الأزمة الريفية ووسائل مقاومة فرنسا لتطلعات الشباب المغربي

23 مايو 2018 14:51
موقف الزاوية الدرقاوية من الأمير الخطابي وحربه ضد الإسبان

هوية بريس – ذ. إدريس كرم

تناول “روبير منطان” الأزمة الريفية في تقريره، وهذا ما قال:

“تشكل أزمة الريف نقطة تحول في المنحى البياني للتحول البطيء في عقلية الأهالي، وهكذا يوجد مغرب “ما قبل الريف” ومغرب “ما بعد الريف”، كما أن ردود فعل كل منها تتخذ مظهرا مغايرا للآخر حتى وإن لم يكن الاختلاف بينهما مطلقا.

إننا نلاحظ خلال المرحلة الثانية تسارع حركات لم تكن من قبل سوى إرهاصات سابقة التكوين، وكانت الهزة العميقة التي عاشها البلد أطلقت قوى جديدة.

إن الانتصارات الغير المنتظرة التي حققها عبد الكريم خلال فترة أبريل-يوليوز 1925، أدت فعلا وبشكل سريع إلى إيقاظ سكان المغرب الفرنسي من الفتور والسلبية التي أظهروها أمام تقدم حمايتنا، وكانت المدن بطبيعة الحال أكثر حساسية لهذه الصدمة.

وهكذا نلاحظ في فاس على الخصوص بعض مظاهر التعصب التي بقيت دون مضاعفات.

وفي الوقت الذي كانت فيه العناصر الموالية للمخزن والشيوخ المغاربة التقليديون والتجار والحرفيون يأملون على الخصوص عودة السلم بسرعة، كانت هناك فئتان من السكان تتمنيان انتصار الريفيين.

هناك أولا عدد من الشباب قدماء تلاميذ الثانويات الإسلامية الذين لم يستطيعوا إخفاء مشاعر تعاطفهم الشديد مع بطل الاستقلال الذي يأملون انتصاره في مجموع المغرب، وقد وصل الحماس إلى حد أن عبد القادر التازي، الرئيس السابق لجمعية قدماء التلاميذ، فر إلى أجدير مع أخويه الشابين ليشكل “وفد المغرب المضطهد” لدى زعيم الحرب المقدسة، وهناك من جهة أخرى المجموعة الصغيرة من المسلمين المتقدمين والإصلاحيين في فاس والرباط المكونة خصوصا من محميي الأجانب وقدماء محميي الألمان ومثقفين على علم بالتطور الحديث الذي يعرفه الشرق والتونسيون.

وتعبر هذه المجموعة بحذر كبير عن إعجابها بأمير أجدير، ولكن دون أن يقلل حذرها من صدق هذا الإعجاب، كما أنها ترغب في أن يتم على الأقل الاعتراف بدولة مستقلة في الريف، حيث يمكن أن تتشكل في حرية، حكومة عصرية مماثلة لحكومة تركيا، والتي يمكن لوجودها أن يكون هو الخطوة الأولى لتحرر إفريقيا الشمالية.

إن توقف هجومنا العسكري في أكتوبر 1925، وترددنا الظاهر خلال الشتاء ثم ساعات الاضطراب في وجدة، قد أعطى لمسلمي المجموعتين فرصة للحلم بانتصار ريفي، وفي نفس الوقت بدا الغليان ينتشر شيئا فشيئا بين زعماء قبائل الداخل وإلى أبعد حدود مناطق التمرد، وتعددت العلاقات بشكل سري مع “الحكومة الريفية”، وبدى كبار زعماء الجنوب -الأكثر ولاء في الظاهر-يستقبلون العديد من المبعوثين ويتهيؤون سريا لتزعم حركة مضادة لنا في حالة ما إذا لم يكن النجاح حليفنا.

إلا أن الاستسلام المفاجئ لعبد الكريم، والذي استقبله بعض الشباب المسلم بحنق، قضى كلية على جميع الأماني، وفي وقت وجيز أصبح أولئك الذين عبروا عن مشاعرهم المناهضة لنا، يخشون أن تتم متابعتهم، ولكن الغياب التام لأية عقوبات في حقهم طمأنهم تماما وبسرعة.

إن العناية التي أخفينا بها حقيقة انتصار عسكري باهر لكي ننشر صيغة تسوية ودية (مع عبد الكريم)، قد أعاقت إعادة الهيبة اللازمة لنا في بلد تعطى فيه القوة وحدها الاحترام.

وهكذا انتشرت في كل مكان فكرة إمكان الاعتراض على سياستنا دون أن تكون لذلك عواقب، وانهارت القناعة الثابتة بتفوقنا العسكري، واختمر الغليان في عقول شباب الأهالي من خلال سنة من الاضطراب، غذتها القراءة المشجعة بالنسبة لهم -والتي أصبحت عادية- للصحافة الشيوعية أو الاشتراكية، ولن يتوقف ذلك التحول عن التطور فيما بعد إلى شعور بالثقة لم يكن معروفا حتى ذلك الوقت.

ويبدو لنا قبل أن نتكلم عن تجليات الحالة الذهنية الجديدة، أنه من الضروري إعطاء صورة موجزة عن الاتجاهات الجوهرية داخل المجتمع الأهلي في المدن خلال السنوات الأولى لاحتلالنا لها، فإذا لم تكن هذه الخلفية حاضرة في ذهننا، فلربما قد لا نقدر أهمية التغيرات التي حدثت خلال السنوات الأخيرة، ولا أن نحدد عواقبها، وسنتكلم فيما بعد عن الطريقة التي كان يفكر بها المارشال ليوطي لكي يستمد من داخل هذا المجتمع العناصر المستنيرة الضرورية أكثر، لتطور العمل الذي كان يعتزم إنجازه”.

وسائل المقاومة (الفرنسية لتطلعات الشباب المغربي)

“يمكن لهذا التطور الذي لا محيد عنه على ما يبدو، أن يزعج بلا منازعة من يتحملون مسؤولية حكم هذا البلد وترسيخ قوتنا فيه، وليس باستطاعتنا إلا التخفيف من وتيرته دون الوصول إلى إيقاف مساره.

وعلى خلاف بعض الآمال، يمكننا أن نكون متيقنين من أن سيطرتنا على البلاد التي تتأكد باستمرار من خلال تقدم الاستعمار والنشاط الاقتصادي الحديث، ستؤدي إلى إثارة متزايدة لرد فعل الأهالي المزدوج هذا.

وهكذا نجد فعلا أن المواجهات الشاقة بين المجتمعين تتعدد، وكل مجتمع ينظم نفسه في مواقعه، وينغلق في حياته المادية بعيدا عن الآخر، بل إن العمل الإداري نفسه الذي يمارسه عدد متزايد باستمرار من الموظفين المكونين في فرنسا يغذي هذا التوتر.

من المؤكد أن تغيير العقول لا يمس حاليا إلا نسبة ضئيلة من سكان المدن، وأن هؤلاء الأخيرين بأنفسهم لا يمثلون إلا جزء قليلا من مجموع سكان بلد تسود فيه الحياة الفلاحية والرعوية، إلا أنه بحكم آلاف العلاقات القائمة بين المخزن والقبائل، وبفعل النشاط الشخصي لبعض كبار قادة الأهالي المتعودين على تتبع التحول السياسي في المغرب باهتمام، فإنه بإمكان حركة التطور أن تنتشر بسرعة كبيرة بعد أن ظلت لمدة محصورة في حلقات ضيقة من الطلبة والمثقفين.

لذلك نعتقد أن الوسيلة الوحيدة للكفاح بشكل فعال ضد نمو التوجهات الوطنية هي العمل في مستقبل قريب بـ”إقليمية بربرية”.

ويمكن لإعادة تنظيم المغرب هذه التي ستسمح بإعطاء قبائل الجبال نظاما خاصا، أن تحترم من حيث الشكل التزاماتنا تجاه السلطان وتمنح في نفس الوقت لسكان مناطق مكناس ومراكش مؤسسات إدارية وقانونية مستوحاة من تلك التي عرفوها إلى حدود تاريخ قيام نظام الحماية وتسببنا في خرابها قبل أن نشعر بذلك.

إننا نعلم من جهة أخرى حجم العداء الخفي الذي تنظر به برجوازية المدن والمخزن لمشاريع الإصلاح البربرية التي نهيئها، علما بأن هذا التصور الخير مجرد وهم ذهني يكذبه بشكل صارخ التاريخ والدراسة السوسيولوجية للمغرب.

ويحس المسلمون الشباب بأنفسهم بالخطر، فخلال محاضرة حديثة ألقاها أحد أعضاء جمعية طلبة شمال إفريقيا في باريس، حاول الخطيب المعروف من قبل الجمهور الفرنسي بكتاب له عن فلكلور فاس، أن يبين الوحدة العميقة للشعب المغربي من خلال دراسة الأساطير والحكايات.

وعلى العكس من ذلك تكشف الدراسات الأكثر دقة عن الثنائية الصارخة والتعارض الدائم في التاريخ بين التصور البربري للدولة المنحصر في الإقليم أو القبيلة، وبين الحلم بإمبراطورية إسلامية مركزية، ويبدو أن نتائج الأبحاث التي تم إنجازها من جهة ومقاومات برجوازية المدن والمخزن من جهة ثانية، تدلان على النهج الذي يجب اتباعه.

إن توجهات المغرب الشاب التي تأكدت منذ خمس سنوات، كافية أفضل من أي خطاب مدحي لإثبات العمل المدرسي الكبير الذي وضع مبادئه المارشال ليوطي.

دون شك أن النتائج المحصل عليها بخصوص “الغزو الأخلاقي” كانت مخيبة للآمال في الغالب، ولكن يمكننا بكل تأكيد أن نجد في التكوين الذهني المقدم في الثانويات الإسلامية أحسن وسيلة لمقاومة الانجذاب المزدوج للشباب في طرق متضاربة مرسومة له منذ الآن.

ومن خلال تدعيم العمل المنجز، يمكننا أن نعبر عن ارتياحنا للمنافسة الناجحة التي نمارسها على الخصوص تجاه المدارس “التي تم تجديدها”؛ وتجاه التعليم العربي الذي تتوجه الدراسة في جامعة القرويين بعد إصلاحها، وإذا نجحنا في اجتذاب أكبر جزء من أطفال برجوازية المدن، فتصبح مهمة “المجددين” أكثر صعوبة لأن سمعة الجامعة العربية ستبقى ضعيفة جدا في نظر أولئك الذين خضعوا لتأثير ثقافتنا ولو بشكل ناقص.

الأزمة الريفية ووسائل مقاومة فرنسا لتطلعات الشباب المغربيإن النقط التي يجب تركيز اهتمامنا عليها بشكل مفيد لكي نعطي قيمة أكبر لتعليمنا الثانوي الإسلامي، هي التالية حسب ما يبدو لنا:

1- أن ندرس بعناية مشكل “منافذ الشغل” المقدمة لتلاميذ الثانويات الإسلامية، وذلك بتخصيص عدد من المناصب داخل إدارتنا لأفضل التلاميذ، علما بأنها ستكون قليلة دائما بسبب النسبة الضعيفة التي تشكلها البرجوازية الحضرية في المجموع العام، ويمكن للشباب الذين حصلوا على تعليم جيد أن يلجوا وظائف التراجمة فقط، بل وحتى أقسام تقنية مثل الزراعة وتربية المواشي والوظائف القضائية أيضا.

ونعتقد أنه لا يمكننا أن نضع احتمالا جديا لخطر قد يخلقه في إدارتنا وجود بعض العناصر الأهلية التي يمكنها أن تؤدي دورا مفيدا جدا في بعض الوظائف.

إن تهديدا آخر أكثر خطورة ومؤكد بشكل كبير سيظهر إذا ما استمرينا في إنجازاتنا المدرسية من جهة، وإذا رفضنا من جهة أخرى توظيف التلاميذ الذين قمنا بتكوينهم.

أنداك ستكون التحريضات الخارجية -الشيوعية والأجنبية والشرقية- التي تمارس على برجوازية المدن كافية لخلق حالة نفسية مناهضة لنا بشكل لا رجعة فيه وسط الشباب.

2- محاولة تجديد هيكلة “التعليم العالي الإسلامي” في الرباط على نحو يستلهم التجربة التي تمت من قبل بين 1922 و1926، وسيكون الهدف من هذا المجهود هو السعي إلى عرقلة هجرة أحسن العناصر نحو باريس من خلال إحداث منح دراسية لمدة ثلاث سنوات.

إن هذا التعليم العالي الإسلامي الذي سيسمح بممارسة تأثير قوي على التلاميذ، سيتوج بشهادة نعطيها في المغرب ما يعادل الباكالوريا، وسيتابع الطلبة بالإضافة إلى ذلك دروسا تقنية بهدف التخصص لاحقا في الإدارة (مدرسة مترجمي المعهد، مدرسة العدالة الإسلامية)، بل وحتى دروسا من التعليم الثانوي الفرنسي ليهيؤوا شهادة الباكالوريا إن كانوا يرغبون في ذلك.

3- مراقبة دقيقة للطلبة المغاربة في باريس بوسائل يجب تحديدها، مراقبة وثيقة جدا لجمعية قدماء تلاميذ الثانوية الإسلامية بفاس.

4- خلق مدرسة عدلية إسلامية -كتاب الضبط، عدول، قضاة شرعيون، وربما حتى قضاة عصريون- بالرباط بهدف ملء الخصاص الذي يعرفه المغرب من حيث رجال قانون أهالي يسمح وجودهم فضلا عن ذلك بسد الطريق أمام مشاريع إصلاح القرويين.

وسيلتحق بهذه المدرسة في البداية الطلبة ذوي التكوين العربي المحض، وأيضا قدماء تلاميذ ثانوياتنا الإسلامية، على أن يتم تدريجيا تنحية الأوائل ليصبح بها خريجو المدارس الإسلامية فقط.

وستكون للعلاقة التي ستقوم بين التلاميذ والأساتذة سواء في هذه المدرسة أو في دروس “التعليم العالي الإسلامي” إيجابية تمكننا من القيام بانتقاء أكثر صرامة فيما يتعلق باختيار رجال القانون الذين سيتخرجون مستقبلا، ومن الممكن أن نأخذ بعين الاعتبار لا المعارف المهنية فقط بل أيضا المزايا الأخلاقية والاتزان اللازمين لممارسة مهنة حساسة ودقيقة إلى حد كبير.

الرباط 15 يوليوز 1927″.

(انظر الإتحاد الإشتراكي؛ عدد:8447/2007).

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M