“أبناء الأعيان” في تعليم الحماية بالمغرب (1912-1956) (ج1)

11 مايو 2021 17:25
"أبناء الأعيان" في تعليم الحماية بالمغرب (1912-1956) (ج1)

هوية بريس – ذ.إدريس كرم

مفاتيح البحث:

مدرسة أبناء الأعيان، المدرسة القرآنية، كوليج افرانكو-إسلامي، شهادة الدروس الابتدائية الإسلامية، شهادة الدروس الثانوية الإسلامية، دبلوم الدروس الثانوية، نهاية القسم التحضيري، المدرسة الفرنسية البربرية، مدرسة التكوين المهني، التعليم الخصوصي الكاثوليكي، 1937 سنة اضطرابات، كليج تمارة بالرباط الفلاحي الكاثوليكي.

تقديم:

في إطار دراسة جامعية بعنوان “مذكرة الاستعمار” تم جمع العديد من الشهادات بين الفرنسيين الذين عاشوا في المغرب بين عامي 1912-1956 بعض المغاربة تفضل بإعطائنا شهادات سلطت بعض الضوء على بعض من جوانب تاريخ الحماية خاصة الملهم منها، والموجهة لأبحاث أخرى.

الصفحات القادمة تستحضر بعض المسائل التي طرحها تعليم المغاربة المسلمين، اليهود غير معنيين بالدراسة هنا، لأن حالتهم مختلفة.

– ليوطي يحَدِّد هدف تعليم المغاربة:

نحن نعلم أن ليوطي ومعاونيه، لم يعتقدوا أنه يتعين عليهم أن يحترموا في نظام إسلامي المبادئ التي ألهمت فرنسا في إنشاء نظام تعليمي جمهوري لائكي

نفس الأمر بالنسبة لكل الدوافع السياسية وتحقيق الفعالية السريعة، فعلى مستوى التعليم قادهم التصور لنوعين من التعليم بالنسبة للمغاربة:

أحدهم خاص بأبناء الأعيان، والآخر بأبناء الشعب، وإبقاء التعليم الديني على حاله في كل مكان، وسنناقش فقط فيما يلي تعليم أبناء الأعيان

المدرسة التقليدية

كانت المدرسة التقليدية، هي المدرسة القرآنية، باعتبار الدين أساس كل المعارف في نظامها، يلجها الأطفال بمجر استطاعتهم الوقوف على أقدامهم، كانوا يحفظون شيئا من القرآن في البداية من غير فهم، ثم يتدرجون في ذلك شيئا فشيئا، وهم يواصلون قراءته وحفظه.

هذا الاستيعاب الصارم المبكر، استبعد اللعب والغناء والرياضة، وكل أنواع الرفاهية الصحية، كما استبعد أي نقاش لصالح التراكم في الذاكرة، التي يتم تقديره من خلال الترابط العاطفي، الذي غالبا ما يكون قويا بين الطفل ومعلمه، (حتى لو كان المعلم قاسيا) ومهاب الجانب بسبب المكانة التي يكتسبها في بيته مما يجعل الطفل يستلهم ذلك السلوك وتلك المكانة منه.

بالإضافة للمدرسة الابتدائية، يمكن للفتى مواصلة دروسه في المساجد، أو الزوايا، ثم في فاس، بجامعة القرويين.

ليس هناك أطار تعليمي ينظم المستويات، والبرامج، والكل يرتكز على العادات. الاجتماعية، تحت مراقبة قاضي المدينة، وقايد البادية، المعلم يؤجر من قبل العائلات التي تثق فيه ثقة مطلقة، وتقدم له العديد من الهدايا، وتدعوه لمنازلها، وبذلك تتشابك الحياة المدنية والدينية.

الطفل يحترم معلميه، كما يحترم أبويه، لأن في ذلك طاعة لله، وبها يحقق هدفه المثالي.

حوالي 1920 يعتقد أنه كان من بين 800000 طفل في سن التمدرس بالمغرب حوالي 100000 طفل التحق بالمدارس القرآنية، تعلم القراءة والكتابة من بينهم حوالي 10000 طفل، وتابع حوالي 2000 دروسهم في الساجد والزوايا، و500 منهم التحقوا بالتعليم العالي، وهو أكثر من نظيره بالجزائر.

نموذج مدرسة الحماية عند ليوطي:

هذه المدارس لم تستسلم في وجه المنافسة الفرنسية، المغاربة الأبرار استثمروا مراكزهم وأحيانا تحت تأثير من السلطان، لإيجاد طرق وبرامج تجديدية لتعليم عربي أفضل واستحداث مواد علمية، وقد قبلت الأغلبية هذا التجديد بين 1920-1940

جاء في الفصل الأول من معاهدة فاس(الحماية)الإشارة للإصلاحات التعليمية، والتي رآى فيها ليوطي مفتاح المستقبل، فأولاها اهتماما حذرا، متعاملا معها على ضوء كل التجارب المطبقة بالجزائر وتونس ومدغشقر، التي استنتج منها قناعتين وهما:

الأولى أن المَرء لا يمكن أن ينتمي لثقافتين؛ مثل الثقافة المغربية (أو على الأقل كيف يتحكم بها) الرائعة، التي يراد الحفاظ عليها بأي ثمن

الثانية تستند لقناعة مسبقة واسعة الانتشار هي: أن ذكاء المغاربة، مختلف عنا، منغلق على المفاهيم المجردة، والأساليب النقدية، لا يتلاءم مع البرامج الخاصة بالفرنسيين.عواقب توطين الفرنسية بالمغرب سنة 1922

هاتين الفكرتين تؤديان بداهة لخلق سلسلة إجراءات خاصة للتكيف مع الحاجات التي تطرحها الأصالة.

من أجل الفعالية الفورية، أراد ليوطي أولا تشكيل نخبة تكون موافقة لتدعمه في الحكم، وقد تخيلها على المستوى الابتدائي في (مدرسة أبناء الأعيان)وفي المستوى الثانوي في (الكليج الفرنسي الإسلامي) الذي تم تأسيسه سنة 1915 بفاس -كليج مولاي ادريس- والرباط -كليج مولاي يوسف-ليأتي بعدهما غيرهما في مراكش ووجدة، قالوا حرصا على الحفاظ على الثقافة الأصلية وخوفا أيضا من عدم تمكن المغاربة من متابعة تعليم كامل بالفرنسية، قرر أن يعلم بالعربية ما هو أدبي: قواعد اللغة والأدب، والبلاغة، والعروض، وحتى اللاهوت لأنه تم إعطاء مكانة مهمة للتعليم الديني، وتدريس المواد الأخرى باللغة الفرنسية.

كان من الصعب في ذلك الوقت العثور على مدرسين يتحدثون اللغة العربية، وقادرون في نفس الوقت على تدريس العلوم في المدارس الثانوية، فتقرر تكوين ثلاث ديبلومات وهي:

شهادة الدروس الابتدائية الإسلامية، شهادة الدروس الثانوية الإسلامية في نهاية الصف الثالث، ودبلوم الدروس الثانوية في نهاية القسم الابتدائي.

تمَّ دفْع التكاليف لجعل الكليج الفرنسي الإسلامي جذابا، ومكانا عاليا للخبرة المبتكرة والحازمة.

في خريف 1932 وصل مدرس لغة فرنسية لثانوية مولاي ادريس بفاس، بعد مشاهدته السور الطويل وصل بابا مقوسا؛ إنه باب ثانوية مولاي ادريس التي توجد بجانب مقر المقيم العام، والتي له مدخل مباشر لها حتى يمكن له زيارتها في كل وقت وحين، والتي كان يديرها سنة 1930 (روجي لطورنو) مؤلف كتاب “فاس قبل الحماية” قال هذا المدير عن تلاميذ مدرسته:

أبناء العائلات المخزنية، يمكنني القول بأسف بأنهم غير قارين على التعلم، باستثناء قلة منهم، حيث يحيلنا كسلهم لفئات شعبية أخرى، أفراد متوسطو الحالة أو أدنى، يرون في المدرسة، وسيلة للترقي، فالجمهور قد تحول بسرعة، وأصبح المُدَبْلَمون من المسلمين يرغبون في ولوج التعليم العالي الفرنسي وأخذوا يطلبون التحضير لشهادة البكالوريا لأن دبلومهم لا يخولهم الدخول للكليات.

الاندفاع الملحوظ منذ 1918 (في ذلك العام بالفعل طلب 26 مغربيا الالتحاق بالمدرسة الثانوية الفرنسية) تزايد مع ولادة الوطنية أولئك الذين كانوا مثل ليوطي يأملون في “تطَوُّر بطيء” أي يعتقدون في تكوين “جيل انتقالي” بعدما رأوا أنهم متجاوزون بشكل واضح :فذكاء المغاربة لا يختلف عن نظرائهم الأوربيين، وإذا كان هناك “تطور بطيء” فلن يكون في المجال التعليمي، ولا في اكتساب المعرفة، فالشباب المغربي بدأ من 1925-1926 في متابعة الدروس الثانوية بفرنسا، وسويسرا، أو القاهرة، أو فلسطين، لذلك كان من الضروري تعديل برامج الكوليجات ابتداء من سنة 1930 فأُحدثت قسم جديد يهيء الطلبة مباشرة للبكالوريا، لذلك أدخلت دروس اللاتينية، لأنها كانت مفتاح التعليم العالي الفرنسي وقتها، كل تلاميذ كليج مولاي ادريس اختاروا هذا القسم الجديد، مع نجاح متفاوت للتسجيل، بعد مدة من المنع، سمح للمغاربة بالتسجيل بعد الامتحان في الثانويات الفرنسية.

بوادر نجاح المخطط الفرنسي المدرسي:مدرسة أبناء الأعيان، المدرسة القرآنية، كوليج افرانكو-إسلامي، شهادة الدروس الابتدائية الإسلامية، شهادة الدروس الثانوية الإسلامية،

المعلمون الفرنسيون أكدوا بأن لذى هؤلاء التلاميذ (المغاربة) بعض الصفات من الذكاء والشخصية، اتي نعتقد بها خصوصية رجعية.

الاحترام والثقة المتبادلة عند هؤلاء التلاميذ مزدهرة، بروابط عاطفية بينهم في الداخلية كما في أقسام الدراسة، وبالتالي أمكن لمدير مولاي يوسف بالرباط تطبيق أساليب جريئة بنجاح كبير حسب قوله، فقد ضمن انضباط إداري ذاتي لكل التلاميذ من عمر 10 لـ24 سنة وانتخبوا مجلسا من 8 أفراد ممثل عن كل قاعة نوم مشتركة، وهو مجلس يجتمع مرة في الأسبوع، ويفرض عقوبات عن كل طالب غير منضبط أبلغ عنه مراقبو الداخلية، وقد أعطى أولئك المنتخبون الدليل العملي على الحياد والنزاهة، التي ينبغي أن يتحلوا بها تجاه أصدقائهم، كما كانوا يستشارون بعد كل مرحلة دراسية، وقد كانوا حريصين عن أن يكونوا قدوة للسلوك المثالي.

وفي حالة ما إذا أخطأ أحدهم يقدم استقالته من مجلس الإدارة، دون خوف من الاعتراف بالسبب، وهكذا أصبحت سلطتهم الأخلاقية واضحة، دفعت المدير لتوسيع صلاحياتهم: ..بأخذ رأيهم في التغذية، والفسحة، ونوعية العقاب..

في سنة 1927 اقترح أستاذ بكوليج مولاي إدريس على التلاميذ موضوع انشائيا تحت عنوان: “فاس في سنة 2000” قام مدير الكوليج “لوطورنو” بتلخيص محتوى ما جاء في أراق التلاميذ، من أجوبة (نشرت كمقال في مجلة إفريقيا الفرنسية 1937).

تصور الشباب أن مدينتهم تخترقها شوارع واسعة تجوبها حافلات نقل، وكل عائلة لها سيارتها، على المستوى الشخصي أحلام المستقبل ثورية: كل واحد سيختار زوجته، لكن الزواج سيتأخر لإعطاء مزيد من الوقت للدراسة، ورفض حمل هم التعامل مع زوجة جاهلة (في هذا الوقت كان عدد التلاميذ المتزوجين بدأ ينقص مسبقا في الكوليج).

زواج الحب يمارس عليهم سحرا حقيقيا، مما يدفعهم لإدانة تعدد الزوجات، والطلاق، وتمنِّي تعليم البنات، والرغبة في عروس غير محجبة، تلبس على الموضة، متجملة، تعانق زوجها ولو أمام الملإ.

فهل ربحت الثقافة الغربية جولة لذى النخب المسلمة ؟أم أن التلاميذ فقط يعبرون عما يُرضي المعلمين؟

مواقف مقلقة لرواد المدرسة الفرنسية، لكن العاصفة الوطنية لسنوات الثلاثين (يقصد بها الاحتجاجات على الظهير البربري والاحتفالات بعيد العرش والمطالب المستعجلة) التي هزَّتهم لم تحولهم بأي حال من الأحوال، عن القيم الحديثة، حتى ولو على المستوى الديني، كلام هؤلاء الشباب مقلق:

يعتقد هؤلاء الشباب أنه في عام 2000 ستكون المساجد فارغة، والمدارس القرآنية تبدو لهم أماكن مأهولة بالجراثيم microbes، وهم يستنكرون ببشاعة ورعب، المكافأة المقدمة للتلاميذ الطيبين، (المقصود طلاب القرويين، الذين يخاطبونهم بسخرية): اشربوا ماء غسل بياض. “صَلْصَال” الألواح الذي يكتب عليه القرآن!

الجيل الشاب في طريقه للقطع مع الجيل السابق، وهو ما يقلق آباءهم.

الرواية القاسية لإدريس الشرايبي بعنوان le passe simple الصادرة في 1954 تشهد على هذا التضارب بعد بضع سنوات.

ومع ذلك بقي هؤلاء الشباب متشبعين بشعور ديني عميق، الأساتذة تفاجؤوا بذوقهم الأدبي المتمثل في اختيارهم نصوصا لبسكال، وبوسيه، وبوليوكت.

ومن ضمن الفرق التي خلفت فريق ليوطي كان هناك العديد من الرادكاليين والماسونيين، والمفكرين الأحرار، أو ببساطة الجمهوريين المرتبطين بالمدرسة العلمانية، حيث الدولة الفرنسية تدعم المؤسسات التي كان يدرس بها القرآن لهؤلاء الشباب بشكل قبيح، ومع ذلك لم يستغلوا التغييرات في البرامج للحد من مكانة الدين، لتحقيق تغيير عميق في المجتمع المغربي:

هناك مؤسستان تستحقان الذكر على مستوى المرحلتين الابتدائية والثانوية، وهما:

المدرسة الفرنسية البربرية بأزرو، والمدرسة المهنية بصفرو..

يتبع..

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M