إثبات النسب بين المصلحة والمآل

13 مارس 2017 23:05
إثبات النسب بين المصلحة والمآل

هوية بريس – ذة. مها لكروح التازي

أصدرت المحكمة الابتدائية بطنجة قرارا يعد سابقة في مجاله، يقضي بإثبات نسب طفلة ولدت خارج إطار الزواج المشروع، وتعويض أمها على الضرر النفسي الذي لحقها من هذه العلاقة!

وفي انتظار أن يصرح المجلس العلمي الأعلى برأيه في هذه النازلة، ويبت في هذا القرار، باعتباره وبحسب المشرع المغربي الجهة الوحيدة المؤهلة للفتوى في مثل هذه القضايا، فلا مانع من مناقشة تداعيات هذا القرار والتعليق على ردود الأفعال التي صدرت بعده.

فما أن حكمت السلطات القضائية بنسب الطفلة وتعويض والدتها، حتى خرجت إلى الرأي العام، جهات حقوقية كثيرة رأت في هذه القضية فرصة ثمينة لرفع شعاراتها الرنانة التي تدعي فيها تمثيل المرأة المغربية وحماية حقوقها ورفع الظلم عنها وكفالة حريتها، وبالمناسبة فهي الهيئات نفسها التي سكتت بالأمس القريب لمّا مُست حرية المرأة المتحجبة والمنتقبة، ليظهر جليا طينة من أخذ لواء الدفاع عن المرأة المغربية.

باركت هذه الجمعيات مثل هذه الخطوات، واعتبرت القرار إنجازا عظيما ومكسبا طال النضال من أجله، في عين أخرى على مشاريع لقوانين ومذكرات جاهزة ترفعها في القادم العاجل.

وكما هي عادتها سارعت بعض المنابر الإعلامية المعروفة، إلى رصد هذا الخبر وخلق حوار مجتمعي حوله حيث كان الرأي والرأي الواحد هو الغالب، فأظهرت وفي غير ما مناسبة مدى حاجة المجتمع المغربي لمثل هذه القرارات الجريئة وتأثيراتها الإيجابية على المرأة بالخصوص بزعمهم.

في حين أن أغلب الدراسات الوطنية و الدولية تؤكد أن نسبة ولادة الأطفال اللقطاء بالمغرب في ارتفاع مهول، ونسب الأطفال المتخلى عنهم في ازدياد كبير، فبحسب إحصائيات قدمتها منظمة “santé sud” خلال المؤتمر المغاربي الثالث حول الأمهات العازبات بالمنطقة المغاربية سنة 2016، فإن معدل النساء اللواتي أنجبن خارج إطار الزواج يبلغ حوالي 30 ألف امرأة، وأكثر من مئة طفل يولد يوميا نتيجة علاقات محرمة غير شرعية، حيث تكلف الوالدة العازبة وابنها المراكز الحاضنة لهم ما قدره 400 دولار شهريا طيلة ثلاث سنوات مدة إقامتهم ، وتكلف رعاية الإبن الواحد المتخلى عنه ما يقارب 300 دولار شهريا طيلة عشرين سنة هي متوسط مدة إقامته.

وذكرت إحصائية أخرى قدمتها جمعية “إنصاف” بأن 46,11% فقط من الأطفال المغاربة يولدون داخل مؤسسة الزواج وأنه خلال الـ20 سنة المقبلة سيصل عدد المواليد خارج إطار الزواج إلى 50%.

نحن إذن أمام كارثة إنسانية بكل المعايير، ويمكننا أن نرى وبوضوح ما جناه بلد متواضع كبلدنا المغرب من مشاكل اجتماعية واقتصادية نتيجة إطلاق العنان للحريات الشخصية دون مراقبة ولا محاسبة، وفي مخالفة فاضحة للنصوص القانونية المؤطرة للشأن العام والتي تستمد خصوصيتها من الدين الرسمي للدولة المغربية.

وأمام تمييع صارخ لقضية المرأة واستغلال الوضعية الصعبة التي تعيشها، وتغييب مقصود لمضامين الشريعة الإسلامية وما متعت به المرأة خاصة من حقوق وما وضعته من آليات تضمن تأدية الرجل والدولة لواجباتهما تجاه المرأة..

وأمام منظومة حقوقية غربية أنتجت قالبا واحدا للجميع ودستورا واحدا يسري على الكل، أسقطت عصارة ما عانته المرأة الغربية عبر عصور مظلمة -ليست أكثر ظلمة من عصرنا هذا- على الجميع، وأذِنت لممثليها عبر الدول باستيراد هذا القالب الجاهز دون النظر إلى خصائص ومقومات تلك المجتمعات من دين أو ثقافة أو تاريخ أو عرف ..

كانت النتيجة ما نراه اليوم من انحلال أسري وتفسخ أخلاقي وانحطاط اجتماعي.

لذلك ومن الخطير جدا، أن نتحدث اليوم عن قضايا مثل قضية إثبات النسب دون الرجوع للشريعة الإسلامية وقول أهل الاختصاص فيها، وتغليب المصالح على المفاسد وترجيح الأولويات، ودون الرجوع إلى أصل هذا الداء الفتاك، وهي العلاقات المحرمة بين الرجل والمرأة وما ينتج عنها من أضرار نفسية وجسدية واجتماعية واقتصادية كبيرة، فلا شك أن علاج موطن الخلل أجدى بكثير من علاج تجلياته..

وإنه لمن الخطير أيضا تعريض سلامة مجتمعاتنا وأسرنا وقدسية ذاك الرابط الوثيق والحصن الحصين -وهو الزواج- لعبث العابثين، وترسيخ ثقافة الزنى والمجون بشكل معلن أو خفي، فتختل الموازين وتضيع معها الحقوق ويصبح إنجاب الأطفال في الشوارع مباحا مسوغا، بل وتستفيد المرأة الزانية من تعويض مادي وجبر ضرر نفسي مقابل أدائها لجريمة الزنى المعاقب عليها قانونيا عوض أن تحاسب عليها.

آخر اﻷخبار
1 comments
  1. الحكم لم يثبت النسب ولم يمنح تعويضا للأم لجبر الضرر المعنوي، الحكم الصادر عن قسم قضاء الأسرة طنجة أثبت البنوة غير الشرعية للأب ومنح تعويضا للبنت على اعتبار أنها ضحية علاقة فساد، المرجو قراءة الحكم فهو منشور على الشبكة العنكبوتية حتى تتبينوا

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M