هل يجب حدف قانون الشغل..؟

24 فبراير 2021 09:17

هوية بريس – يونس فنيش

أولا، إن العالم لا يعاني من الكثافة السكانية بتاتا بل يعاني من عدم إعمار الأرض بالتساوي، حيث يتم التركيز على مناطق بعينها في أغلبية البلدان على حساب مناطق شاسعة تظل خالية إلا من حراس الحدود.

يكفي إذا الكف عن الإستمرار في تركيز الاستثمارات في المدن المزدحمة أصلا و نواحيها، و توجيهها إلى المناطق المنسية الخالية من أبسط المنشآت الضرورية لحل مجمل المعضلات التي تتخبط فيها الإنسانية التي يبدو أنها مازالت تعتمد على بوصلة باتت قديمة تسير بالعالم في الإتجاه الخطأ…

و بالنسبة للبلدان النامية، فيظل المشكل الأساسي هو توفير الشغل و الصحة العمومية. و أما الشغل، فالأراضي الشاسعة غير المستغلة في الصناعة و الفلاحة، مثلا، جديرة بتوفيره مع ضمان أجور تمكن فعلا من العيش الكريم. و أما الصحة العمومية، فتبقى من اختصاص الدولة التي تحتاج إلى يد عاملة تتمتع بصحة بدنية جيدة و نفسية متزنة.

الشغل الذي بدونه تضيع الحياة عنوان كبير عريض. لنطرح سؤالا وجيها كفيلا بالمساعدة في التحليل: ما هو مبلغ الأجر المعقول الكفيل بتوفير العيش الكريم؟ إذا أخدنا على سبيل المثال مستوى المعيشة في المغرب، فبديهي أن نقر بأن الأجر يجب أن يتجاوز 15.000 درهم بالنسبة لكل إطار شاب يلتحق بالعمل في بداية أول تجربة له في عالم الشغل في المدينة. يعني، نظرا لغلاء المعيشة، هذا هو مبلغ الحد الأدنى الذي يمكن من عيش كريم و حياة عادية في الوقت الحاضر.

ولكن هل يمكن للقطاع الخاص أن يضمن للأجراء 15.000 درهم شهريا كحد أدنى، مثلا، و هو مقيد بتلك القوانين المنظمة للعلاقة بين المشغل و الأجير المستوردة من تجربة فرنسا؟ لا، أكيدا. فإذا كانت فرنسا قد أرست قوانينها الصارمة في مجال الشغل، فلأنها كانت ثرية بكل ما جلبته من ثروات هائلة من مستعمراتها السابقة، و مع ذلك فتجربتها وصلت إلى حدها و الدليل “السترات الصفراء”، إلى آخره… حسنا.

إن نجاح كل مخطط تنموي رهين بنجاح المقاولة المتوسطة، و ما عدا ذلك كلام فاضي. ولكن استمرار المقاولات المتوسطة المجتهدة في خضم واقع صعب رهين بإحداث ثورة في مجال الشغل و قوانينه. فإذا كان قانون الشغل يخير المقاولات المتوسطة، مثلا، بين الإستمرار في أداء أجور مستخدميها حتى لما ينعدم الشغل و تنعدم المداخيل، وبين منح تعويضات فلكية -نسبيا- لأجرائها أو بعضهم مقابل تسريحهم، فهذا عين خراب الإقتصاد و الرواج، و لب الركود و الجمود.

فالمقاولات المتوسطة لا تفلت أبدا من أداء الضرائب بكل حذافيرها و زيادة، كما أنها لا تستطيع المناورة في ما يخص أداء أقساط الضمان الإجتماعي و كل ما يقتضيه قانون الشغل، و بالتالي فازدهارها من ازدهار الدولة. ولكن نظرا للأزمات المتتالية و المتصاعدة حدتها منذ عقدين تقريبا، فالأفق تظل مظلمة بالنسبة للمقاولات المتوسطة إلا في حالة إحداث تغيير جذري في نظرتنا للشغل و تنظيمه و توفيره و المحافظة عليه.

قبل عرض أي اقتراح في ما يتعلق بقانون الشغل، لابد من ضمان مصلحة الأجير أولا. مصلحة الأجير في أجرته، و أيضا في اجتهاده و اكتساب مهارات إضافية عملية على طول مشواره المهني؛ (و الحديث هنا لا يتعلق بطبيعة الحال بالقطاع غير المهيكل أو بالمقاولات التي تعمل على هامش قانون الشغل، أو بدون ترخيص إداري أو بترخيص معيب و ما إلى ذلك، فذلك مشكل آخر يتعلق بضعف التنمية عامة، و بالقدرة التنافسية، و ما يقتضيه واقع السوق إلى آخره…) و أما الحديث عن تعويضات المغادرة أو التسريح و ما إلى ذلك من مقتضيات تكبل المقاولات المتوسطة التي لا تضمن الشغل لنفسها على الدوام -في العديد من القطاعات- فكيف لها أن تضمن الشغل لأجرائها بصفة دائمة؟

خلاصة القول، قانون الشغل الساري المفعول إلى حد الآن لا يتطابق و لا يتوافق مع ضعف النمو الإقتصادي، و إن لم يتم على الأقل تعديله فسيستمر في إحباط المقاولات المتوسطة المجتهدة، و في عزوف الأطر و الكفاءات الشابة على خلق و تسيير مقاولات توفر الشغل. نعم، قانون الشغل يشجع الأطر و الكفاءات الشابة فقط على طلب الشغل كأجراء بدل الإجتهاد و التفكير في خلق فرص الشغل…فيا له من مشكل عويص جدا يحتاج إلى حل جذري لا ترقيعي…

سيداتي سادتي، باختصار شديد، هذا موضوع يحتاج إلى دراسة مستفيضة و لبحث يستشرف المستقبل بكل واقعية، حتى نتمكن من طرح سؤال كبير عريض: “هل يجب حدف قانون الشغل بالنسبة للمقاولات المتوسطة و الإكتفاء بقانون العرض و الطلب (الذي من المفروض أن يؤدي إلى رفع الأجور…)، و بمفهوم الأجرة مقابل العمل (الذي سيحرر المقاولات المتوسطة من أعباء محبطة و سيشجع الأجراء على الإجتهاد…)، و ذلك من أجل الخروج من دائرة التواكل التي تمنع النهضة و التنمية و المبادرة الحرة، و من بناء اقتصاد صلب قوي كفيل بتوفير الشغل للجميع، ما دامت شركات التأمين على التقاعد و التأمين على المرض موجودة… ؟” و الله أعلم.

آخر اﻷخبار
1 comments
  1. الطبقة الوسطى والمقاولات الوسطى و البورجوازية الوطنية المحلية كلها جديرة بدفع البلد نحو التقدم والازدهار وبالتالي بروز قوة سياسية قادرة على التغيير الحقيقي وهذه خطوط حمراء محمية بسياسة الاحتكار والمحسوبية … اما القوانين والنصوص فهي أشياء ثانوية …. السرطان الحقيقي هو فقط في مرض الاحتكار .

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M