۪اۖ}[31] ، كما أن تكثير النسل قد حث عليه الإسلام؛ كما في الحديث أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال، وإنها لا تلد، أفأتزوجها، قال: (لا) ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة، فقال: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم)”[32]، ومما يساعد الرجل على معرفة مدى اتصاف المرأة بالولادة هو أن ينظر لأخواتها وخالاتها أيلدن أم لا؛ لأنها أقرب إليهن في ذلك، ومن خلال الكشف عن مقصدها من الزواج أتريد أبناء أم لا، وذلك عند حديثهما عن غاياتهما ومقاصدهما من زواجهما، ثم مع إمكانية إجراءات اختبارات طبية.

والمسلم به في الطبيعة السيكولوجية والبيولوجية للأنام أنه يُستبعد أن يجد المرء من لا تريد الأبناء؛ لأن هذا مما فطر عليه ابن آدم نساء ورجالا، فالمرأة بطبعها تحتاج لأن تكون أما وتتشوق لمشاعر الأمومة، وكذلك الرجل خلقه الله تعالى محبا لمن يخلفه ويحمل اسمه ويوصل نسبه ولا يقطعه؛ كما في الآيتين أعلاه؛ لذلك يطلب التحري في استعدادها وإرادتها للأبناء.

المواتية المواسية: بمعنى أن تكون المرأة مواتية أي مطيعة لزوجها لا تخالفه إن أمرها فيما يرضي ربها وخالقها، قال صلى الله عليه وسلم: “خير نسائكم الولود الودود المواسية المواتية إذا اتقين الله”[33]؛ لأنها تكون أصلح لزواج ناجح مستقر، وقد حض الإسلام المرأة على طاعة زوجها وأن تضع يدها في يده وتوافقه ما دام أمره واختياره على طريق الحق، وجعل مكافأتها الجنة حينما قال صلى الله عليه وسلم: “إذا صلت المرأة خَمْسَها … وأطاعت زوجَها، قيل لها: ادخلي الجنةَ من أيّ أبواب الجنة شئت”[34]، وكذلك المواسية تكون سندا له تعطف عليه بكلامها وحنانها، وهذا مما يستحسن اعتباره عند اختيار الزوجة، ومعنى أن تكون الزوجة مواتية ليس معناه أن ينفرد الزوج بآرائه واختياراته وقراراته فيكون متسلطا عليها خاصة فيما له علاقة مباشرة بأمر البيت؛ لأنها ربة البيت والأميرة فيه، والأمر أمرها كما هو أمره؛ لذلك مطلوب منها أن تكون مواتية موافقة غير مخالفة ما كان على أمر ربه، وبالمقابل يستحسن للزوج أن يأخذ بمشورة زوجته على نهج حبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يستشيرهن؛ فحينما نزل الوحي عليه صلى الله عليه وسلم وعاد مرتعدا إلى بيته أشرك أمنا خديجة رضي الله عنها في أمره فكانت مواتية له، وأول من آمن به، كما كانت مواسية له مساعدة فأخذت بيده صلى الله عليه وسلم إلى ابن عمها ورقة بن نوفل؛ ما يظهر حاجة الرجل للزوجة المواتية المواسية مهما عظم واشتد.

ذات الغنى والمال: لقد خلق الله تعالى الإنسان محبا للمال والغنى؛ إذ جعل سبحانه المال زينة لهذه الحياة الدنيا، فقال تعالى:{ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ اُ۬لْحَيَوٰةِ اِ۬لدُّنْي۪اۖ}[35] فلأن المال زينة هذه الحياة، وكذلك “الدنيا متاع وخير متاعها الزوجة الصالحة”[36] فإن مما يرغب الزوج في الزوجة هو مالها بشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم قائلا: (تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأرْبَعٍ: لِمالِها…)[37]، ومعلوم أن المال هو عصب الحياة ومن الضروريات الخمس التي تقوم عليها، فكان مما يراعى في زواج الرجل بالمرأة هو مالها، وإن كان المال لا ينبغي أن يغطي على باقي الصفات التي أهمها تدين الفتاة، إذ الحديث يصف واقع الحال بأن مما يحبب الرجل في المرأة للزواج هو مالها، إلا أن الحديث لم ينكر ذلك لكنه ركز على ذات الدين؛ لأنها أحرى أن تحرص على النفع والإصلاح بمالها لا الإفساد والتعالي على زوجها؛ لذلك ” لا يجوز أن يكون المال مسوغاً للزواج بالمرأة إلا إذا كان في يد امرأة عفيفة كريمة النفس تنفق منه على بيتها ولا تمن بإنفاقها، هذا إذا كان الرجل راغباً في الزواج بالمرأة الغنية لا لأجل مالها فقط، أما إذا كان لا رغبة له إلا المال فقط وقد عبر إلى هذا المال بطريق الزواج فهذا شأن آخر”[38].

الحسيبة النسيبة: فالنسب بمعنى نسبة الابن لأبيه، ويدل على الأصول، فيقال “كِرام ذوو نسب عريق ابن أصول”[39]، كما يشمل النسب “عَدَدَ الآبَاءِ والأُمَّهَاتِ إِلى حَيْثُ انْتَهَى، والحَسَبُ هُوَ (البَالُ): أَي الشَّأْنُ”[40]، وجاء في كتاب العين أن “الحَسَب: الشَرَف الثابت في الآباء، رجل كريم الحَسَب حسيبٌ”[41]، وحسب المرأة ونسبها مما يحبب الرجل في الزواج منها، ويعني أن تكون الزوجة تنتمي إلى أسرة أصيلة ذات جاه وشرف من نسب أصيل؛ كأن تكون عائلتها مشتهرة بالخير والصلاح، وليس بالشر والفساد، أو انقطاع في النسب أو وصمة عار فيه، أو انحلال وفسوق، فحينما تكون المرأة صاحبة حسب ونسب يكون ذلك مدعاة لحرصها على نفسها وشرفها وعلو قيمتها بين قريناتها؛ لذلك كان هذا من الصفات التي تحبب الرجل في المرأة، وهذه الصفة جبل عليها الإنسان لقوله صلى الله عليه وسلم: (تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأرْبَعٍ: ولِحَسَبِها…)[42].

ـــــــــــــــــــــ

[1]  سنن ابن ماجه، لابن ماجة أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني (المتوفى: 273هـ)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية – فيصل عيسى البابي الحلبي، 1/633.

[2]  الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه = صحيح البخاري، لمحمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، ط: 1، 1422هـ، 4/133.

[3] المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لمسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري (المتوفى: 261هـ)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي – بيروت، 2/1090.

[4]  صحيح البخاري، 7/7.

[5]  مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، لعلي نور الدين الملا الهروي القاري (المتوفى: 1014هـ)، دار الفكر، بيروت – لبنان، ط: 1، 1422هـ – 2002م، 5/2043.

[6]  سورة البقرة، الآية: 219.

[7]  صحيح البخاري، 2/100.

[8]  سورة الروم، الآية: 20.

[9]  صحيح البخاري، 7/7.

[10]  نفسه.

[11]  صحيح البخاري، 8/29.

[12]  سورة الأحزاب، الآية: 32.

[13]  سورة القصص، الآية: 25.

[14]  سورة الأحزاب، الآية: 33.

[15]  سورة النور، الآية: 31.

[16]  مسند الإمام أحمد بن حنبل، لأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل (المتوفى: 241هـ)، تحقيق: أحمد محمد شاكر، دار الحديث – القاهرة، ط: 1، 1416 هـ – 1995م، 2/307.

[17]  الجامع الكبير – سنن الترمذي، محمد بن عيسى الترمذي (المتوفى: 279هـ)، تحقيق: بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي – بيروت 1998 م، 4/249.

[18]  صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، لمحمد بن حبان بن أحمد بن حبان الدارمي، البُستي (المتوفى: 354هـ)، تحقيق: شعيب الأرنؤوطن مؤسسة الرسالة – بيروت

ط: 2، 1414 – 1993، 12/280.

[19]  مصدر سابق.

[20]  إحياء علوم الدين، لأبي حامد محمد الغزالي الطوسي (المتوفى: 505هـ)، دار المعرفة – بيروت، 2/38.

[21]  سنن الترمذي، لمحمد بن عيسى  الترمذي (المتوفى: 279هـ)، تحقيق وتعليق: أحمد محمد شاكر وآخرون، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي – مصر، ط: الثانية، 1395 هـ – 1975 م، 3/389.

[22]  المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، 1/93.

[23]  المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، 1/203.

[24]  المجتبى من السنن (السنن الصغرى للنسائي)، لأبي عبد الرحمن أحمد الخراساني النسائي (المتوفى: 303هـ)، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية – حلب، ط: الثانية، 1406 – 1986، 6/68.

[25]  الطب النبوي (جزء من كتاب زاد المعاد لابن القيم)، لمحمد بن أبي بكر شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ)، دار الهلال – بيروت، ص: 209.

[26]  سنن أبي داود، لأبي داود سليمان بن الأشعث السِّجِسْتاني (المتوفى: 275هـ)، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا – بيروت، 2/220.

[27]  سورة الروم، الآية: 20.

[28]  سورة الروم، الآية: 20.

[29]  الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي)، لأبي عبد الله محمد بن أحمد شمس الدين القرطبي (المتوفى: 671هـ)، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية – القاهرة، ط: 2، 1384هـ – 1964م، 14/17.

[30]  سورة آل عمران، الآية: 14.

[31]  سورة الكهف، الآية: 45.

[32]  سنن أبي داود، 2/220.

[33]  صحيح وضعيف الجامع الصغير وزيادته، لجلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ)، 1/5641.

[34]  مسند الإمام أحمد بن حنبل، 2/307.

[35]  سورة الكهف، الآية: 45.

[36]  مصدر سابق.

[37]  مصدر سابق.

[38]  الزواج في ظل الإسلام، لعبد الرحمن بن عبد الخالق اليوسف، الدار السلفية، الكويت، ط: 3، 1408 هـ – 1988 م، ص: 45.

[39]  معجم اللغة العربية المعاصرة، لأحمد مختار عبد الحميد عمر (المتوفى: 1424هـ) بمساعدة فريق عمل، عالم الكتب، ط: 1، 1429 هـ – 2008م، 1/100.

[40]  تاج العروس من جواهر القاموس، لمحمّد بن محمّد، الملقّب بمرتضى، الزَّبيدي (المتوفى: 1205هـ)، تحقيق: مجموعة من المحققين، دار الهداية، 2/270.

[41]  كتاب العين، لأبي عبد الرحمن الخليل الفراهيدي البصري (المتوفى: 170هـ)، تحقيق: د مهدي المخزومي، د إبراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال، 3/148.

[42]  مصدر سابق.

آخر اﻷخبار
1 comments
  1. مقال في قمة الغاية والأهمية ،سلس و واضح ،غني بأهم الامور التي ينبغي مراعاتها في الاختيار للشريك…

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M