إثم خطير قل من نجا من مصيدته!!

25 يوليو 2020 18:33

هوية بريس – د. إدريس أوهنا

من اللافت للنظر، المثير للدهشة والغرابة، تساهل أهل زمننا ومجتمعنا في إثم خطير جدا، انتشر بيننا انتشار النار في الهشيم، وقل من يتنبه لخطورته، وينجو من مصيدته وهو: القذف، ومعناه: الرمي بالزنا أو اللواط، أو ما في حكمهما كالتشكيك في الأنساب، ورمي الأمهات بالفجور.. لدرجة أن ثقافتنا الشعبية أصبحت تعج بعبارات القذف، التي تطلق على عواهنها، بلا حياء من الله ولا من الناس، ومنها مناداة المرأة بلفظ الزانية، أو رمي أم المشتوم بذلك، أو ذكر امرأة في غيابها، سواء كانت من الأقارب أو غير الأقارب، بما يفيد أنها تتعاطى الفاحشة، مع العلم أنه لا حق لأحد في ذلك مهما كانت الظواهر والقرائن، بل الشهادة قضاء على ذلك مطعون فيها، وتستوجب الحد بالقذف ثمانين جلدة، ما لم تصدر عنأربعة شهداء رأوا فعل الزنا رأي العين. ومع ذلك فهذا الزمان كأهله، وأهله كما ترى يسارعون إلى الاتهام والوقوع في أعراض الناس نساء ورجالا، وهو ما حرمه الشرع، وشدد في تحريمه والترهيب منه، والوعيد عليه، بما تقشعر منه الجلود، وتتفطر له الأكباد والقلوب، وفي ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ. يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِم أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [سورة النور: الآيات 23، 25].

ومعنى الآية: إن الذين يرمون بالفاحشة المرأة العفيفة، الغافلة التي لم يخطر ببالها ذلك، المؤمنة بالله ورسوله وما يتحقق به إيمان المؤمن، فهو لما يتسبب فيه من تدنيس لأعراض الناس، وإشاعة للفاحشة في المجتمع الإسلامي، ملعون في الدنيا بعدة أمور:

الأول: يقام عليه الحد بأن يجلد ثمانين جلدة إذا لم يأت بأربعة شهود يشهدون على ما نطق به لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً‏} [سورة النور: آية 4].

الثاني: سقوط عدالته لقوله تعالى: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً‏} [سورة النور،الآية: 4].

الثالث: وصفه بالفسق لقوله تعالى: {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[سورة النور،الآية: 4].

أما في الآخرة فيطرد القاذف من رحمة الله، وينال عذابا عظيما، بعد أن تشهد عليه أعضاؤه بارتكابه لهذه الكبيرة الشنيعة المهلكة.

{إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [سورة النور،الآية: 5].

ولا فرق بين كون المقذوف ذكرًا، أو أنثى، وإنما خص النساء بالذكر، لخصوص الواقعة ولأن قذف النساء أكثر شيوعا، وأشنع وقوعا.قال ابن جرير: (نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَة فِي شَأْن عَائِشَة، وَالْحُكْم بِهَا عَامّ فِي كُلّ مَنْ كَانَ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفَهُ اللَّه بِهَا فِيهَا)

فالآية إذن سواء قلنا إنها نزلت في عائشة رضي الله عنها، أو في أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن، أو في المشركين من قريش الذين كانوا يقذفون المرأة المهاجرة من مكة بقولهم: ما خرجت إلا لتفجر، فإن العبرة في الآية بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ ولذلك فإن قذف المرأة عموما محرم شرعا، إلا أنه أشد تحريما وأعظم جرما في حق العفيفة الطاهرة المؤمنة، بالمقارنة مع المتهمة المتهتكة، أو غير المسلمة، والتفاوت في درجة الجرم والإثم لا تبرر إطلاق العنان للسان ليقع في أعراض الناس مهما كانوا. بل المطلوب إمساك اللسان وتطهيره من الوقوع في الأعراض عموما؛ فإنه إثم وظلم،وليستحضر كل منا أن كل كلمة يتكلمها العبد محصاة عليه، قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق:18]، ورب كلمة يتفوه بها المرء فتكون فيها مهلكته، قال صلى الله عليه وسلم: (إن العبد ليتكلم بالكلمة، ما يتبين ما فيها، يهوي بها في النار، أبعد ما بين المشرق والمغرب.) متفق عليه.

ثم إن قذف المسلم كبيرة من كبائر الذنوب، بل هو موبقة من الموبقات السبع، قال صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه مسلم.

وروى أبو داود في سننه وأحمد في مسنده بإسنادٍ صحيحٍ عن ‏ ‏سعيدِ بنِ زيد ‏عن النبي ‏ ‏صلى اللهعليه وسلم‏ ‏قال‏: (إِنَّ مِنْ ‏ أَرْبَى ‏ ‏الرِّبَا الاسْتِطَالَةَ ‏ ‏فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ‏) رواه أبو داود في سننه وصححه الألباني.

فالحديث ينهى عن إطالة اللسان ‏ في عرض المسلم بقذفٍ أو شتم أو سخرية أو غيبة،أو ما شابه، واللافت في الحديث أنه يجعل الاستطالة في العرض أشد تحريماً وأعظم جرما من أمر خطير جدا في الدين وهوربا المال، ولا غرو فإنحفظ العرض مقدم في سلم المقاصد الشرعية على حفظ المال.

الحاصل من كل ما ذكر أن الوقوع في أعراض الناس من أكبر الكبائر، وأخطر المهلكات، التي باتت منتشرة في مجتمعنا، إما تصريحا وإما تلميحا، فلنتق الله في أنفسنا، وفي عامة الناس من حولنا.. ولنعلم أن المظاهر خداعة، لا تقوم بها حجة ولا تبرأ بالحكم عليها ذمة، ورحم الله من شغلته عيوبه عن عيوب الناس.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M