اعتلاء سيدي محمد بن يوسف عرش المغرب

13 يوليو 2022 16:07

L,avenement de sidi mohammed ben youssef au trone du maroc 1927
هوية بريس – ذ.إدريس كرم
– ملخص التقرير:بعد "بدونة المدن" جاء دور "تمدين البادية"
يتطرق التقرير المنجز من قبل مراقب الحبس في فاس Josh Lcciooni عن كيفية اختيار محمد الخامس للعرش، باعتباره شاهدا على الوقائع، مبينا أن مستشار الحكومة الشريفة السيد مارك، هو الذي قام بالدور الأساسي، في الاختيار، مستعينا برأي ميشو بلير، في كيفية التعامل مع العلماء، للحصول منهم على البيعة لسيدي محمد، وإبعاد مولاي إدريس، الذي كان مرشحا للخلافة، واحتجاز مواليه، الحاجب اعبابو في الرباط.
– الكلمات المفاتيح:
مولاي ادريس الإبن الأكبر لمولاي يوسف، الجنرال موجين، قدور بن غبريط، الحاجب اعبابو، مارك مستشار الحكومة الشريفة، لمعمري موظف في مديرية الشؤون الشريفة، المقيم العام استيك، ميشو بلير، أرييل بلان، منطان، الجنرال سبيلمان.
– النــص:
في صباح يوم 17 نونبر 1927 عدت لنظار أحباس القرويين المتواجدة في قلب مدينة فاس، وكنت أمضيت بها يوم أمس لحل مختلف القضايا المتعلقة بالأحباس، فلاحظ اضطرابا على الموظفين، يشي بأن هناك حدثا ما واقع، سرعان ما تبينت مصدره، وهو أن السلطان مولاي يوسف، قد توفى فجأة، أثناء الليلة الماضية.
كان التأثر واضحا على رئيس المصلحة، الناظر مولاي العابد الإدريسي، الذي كان من أبرز الشخصيات في فاس، والذي ينتسب لعائلة الشرفاء الأدارسة الكبيرة التي تلي العلويين في المرتبة ومن ناحية أخرى ناظر جامع جامعة القرويين، التي لها دور مهيمن في الحياة الروحية والفكرية للمدينة.
لقد ذهب الناظر على الفور إلى القصر الإمبراطوري للاستفسار عن مجريات الوضع، بدافع الفضول وضغط حالة الفتنة التي لاحظت، طلبت من مخزني مرافقتي للقصر، بحجة ملحة تقتضي الاتصال بمولاي عابد الإدريسي، وهكذا تمكنت من الوصول عبر البوابة الرئيسية لباب الدكاكين للقصر،، والدخول إليه، حيث لم تكن الأجهزة الأمنية قد اتخذت أية إجراء استثنائي بعد، فلاحظت بشكل عابر وأنا أعبر ساحته، أن الأفنية والبنيقات مهجورة، لينتهي بي المطاف في الفناء الداخلي، الذي يفصل القصر عن مشور باب بوجلود، كان هناك تجمع لمسؤولي الخدمة المحلية، والصحفيين للحصول على المعلومات وقد علمت منهم، أن رفات صاحب الجلالة مولاي يوسف، كانت في الجناح الذي أقامه السلطان مولاي عبد العزيز، على الوجه الجنوبي من المشور، وأن الدفن سيجري حوالي الظهر.
تم اغلاق الطرق الموصلة للمشور، لكن بفضل المخزني المرافق لي، تمكنت من الذهاب نحو المحتشدين والاختلاط بهم.
أمام الجناح الداخلي المخصص لأفراد الأسرة والفقهاء الذين يتلون القرآن على المتوفى، كان الحشد كبيرا، لكنه محدود، لأنه لم يكن يضم سوى وجهاء المخزن والشرفاء، ووجهاء المدينة وخدم القصر.
انتشر الحرس الملكي حول المشور، بينما حضرت فرقة الشرف التابعة للجيش الفرنسي حوالي الساعة 12:30 ظهرا لتكريم المتوفي، سار هذا الفريق أمام الجناح الجنوبي، وبعد وصوله مباشرة واصطفافه للتحية، تم رفع الجثة ملفوفة في غطاء مخملي أخضر، ووضع على نقالة بواسطة خدم القصر المخزني( في هذا الجناح تم توقيع معاهدة الحماية في 30 مارس سنة 1912) ليحمل نحو مقبرة مولاي عبد الله المجاورة، وقد شكل الحرس الأسود، حرس الشرف المرافق للنعش، ولعملية الدفن، وبعده عاد الجميع لمنطلقهم.
أما أنا فقضيت فترة ما بعد الظهيرة، في مجالس إدارية ومع الأفراد من جميع الحيثيات خاصة المغاربة، نتذاكر في موضوع خلافة العرش.
برز بين الحاضرين رأيان؛ أحدهما يقترح لتولي العرش مولاي ادريس الابن الأكبر للمتوفى، والذي جعله وريثه الظاهري، بموافقة ثلة من العلماء، والذي كان يشارك بالفعل في العمل الحكومي، بصفته خليفة في مراكش، والآخر يميل لتنصيب الابن الأصغر للمتوفي وهو سيدي محمد (على ما يبدو لم يتخذ أحد موقفا لصالح مولاي الحسن).
وبحسب ما قيل في فاس من قبل أكثر الدوائر اطلاعا (فرنسية ومغربية) فإن الرأي الأول كان برئاسة الجنرال موجين، مدير الديوان العسكري للمقيم العام، والسي قدور بن غبريط، مدير البروتوكول الإمبراطوري، والحاجب السي اعبابو، أما الثاني فكان يتزعمه السيد مارك مستشار الحكومة الشريفة، والسي لمعمري الموظف في مديرية الشؤون الشريفة والمرشد للأمير سيدي محمد.
في نهاية المساء، بدا وضع مولاي ادريس في خطر فاضطر الجنرال موجين للتصرف بحذر بسبب تبعيته للمقيم العام، السي قدور بن غبريط كان في تلمسان، التقيت عدة مرات بزوج ابنته، الموظف بمحكمة الباشا الذي كان قلقا من غياب صهره الذي حتى لو أراد امتطاء قطار الليل، لما وصل في الوقت المناسب، للتأثير على القرار الذي يتعين اتخاذه.
أما بالنسبة للحاجب اعبابو، فقد أخبر بالتلفون، وبعده بمراسلة، لأنه كان قد توجه للدار البيضاء بالسيارة، فعاد على متن طريقه للرباط، وبمجرد وصوله، أخذ لمديرية الشؤون الشريفة، حيث تم احتجازه.
(لدي تفاصيل عن رجوعه للرباط، ذلك أن السيد مارك هو الذي أمر بنقل السي اعبابو لإدارة الشؤون الشريفة، حيث كلف السيد توريس مدير مراقبة الأحباس بالتحفظ عليه، والعناية به شخصيا في انتظار التعليمات).
رأيت مولاي عابد الإدريسي مرة أخرى بعد العشاء، فقال لي ؛إن الإجراءات التي اتخذت فيما يتعلق بالحاجب بدت له نذير شؤم لمولاي ادريس.
والبيعة؟ سألته
أجاب لا يمكنها أن تتم إلا بعد تعيين السلطة القائمة خلفا لصاحب الجلالة مولاي يوسف، ومعناه أن قرار تعيين الخليفة، سيتخذ صباح الغد بالقصر، بعد وصول السيد استيغ.
في اليوم التالي تمكنت من الوصول إلى القصر، ثم الباحة الداخلية، التي تفصله عن مشور باب بوجلود، حيث يوجد الأمراء الثلاثة؛ (مولاي ادريس، مولاي الحسن، سيدي محمد) محاطين بشخصيات مخزنية وشرفاء، وأعيان.
حوالي الساعة 10:30 أو 11 وصل من الرباط مباشرة للقصر كل من السيد استيك، والسيد مارك، والسيد لمعمري.
تمَّ اختيار سيدي محمد خلفا لوالده، منذ تلك اللحظة بدأ التحضير لعملية البيعة، وكنت أذهب بالقرب من مفوض الحكومة الشريفة لتسقط الأخبار، فعلمت أن الباشا اجتهادا منه، جمع في المشور الكبير العلماء والشرفاء، والقضاة، ونظار الأحباس، وغيرهم من أعيان المدينة (جمع بلغ عدة مئات) استعدادا لمبايعة العاهل الجديد، سار كل شيء على ما يرام بشكل طبيعي، في نهاية المساء كانت وثيقة البيعة قد حصلت على موافقة الجميع.
وحتى يصير سيدي محمد سلطانا رسميا وشرعيا، كان عليه التوجه في الغد للرباط، لكي ينصب هناك على العرش العلوي بقصر التواركة.
بعد عودة الأمور لطبيعتها، برز سؤال حول تأثير اختيار السيد استيك لسيدي محمد على حساب مولاي إدريس الذي يمكن أن يدعي أحقيته في الخلافة.
لقد ناقشنا ذلك كثيرا سواء في إدارة الشؤون الشريفة أو في القصر، خاصة وأن الوزير الأكبر لم يغادر فاس، بعدما تقرر كل شيء في الرباط، إذ ظل غريبا عن الموضوع برمته.
وقد عبر السيد أوربين بلان، مندوب الإقامة العامة عندما استشير من قبل استيك، عن عدم موافقته على اختيار سيدي محمد، مفضلا تبني النمط التونسي في اختيار خليفة الباي الراحل، من بين أعضاء الفرع الجانبي الأكبر سنا.
بعد مدة، نشرت دراسات، تبين أن المسن المغربي ميشو بلير، المتعمق في الاطلاع على تاريخ المغرب، كان له دور حاسم في تسمية سيدي محمد للعرش.
لكن مواجهة الاقتراح المتخذ، بقي قائما حقيقة، يولد الشك، وفقا لرأي منطان.
طلب السيد استيك من ميشو بلير إرشاده للتصرف الحكيم، في هذه الحالة المتعلقة بوفاة السلطان، فأجابه بما يلي:
“تغلق أبواب القصر، ويأخذ كل سلاحه، ويفعل ذلك في كل أنحاء البلاد التي يوجد بها أخ أو قريب للعاهل المقترح لمنصب الخلافة، فالصراع سينطلق بعد الإعلان عن اسم السلطان”.
هذا الدرس البسيط في تاريخ المغرب لا يمكن أن يؤثر في السيد استيك، لأنه ربما استثناء للقاعدة، لعدم تطابقه مع واقع الحال.
بفاس كان كل شيء هادئا في القصر، والسكان مسالمون صامتون، ينتظرون بفارغ الصبر، تعيين العاهل الجديد من قبل السلطة المسؤولة.
في باقي أنحاء المغرب لم يظهر أي مطالب بالعرش، ما عدى الحاجب السي اعبابو، الذي أثار احتجازه بالرباط عدة تساؤلات، بقصر فاس، حول سبب ذلك.
من ناحية أخرى كتب الجنرال سبيلمان، على أنه للحصول على موافقة العلماء “جميعهم أو على الأقل الفاسيون منهم” الذين كانوا يريدون إعطاءهم مهلة للتفكير قبل إعطاء موافقتهم، وجد السيد ميشو بلير حلا لهم، يتمثل في جمعهم بإحدى البنايات، ومنعهم من الخروج أو التخابر مع الغير، حتى يصلوا لرأي مكتوب يستطيعون التصريح به للعموم، واضعا حول البناية فرقة عسكرية تقدم التحية الشرفية للقرار المنتظر.
كما أسلفت القول كنت بفاس في وقت البيعة، متابعا التحول أولا بأول، مع مفوض الحكومة، لم تكن هناك مقاومة من جانب العلماء، ولا الأعيان الذين استدعوا للتوقيع على عقد البيعة، خاصة بعد تدخل القوات المسلحة بشكل ما.
علاوة على ذلك لو أريد استشارة تاريخ المغرب، لكان صعبا، -عند الرجوع للماضي البعيد-، العثور على نموذج رفض بيعة المختار لتقلد منصب السيادة، من قبل سلطة قائمة، متوفرة على قوة مادية.
سمح نزول رأي العلماء على الحفاض على بقاء السلطة عند العلويين -على الأقل منذ تولي المولى عبد الرحمان (1822-1859)- أن تصبح الخلافة فيهم حقيقة متوارثة، فاختار ليوطي مولاي يوسف خلفا لمولاي عبد الحفيظ، وقام السيد استيك بإبعاد مولاي ادريس لصالح سيدي محمد، وقد تكرر الفعل عندما أريد تنصيب مولاي عرفة في 22 غشت 1953 بدل السلطان الشرعي محمد الخامس، باستصدار رأي علماء فاس بعزله أسبوعا قبل إعلان الباشوات والقياد انشقاقهم على السلطان الشرعي محمد الخامس، الذي كان وراء تعيينه كما بينا؛ السيدان لمعمري معلمه لسنوات، ومارك مستشار الحكومة الشريفة، خاصة هذا الأخير الذي قام بإبعاد مولاي إدريس لفائدة سيدي محمد.
فمن هو السيد مارك الذي لعب هذا الدور الخطير في الأزمة التي حلت بالمغرب بعد وفاة عاهله مولاي يوسف؟
جاء السيد مارك للمغرب قبل سنة 1912 كقنصل في حومة الشريفة، موغادور، ثم طنجة، وانضم لإدارة الحماية بعد توقيعها، وفي عام 1917 تم تعيينه مستشارا للحكومة الشريفة تطبيقا لمرسوم 19 ماي، وبذلك احتل المرتبة الرابعة في التسلسل الهرمي لإدارة الحماية المكون من؛ المقيم العام، مندوب الإقامة، الكاتب العام للحماية، مستشار الحكومة الشريفة.
في سنة 1920 تم الجمع بين جميع مصالح المراقبة وتنظيمات المخزن في مديرية واحدة تسمى: (مديرية الشؤون الشريفة) تم وضعها تحت سلطة مستشار الحكومة الشريفة.
كان السيد مارك مثل ليوطي، مقتنعا بأنه لمنح الحماية طابعا دائما، كان من الضروري تطبيق نموذج المراقبة، واستثناء الإدارة المباشرة، والاعتماد على سلطان موحد، معزز في مكانته وسلطته وتجديده للمخزن، ولمدة عشر سنوات من إدارته لمديرية الشؤون الشريفة، سعى لتطبيق توجهه مستعينا بمعرفته باللغة العربية، وتعاليم الإسلام، كما يطبق بالمغرب خاصة، وصفاته الاستثنائية التي طبع بها سكان المغرب، كـ(المثابرة، والإدراك العالي للواجب، والاستقامة الفكرية، والأخلاقية المطلقة، والشخصية المتوازنة دائما) تحت قيادة مصالح المديرية من فرنسيين وعدد من المسلمين (مغاربة، جزائريين، وحتى تونسيين) في اتصال دائم مع ممثل القصر، في جو من الثقة والتعاطف، بحيث حل التعاون والمساعدة الفنية الحقة، محل السيطرة.
فقد كانت لديه علاقات مميزة مع السلطان، يبلغه بجميع الإجراءات والإصلاحات التي تريد الحماية إدخالها في البلاد، بحنكة مميزة.
لكنه من ناحية الرأي لم يكن يتردد في التدخل لذى المصالح الفرنسية، وغالبا لذى المقيم نفسه، لإلغاء أو تأجيل الإجراءات التي تبذو له غير مناسبة، أو سابقة لأوانها، أو من شأنها تقويض سيادة السلطان، والحط من هيبته.
وفي كثير من الأحيان يكون رأيه هو السائد، وبذلك حصل على ثقة السلطان والمخزن، وتقدير نخبة الأمة المتعلمة لغاية سنة 1925 يعني بعد رحيل ليوطي.
لقد وجد السيد مارك نفسه بعد رحيل ليوطي، أمام مؤسسات بعض المصالح الفرنسية، الميالة لنهج طريق الإدارة المباشرة للبلاد، لتحقيق الكفاءة الإدارية والاقتصادية وغيرها، وتجاوز إدارة الشؤون الشريفة التي كان مقرها داخل مشور القصر، والتي كانت تعتبر المعقل الأول للدفاع عن صلاحيات السلطان والمخزن. فكان السيد مارك هو الأكثر تأهيلا ليقترح على السيد استيك القرار الذي يجب اتخاده لحل مسألة الخلافة.
وقد اختار دون تردد، سيدي محمد الذي كان يتميز بالذكاء، والحكمة، والبساطة، والتوازن، بالمقارنة مع إخوته الأمراء الثلاثة، خلال الرحلة الرسمية التي قام بها صاحب الجلالة مولاي يوسف لفرنسا عام 1926 وهو ما جعله يكون أكثر المناسبين لخلافة أبيه على عرش المغرب، علاوة على الاعتبارات السياسية التي ساهمت في إبعاد مولاي إدريس، لاسيما الرغبة في إزالة الحاجب السي اعبابو من القصر، الذي دخله في بداية عهد المولى عبد العزيز.
اشتهر هذا الحاجب بثقافته الإسلامية الواسعة، وكان يشغل إماما بمسجد القصر الخاص للأمير مولاي يوسف، وكان قد اكتسب مكانة مرموقة في عين تلميذه مولاي يوسف، الذي سيصبح سلطانا، فيعهد للسي اعبابو بالحجابة، وشؤون الأسرة الملكية، مما منحه حق إدارة جميع القصور الملكية، والإشراف على صيانتها وضبط شؤنها.
احتفظ المعلم السابق بكل نفوذه وممارساته على السلطان مولاي يوسف، بعد تنصيبه، متسلحا بالغموض والكتمان، وقيل بأنه استغل منصبه لزيادة ثروته عبر وسائل بغيضة، وبذلك يكون قد وضع ضده قسما كبيرا من الداعين لإبعاده عن القصر، ومع ذلك فقد كان مؤكدا أنه سيتم تثبيت مكانته فيه، إذا نصب مولاي إدريس سلطانا.
فكانت الطريقة الوحيدة لإقالته، هو اختيار سيدي محمد للعرش، الذي لم يكن لديه سبب لإبعاده عنه.
أيد المقيم العام السيد استيك اختيار السيد مارك. بصرف النظر عن الاعتبارات العامة التي تم تطويرها للتو، برزت حقيقتان هامتان، من ناحية قرار السيد مارك بعد ساعات قليلة من وفاة صاحب الجلالة مولاي يوسف، بتحييد الحاجب اعبابو، الذي يتطلب بالضرورة موافقة مسبقة من السيد استيك، من ناحية أخرى فإن السلوك الرئيسي للمهتم به؛ صاحب الجلالة سيدي محمد كان يعرف أفضل من أي شخص آخر، مما يقتضي التمسك به.
صاحب الجلالة سيدي محود لم يخف أبدا مشاعر الرضا التي يكنها للسيد مارك، والتي أمكن ترجمتها عند وفاته بعد ذلك بعامين، وذلك في لفتة فريدة في التاريخ المغربي، وربما في سجل تاريخ الإسلام – من خلال المراسيم التي أمر بها لتشييع جنازته، والتي حضرها برفقة كبار الشخصيات المخزنية، فقد اصطف الحرس الملكي على طول الطريق من القصر لغاية باب كاتدرائية الرباط، حيث مر جلالته لإلقاء نظرة وداع على الراحل، حيث انحنى تحية أمام رفاة ذلك الفرنسي الذي كان مستشاره بالمعنى الحرفي للكلمة، وصديقه في نفس الوقت.
بعد ذلك غادر المكان، وترك الأمر للوزير الأكبر للقيام بتأبين المتوفى، وهو تأبين أثر بعمق في الحشد الكبير الحاضر في الكاتدرائية، من مسيحيين ومسلمين ويهود قدموا من جميع أنحاء البلاد، للتعبير عن تعاطفهم وحزنهم على موته.
كانت مراسيم جنازة السيد مارك موضوع رسالة بعث بها الوزير المفوض، مندوب الإقامة، لوزير الخارجية بباريس في 31 ديسمبر 1929.
وهكذا في أقل من 48 ساعة لم يعد سيدي محمد، أميرا منسيا بالقصر الملكي بفاس، بل صار سلطانا للبلاد. ولأسباب مختلفة (ظروف تنصيبه، عدم كفاءته السياسية والفكرية، وميل الحماية المتزايد للإدارة المباشرة).
اعتقدت جميع الدوائر الفرنسية، والمغربية، أن سيدي محمد سيكون مثل والده مولاي يوسف، ظلا للجنرال المقيم العام، لكن بالتجربة والظروف المتولدة عن الحرب، جعلته يتصرف كرجل دولة، وحصل على استقلال بلاده، بعد صراع مرير، خلال 13 سنة، لم يتوان فيها عن بذل التضحية بنفسه، فوضعه التاريخ في طليعة الملوك العظام للمغرب.
Joseph Luccioni
Ancien directeur des Affaires Cherifiennes du maroc
أنظره في ص123-129 بــ:
Petite histoire du control territorial du Myen Atlas

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M