أقيموا الصلاة… من أجل الحكامة الجيدة

15 فبراير 2017 12:45
الليبرالية إحياء للجاهلية وإيغال في الرجعية

هوية بريس – ذ. أحمد اللويزة

يكثر الكلام عن الحكامة الجيدة وتخليق الحياة العامة والشفافية وغيرها مما يروم توفير خدمات مريحة وعالية الجودة وبالغة الدقة للمواطنين في جميع مجالات الحياة، وبطبيعة الحال فلأن المعني بتطبيق مقتضيات ذلك هو الإنسان، فإن هذا الإنسان إذا لم يكن في المستوى المطلوب تكوينا وتربية وإيمانا بأهمية ذلك فإن النتائج تبقى دون المستوى أو بلا مستوى.

والغريب أنه منذ عقود والحديث لا يراوح مكانه عن الموضوع، وهذا يؤكد أهمية العنصر البشري صاحب المبادئ والقيم التي تجعله يسعى في إنجاح مشروع الحكامة الجيدة.

وهنا قد يشتغل المتتبعون والمهتمون بالأسباب والدوافع، وقد تتعدد الرؤى والأفكار وتتباين بحسب منطلقاتها عند هؤلاء، وأود أن أنبه على سبب أراه وجيها ومن الأهمية بمكان وأنا على يقين لو أخذ بعين الاعتبار سيحقق ما لم يكن بالحسبان. ألا وهو الحفاظ على الصلاة وإقامتها، وعلاقتها بتحقيق الحكامة الجيدة والتنمية البشرية الرائقة واللائقة.

كنت في مقال قبل هذا تكلمت عن علاقة الصلاة بالعزة والكرامة المنشودة منذ عقود. ولأن من مظاهر الكرامة التنمية المستدامة والحكامة الجيدة في تدبير شؤون الحياة، كان من الضروري بيان ذلك وعلاقته بهذه الفريضة العظمى في الإسلام.

لماذا الصلاة وما علاقتها بالموضوع؟

فقد يثير الموضع سخرية عند هواة احتقار الشرائع وازدراء الشعائر، بله أن تكون مرتبطة بموضوع دنيوي يرون فيه إقحاما للدين في الحياة العامة التي ينبغي أن تبقى في منأى عن تدخل الإسلام فيها على حد اعتقادهم البائد في فصل الدين عن الدنيا.

فالكلام موجه إلى أمة رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا. من أجل نفض الغبار عن حقائق ارتباط الإسلام بالحياة عامة، وأن شعائره مرتبطة بتحقيق مكاسب دنيوية كما هي مرتبطة بمكاسب أخروية في تكامل لا يجده الإنسان إلا في دين هو الإسلام. هذا الدين الذي يتعرض للتشويه والتنقيص، وبناء سور من الأغاليط بينه وبين المسلمين حتى يبقوا في جهل تام بعظمة دينهم الذي ينتمون إليه.

إن للصلاة مقاصد وأثار تتنوع بين التربوية والاجتماعية والروحية وأثر تلك القيم المستفادة من الصلاة على الفرد والمجتمع سواء فيما تعلق بالدنيا أو الآخرة قوي في تحقيق نهضة بشرية تحقق الرفاهية والرخاء والسمو والرقي العمراني والإداري والاقتصادي والسياسي…وكل ذلك في خدمة الدين والآخرة.

إن الحكامة الجيدة التي تمكن من تحقيق ما سبق تقوم على مبادئ أساسية؛ هذه المبادئ تتجلى في كل من الشفافية، والمناصفة، والمسؤولية، والمحاسبة، والجودة في التدبير…، في مقابل محاربة الرشوة والغش والفساد والمحسوبية والنصب والاحتيال وكل ما من شأنه أن يحول دون تحقيق نهضة مجتمعية تليق بأمة الإسلام.

فكيف للصلاة أن تساعد على كل ذلك؟

لا بد من التأكيد قبل الحديث عن الصلاة وأثرها في تخليق الحياة العامة أن المقصود بالصلاة تلك التي تقام على الوجه المطلوب شرعا، ظاهرا وباطنا، الإقامة التي ارتبطت بالصلاة كلما ذكرت في القرآن. وليست أي صلاة؛ وإلا فما أكثر المصلين الذين هم عن مسؤولياتهم ساهون وفيها مفرطون.

فحين نقرأ قول الله عز وجل: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) العنكبوت/45، يظهر جليا أن من أعظم ثمار الصلاة المقامة بشروطها وأركانها وآدابها جعل المصلي بعيدا عن الفحشاء والمنكر، فيصلح حاله وتستقيم تصرفاته.

وعلى هذا الأساس يكون الموظف والعامل في أي مجال بعيدا عن ما يضر بتخليق الحياة العامة، فلا غش، ولا رشوة، ولا محسوبية ولا زبونية، ولا ظلم ولا إهمال ولا نصب ولا احتيال، ولا استغلالا للنفوذ، ولا كل ما يدخل في دائرة المنكر مما يتنافى مع الحكامة الجيدة وتخليق الحياة العامة. مع الحرص على التفاني في العمل والإخلاص فيه، والمصداقية والنزاهة والشفافية، ومراقبة الله عز وجل، وحرصا على الكسب الحرام ورغبة في رقي المجتمع والأمة الإسلامية جمعاء.

ولا يكون المسلم على هذه الحالة المتميزة إلا إذا واظب على الصلاة مستحضرا قدرها ومكانتها، حريصا على إقامتها كما يريد منه الله عز وجل، وكما صلاها رسول الله عليه الصلاة والسلام. وبذلك ينتفع بها كما قال ابن مسعود فيما أخرجه ابن أبي شيبة (13/298) بسند حسن عَنْه قَالَ: “لاَ َتنْفَعُ الصَّلاَةُ إِلاَّ مَنْ أَطَاعَهَا” ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللهِ: (إنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ).

فالحرص على الخشوع فيها قدر الإمكان يمكنه من حصر ملكة الدهن والتركيز في أداء عمله ومهمته بإتقان، كما يحرص على إتقان ركوعه وسجوده، منضبطا في وقته كما هو منضبط لأوقات الصلاة مراعيا قول الله عز وجل: (إن الصلاة كانت على المومنين كتابا موقوتا) النساء.

ولا تسول له نفسه بغش ولا سرقة ولا تطفيف ولا تهاون إذ هو لا يفعل ذلك في صلاته مستحضرا قوله عليه الصلاة والسلام من حديث أبي قتادة رضي الله عنه قال، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته لا يتم ركوعها ولا سجودها ولا خشوعها” رواه أحمد.

ثم إن الموظف حتى وإن ابتلي بخلق سيء، يسئ إلى عمله وينقص من فعاليته ونجاعته ومردوديته، ويؤثر في واقع الحياة العامة، فإن كان مواظبا على صلاته مقيما لها سيكون لها عليه أثر ولا شك، وسيترك ذلك السلوك السيئ. كما جاء عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن فلانا يصلي بالليل فإذا أصبح سرق، فقال: (سينهاه ما تقول) أي صلاته بالليل. رواه أحمد وابن حبان والبيهقي.

وقال السعدي رحمه الله :”وجه كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، أن العبد المقيم لها، المتمم لأركانها وشروطها وخشوعها، يستنير قلبه، ويتطهر فؤاده، ويزداد إيمانه، وتقوى رغبته في الخير، وتقل أو تعدم رغبته في الشر، فبالضرورة مداومتها والمحافظة عليها على هذا الوجه تنهى عن الفحشاء والمنكر، فهذا من أعظم مقاصدها وثمراتها” تفسير السعدي (ص632).

وقد كان شأن أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام وهم في مصانعهم ومعايشهم يتعاملون كأنهم في صلاة، مستحضرين قيمها ومتحلين بآثارها لأنهم كانوا يقيمونها على الوجه المأمور به شرعا، لذلك انتفعوا بها، ولا تسأل عن علاقتهم بالصلاة.

لذا كانت من أسباب حصول الرقي والتفوق الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والعسكري في زمانهم. ويدل على ذلك قوله تعالى: (سيماهم في وجوههم من أثر السجود). الفتح. عليهم خشوع الصلاة وخشيتها وسكينتها. ومن كان كذلك فلن يكون إلا مراقبا ربه، مستحضرا شرعه، حافظا عهده، وفيا في أداء أمانته ومهمته.

 ولا يصلح أخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها كما قال الإمام مالك رحمه الله.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M