إضاءات.. في بيان تهافت الدعوة لفتح نقاش في آيات الفرائض

03 مايو 2017 15:57
بعد دعوته لمراجعة أحكام الإرث.. أبو حفص يدعو لإلغاء منع زواج المسلمة بغير المسلم!!

هوية بريس – عبد الله الشتوي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد:

فقد خرج الاستاذ محمد رفيقي (أبوحفص) بدعوى قديمة جديدة دعا فيها لتجاوز النصوص الشرعية والإجماعات القطعية، وإعمال الاجتهاد في تحديثها بما يتوافق مع المنظومة القانونية العصرية وما تنبني عليه من قيم الحقوق والمساواة وغيرها…

وقبل أن أبدأ في مناقشة يسيرة لما أورده الاستاذ رفيقي من حجج يراد منها جعل النقاش منبثقا من داخل المنظومة الفقهية، أود الاشارة إلى أن نظرة يسيرة على مبدإ النقاش وأصله وإطلالة خفيفة على من احتفل بهذا الطرح وأيده تجعلك تدرك بوضوح أن النقاش في عمومه يحتكم إلى منظومة فكرية غربية لا علاقة لها بالشريعة الاسلامية ، وإنما يتم استدعاء التراث الفقهي لإضفاء مسحة من التنويرية الاسلامية على هذا الطرح العلماني.

ولبيان بعض التهافت والخلل المنهجي في التأصيل لهذه الدعوى أود مناقشة هذا الطرح في نقط محددة تفك تلك الصلة المزعومة بين هذا الطرح العلماني والنظر الفقهي ، وحيث أن قليلا من هذه المغالطات يغني عن كثيرها لإبطال الدعوى ، أوجز الكلام في نقاط ثلاث:

1- دعوى تعليل أحكام الإرث

2- اجتهاد الصحابة في رد آيات قطعية

3- اجتهاد الصحابة في المواريث

1- دعوى تعليل أحكام الإرث:

حاول هنا أبو حفص تصوير طرحه على أنه منطلق من المرجعية الاسلامية وبنفس آليات الفقهاء باستحضار قواعد أصولية.

وغاية ما قرره في أطروحته هو هذه العبارة (الحكم يدور مع علته وجودا وعدما) ثم بعد ذلك اصطنع علة لتوزيع أنصبة الارث.

وتتعلق الاشكالات في مسألة التعليل بنقطتين أساسيتين:

– مفهوم العلة: لأنه استعمل العلة هنا بمفهوم يخالف استعمال الفقهاء والأصوليين وأطلقها على الحكم والمقاصد…
فمن أقوى ما يشترط في العلة: الاطراد والانضباط وهذا الوصف غير موجود قطعا فيما يقدمه على أنه علة كالانفاق والتكاليف وغيرها… ولو نظرنا إلى فرائض الورثة لرأينا أن المرأة قد تساوي الرجل مع وجود ما يسميه علة كحال الاخوة لأم كما قال تعالى: (وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس) فهنا يتساوى الوارثون من الذكور والاناث، ووهناك حالات ترث فيها الانثى دون الذكر!
فلماذا استعمل مصطلحا على غير معناه لمجرد الاستنجاد فيما بعد بقاعدة فقهية!

طريقة تحديد العلة: وهي عند الأصوليين معروفة معلومة، ويلزمه هنا أمران:
إما أن يحدد طريقة تحديده للعلة أو يقر بأنه يستعمل طرقا غير طرق الاصوليين فيكون بذلك اجتهادا من خارج المنظومة الفقهية.
وتجدر الاشارة هنا إلى أن كثيرا من التغريبين تفطنوا لهذا التفريق ووقوفه عقبة أمام التجديد الديني الذي يتبنونه مما حمل بعضهم على الدعوة إلى تغيير هذه القاعدة من أصلها، كما فعل الجابري حين اقترح تعويضها بهذه القاعدة: (الحكم يدور مع المصلحة وجودا وعدما).

2- دعوى مخالفة الفقهاء للآيات القطعية (سهم المؤلفة قلوبهم وحد السرقة)

بعد محاولة الاستاذ رفيقي تعليل أحكام الإرث انتقل إلى الاحتجاج بترك الفقهاء العمل بآيات قطعية مع إصرارهم على عدم مناقشة آيات الفرائض تناقضا منهم وتحيزا…
ومن جملة ما ساقه استدلالا ما سمي ”تعطيل عمل بن الخطاب لسهم المؤلفة قلوبهم”.
وهنا نناقش الاستاذ رفيقي في أمرين -ما دام اختار التأصيل من داخل المنظومة الفقهية-: ثبوت الأثر ثم دلالته على دعواه….

 أ- ثبوت أثر عمر بن الخطاب:

سنترك هنا طرق المحدثين في تصحيح الاسانيد وكلامهم عن هذا الآثر ونسائل أبا حفص ومن يوافقه عن منهجيتهم في التثبت من الأحاديث والمرويات:
كيف أمكنكم إثبات صحة هذه القصة أصلا؟؟
ماذا لو لبس أحدهم جبة التنويري وأنكر صحة الأثر لمخالفته للعقل، واحتج بأن الاثر يورد مخالفة صريحة للقرآن من عمر بن الخطاب، وعمر منزه عن رد كلام الله ، هكذا سيكون قد أبطل صحة الاثر بطريقة حداثية سليمة!!
كيف يمكن لمن لا يعتد بأسانيد صحيحي البخاري ومسلم ويرد أحاديثهما بمحض ”العقل” أن يتساهل في قبول مثل هذه المرويات؟؟
ما الذي يجعل أثرا دون الصحيحين في القوة يتحول فجأة إلى حجة دامغة؟؟
نحتاج من أبي حفص ومن يؤيده تحديد آليات نتحاكم إليها في قبول ورد الآثار وإلا فإنهم يعتمدون إحدى المنهجيتين التاليتين:

– الأولى منهجية الفوضى والعشوائية في قبول ورد المرويات.
– والثانية منهجية أكثر انضباطا وهي منهجية تشبه التسوّق بالتشهي من خزانة التراث لطبخ وصفة معدة سلفا!!

ثم بعد أن نسلم بصحة ما يحتجون به جدلا… هل يعقل أن يحتج من يسقط حجية إجماع الصحابة بعمل صحابي!!

ب- دلالة أثر عمر بن الخطاب:

يقول تعالى في سورة التوبة: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).

ملخص الأثر أن عمر بن الخطاب ترك إعطاء رجلين معينين (الأقرع بن حابس وعيينة بن حصين) من سهم المؤلفة قلوبهم وهو في نظر هؤلاء قد عطل آية قطعية من كتاب الله…
وكي نفهم تهافت هذه الدعوى القديمة المتجددة أوضح ما يلي:

– في الآية ثمانية أصناف من مستحقي الزكاة لكل واحد منهم وصف تعلق به الاستحقاق كالفقر والجهاد والرق، فمتى وجد الوصف كان الاستحقاق
– استحقاق الزكاة وصف غير ملازم للفرد فقد يكون مستحقا لها اليوم وغير مستحق لها بعد سنتين مثلا
– لو أن فردا أو جماعة اكتفوا بإعطاء الزكاة للفقراء أو أبناء السبيل حصرا دون غيرهم لما كان ذلك منهم تعطيلا للآية باتفاق
– كل الواجبات التي هي على وجه التخيير يجزئ الاتيان بواحد منها فقط
– تختلف الاصناف الثمانية من حيث الأولوية ، والأولى ما كان أكثر حاجة وعليه فلا مانع من تفضيل صنف على آخر
– كل ما في أثر عمر ابن الخطاب أنه منع رجلين معينين من أخذ مال الزكاة مع أنهما كانا يأخذان قبل ذلك ، وعلل ذلك بعدم الحاجة لتأليف قلوبهم كما يمكنك أن نعلل عدم إعطاءالزكاة لفقير صار غنيا أو لعبد أعتق مسبقا من مال الزكاة.
– لا حرج في أن يعطي عمر بن الخطاب من شاء ويمنع من شاء لمصلحة يراها وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم نفسه يفعل ذلك كما في الحديث: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم مال فأعطى قوما ومنع آخرين، فبلغه أنهم عتبوا، فقال: إني أعطي الرجل وأدع الرجل، والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي، أعطي أقواما لما في قلوبهم من الجزع والهلع وأكل أقواما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير منهم عمرو بن تغلب).

ومن كل هذا يتضح أن تعطيل عمر لآية من القرآن مجرد وهم يراد منه إعداد أرضية ملائمة لإسقاط حجية القرآن، وكل ما في الأمر أن عمر بن الخطاب قام بتنزيل الآية مراعيا لمناطاتها التي تعلق بها الحكم.
ومثل هذا ينطبق تمام على دعوى تعطيل عمر لحد السرقة عام الرمادة!

3- اجتهاد الصحابة في المواريث:

يحتج الاستاذ رفيقي في دعواه بأمرين:

– مسائل الارث ليست كلها قطعية وبالتالي لا حرج في فتح باب الاجتهاد
– اجتهاد عمر (مثلا) في الارث دليل على جواز الاجتهاد فيه حسب الظروف والمتغيرات

والجواب باختصار:

– أن الفقهاء الذين يرفضون هذه الدعوى لا يقولون أصلا بقطعية كل مسائل الإرث بل هذه كتبهم ومذاهبهم شاهدة على وجود مسائل اجتهادية وبقيت كذلك إلى يومنا هذا، ولا نعلم أحدا أنكر على المجتهد في هذه المسائل المختلف فيها كما ينكرون هذه الدعوة لإسقاط النصوص القطعية .

– أن وجود مسائل اجتهادية في باب من أبواب الفقه لا يحملنا على سحب الاجتهاد على عموم الباب قطعياته وظنياته، لأنه لا معنى لهذا سوى العبث ، كأن يقول قائل: اختلف بعض الفقهاء في نجاسة الخمر وبالتالي يمكن أن أجتهد لإباحتها، أو يقول آخر: اجتهد الفقهاء في مشروعية دعاء الاستفتاح في الصلاة وبالتالي يحق لي أن أجتهد في تغيير هيئة الصلاة وعدد ركعاتها
-الاحتجاج بحكم عمر في مسألة المشتركة وغيرها احتجاج خارج السياق وفيه إيهام للمتابعين خصوصا باستعمال عبارة (وهذا تغيير في نظام الارث عن ما كان عليه الأمر قبل عمر ، في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن ما كان عليه الامر في عهد أبي بكر)، وهذا خلاف الحقيقة!!

ونحن نسأل: أين قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسقاط الاخوة الاشقاء وأين فعل أبو بكر؟؟
كل ما في الأمر أن المسألة حادثة ليس فيها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لأبي بكر حكم خاص وقطعي، لذلك اجتهد عمر فأشركهم في الميراث واجتهد غيره فأسقطهم…
فقد أعمل عمر ومن معه عموم الآية من سورة النساء لأن الاشقاء يدلون بالقرابة من جهة أمهم تماما كالإخوة لأم، وأعمل غيره القياس على أن العصبة يرثون ما بقي.

فالمسألة كلها دائرة بين قياس واستحسان، ولا يوجد فيها نص قطعي ولم يغير عمر وضعا كان قائما كما زعم الاستاذ رفيقي.
فكيف يمكن الاحتجاج باجتهاد عمر في ما لا نص فيه لفتح الاجتهاد فيما قطعته النصوص!!
وهنا نجدد التساؤل: هل تراجع الاستاذ رفيقي عن إنكاره إعمال القياس والاستحسان وغيرهما؟؟

ومما سكت عنه رفيقي هنا هي الآثار التي تدل على التزام الصحابة التام بالنصوص القطعية الدلالة بل والتزامهم بالاجماع فيما دلالته ظنية فقد جاء ابن عباس رضي الله إلى عثمان يستشكل إسقاط نصيب الأم من الثلث إلى السدس بوجود أخوين فقط مع أن آية النساء ذكرت الجمع وهو في اللغة الثلاثة فأكثر ، فقال عثمان قولة تصلح لأن يتأملها دعاة إسقاط التراث:

(لا أستطيع أن أرد ما كان قبلي ومضى في الأمصار وتوارث به الناس).

وأخيرا أنبه هنا إلى أن الاجتهاد المعتبر شرعا هو ما كان على أصول الشريعة ومقاصدها ، ولا عبرة بأي اجتهاد بشري يبتغي تغيير أحكام الله عز وجل، خصوصا ما جاء في عصرنا رضوخا لقوة السلطة كما في بعض البلدان الاسلامية أو ما مضى سابقا من تسلط بعض القبائل في إسقاط فرض النساء تعللا وتذرعا بغير حق، ومن ذلك ما يذكره المؤرخون في إسقاط شرفاء أرض واد ”زكزن” الارث للنساء وألزموا القضاة بذلك وقد استفتي شيخ الزاوية الناصرية محمد بن ناصر الدرعي في ذلك فأجاب: إن ذلك عندي بناء على جرف هار يتطرقون به إلى توفير الخراج على عادة الملوك من اتباع الهوى ويتدرعون إلى حرمان الاناث ما فرض الله لهن من الميراث، وإن كل حكم خالف الشريعة فهو مردود).

وهذا ما تيسر ذكره في هذا النقاش والحمد لله رب العالمين.

آخر اﻷخبار
1 comments

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M