«أنا أعبد الله مسلما؛ إذن أنا موجود»

02 يناير 2016 18:48
كلام في أصل الخواطر والأفكار والإرادات

عبد الله الشارف

هوية بريس – السبت 02 يناير 2016

يعتبر مبحث الوجود من المباحث الفلسفية الأساسية التي شغلت بال الفلاسفة على مر العصور. وقد اختلفت نظرياتهم حول طبيعة الوجود وحقيقته، باختلاف مدارسهم ومذاهبهم أو إيديولوجياتهم. فقد اختلف أرسطو مع أفلاطون في هذا الشأن، كما اختلف ابن رشد مع الفارابي وابن سينا، وهكذا.

وعندما انسحب التفكير المتافيزيقي من الساحة الفلسفية الأوربية الحديثة والمعاصرة، تحت هيمنة المذاهب المادية والإلحادية، اختفى موضوع الوجود بمعناه الميتافيزيقي، وبقي الوجود بالمعنى المادي والمحسوس.

إن كوجيطو ديكارت؛ “أنا أفكر، إذن أنا موجود”، لا يمكن فصله عن الإشكالية الفلسفية لمبحث الوجود ، رغم أن هذا الفيلسوف كان بصدد التقعيد لمنهج عقلاني في البحث، ينطلق من شك مطلق للوصول إلى الإيمان اليقيني بالفكر ثم بالوجود الإنساني.

لكن هناك تساؤل:

أي وجود إنساني يقصده ديكارت بقوله: “أنا أفكر إذن أنا موجود”؟

هل يقصد به الوجود الإنساني بالمعنى العام أو الساذج، كما يتصوره عموم الناس، أم الوجود بالمعنى الفلسفي العقلاني؟

وإذا كان الإنسان مستلبا عقليا، هل يفكر أم لا؟ وهل يحقق وجوده تحت وطأة استلابه؟

وإذا كان الإنسان ميتا، هل ينقطع تفكيره أم لا؟ ومن ثم هل هو موجود أم معدوم؟

إلى غير ذلك من التساؤلات التي يمكن للباحث أن يطرحها. وينبغي ألا يخفى عن الباحث الموضوعي أن القيود التي فرضتها الكنيسة على الإنسان الأوربي خلال القرون الوسطى، حيث حرمت عليه الاشتغال بالعلم والتحصيل، واستعمال العقل في فهم الدين والحياة… وبعبارة أخرى؛ أنها منعت رعاياها من ممارسة التفكير. كل هذا جعل ذلك الإنسان المقيد أقرب إلى العدم منه إلى الوجود.

ثم ما قول ديكارت فيمن يمارس التفكير الفلسفي ثم ينتحر؟ وما أكثر الفلاسفة والعباقرة والمبدعين الذين انتحروا. فأي تفكير فلسفي وإبداعي هذا الذي يؤدي بصاحبه إلى الانتحار؛ أي العدم.

وإذا كانت ظاهرة الانتحار تتجلى بالقوة والفعل، في المجتمعات الغربية المادية، أكثر مما تتجلى في غيرها من المجتمعات، فهل معنى هذا أن الكوجيطو الديكارتي يعاني خللا بنيويا، أم أن الفيلسوف والعبقري لا يمارسان التفكير على الأقل لحظة العزم على الانتحار؟

إن الوجود الإنساني الحقيقي، هو الذي ينبثق من تفكير متين، قائم على تصور يربط الإنسان بخالقه، والأرض بالسماء؛ أي التفكير العمودي المجسد للعبودية الصحيحة الحقة، التي ينطق بها الوحي القرآني. وما سواه من أنواع التفكير الأفقي القائم على القطيعة بين السماء والأرض، لا يثمر إلا الوجود الإنساني المضطرب القلق. قال تعالى:

“وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ” (سورة الحج آية:31).

والخلاصة أن الإنسان إذا أراد أن يكون موجودا حقا وإن مات، فعليه أن يكون عبدا لله كما أمر في كتابه العزيز، وعلى لسان نبيه محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام. وإلا فلا يزال يخر من السماء. ولذا عنونت هذه التدوينة: “أنا أعبد الله مسلما، إذن أنا موجود”.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M