أرقام الحليمي وأهداف حكيمي

16 أكتوبر 2022 20:11

هوية بريس – برعلا زكريا

حينما تتقاذفك أمواج بحر غلاء الأسعار العاتية، المتلاطمة يمينا ويسارا. ويشدك التيار شدا للأعماق. فتكاد رئتاك تنفجر من الضغط. وتصل لمرحلة تفقد فيها الشغف. ليس فقط شغف العمل، أو النهوض في الصباح لاستقبال يوم جديد ،وإنما شغف الحياة برمتها. فينعدم الوقت وتضطرب حركتا الزفير والشهيق، وتفقد الإحساس بما يجري من حولك، ولا حتى الطعام يثير اهتمامك.

في هذه المرحلة يصبح التوجه للعمل أصعب من العقاب الأبدي الذي حكم به “زيوس” على “سيزيف”، حين عاقبه بأن يحمل الصخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه، فإذا وصلت للقمة تدحرجت للسفح، فيعود لرفعها إلى القمة من جديد. ويظل هكذا إلى الأبد..

فقدان الشغف يظهر جليا على وجوه المارة في الشوارع، والزملاء في العمل والأصدقاء عند اللقاء، و على مستوى الأسر في البيوت. فلم يعد الناس مدركين إن كانوا حقا يعيشون الحياة أم يصارعون واقعا مريرا بدون أي مؤشرات للخلاص.

أهو فيروس جديد أشد فتكا وانتشارا من كوفيد؟ فلا العاطل مرتاح البال، ولا الموظف قرير العين، ولا العازبة منشرحة الصدر، ولا المتزوجة مستبشرة. إنما غمامة الهم واليأس والخوف تغشي أعين الجميع.

إنه زمان غير كل زمان، أو لعله آخر الزمان، حيث أصبح الميت أو السكران مرتاحا ليس حيران، فقد جاءه الخلاص وتقاعد عقله من التفكير!

إنه زمان كثرة الطلاق وارتفاع الإجهاض السري والتخلي عن الأطفال وشيوع الرقص أمام الكاميرات وانتعاش صناعة التفاهة و”تطويط” الثقافة وتصوير المقالب، ألا يكفي هؤلاء مقلب ارتفاع الأسعار الذي نتعرض له بشكل ممنهج.

إننا تقدمنا بشكل كبير لدرجة أصبحنا متخلفين، شوارع مكتظة بالمتشردين والمتسولين، وأشخاص يجلسون في المطاعم متقابلين ولا يزعجهم أن يأكلوا أمام أعين الناظرين من المحتاجين الذين ينتهي بهم المطاف إلى البحث عن لقمة مباشرة من صناديق القمامة.

زمان كثرت فيه الحوادث ومواكب الجنائز، وموت الفجأة والوفاة بعد احتساء خمر مغشوش، وانخفاض منسوب التسامح والتعاون والتكافل.

زمان يقضي فيه الشباب زهرة العمر محدقين في شاشات الهواتف غير قادرين على الاستيقاظ في الصباح كأنهم خفافيش الكهوف.

حتى الصغير تسرق منه طفولته في الحضانة حيث يقضي الساعات ويأكل المعلبات، لأن أمه باعت أيامها للعمل خارج البيت مقابل أجر لا يغني ولا يسمن، بل بالكاد يكفي للتنقل من وإلى العمل، والأكل وشراء الدواء لمواصلة العمل!

هل أبالغ في الوصف؟ أم أنني من نصف المغاربة الذين يعانون من المرض النفسي كما جاء في تقرير رسمي. قد تكون كل الأجوبة صحيحة ، لكن الأكيد أن راحة البال صارت عملة نادرة. فمن لا زال بمقدوره النوم دون أرق أو تفكير أو استيقاظ متردد، ودون اللجوء للمسكنات والمنومات، فهو أغنى الناس.

إن أرقام المندوبية السامية للتخطيط تعكس وضعا اجتماعيا مقلقا يقابلها أمل من بعض المسؤولين في استعادة الفرحة والشغف المفقود بعد الفوز بكأس قطر!

ما أصعب مهمتك يا وليد ! فهناك من يعول على أهداف “زياش” و”حكيمي” لتخطف الأضواء من تقارير “الحليمي”.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M