نعمة الأمن والاستقرار، قطب رحى سعادة هذه الدار

18 نوفمبر 2016 22:14
الشيخ حسن الشنقيطي يكتب: المبادئ العشرة لعلم المنطق

هوية بريس – الشيخ الحسن الشنقيطي المغربي*

بسم الله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى أما بعد:

فمادة النون والعين والميم (نعم) في اللسان العربي تدور حول الراحة والرفاهية والمسرة مع جميل العافية وتاج الصحة وموفور المال والعيال والأيادي البيضاء.. وفعلها كما في القاموس من باب سمع وضرب ونصر وجمعها على نعم وأنعم كما يرادفها نعيم ونعمى..

وتنقسم نعم الله إجمالا إلى ثلاثة أضرب:

1- نعمة الإيجاد، قال تعالى: (الله خالق كل شيء) وقال سبحانه: (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا)، وقال سبحانه: (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك).

2- نعمة الإمداد؛ وأفرادها وجزئياتها لا تعد ولا تحصى قال تعالى: (وما بكم من نعمة فمن الله)، وقال سبحانه: (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها)، وقال جل وعلا: (وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة).

3- نعمة الإرشاد: وهي أجل نعمة وأعظمها إطلاقا لأن النوعين الماضيين يشترك فيهما الكفار والحيوانات بخلاف نعمة الهداية فهي خاصة بأهل الإيمان، قال تعالى: (إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البريئة)، وقال سبحانه: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)..

 وحديثنا اليوم عن جزئية من كلية الإمداد وهي نعمة (الأمن والاستقرار)، فنقول أولا:

الأمن لغة جاء فعله على وزن فرح أمن يأمن أمنا بالسكون وأمانا وأمنا وأمنة بفتح الميم في المصادر الثلاثة الأخيرة فهو أمن وأمين ورجل أمنة (بضم ففتح) يأمنه الناس في كل شيء.

وأما الاستقرار لغة فهو استفعال من القرار بمعنى الثبات فهو دائر حول معاني الثبوت والهدوء والاطمئنان على مستوى الأفراد والمجتمعات…

أهمية هذه النعمة العظيمة تتجلى فيما يلي:

* هذه النعمة الجليلة أشار إليها الحق سبحانه عند بداية إنشائه العالم البشري بقوله: (وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين)، وقال سبحانه الله: (الذي جعل لكم الأرض قرارا)…

* امتنان الله على خلقه بها حيث قال ممتنا على عباده المؤمنين: (واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فئاواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون)، وقال سبحانه ممتنا على كفار قريش: (فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وءامنهم من خوف)، وقال تبارك وتعالى ممتنا على قريش أيضا: (أو لم يروا أنا جعلنا حرما ءامنا ويتخطف الناس من حولهم)..

وفي الحديث العظيم عن النبي الأمين صلى الله عليه وسلم: “من أصبح منكم اليوم ءامنا في سربه (أي نفسه وأهله وعياله) معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها” أي بتمامه..

* ترتيبه سبحانه صلاح الدنيا وسعادتها -أمنا واستقرارا- على تحقيق الدينونة والعبودية له لا العكس بحيث لا صلاح للدنيا بالتخلي عن الدين وإن صلحت ظاهرا في زعم البعض فلن تصلح باطنا أبدا إذ لا سعادة للقلوب إلا بالتعلق بعلام الغيوب، يقول سبحانه: (يا أيها الذين ءامنوا ادخلوا في السلم كافة) أي اعملوا بجميع أحكام الإسلام لتسعدوا وتسلموا دنيا وأخرى. وقد قرر النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى الجلل بقوله: (والله لا يؤمن -قالها ثلاث مرات- قالوا: من يا رسول الله، قال: من لا يأمن جاره بوائقه) أي شروره ومكايده، والجوار رابطة تعم القريب والبعيد والمؤمن والكافر وقال عليه الصلاة والسلام: (لا زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه). فوالله لو عمل الناس بدلالات هذه الأحاديث لعاشوا الأمان والاستقرار..

* نعمة الأمن من أجل نعم الباري على خلقه فمن أجلها رصدت الجهود المادية والمعنوية وجندت الأجناد وبذلت المهج والأرواح.

* هذه النعمة هي أهم مقومات العيش الكريم وأعظم الأسباب لتحقيق الرقي والقوة والتمكين وبضياعها يحصل الرحيل والترحيل والتشرد واللجوء ومفارقة الأحبة والعيال والأموال ومن بقي في ذاك الوضع دون هجرة منه عاش المحن والفتن عياذا بالله.

* لا قيمة لزينة الحياة الدنيا بنسائها وأموالها وبهرجها وقصورها إذا فقدت هذه النعمة الجليلة.

* أسباب تحقيقها والمحافظة عليها:

 إن الأسباب الجالبة لنعمة الأمن والاستقرار كثيرة منها:

  • حمد الله عليها وشكره بالجنان واللسان والأركان تحقيقا لقوله سبحانه وتعالى: (لئن شكرتم لأزيدنكم).
  • أن الأمن الوطني لا يتحقق إلا بالأمن العقدي والفكري وذلك بوقاية الأجيال من المبادئ الهدامة والأفكار الدخيلة المخربة.
  • أن المعاصي والأمن لا يجتمعان فالذنوب مزيلة للنعم قال تعالى: (ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). وصدق من قال:

إذا كنت في نعمة فارعها…فان المعاصي تزيل النعم

وحطها بطاعة رب العباد…فرب العباد سريع النقم

  • اجتناب الفتن وهجر أهلها قال عليه السلام: “إن السعيد لمن جنب الفتن – قالها ثلاث مرات – ولمن ابتلي فصبر” رواه ابو داود.
  • ملازمة جماعة المسلمين والنهي عن شق عصاهم ففي الحديث: “تلزم جماعة المسلمين وإمامهم“.
  • الصبر على صور الاستئثار كما في وصية النبي المختار: (إنكم سترون بعدي أثرة وأمورا تنكرونها قالوا فما تأمرنا؟؟ قال: أدوا إليهم حقهم وسلوا الذي لكم) متفق عليه.
  • تربية الأجيال على حب الأمن والأمان بغرس قيم التسامح ونبذ رؤى العنف والكراهية والتمييز العنصري والطبقي.
  • ترسيخ قواعد التعايش والتفاهم من خلال تحريم الظلم والعدوان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مصداقا لقوله تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي).
  • إقامة الأحكام الشرعية التي تصون كيان المجتمع وتحميه من التفكك والانفلات وذلك بتطبيق الأحكام الزجرية الرادعة لمنع الإخلال بالأمن.
  • إقامة عدالة اجتماعية تسعى إلى تحقيق توزيع عادل للثروات الوطنية دون محسوبية أو طبقية للتقليل من الفقر ومكافحة الجوع ونصرة المظلوم والقضاء على عبودية البشر واستغلال النفوذ.
  • تهيئة المحاضن التربوية للناشئة والشباب الصاعد ودعم المؤسسات الدعوية والجمعيات العاملة والنوادي الصيفية والمخيمات الهادفة على وفق شرع الله والتقاليد الحميدة لتكوين جيل معتدل غيور على دينه خادم لدنياه.
  • تقريب العلماء للشباب المتحمس لزرع الثقة بين العامة وعلمائهم ليسهل توجيههم وإرشادهم وخصوصا في أزمنة الفتن المدلهمة التي تجعل الحليم حيران.
  • السعي من قبل خاصة الخاصة قبل عقلاء العامة إلى جمع الكلمة وتحقيق الوحدة واجتناب أسباب الفرقة مصداقا لقوله سبحانه: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا).
  • التزام مبدأ الوسطية والاعتدال في فهم أصول الدين وفروعه.
  • الدعوة إلى الحوار الرشيد والنقاش البناء لتقويم الاعوجاجات الفكرية والسلوكات الشاذة وذلك بعلم وحلم وتؤدة لتحقيق الأهداف المطلوبة والغايات المرجوة.

بعض الأسباب التي جعلت الشباب يرتمون في أحضان الدواعش وغيرهم من المتطرفين منها:

* الجهل وعدم الاهتداء والاقتداء بالعلماء الربانيين للسير من ورائهم والثقة بفتاويهم.

* لي النصوص وتحريفها عن دلالاتها الصحيحة.

* انتشار الظلم والطغيان وخصوصا من دعاة السلام وما واقع فلسطين وبورما وسوريا وغيرها ببعيد.

* انتشار الفساد والرغبة السريعة المتحمسة في التغيير دون نظر إلى العواقب والمآلات.

* الأحوال الاجتماعية المتردية التي يعيشها كثير من الشباب مما أنتج لهم إحباطا دفعهم إلى الارتماء في أحضان التطرف.

* الفشل في الحياة الشخصية الدراسية أو العملية.

* فساد مصادر التلقي والاستدلال مما أنتج قراءات خاصة لنصوص الشريعة تخالف فهم العلماء الراسخين.

* الجهل بمقاصد الشريعة والتخرص على دلالاتها بالظنون الواهية من غير تثبت في فهمها كما وقع للخوارج ولغيرهم من فرق الضلال..

* تقصير أهل العلم في القيام بواجب النصح والتوجيه إلى المنهج الوسطي.

* ومنها الإحباط السياسي حيث أن كثيرا من الأنظمة السياسية بعد تهميشهم للجماعات الإسلامية لم يكتفوا بذلك بل حصروا نشاطها وجمدوا عطاءها وفتحوا الباب للعلمانيين وغيرهم مما ولد لدى الأفراد ردة فعل لم تحمد عواقبها في كثير من المواقف..

 إلى غير ذلك من الأسباب المادية والمعنوية التي أنتجت رؤوس الضلال وأنجبت أفراخ التطرف..

ولمعالجة هذه الانحرافات يجب على المصلحين الكثير من ذلك:

– نشر العلم والمعرفة وفسح المجال الرحب للعلماء والدعاة الرسميين والمستقلين لغرس مبادئ الوسطية والاعتدال في المساجد والمعاهد والكليات وغيرها من المؤسسات.

– السعي إلى تحكيم شرع الله تعالى.

– الإعداد المعنوي والمادي لنصرة الإسلام وقضاياه من قبل الحكام والعلماء والمصلحين.

– الأخذ على أيدي الظلمة والمجرمين والوقوف في صفوف المستضعفين.

– إصلاح الأحوال الاجتماعية بالعدل في توزيع الثروات وتهيئة فرص العمل وفتح أبواب الشغل لمحاربة البطالة وإنعاش الاقتصاد.

– إحياء الثقة وثقافة القرب بين العلماء والشباب المتحمسين لتربيتهم على ميزان الوسطية والاعتدال بناء على فقه المصالح والمفاسد الذي لا تدركه عقولهم لضعف المعرفة وقلة التجربة وحينها يكونون صالحين مصلحين دينا ودنيا بإذن الله رب العالمين.

هذا، ونسأله سبحانه أن يصلح ديننا الذي هو عصمة أمرنا ودنيانا التي فيها معاشنا وأخرتنا التي إليها معادنا وأن يمن علينا بالأمن والأمان وأن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء ومكروه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والحمد لله رب العالمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* عضو مجلس إدارة ومدير لجنة الباحثين بمؤسسة ابن تاشفين للدراسات والأبحاث والإبداع.

آخر اﻷخبار
1 comments
  1. كلام الشيخ مقبول نظريا واماله هي امال كل البشرية مسلمة وغير مسلمة ولتجد امما غير اسلامية تفوقنا اخلاقيا ومن جملة الحلول عند الشيخ الرجوع الى شرع الله مع ان هذا الشرع المسطر في كتب فقهنا شرع منذ قرون واعني فقه المعاملات من بيوع وشركات الخ وليعلم الشيخ ان هذه الاحكام لم تعالج نوازل ومستجدات ظهرت في القرون الاخيرة وهناك احكام زالت اسبابها فينبغي ان تزول فالحكم مرتبط بعلته وجودا وعدما كما ورد في القاعدة الاصولية ولولاها لما دونت السنة لنهي الرسول ( ص) القاطع عن كتابتها خوفا من اختلاطها بالقران ولما زالت العلة زال النهي وكم هي الاحكام التي زالت عللها اتسمحون بازالتها يا شيخ ام تقولون لا اجتهاد مع وجود النص

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M