أما آن لهذا الذل أن يرتفع؟

14 يناير 2021 12:09
فيديو.. العنف ضد المرأة.. رؤية شرعية ومقاربة اجتماعية - د. أحمد اللويزة

هوية بريس – د.أحمد اللويزة

يقول الله تعالى (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون). من تأمل هذه الآية فهي تدل على أن المؤمن عزيز كريم مرفوع الهامة متصب القامة مهاب الجانب يحسب له ألف حساب. هذا الأصل وهذا الذي دلت عليه الآية. وهذا هو الواقع؛ ليس اليوم ولكن في الماضي التليد حيث العز الفقيد.

ومن تأمل في واقعنا اليوم يجد أن المسلم اليوم من أذل ما خلق الله من البشر؛ محتقر مهان مهيض الشخصية، لا يعبأ به، بل يعيش المسلمون اليوم أبشع أنواع القهر والإذلال بشكل لم يعرفه تاريخ المسلمين رغم كل النكبات التي عرفوها في تاريخهم.

فإننا اليوم نتجرع كأس الذل؛ نشربه رغما عنا أحيانا، وبرضى أحيانا كثيرة. بمعنى أننا رضينا بالذل والهوان، كثير من المسلمين اليوم يرون في جلادهم وظالمهم ومستغل خيراتهم ومفقرهم والمعتدي عليهم سيدا شريفا، وإنسانا رحيما، وكائنا مسالما. فمن رضي بالذل ويرى فيه سعادته فأنى له أن يفكر في استرجاع كرامته وانتزاع حقه، ورفع هامته. ومن يهن يسهل الهوان عليه.

فبهذا المعنى أقول إن الذل الواقع اليوم على الأمة أبشع من أي وقت مضى عاشت فيه الأمة القهر لكنها لم تكن ترضى به. إلا في زماننا حيث لا يستنكر هذا الواقع إلا بقايا من أهل النخوة، ممن لا زال على العهد، متمسكا بدينه في زمن الغربة والقهر، فمن ذلك يستمد شعوره بالكرامة رغم هذا الهوان الذي يلف الأمة من كل جانب.

الأمة الإسلامية لا ينقصها خير ولا تفتقر إلى ثروة، فقد حباها الله بكل ما يحتاجه الإنسان من ثروات وخيرات، لكنها كلها يسيطر عليها العدو، ويمنح منها ما يريد إلى شعوب الأمة وبشروط، فأي ذل بعد هذا؟؟ ولكن أمة فرطت في دينها وانسلخت عنه بل صار منها من يعاديه أو يعادي بعض شعائره فحري بها أن يسلط الله عليها الذل، وأن يحرمها مما حباها به ويجعله في يد عودوها وقاهرها، وبقدر تفريطها في دينها وبعدها عن مصدر عزها وكرامتها بقدر من ينزل عليها من الذل والهوان.

واني حين أتساءل إلى متى هذا الذل والهوان، فإن ذلك مرده إلى ما أره من اكتمال السطوة والغطرسة الصهيونية الصليبية على أمة الإسلام بعد عقود من الشعارات والأشعار والأمسيات والثورات والمظاهرات واللافتات وحرق أعلام الأعداء… مع كثرة الأماني والأحلام….لكن لم أر بعد ذلك إلا زيادة في المهانة والاحتقار والاستغلال وتفننا في الظلم الواقع على الأمة…

فلم هذا والأمة المسلمة تنتسب إلى دين ارتبط بالعزة والكرامة، دين جعل من العرب الذين كانوا يعيشون حالة من الهوان بلا قيمة ولا وزن، أمة واحدة عزيزة مهابة تسقط على يدها أعتى الإمبراطوريات فارس والروم في وقت وجيز، بعد أن كانت هذه الدول تتقاسم نفوذها على قبائل العرب وكانوا بمثابة ذروع بشرية تستعملها في الحروب التي دارت بينهما على مدار 700 سنة تقريبا.

إنها عزة الإسلام التي قال عنها الفاروق عمر لما قدم إلى بيت المقدس ليتسلم مفاتحه من يد الصليبين وقد جاء على هيئة رثة لا تليق بأمير المؤمنين وخلفية المسلمين في نظر من تستهويه المظاهر وترعبه الأبهة، فقال رضي الله عنه لعمرو بن العاص مقولته الخالدة (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله).

هذا هو الواقع وهذه هي الحقيقة، فشعوبنا من عقود وهي تبحث عن العزة لكنها لا تزداد إلا ذلا، والسر في ذلك أنها تريدها بغير الإسلام، وحتى من يرفع شعار الإسلام فهو غير قادر على الثبات على المبادئ مستعد للتنازل حتى لا يسخط عليه العدو. وينسون أن كل تنازل عن شعيرة من الشعائر كانت صغيرة أو كبيرة هو بمثابة إشارة إلى الضعف والهوان الذي يستحكم في القلب… فمن كان عزيزا بالإسلام فليعتز به كله نزولا عند قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة)، يعني الإسلام كله.

وحتى لا يذهب أحد بعيدا تأثرا بنظرية الأولويات، غلوا وتطرفا، فإني أنبه إلى حديث النبي عليه الصلاة والسلام حين قال: (لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر لأن اليهود والنصارى يؤخرون). رواه أبو داود وغيره.

فتعجيل الفطر قد يبدو ا للبعض أمرا ثانويا ليس من أصول الدين ولا من مهماته لكن الرسول الأكرم الأعلم والأحكم جعله سببا ومظهرا من مظاهر سيادة الأمة لأن به يبقى الإسلام عزيزا ظاهرا…

ولنا في قول أبي بكر زمن الردة حين أبى الرجوع عن قتال المرتدين رغم مخالفة الجميع له فقال رضي الله عنه: (والله لو منعوني عقالا (وفي رواية عناقا) كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم على منعه) رواه البخاري.

فمن نظر إلى العناق والعقال لرآهما تافهين لكن أبى بكر تمسك بذلك إعزازا للدين وحفظا لهيبته، ورفض رد جيش أسامة بعد أن أنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشام قبل وفاته رغم ما تعانيه المدينة من ارتداد القبائل.. ولكن الأولوية عند الصديق رضي الله عنه تنظر إلى عزة الإسلام وبأي شيء تحصل بأمر صغير أو كبير.

هذه هي سنة الله في أهل الإسلام إنهم لا عز لهم ولا كرامة إلا بالإسلام علما وعملا ودعوة، دون تفريق بين شعائره ولا استهانة ببعض أوامره وأحكامه. وإلا فإن ما عشناه ولا زلنا نعيشه يؤكد أن أي تنازل مهما كان شأنه هو ثلمة في الدين وطعن في جسده ولن يعود إلا بمزيد ذل وهوان.

فحسبنا من الحلول الحل الذي قدمه إلينا الرسول الأمين حين قال: (سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم)، وذلك لما بين الرسول عليه الصلاة والسلام أن سبب الهوان في الأمة هو تعلقها بالدنيا والتعلق بالدنيا بلا شك سبب في تهميش الدين والتخلي عنه… والمصيبة أننا أصبحنا نعيش -أمة الإسلام- واقعا ما حققنا فيه دنيا ولا حافظنا فيه على دين…

آن لهذا الذل أن ينتهي حين يشتغل المهتمون بأمر الأمة بدعوة المسلمين إلى الرجوع إلى الدين كله -فرضه وسنته- بالعلم والحلم والحكمة والمنطق. توفيرا للجهد والوقت والتكلفة. ومن لم يستفد من التجارب فلن يبلغ الهدف… والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين والعاقل من يعتبر، والسعيد من وعظ بغيره؟

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M