الأخذ بالأسباب بين الواقع والشرع

07 يناير 2017 21:16
الليبرالية إحياء للجاهلية وإيغال في الرجعية

هوية بريس – ذ. أحمد اللويزة

نظرا لطغيان الجانب المادي في آخر هذا الزمان، حتى أضحت المادة هي الدافع والسبيل والمقصد. عليها يشتغل الناس ومن أجلها يشقون وبها يتواصون، وعليها يربي الآباء الأبناء وعلى أساس أهميتها وضرورتها يأخذون تكوينا مستمرا. من خلال قواعد اجتماعية يتداولونها من قبيل (الفلوس تدير طريق في البحر) (والله ما قفلت لفورتي)…

المشكل ليس في المادة نفسها ولكن في طبيعة الارتباط بها لذى كثير من الناس، وذلك أن الارتباط الخاص بكل ما هو مادي دون مراعاة للضوابط الشرعية يجعل الإنسان يفك الارتباط برب المادة، ويغرق في مستنقع الاعتماد على الأسباب ولا شيء غير الأسباب في تحقيق ما يريد في هذا الحياة.

مما ينبغي أن يعلمه كل إنسان وكل مسلم خاصة أن الله هو الذي خلق الأسباب ونتائجها، فهي لا تعمل إلا بأمر من خالقها، وأن الأخذ بالأسباب هو مطلب شرعي وأمر إلهي، فالأخذ بها امتثال وتنفيذ وطاعة لأمر الله. لكن الاعتقاد الذي ينبغي أن يصاحب الأخذ بالأسباب في تحقيق مطالب الحياة ينبغي أن يكون قويا في الارتباط بالله عز وجل الذي يجعل الأسباب تعمل عملها وتحقق نتائجها وفق الحكمة الإلهية البالغة.

فالناس عموما يرتبطون بالأسباب المادية على أنها هي البداية والنهاية في تحقيق المراد، وأنه لولا الأسباب وقوتها ما تحقق شيء، دون استحضار لخضوع الأسباب لإرادة الله ومشيئته. يتجلى ذلك في سخط الناس وشدة انفعالهم وغضبهم الظاهر في أقوالهم وأفعالهم إذا لم يتحقق لهم شيء مما سعوا إليه معتمدين على الأسباب دون رب الأسباب. كما نلحظ ذلك في تصرف الناس للوهلة الأولى عند وقوعهم في ورطة، أو عند حاجتهم لقضاء بعض المصالح والأغراض، إذ السؤال الأول والبديهي هو من سيكون قادرا على قضاء هذا الغرض او الوقوف معنا لحل ذاك المشكل (الضلعة أو الضرسة… الصحيحة).

والسبب في كل ذلك الجهل بفقه الأسباب، فيقع التناقض في مواقف الناس منها بين من يعتمد عليها معتقدا فيها. وبين من يتركها كلية، والعدل هو التوفيق بين الاعتماد على الأسباب والاعتقاد بأن أثرها يكون بأمر من رب الأسباب، ورب الأسباب يفعل ما يشاء؛ فتارة يأذن للأسباب فيتحقق مسببها، وتارة يؤخر أثرها، وتارة يمنعها من العمل، وتارة يجعل السبب في ما لا يظن سببا، وكل ذلك لحكمة، ترتبط بها طاعات وعبادات أخرى منها الصبر والشكر، إذ ما من أمر إلا وله سبب مقبول شرعا وأخر مرفوض شرعا، وقد يتأخر المطلوب بالسبب الشرعي فيتعجله الإنسان بالسبب غير الشرعي فيكون ذلك ابتلاء من الله عز وجل. كما قال عليه الصلاة والسلام: “…ولا يحملن أحدكم استبطاء رزقه أن يطلبه من حرام”.

والموضوع طويل وشائك والكلام فيه أطول، وحاصل الأمر هو لفت الانتباه إلى عدم الغفلة عن رب الأسباب، وأنه هو المقصود في قضاء الحوائج كلها أولا وأخيرا، فاللجوء إلى الله عز وجل في قضاء الحوائج اعتقادا وعملا هو الأصل، والأخذ بالأسباب يكون بقوة ويقين، ولا يليق الاستهانة بها حتى عند الأخذ بها. لكن جامع كل ذلك هو صدق التوكل على الله. ودوام الارتباط به وملازمة الدعاء والضراعة إليه حتى يتحقق المطلوب.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M