إيران ودولة كردستان القادمة: رسائل واشنطن وموسكو وتل أبيب وصلت

30 سبتمبر 2017 16:29
واشنطن تدرس وقف تسليح وحدات حماية الشعب الكردية

هوية بريس – د.نبيل العتوم*

أخيراً أُجري استفتاءُ انفصال إقليم كردستان العراق في 25 سبتمبر من هذا الشهر، استفتاءٌ وصف بغير الملزم، الملفت أنّ هذا الاستفتاء تمَّ ليس في المناطق التي تسيطرُ عليها حكومة كردستان فحسب؛ بل امتدَّ ليشملَ مناطقَ أخرى متنازع عليها كمحافظة (كركوك) ذلك المصدر الغني بالغاز والنفط، والثابتُ أنَّ المتغيرات الإقليمية والدولية كانتْ عوامل دافعة ومشجعة للأكراد للمضي في الاستفتاء، شئنا أم أبينا، والمؤكّد أنَّ إقليم كردستان ماضي في خطواته، وأنَّ إعلان الاستقلال سيكونُ مسألة وقتٍ فقطْ.

ولكنْ كيفَ تكاتفتِ المتغيرات الإقليمية والدولية؛ لتكونَ عاملاً داعماً للكرد؟.

لا شكَّ بأنَّ هناك مواقف بالغة الحدّة رافضة لإجراء هذا الاستفتاء، تتمثّل بالموقف العراقي، والإيراني، والتركيّ فقط.

أمّا المواقف العربية؛ فقد رفضتِ الاستفتاء، ولم تصطفّ مع المثلث السابق الذي توعّد بعقوبات غير مسبوقة ضدّ حكومة كردستان العراق، كجزء من تصفية الحسابات مع حكومة العراق الطائفية، وحكومة حزب العدالة والتنمية التركية، ودولة ولي الفقيه في إيران.

المثير واللافت هو التخوّفات الإيرانية عالية السقف، التي أربكها الاستفتاء، وكانت تراهن على إلغائه، خشية من أن يشكل استقلال أكراد العراق حافزاً للأكراد في إيران، والذين يشكلون ما بين 8 إلى 9% من سكان إيران المطالبة بالانفصال.

نتيجة بحث الصور عن كردستان

يتوزّع الكردُ في على خمسة محافظات رئيسية إيرانية، وقد ذاقوا خلالَ التاريخ الحديث الويلات من الحكومات التي تعاقبت على حكم إيران بعد الثورة الإسلامية، بسبب سياسات الدولة العبثية، التي أعملت ذبحاً وقتلاً وإرهاباً ضدَّ الكرد بحكم أنَّ أغلبهم عرقيتهم ومذهبهم.

أعلنتْ طهرانُ حالة من الطوارئ، وسابقت الخطى لتنسيق الجهود الإقليمية “فقط ” لمواجهة التطلعات الكردية، وتبنت دبلوماسية مكثفة؛ لبناء أرضية للتعاون مع بغداد، وأنقرة.

ربّما جاءَت مواقف الدول الثلاث ”إيران، وتركيا، والعراق” موحدةً في قرارها الرافض القاطع للاستفتاء، وينطلقُ هذا الموقف من قاعدة وحدة الدولة العراقية، وانعكاسات الانفصال المخيفة على وحدة هذه الدول مستقبلاً، وتداعياته الكبيرة على الأمن والاستقرار الإقليمي.
المثير أن الموقف الإيراني يشكك بمواقف الدول العربية؛ ولا سيما موقف السعودية والإمارات، حيثُ شنّت وسائل الإعلام الإيرانية هجوماً واسع النطاق، متهمة هذه الدول بتدبير مؤامرة شاملة لتهديد الأمن القومي الإيراني، أولى معالمه الدفع نحو إقامة دولة كردية في شمال العراق.

كذلك ترى طهران أن معارضة الدول الغربية ظاهرياً لخطوة الاستفتاء، ما هو إلا ذراً للرماد في العيون، حيث هناك حالة شبه إجماع دولي غير معلن لخطوة الاستفتاء، وما الإعلان المزعوم عن رفضه لاعتبارات متعلقة بالظروف المحيطة بالمنطقة، ومحاربة “تنظيم داعش”، ما هي إلا ذرائع لا أساس لها من الصحة لامتصاص غضب بعض الدول الإقليمية؛ وفي مقدمتها إيران وتركيا . إلى جانب هذا الرفض الذي يحمل في طياته حقيقة إعطاء الضوء الأخضر الضمنية من جانب بعض القوى الإقليمية والدولية لإجراء عملية الاستفتاء؛ فالرفضُ مرتبطٌ بعوامل مؤقتة مرتبط بالتوقيت فقط، وليس نابعاً من الاعتراض على جوهر عملية الانفصال من حيث الأساس والمبدأ، وهنا مكمنُ الخطر.

رسمتْ طهرانُ إستراتيجيتها وفقَ منظورٍ أساسيٍّ قائم على أن الانتهاء من قتال (داعش) وهزيمتها، سيتبعه استدارة أميركية لمواجهة المليشيات الشيعية الإيرانية والمتعددة الجنسيات في سوريا، ولم يكنْ في حسبانها بروز مشروع الانفصال الكرديّ إلى الوجود بهذا التوقيت المصيري، وإدخال إيران في أتون أزمة جديدة داخلها وعلى حدودها.

نتيجة بحث الصور عن كردستان

من هنا باتتْ طهرانُ تدركُ، وتتحسبُ بأنَّ “حبها قد جاء إلى الطاحون” وأنّ ساعة المواجهة قد دقت، وأن خريفها السياسي قد حان، وأنَّ هناك تداعيات إستراتيجية عالية الحدة للتأثير على أمنها القوميّ ستبدأ بمجرد إعلان دولة كردية مستقلة في شمال العراق، مما سيثير معه النزعة القومية لدى الأكراد داخلها، ويشجعهما ليس على المطالبة بالانفصال الفوري، بل على الأقلّ السعي إلى الاستقلال الذاتي والمطالبة بالمزيد من الحقوق، بما يمسُّ استقرارها ووحدتها الداخلية، مع وجود فسيفساء عرقية متعددة المذاهب والمشارب؛ مما سينهي فكرة وحدة الدولة الإيرانية وتماسكها، ويحد من مشروعها وطموحاتهما الإقليمية، ومشروعها الساعي إلى بناء دولة إقليمية عظمى بحلول 2030م، وانتهاء الدولة الفارسية إلى غير رجعة.

كذلكَ تتحسَّبُ طهرانُ جديدة من أنّ تنسج الدولة الكردية الناشئة علاقات أفضل من خلال ثلاث مسارات:

– الأول: مع الدول العربية السنية المتصارعة مع إيران.

– أما الثاني: أنْ تشكّل الدولة الكرديّة جسر تواصل مع السنّة داخل إيران من البلوش، والتركمان، والعرب، مما سيسهم في تعجيل نهاية المشروع والدولة الإيرانية، والأسس التي قامتْ عليها.

– أمّا المسارُ الثالث: ترى إيران كذلك أن الاستفتاء الكردي سيعزز التعاون المشترك بين الدولة الكردية، وإسرائيل، وينقلُ المواجهة مع إيران إلى صفيح ساخن وعلى مقياس متعدد الدرجات؛ من هنا أعلنتْ طهران بشكلٍ واضحٍ مراراً وتكراراً أنها لنْ تسمح بإنشاء إسرائيل ثانية إلى جانبها، وستقاوم هذا المشروع بكل السبل، مهما كلفها ذلك.

تتحسّبُ طهرانُ من أن يُشكل هذا الاستفتاء علامة فارقة في تاريخ المنطقة والعالم، وتدركُ معه بأن العدَّ التنازلي لمرحلة تفكك الدولة العراقية قد بدأ، وأن شكل الدولة العراقية سينتهي إن عاجلاً أم أجلاً؛ لأن الانفصال الكردي سيؤدّي لانفصال آخر، وسيتفكك العراق إلى ثلاث دول : كردية في الشمال، وشيعية في الجنوب، وسنية ناقمة على إيران، وعلى الحكومة المركزية في بغداد في الوسط، وبالتالي السير باتجاه التفكك النهائي للعراق على أُسس عرقية طائفية، من هنا برزت وجهات نظر إيرانية تطالب الدولة الإيرانية الاستعداد لرسم مقاربات سياسية وإستراتيجية استباقية على ضوء هذه المقاربة.

نتيجة بحث الصور عن روحاني وعبادي

من المؤكّد أنَّ عزم روسيا، وإسرائيل، وألمانيا استعدادهم الوقوف بجانب الأكراد، قد شكل تحدياً كبيراً لإيران، ولاسيّما وأنها تشتركُ بعلاقات تحالف سياسي وعسكري مع موسكو من خلال مدخل الأزمة السورية، وأنّ وجود ما يعكر صفو هذه العلاقة سوف يكون له تداعيات خطيرة على المصالح الإيرانية هناك؛ كما أنَّ طهرانَ تتحسّب لأية مواجهة مع تل أبيب، على اعتبار انعدام خبرة إيران في هذا المجال؛ لأنها كانتْ، ولا زالت تعتمدُ على حروب الوكالة في صراعها مع الشيطان الأصغر ”إسرائيل“، ومن هنا فإنَّ خيارات إشغال إسرائيل من خلال بوابة غزة والضاحية الجنوبية قد تكون أحد خيارات إيران المتوقعة، إلى جانب الزج بالمليشيات العراقية كالحشد الشعبي والنجباء وعصائب أهل الحق وسرايا السلام، باعتبارها أحد أدوات إيران “تحت الطلب” لإفشال فكرة الدولة الكردية الناشئة.

النتيجةُ أنَّ ردة فعل إيران ربّما لنْ تخرج عن التحريض والإدانة والشجب وتحريض المليشيات الشيعية، وتصدير العنف والإرهاب إلى اقليم كردستان، بسبب التحسب لأية إجراءات عسكرية أو اقتصادية قد تقوم بها لإرغام الأكراد عن التخلي عن مشروعهم، ومن غير المتوقع أنْ تترجمَ طهران تهديداتها؛ لأنَّ القنوات الدبلوماسية الخلفية خاصة من جانب واشنطن، وموسكو، وتل أبيب، قد نقلت إليها بشكل واضح ودقيق، من حيث طبيعة الردّ الذي قد تواجهه في حال إقدامها على أية خطوات عسكرية ضدّ الإقليم.

* رئيس وحدة الدراسات الإيرانية؛ مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M