أمين السعيد*: اختيار الملك كان حكيما والبلوكاج مسؤولية الجميع

31 مارس 2017 18:55
أمين السعيد*: اختيار الملك كان حكيما والبلوكاج مسؤولية الجميع

حاوره: مصطفى الحسناوي

 

مصطفى الحسناويفي تقديرك هل اختيار الملك لشخصية أخرى من نفس الحزب كان أفضل وأجدى الاختيارات المتاحة؟ وماهي تكلفة الخيارات الأخرى؟

%d8%a3%d9%85%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%b9%d9%8a%d8%afموضوعيا، يمكن توصيف القرار الملكي بتعيين شخصية ثانية من حزب العدالة والتنمية بالقرار الحكيم، وذلك لعدة اعتبارات؛

الاعتبار الأول: يتجلى في كون المؤسسة الملكية، حافظت على ما يعرف في الأدبيات السياسية الحزبية بالتقيد بالمنهجية الديمقراطية التي تقرن القرار السياسي بصناديق الاقتراع، وذلك من خلال تعيين شخصية سياسية من الحزب المتصدر لانتخابات مجلس النواب.

الاعتبار الثاني: يرتبط بالسلطة التقديرية الواسعة التي تمنحها الوثيقة الدستورية للملك، في اختيار الشخصية السياسية المناسبة من داخل حزب العدالة والتنمية، وبدون انتظار الشخصية السياسية التي تفرزها هياكل الحزب، وهذا ما يعني أن المؤسسة الملكية قامت بتأويل وتفعيل ديمقراطي لمقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 47 من الدستور، المبنية على اختيار الشخصية الثانية التي تتولى رئاسة برلمان حزب العدالة والتنمية.

وبناء على هذا المُعطى، كان من المفترض أن يسلك الملك اختيارات متعددة من بينها؛ اختيار العودة إلى انتخابات مُبكرة استنادا على الفصول (51 و97 و98 من الدستور) الذي يترتب عنه استقالة رئيس الحكومة المكلف بإجراء المُشاورات وإجراء انتخابات في أجل شهرين.إلا أن هذا الاختيار، ولئن كان يتماشى مع توجهات الدستور، فإنه مكلف ماديا وغالب الأحزاب السياسية غير مستعدة تنظيميا وماديا، إضافة أن هذا التوجه سيعكس صورة لدى أطراف دولية خارجية بأن المغرب يعيش أزمة سياسية داخلية في الوقت الذي يسوق فيه الملك للنموذج المغربي التنموي في عمق إفريقيا، ثم أن قرار العودة إلى انتخابات مبكرة غالبا ما سيحافظ تقريبا على نفس الخريطة السياسية.

وفيما يتعلق بالاختيارات الدستورية التي كانت ومازالت متاحة للملك، أعتقد أن اختيار الملك لسعد الدين العثماني يتسق مع منطوق الدستور ويحترم خريطة الإرادة الشعبية التي أفرزتها نتائج تشريعيات 7 أكتوبر 2016، ويدشن لتجربة دستورية مغربية مازالت لم تكتمل معالمها القائمة على تعايش الشرعية التاريخية الدينية الدستورية للملك مع الشرعية الانتخابية الدستورية لرئيس الحكومة.

في نظركم من يتحمل مسؤولية هذه العرقلة؟ وكم نصيب البيجيدي منها؟

تقييم مسار خمسة أشهر من المفاوضات يظهر على أن هناك مسؤولية جماعية لكافة الأطراف، يتحمل جزء منها رئيس الحكومة والجزء الآخر تتقاسمه أحزاب التحالف الرباعي (حزب التجمع الوطني للأحرار – حزب الحركة الشعبية – حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية – حزب الاتحاد الدستوري).

وما يبرهن على ثبوت المسؤولية السياسية للأطراف الحزبية وهو غياب حضور الاختيارات السياسية والبرامج الحزبية داخل أجندة المشاورات، مقابل حضور أجندة غير معروفة، لذلك يستغرب الرأي العام عن السبب الحقيقي وراء إبعاد حزب الاستقلال من التشكيلة الحكومية، كما يتساءل كثير من المتتبعين عن سبب رفض رئيس الحكومة السابق (السيد عبد الإله بنكيران) ضم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية للتشكيلة الحكومية.

وهكذا، يلاحظ أن الصرعات الحزبية المرتبطة بتشكيل الحكومة غير مرتبط بالرهانات الحقيقية؛ كفتح ملف التوظيف وعلاقته بالتعاقد /التعليم ومقاربة إنهاء مجانتيه /الصحة وإشكالية تغول خوصصتها …. لذلك نلمس طغيان المصالح السياسية الضيقة والحسابات الحزبية الانتخابية على البرامج والاختيارات القطاعية.

هل تعتقد أن المشاورات ستتجه في نفس المسار وبنفس الشروط؟ وماهي السيناريوهات المحتملة لهذه المشاورات؟

أعتقد أن الفرقاء السياسيين بما فيهم رئيس الحكومة الجديد سيغيرون قواعد اللعب على مستوى المشاورات وسيحاولون إظهار حسن النية، خاصة وأن بلاغ الديوان الملكي الصادر في 15 مارس 2017 يلح التعجيل بتشكيل الحكومة، وفي المُقابل سيواجه رئيس الحكومة الجديد (السيد سعد الدين العثماني) تحديات سياسية كبيرة ومعقدة ومتناقضة، وسيحاول أن يتقيد بالخط السياسي التفاوضي لمرحلة رئيس الحكومة السابق (السيد عبد الإله بن كيران) وإرضاء قواعد حزبه، خاصة المجلس الوطني الذي يبدو أكثر تصلبا، وفي نفس الوقت سيحاول وضع استراتيجية تفاوضية جديدة ترفع شعار تليين مساحات التوافق واستدرك الأخطاء والمثالب التي ارتكبها سلفه السابق، وهذا ما يعني أن مرحلة ما بعد عبد الإله بن كيران ستسلك إحدى الاختيارات التالية:

الاختيار الأول: يتعلق بقبول رئيس الحكومة الجديد، بشروط التحالف الرباعي (حزب التجمع الوطني للأحرار – حزب الحركة الشعبية – حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية – حزب الاتحاد الدستوري)، والتي تركز على ضم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ضمن التشكيلة الحكومية.

 الاختيار الثاني: يرتبط برفض رئيس الحكومة الجديد دخول حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وباعتناقه لنفس توجه سلفه -(السيد عبد الإله بن كيران)-، واعتبار موقفه يعكس اختيارات وحسابات هياكل وأجهزة حزب العدالة والتنمية، وهو ما سيدخل المفاوضات والمشهد السياسي المغربي لأزمة سياسية قوية، خاصة إذا تشبث التحالف الرباعي بدخول حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.

الاختيار الثالث: خيار استنجاد رئيس الحكومة المكلف السيد (سعد الدين العُثماني) بحزب الأصالة والمعاصرة، حيث يبدو خيارا مُغريا من الناحية العددية 239 (الأصالة والمعاصرة 102 مقعدا بالإضافة إلى 137 مقعدا لحزبي العدالة والتنمية وحزب التقدم والاشتراكية)، وما يعزز هذا الطرح، التصريحات الأخيرة لبعض قيادات شبيبة العدالة والتنمية المطالبة بطرق باب حزب الأصالة والمعاصرة عوض الرهان على مجموعة الأربعة.

كما أن بيان حزب الأصالة والمعاصرة المؤرخ في 7 يناير 2017 الذي جدد موقفه المبدئي بكونه غير معني بالمشاورات الجارية لتشكيل الحكومة وأنه لن يكون بديلا ولكن بالمقابل عبر الحزب عن حرصه الشديد على حسن سير المؤسسات السياسية والدستورية للبلاد، وهو ما يعني أن الأصالة والمعاصرة له موقفا مبدئيا وليس نهائيا من مسار المفاوضات الحزبية.

وأعتقد أن هذا الخيار ضعيف من الناحية الواقعية، لكون جزء غير قليل من صقور حزب العدالة والتنمية وخاصة أعضاء الأمانة العامة يرفضون فكرة التحالف مع الأصالة والمعاصرة، بالإضافة إلى أن قيادة الحزب تعي بأن التحالف مع الأصالة والمعاصرة سيضعف من شعبية حزب العدالة والتنمية وسيكون بمثابة بداية العد التنازلي لتصاعد العدالة والتنمية، وخاصة وأن هذا الأخير ظل يتغدى من خطاب الضحية والتحكم والمظلومية، وسيصعب على العدالة والتنمية ابتكار عدو جديد للتجييش المتعاطفين والرأي العام.

الاختيار الرابع: التدبير الإيجابي لمعادلة المفاوضات الحزبية تماشيا مع التوجيهات الملكية السامية الرامية إلى التسريع لتشكيل الحكومة، وذلك من خلال تنازل الفرقاء السياسيين من رئيس الحكومة والتحالف الرباعي وتجاوز الحسابات الحزبية الضيقة وإعطاء الأولية لمصلحة الوطن فوق كل اعتبار حزبي.

إذا ما وصلت هذه المشاورات للباب المسدود مجددا، ما هي السيناريوهت المتوقعة؟

الحديث عن السناريوهات يجب أن يظل مؤطرا بالممرات التي رسمها الدستور، لذلك هناك تقريبا ثلاثة سيناريوهات؛

التوجه الأول: الرجوع إلى انتخابات مبكرة بالرغم من تكلفتها المادية والسياسية، وهو توجه يحترم مُقتضيات الدستور.

التوجه الثاني: الدعوة إلى جمع مجلسي البرلمان وتعديل مُقتضيات الفصل 47 من الدستور.

وخارج هذه التوجهات المحصنة دستوريا يمكن أن نتوقع سيناريوهات لكنها تطرح إشكالا على مدى دستوريتها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

* أمــين السعيد: باحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط.

 

 

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M