آخرها إيران.. لماذا تخشى الحكومات حول العالم تطبيق «تيليجرام»؟

12 يناير 2018 17:24
هل تستجيب غوغل وآبل لموسكو وتحذفان تلغرام؟

هوية بريس – محمد صلاح عبد الجواد*

في الثالث من شهر يناير (كانون الثاني) الجاري، أعلنت السلطات الإيرانية حجب تطبيق «تيليجرام»، عقب الاحتجاجات التي شهدتها أكثر من 50 مدينة إيرانية أواخر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ضد غلاء الأسعار والضوابط الصارمة التي تفرضها حكومة طهران على المواطنين الإيرانيين للالتزام بالدين الإسلامي.

وكان «تيليجرام» هو تطبيق التواصل الاجتماعي الوحيد الذي لم يكن قد تم منعه في إيران، بعد أن حجبت السلطات الإيرانية، عام 2010، كلًّا من «فيسبوك» و«تويتر» بسبب الاحتجاجات التي شهدتها البلاد آنذاك.

ويصل عدد مُستخدمي تطبيق تيليجرام في إيران إلى حوالي 40 مليون مستخدم، أي ما يقرب من نصف عدد السكان في البلاد، وبررت الحكومة حجبها للتطبيق بأن هناك مجموعة من القنوات في التطبيق تنشر خطاب الكراهية، وتحث المتظاهرين على العنف مثل قناة «أماد الإخبارية»، وتجدر الإشارة إلى أن إدارة «تيليجرام» أوقفت بالفعل هذه القناة؛ لنشرها طرق تركيب زجاجات المولوتوف، وبررت إدارة التطبيق هذا الفعل بأن القناة تعدت سياسات التطبيق وشروطه، والتي منها عدم استخدام التطبيق في تمرير خطاب العنف والكراهية.

تغريدة «بافيل دوروف» مؤسس «تيليجرام» عن إيقاف قناة «أماد الإخبارية» على التطبيق

وفي الحقيقة، إن هذه ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها مجموعة من المعارضين أو الثوار تطبيق «تيليجرام» من أجل تنظيم التظاهرات، فالتطبيق معروف لأنه الأسرع والأكثر أمانًا بين تطبيقات التواصل الاجتماعي، وبسبب قوة عناصر الأمان؛ وصل التطبيق إلى أكثر من 100 مليون مستخدم حول العالم في عام 2016، أي بعد أقل من ثلاث سنوات من إطلاقه في أواخر عام 2013.

السطور التالية تستعرض قصة «تيليجرام»، والخصائص والسمات الأمنية المتوفرة في التطبيق، والتي تجعل منه الخيار الأول للمعارضين الذين يمارسون العمل السياسي في الدول الديكتاتورية، وأيضًا للأشخاص الذين يبحثون عن أعلى درجات الخصوصية.

«تيليجرام» غطاء آمن للمعارضة في روسيا
في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أعلنت الحكومة الروسية تغريمها تطبيق الرسائل النصية «تيليجرام» 14 ألف دولار؛ بسبب عدم تعاونهم مع المخابرات الروسية، وطلبت هيئة الاستخبارات الروسية من القائمين على التطبيق إلغاء خاصية التشفير، حتى يتسنى مراقبة بعض المُستخدمين، وهذا الطلب قابلته إدارة التطبيق بالرفض التام، وذلك لأن خاصية التشفير هي الخاصية الأساسية التي تم تصميم تطبيق «تيليجرام» من أجلها، إذ يُعد التطبيق هو الأكثر انتشارًا في العالم، بسبب قدرته على منع أي محاولات اختراق للرسائل النصية، فلا أحد باستثناء الراسل والمُستقبل يمكنه قراءة المحادثات، وذلك لأن خاصية التشفير المزود بها تطبيق «تيليجرام» شديدة التعقيد، الأمر الذي أكسب التطبيق شهرة عالمية، خاصة بين المعارضين في الدول غير الديمقراطية.

وفي عام 2013، أعلن «بافيل دوروف» مؤسس شبكة التواصل الاجتماعي الروسية الشهيرة «VK» عن مشروع تطبيق تواصل رسائل نصية وصوتية يجمع بين المرح والأمن معًا، وذلك بعد أن قام «إدوارد سنودن» بتسريب مستندات تفيد بتجسس وكالة الاستخبارات الأمريكية «CIA» على مواقع التواصل الاجتماعي، وتخطيها خصوصية المستخدمين بتتبع محادثاتهم ورسائلهم وتسجيل مكالماتهم الصوتية، ولكن لم يكن هذا هو السبب الأساسي الذي دفع «بافيل دوروف» للتفكير في تيليجرام؛ بل كان الهدف الأساسي من تصميم التطبيق، إيجاد وسيلة للتواصل لا تستطيع الحكومة الروسية اختراقها.

آخرها إيران.. لماذا تخشى الحكومات حول العالم تطبيق «تيليجرام»؟وعلى الرغم من وجود المقر الرئيسي لإدارة شركة تيليجرام في دبي؛ إلا أن «بافيل دوروف» مؤسس التطبيق يعيش على الحدود الفنلندية الروسية؛ إذ اضطر دوروف للخروج من روسيا لسببين: أولهما، ارتباط اسمه بالمعارض الروسي الشهير «أليكسي نافالني» المعروف بمعارضته الشديدة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحكومته، ويدير نافالني مؤسسة نافالني لمكافحة الفساد، وهو مؤسس حزب «التقدم الوليد»، الحزب الذي رفضت إدارة موقع التواصل «VK» طلب الحكومة الروسية بإزالة منشوراته المعارضة لبوتين، وكانت هذه نقطة بداية الخلاف بين «بافيل دوروف» مؤسس «VK» و«تيليجرام»، والحكومة الروسية، أما السبب الثاني فهو رفضه المتواصل محاولات الحكومة الروسية التفاوض معه بشأن مراقبة التطبيق.

«داعش» تحب تيليجرام أيضًا!
منذ عام 2014 عملت تطبيقات «فيسبوك» و«تويتر» على تكثيف جهودها، من أجل غلق الحسابات والصفحات التي تنشر محتوى تابعًا أو مؤيدًا لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، مما دفع التنظيم إلى البحث عن تطبيق يوفر لهم سرية التواصل، فضلاً عن وجود قنوات أو صفحات إعلامية يمكن للتنظيم التحدث من خلالها، ولذلك كان «تيليجرام» هو الخيار الأمثل الذي اتجه إليه تنظيم «داعش»، وأما دور قنوات «داعش» على التطبيق، فمحاولة جذب المؤيدين للانضمام إلى التنظيم عبر التواصل مع القائمين على القنوات، بالإضافة إلى نشر الفيديوهات التسجيلية الخاصة بالعمليات التي تنفذها «داعش»، سواء أكانت لإعدام الضحايا، أم فيديوهات توثق عمليات العنف التي تنفذها خارج حدود سوريا والعراق، مما دفع القائمين على تطبيق «تيليجرام» إغلاق 78 قناة تابعة لـ«داعش»، بعد أحداث باريس الدامية عام 2015، والتي أعلن التنظيم مسؤوليته عن تنفيذها.

أما عن الخدمة عالية التشفير واستحالة تعقب الرسائل بين المرسل والمستقبل؛ فكانت المحادثات والرسائل عبر التطبيق هي وسيلة أفراد التنظيم لتنسيق العمليات المسلحة، التي تنفذها خارج حدود سوريا والعراق، وبالتحديد للتواصل مع منفذي العمليات لترتيب العمليات التي تنفذها في أوروبا وتخطيطها، وتشير بعض التحقيقات والتقارير إلى أن تطبيق «تيليجرام»؛ استُخدم في التخطيط لهجوم برلين في عيد الميلاد عام 2016، والهجوم الذي نُفذ في ملهى ليلي ليلة رأس السنة قبل الماضية في إسطنبول، بالإضافة إلى الهجوم الذي نُفذ في مدينة سانت بطرسبرج الروسية في منتصف أبريل (نيسان) العام الماضي، وهو الهجوم الذي دفع القائمين على التطبيق إلى التوصل إلى اتفاق مع الحكومة الروسية يقتضي بمشاركته مجموعة محدودة من بيانات المُستخدمين المُشتبه في انتمائهم لتنظيم الدولة، على أن يدير تيليجرام عملية مشاركة البيانات.

لماذا يصعب اختراق تطبيق «تيليجرام»؟
نظام المحادثات في التطبيق مزود بمجموعة من الخصائص التي تجعله أقوى تطبيق محادثات سري في الوقت الحالي، ومن هذه الخصائص، أولاً: خاصية التشفير المعروفة باسم «end-to-end encryption»، والتي تعمل من خلال تفعيل كود معين وسري مع كل رسالة يرسلها المرسل، ويستقبل المُستقبل فقط الكود السري نفسه مع إرسال الرسالة، وبذلك يُضمن أن لا أحد غيره يمكنه قراءة الرسالة، وعلى الرغم من أن الشرطة، أو أي جهة أخرى يمكنها تعقب الرسالة للتعرف على هوية المرسل والمستقبل ومكان كل منهما؛ فإنه لا أحد يستطيع قراءة الرسائل حتى القائمين على إدارة التطبيق أنفسهم.

ثانيًا: خاصية المسح الذاتي أو «self-destruct»، وهذه الخاصية يقوم بتفعيلها المستخدم من أجل التخلص من الرسائل بعد إنهاء المحادثة مع الطرف الأخر، وبعد تفعيل الخاصية يقوم التطبيق بمسح الرسالة تلقائيًا بعد أن يقرأها المُستقبل، لذلك إن فقد أحد الطرفين هاتفه فلا يوجد قلق من أن يتمكن أحد من الإطلاع على المحادثة السرية لأن التطبيق قد مسحها بالفعل.

ثالثًا: تيليجرام من أوسع التطبيقات انتشارًا بسبب سهولة الحصول عليه وسهولة التسجيل فيه، فكل ما تحتاجه هو رقم هاتف، وعند التسجيل يرسل لك التطبيق كودًا سريًا تسجله في التطبيق مرة أخرى ومن ثم تبدأ باستخدامه بحرية، ولا يتطلب التطبيق أن تحافظ على شريحة الهاتف التي استخدمت رقمها في التسجيل، بل يمكنك التخلص منها بعد التسجيل، حتى وإن كنت تستخدم أحد الهواتف الذي يمكنك وضع فيه شريحتين، فيمكنك استخدام واحدة للاتصالات العادية وواحدة لاستخدام تطبيق تيليجرام، حتى وإن استطاع أحدهم اختراق الشريحة التي تستخدمها للاتصالات أو تعقبها، فمن المستحيل أن يخترق الشريحة الأخرى التي تستخدمها في تطبيق تيليجرام، وهذا ما كان يفعله أفراد تنظيم الدولة الإسلامية، بالإضافة إلى بعض النشطاء السياسيين في البلاد الديكتاتورية.

رسالة التوثيق.. الثغرة الوحيدة في تيليجرام
في أغسطس (غشت) عام 2016، اخترقت وتعطلت مجموعة من حسابات تيليجرام تخص صحافيين ونشطاء وصحافيين إيرانيين، وحصل المخترقون أو الـ«Hackers» على أرقام تليفونات تخص 15 مستخدمًا إيرانيًا إبان عملية الاختراق، وعرفت هذه الحادثة بأكبر عملية اختراق شبكي تعرض لها نظام إلكتروني يتسم بدرجة عالية من التأمين وحماية البيانات، وفي الحقيقة أن تطبيق تيليجرام يتميز بالأمان، ولم تحدث عملية اختراق مباشر لمحادثة بين مجموعة أو بين شخصين، ولكن الثغرة الوحيدة التي لا يستطيع القائمون على تيليجرام تأمينها هي «رسالة التوثيق»، وهي الرسالة التي ترسلها على الرقم الشخصي الذي تسجله عند إنشائك حسابًا على تيليجرام، وتُرسل حتى يتم التأكد أن من سجل لإنشاء حساب على تيليجرام و صاحب هذا الرقم هما الشخص نفسه، ومن يمكنه اعتراض تلك الرسالة يمكنه الحصول على الرقم السري الذي يرسله لك تيليجرام حتى تسجله في التطبيق لتتم عملية تفعيل الحساب، وبالتالي يمكنه الولوج إلى الحساب الخاص بك.

ولكن هناك سؤالاً مهمًا، إن كان تيليجرام يرسل فقط رسالة التوثيق عند إنشاء الحساب؛ فكيف استطاع هؤلاء اختراق الحسابات التي يستخدمها الصحافيون والنشطاء الإيرانيون بالفعل؟ في الحقيقة هناك حالات أخرى يرسل فيها تيليجرام رسالة التوثيق للتأكد من هوية الشخص، مثل محاولة المستخدم استخدام تطبيق تيليجرام من خلال الحاسوب الشخصي أو من خلال استخدام الحساب نفسه على هاتف آخر، في هذه الحالات لا يمنحك تيليجرام الولوج إلى الحساب الشخصي قبل أن يرسل على الرقم الشخصي المسجل في الحساب كودًا سريًا يطلب منك تسجيله مرة أخرى حتى يتأكد من هوية المستخدم، وهذه هي الطرق التي استخدمت في اختراق حسابات خاصة بصحافيين ونشطاء إيرانيين منذ عامين.

وقال مجموعة من الباحثين إن من نفذ هذا الهجوم هي مجموعة تسمى «Rocket Kitten»، والتي سبق لها أن نفذت هجمات شبكية ضد أمراء من العائلة الملكية السعودية، وعلماء إسرائيليين مختصين في المجال النووي، وعاملين في المجال النووي الإسرائيلي، ومسؤولين في حلف الناتو، ومسؤولين يشغلون مناصب مهمة في الولايات المُتحدة، والهجوم على هذه الأطراف الذين هم في الأساس على خلاف مع إيران يرجح بالنسبة لبعضهم أن مجموعة «Rocket Kitten» تنفذ أجندة الحكومة الإيرانية، وقد لاحظ أيضًا بعض الباحثين أن مجموعة «Rocket Kitten» تستخدم اللغة الفارسية في أكواد الاختراق التي تستخدمها عند تنفيذ الهجمات، وهذا دليل آخر بالنسبة لهم أن هذه المجموعة تعمل بإدارة إيرانية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* (موقع “ساسة بوست“).

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M