أتدرون من المعاق؟؟!!!

06 سبتمبر 2016 20:07
أتدرون من المعاق؟؟!!!

هوية بريس – جواد أمزون

إن المتتبع لنصوص القرآن والسنة يجد أن الإسلام قد اعتنى بتصحيح المفاهيم عند المسلمين أيما عناية، وبتقويم موازينهم التي يزنون بها الأشخاص والأشياء، لأن صحة المفهوم واستقامة الميزان يؤثران في صحة العمل وحسن التصرف والعكس صحيح. ومن تلكم المفاهيم: المفلس والبخيل والفوز والتوكل والفلاح والربح والتفاضل وغيرها كثير كثير.

لهذا يجب على المسلم أن تكون مفاهيمه مبنية على نصوص الوحيين ولا يقبلها إلا بميزان الشرع، وهذا قليل في واقع المسلمين للأسف الشديد.

وإن من تلكم المفاهيم التي ينبغي على المسلم أن يفهمها فهما سليما: مفهوم (المعاق) و(الإعاقة)، فكثير من الناس يظنون أن المعاق هو ذاك الشخص الذي أصيب بعاهة حسية أو ذهنية أو نفسية = فقد عضوا من جسده أو حاسة من حواسه = فقد أهليته في حياة طبيعة فصار من ذوي الاحتياجات الخاصة. هذا فهم خاطئ قاصر.

إن هذا المعاق قد رتب الله له أجرا عظيما، فذاك بلاء وللبلاء جزاء لما ورد في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

* (إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلاَءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ) رواه الترمذي (2396)

* (يَوَدُّ أَهلُ العَافِيَةِ يَومَ القِيَامَةِ حِينَ يُعطَى أَهلُ البَلَاءِ الثَّوَابَ لَو أَنَّ جُلُودَهُم كَانَت قُرِّضَت فِي الدُّنْيَا بِالمَقَارِيضِ) رواه الترمذي (2402)

 * (يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ، وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ، وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ). رواه مسلم (2807)

فإذا علم هذا فالمعاق لم يخسر شيئا بل فاز بكل شيء لمن تأمل، والله جل وعلا يقدر ما شاء على من شاء لحكم ومصالح، ونعمه تترى إن نزع واحدة أبقى بمنه وكرمه ما يعد ولا يحصى، والمسلم جنته في قلبه بتوحيده وإيمانه وتقواه وخوفه من الله.

وإن المعاق حقيقة – لمن تأمل-  هو الذي أنعم الله عليه بآلاء جسيمة لكنه جحدها وكفر بها ولم ينتفع بها وجمد عقله ومسخ دابة وعاش بهيمة في صورة إنسان، وأنكر الحق ولم يسلك الطريق المستقيم ولم يعتقد الاعتقاد السليم بل اتبع هواه وغلبته شهوته ونزواته وسار خلف منصبه وأمواله، قال الله: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (الأعراف/179).

وقال سبحانه: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) (الفرقان:44).

ومن تتبع حياة المشاهير من السلف والخلف سيجد الكثير من العمي والعرج والخرس والبكم والمقعدين لكنهم ملأوا الدنيا نجاحا ومجدا وإبهارا وإبداعا ولا يزال الناس يتحدثون عنهم ويتناقلون أخبارهم وسيرهم ويجعلونهم قدوات لهم. فهذا حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما أصيب بالعمى في آخر حياته وهذا ابن مسعود كانت ساقاه نحيفتين ولكنهما أثقل من جبل أحد في الميزان وهذا عمرو بن الجموح خرج مجاهدا وهو أعرج وهذا عطاء بن أبي رباح الذي ساد أهل زمانه بالعلم وكان ينادى في موسم الحج: “لا يفتي الناس إلا عطاء بن أبي رباح”؛ جاء في ترجمته أنه كان أعور، أشل، أفطس، أعرج، أسود، وقطعت يده مع ابن الزبير، وأصابه العمى بعد ذلك وهذا الأعرج والأعمش والزمخشري بترت رجله والشاعر المعري وسلسلة الأعلام طويلة ووفي عصرنا هذا ابن باز فقد بصره ولكنه ملأ الدنيا بعلمه وأخلاقه وبذله وهذا أحمد ياسين زعيم المقاومة ومؤسسها في فلسطين.. وأما أعلام الغرب فكثر فهذا لويس برايل الأعمى صاحب تقنية برايل للمكفوفين وهذا الطبيب الجراح ديفيد هـارتـمان كان أعمى وهذا الموسيقار بيتهوفن كان أصم وهذه الأعجوبة هيـلين كـيلر فقدت السمع والبصر والكلام في عمر 18 شهرا لكنها استطاعت أن تتعلم القراءة والكتابة وحصلت على الدكتوراه في العلوم والفلسفة ودرست الآداب والانجليزية والألمانية والفرنسية واليونانية واللاتينية، والنماذج كثيرة جدا جدا.

كلهم أسهموا في بناء وتقدم الأمم والشعوب وغيروا مجرى التاريخ وعاشوا نجاحا لا يصدق فهل يصح أن يقال عن أحدهم معاق؟ وفي المقابل تجد آلافا من الناس الأقوياء الذين يملكون صحة جيدة وقد يصارعون الثور ويغلبون البغل ولكنهم يعيشون حياة فاشلة، لم يتعلموا علما ولم يحققوا نجاحا ولم يتصفوا بخلق حسن ولم يعملوا عملا نافعا، أكلة بطلة جهلة في مثلهم قال الله: (يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ) (محمد12)، وفي حقهم قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:

 لا بأس بالقَومِ مِن طولٍ ومن عِظَمٍ***جسم البِغالِ وَأَحلامُ العَصافيرِ

ليست المعاق إذا من يملك همة عالية وعقلا ذكيا وخلقا سويا وفكرا نقيا وذكاء متقدا ولكن المعاق حقيقة من صار جسما باليا وجثة هامدة وخلقا سيئا وفكرا سقيما لا هم ولا روح لا دين ولا دنيا، هذا كله أفرز لنا جيلا معاقا يرى الفضيلة رذيلة والحق باطلا والباطل حقا والإفك أقوم قيلا والكذب دينا والتشويش والتحريش شعارا والزندقة مذهبا، (جيلا غالبه مظلم الروح.. بليد الذهن، ضعيف الإرادة، يترنح كالذي يتخبطه الشيطان من المس، سقط متاع لا يباع ولا يبتاع ، دوٍ كحال الطبل،  ما  في جوفه شيء ولكن للمسامع يشغل، هبل إذا اجتمعوا صاحوا  كأنهم ثعالب ظبحت بين النواويس، رؤاهم أهدافهم ما عرضت إلا رأيت عجبا، ترى ناسا يتمنون العمى، وآخرين يحمدون الصمم!!)

ولقد رأينا وسمعنا وقرأنا عن أناس من ذوي الاحتياجات الخاصة ما يدمع العين ويهز القلب ويفتح باب الأمل فمن حاصل على شواهد عليا ومن مؤلف للكتب ومسير الشركات ومدبر لمشاريع ومساهم في تدبير الشأن العام فكان البلاء عطاء والمحنة منحة والنقمة نعمة، ولله در المتنبي إذ يقول:

لَعَلَّ عَتبَكَ مَحمودٌ عَواقِبُهُ ** فَرُبَّما صَحَّتِ الأَجسامُ بِالعِلَلِ

وقال أيضا:

وإذا كانت النفوسُ كبارًا ** تعِبتْ في مُرادِها الأجسامُ

وقال أبو تمام:

قَد يُنعِمُ اللَهُ بِالبَلوى وَإِن عَظُمَت ** وَيَبتَلي اللَهُ بَعضَ القَومِ بِالنِعَمِ

فهذه تحيات زاكيات لمن أصيب في جسده وعافاه الله في عقله ودينه وهذه عبارات حب وإجلال لمن تغلب على عاهته وجعلها سببا للنهوض ودافعا للتقدم والنجاح ومعينا على الإنتاج والإبداع..

وتبا وتعسا للمعاقين في عقولهم وقيمهم الذين عطلوا مواهب الله ونعمه، الفاشلين في حياتهم، الذين صاروا زوائد على جمل لا محل لها من الإعراب، فعاشوا أصفارا وماتوا أصفارا…

ولله در من قال:  لَيْسَ مَنْ ماتَ فاسْتَرَاحَ بِمَيْتٍ ** إنَّمَا المَيْتُ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ

وصدق الحق سبحانه إذ يقول في محكم تنزيله:

 (أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) (النحل:21).

فهذه كلمات كتبتها دفاعا عن الشيخ الحبيب المناضل المجاهد حماد القباج حفظه الله.. وردا على ما قيل فيه من كلام هزيل سخيف تناقله المغرضون أصحاب المواقع والجرائد الصفراء (المسخرين) ذوو النفوس المريضة والأغراض الدنيئة.. كلام يدل على المستوى المنحط الذي وصل إليه التنافس السياسي والإقصاء العلماني والارتزاق الإعلامي.. لكنها ضريبة المزاحمة والمدافعة ولو بقي في بيته ما سمع شيئا ولو لم يكن ذا وزن ما هوجم بهذا الشكل.. والأيام حبلى بالمزيد..  فالصبر الصبر أيها الشيخ..

ولم أجِد الإِنسانَ إِلا ابن سعيِه***فمن كان أسعَى كان بالمجدِ أجدرا

وبالهمةِ العلياءِ يرقَى إِلى العُلا***فمن كان أرقَى هِمَّةً كان أظهرا

ولم يتأخرْ مَن يريدُ تقدمًا***ولم يتقدمْ مَن يريدُ تأخرا

وفقكم الله شيخنا وزاكم صبرا وحكمة.. وحفظكم من كيد الفجار وشر الأشرار

رب يسر وأعن !!!

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M