الأنوار الكاشفة عن الشبه الكاسفة مناقشة لشبهات «تائه» في قضية متعة النساء (ح3)

17 مايو 2016 20:25
الأنوار الكاشفة عن الشبه الكاسفة مناقشة لشبهات «تائه» في قضية متعة النساء (ح3)

ذ. طارق الحمودي

هوية بريس – الثلاثاء 17 ماي 2016

الحمد لله أما بعد:

فقد رمتني بدائها وانسلت…ثم قبضت فأقرت…وأعيد إليها داؤها في يدها ..فَشَلَّت.

حسبي هذا.. وعَودا إلى التائه مرى أخرى.

التيه الثالث

روى مسلم عن أبي نضرة قال: «كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال: ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين، فقال جابر: فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما».

فتوهم التائه أن في هذا الخبر دليلا على أن المتعة لم ينسخ تحريمها، لأنهم استمروا في فعلها إلى زمن عمر، وهو يعني عنده أنها كانت مباحة، وهو غير لازم إلا على طريق السفسطة، فحسبها أن تكون جائزة عند جابر في نظره، وقد زعم الحائر الجائر أن أبا بكر كان يجيزها فلم يمنعها، محتجا برواية نسبها الهندي في كنز العمال للطبري في تهذيب الآثار! وأحال عليها هذا المبرسم في الهامش محتجا بها، مع جهله بإسناد الرواية وحالها لأنه لم يستطع الوقوف عليها، وقد وافقت الرواية المجهولة الإسناد هواه فشاغب بها، وهذه وقاحة علمية مجردة، وهي وحدها الآبدة المصمئلة، والصيلم المطبقة التي تكشف العور، وتشف ستر الخور.

وهنا لطيفة، وهي أن التائه -ولسنا ملزمين بفهمه السيء- استدل بـنون الجمع في «كنا» على أن الصحابة كانوا يرونها مباحة، وكان عليه أيضا أن يستدل لزوما بالنون في قوله «نعد» على أن كل الصحابة تركوها وهو إجماع، فيريح نفسه ويريحنا معه، ويريح الناس من هلوساته، وكان يكفي أن يحتج بقول جابر «فلم نعد لهما» على أنه تراجع عنها كما قال ابن حجر في الفتح، وما عساني أفعل لصاحب العور.

وزعم الموسوس أن عمر بن الخطاب كان يرى إباحتها، وإنما منعها لأجل عدم الشهود، ولم ينتبه إلى أن الروايات دلت دلالة لا تخفى على صاحب مسكة عقل أن عمر فوجئ بها في المدينة قائلا في حالة فزع: «هذه المتعة» كما في موطأ مالك، ويؤكد هذا أنه هدد الفاعلين بالرجم، ولا يكون هذا إلا لما استقر الأمر فيه على أنه كبيرة في نظر الشرع، وهذا يدل على أنه لم يكن يعلم بها حتى ظهر حمل امرأة منها بالمدينة من رجل طارئ من الكوفة كما في بعض الروايات… ومن مظاهر حيرة التائه واضطرابه أنه اعترف أنها كانت تتم في المدينة …سرا… زمن الخليفة! فقبح الله الغرور والغباء… كيف تكون سرا ثم يستدل عاقل بإقراره عمر على ما خفي عنه؟ اللهم نحمدك على نعمة العقل.

ومن طرائف التائه دعواه أن المنع النبوي كان منعا عسكريا، وأن المنع العمري كان منعا تنظيميا، وهذه أول مرة أقف على خرافات من هذا النوع، فهي خرافات…(واعرة)… وأما الجِد فوراء هذا كل هذا الهراء واللعب، ومن كان لاعبا فلا يلعبن بدينه، ويكفيك دليلا على سخف هذه الدعوى أن عمر بن الخطاب هدد بالرجم المتعلق بالزنا.. فهل يرجم عمر رجم الزنا من يخالف نهيا تنظيميا؟ قبح الله الغباء.

وإني أسأل القارئ والقارئة حفظكما الله من هلوسات المحششين، ما الذي يعني قول رجل يخرج فزعا وهو يقول: «هذه المتعة»؟ ثم يهدد فاعلها بالرجم، هل يكون هذا ممن يرى إباحتها ويقر فعلها في المدينة، اللهم لا، ولو كان الموضع يحتمل البسط لانبسطت في البيان.

ويكفينا من قول جابر لإلزام التائه عبارة «فلم نعد لهما»، أي مطلقا، في زمن عمر وبعده، فالظاهر أن من قصدهم جابر تراجعوا عن القول بإباحتها لما علموا النسخ، فاستقر الإجماع على تركها، والحمد لله رب العالمين. فها هو جابر يصرح بأنهم لم يعودوا إلى المتعة، والتائه يدعو الناس للعودة إلى الزنا المنظم، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وقبل الخروج من هذا، أود تنبيه القراء إلى أن التائه لا يحسن القراءة باللغة العربية، فلا وثوق في فهمه السيء في أصله، ويكفيني مثال واحد فقط يقاس عليه، فإن له نظائر، فقد ذكر قول عمر رضي الله عنه: «متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم » وعلق قائلا: «كلام يحتاج إلى خبر (كان)»!! ويبدو أن التائه لا يعرف أن في (كان) نوع يقال له (كان) التامة، وهذه لا تحتاج إلى خبر، كقول النبي صلى الله عليه وسلم «كان الله ولم يكن شيء معه»، فإن لم يكن يعرف ذلك فليعرض نفسه على أستاذ يصبر عليه، والظاهر أن هو من يحتاج إلى… ركلة جزاء.

التيه الرابع

ومما شاغب به التائه كما يفعل الشيعة في كتبهم ومواقعهم الإلكترونية ما نقله عن ابن حزم من ثبات عدد من الصحابة على تحليلها -وهم شذوذ في كثرة ظاهرة على قول ابن عبد البر-، وأن في رواية أن عمر بن الخطاب إنما نهى عنها إذا لم يشهد عليها بشهادة رجلين، وقد مر بيان أنها من سفساف الشبه، واتكأ التائه على جدار يريد أن ينقض فانهد عليه، فكل هذا -مع كونه غير مسَلم، وليس هذا موضع الانبساط في بيانه- لم يمنع ابن حزم نفسه من تحريمها، فإنه قال: «ولا يجوز نكاح المتعة، وهو النكاح إلى أجل، وكان حلالا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نسخها الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم نسخا باتا إلى يوم القيامة».

وليس هذا الطريف في الأمر بل قوله: «ونقتصر من الحجة في تحريمها على خبر ثابت، وهو ما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن الربيع ابن سبرة الجهني عن أبيه» أي أن حديث سبرة المتقدم الذكر -والذي ضعفه المسفسط- صحيح عند ابن حزم، وكاف لإثبات التحريم النهائي، ويلزم منه عند ابن حزم أن سبرة بن معبد صحابي، وأن الربيع بن سبرة ثقة، فإن ألزمنا بما لا يلزمنا ألزمناه بما يلزمه، ويختم ابن حزم هذا بقوله في حزم وجزم: «ما حرم إلى يوم القيامة فقد أمنا نسخه»، والتائه ربما وقف على هذا، فإن كان فعل فلئيم، وهو يفسد عليه مشاغبته السخيفة.

ومما ركبه التائه من تافه الشبه، فضعف الراكب والمركوب، ما صح من نسبة القول بإباحة المتعة إلى حبر الأمة وبحرها عبد الله بن عباس رضي الله عنه بإطلاق، لكنه لم يقف عند ما وقف عنده ابن عباس، بل تعداه، وتجاوز مداه، ففي صحيح البخاري عن أبي جمرة قال :«سمعت ابن عباس يُسأل عن متعة النساء فرخص، فقال له مولى له: إنما ذلك في الحال الشديد وفي النساء قلة، أو نحوه، فقال ابن عباس: نعم». وفي بعض الروايات عند غير مسلم : «صدقت»!

وهو صريح في موافقة ابن عباس لهذا القيد، بل احتج عليه ابن أبي عمرة الأنصاري بأكثر من هذا فسكت سكوت المقر كما هي رواية القاسم بن سلام في الناسخ وأبي عوانة وغيره، وأصلها في صحيح مسلم أنه قال له: «إنها كانت رخصة في أول الإسلام لمن اضطر إليها كالميتة والدم ولحم الخنزير ثم أحكم الله الدين ونهى عنها». ومعنى قوله «أحكم الدين» أي نسخ حكم إباحتها إلى التحريم مطلقا، فقد كانت المتعة على هذا كأكل الميتة وشرب الدم مع قلة النساء، والتائه يكاد يزعم أنها اليوم كأكل الشواء، وشرب الماء، مع كثرة النساء، وهذا من التطفيف في ميزان، ليس له لسان.. ولا كفتان.. في سوق البهتان.

والخلاصة أنه لم يصح عن أبي بكر إباحتها، وأن عمر نهى عنها لذاتها بقوله: «هذه المتعة» وهدد فاعلها بالرجم، وتابعه على ذلك عبد الله بن الزبير، وقال جابر: «لم نعد»، وابن عباس قال: «نعم» لمن قيدها وسكت عند علي وابن أبي عمرة فلم ينكر.

وثبت حديث سبرة بن معبد الصحابي رضي الله عنه، ولا تصح الإباحة عن سلمة للانقطاع بين عبادة بن الوليد والحسن، ولم يستطع إثبات سماعه منه، ولا أعرف له رواية عنه إلا في هذا الخبر الغريب العجيب، فإن كان التائه يعرف له غيرها من طريق صحيحة فليذكرها فنكون له شاكرين، وأما ما قد يزعمه زاعم من أن العلماء اكتفوا بالمعاصرة فمردود بأن الكبار المحققين على اشتراط السماع بأي وجه كان -واللقي أحد وجوهه- ولابد، وهو على قول ابن عبد البر إجماع من المتقدمين وإن كان في ذلك نظر، وهو اختيار علي ابن المديني والبخاري وبعدهما ابن الصلاح وابن حجر في آخرين، وهو الذي انتصر له ابن رشيد السبتي في السنن الأبين وابن رجب في شرح علل الترمذي وبيَّنا الحق فيه أحسن بيان، ورُد على مسلم ما ادعاه في مقدمة صحيحه، ومذهب الجمهور في اشتراط اللقي هو الموافق للقياس تثبتا واحتياطا في الرواية، وهو الذي نصره عبد الله الجديع في تحرير علوم الحديث، فقد يعاصر الراوي غيره ويجتمعان في مدينة واحدة، ومع ذلك لا يلتقيان، وعلى ذلك نماذج، وينتج عنه (المرسل الخفي)، وفي القصة المحكية عن سلمة في إباحة المتعة أمر منكر غريب.

وهو أن سلمة كان قد عمي حين سأله الحسن كما في الرواية، وأنه قال للحسن على حسب الرواية: ومن أنت؟ قال: أنا ابن محمد بن علي بن أبي طالب، قال: ابن اخي ها إذن، قال: أي ابن أخي، اكتما عني حديثي ما عشت، فإذا مت فحدثا.

وإني أتساءل، كيف يمكن لسلمة وقد عمي، ولم يتعرف على صوت الحسن، فيسأله عن شخصه، فيخبره أنه الحسن، فيصدقه بلا تردد! بل ويفشي له ولزميله سرا يراه خطيرا، ويطلب منهما أن يكتماه! فهل هناك عاقل يفعل هذا الذي نسب إلى سلمة، وهو أعمى لا يعرف من يكلمه بيقين؟ لا يفعل هذا إلا غبي، ولم يكن سلمة رضي الله عنه كذلك قطعا جزما، وهذه نكارة موجبة لرد هذا الخبر، ويؤكد أن ثم صانعا لهذه الرواية توارى في الانقطاع بين الراويين.

فإن ادعى مدع أن في النص ما يدل على أن عبادة كان مع الحسن، فسياق الخبر يشكك في ذلك، فليس ما يدل دلالة صريحة عليه، فالسياق فيه قلق، وربما سقط كما قال المحقق، ومن المثير للاستغراب أن سلمة سأل الحسن عن مرافقه فلم تذكر الرواية اسمه! وهو أمر محل نظر وتشكيك، أضف إلى هذا أن العلماء لم يذكروا لعبادة سماعا من سلمة، ولو سمع منه أو لقيه لذكروا ذلك في كتبهم، فلم أجد أحدا ذكره في الرواة عن سلمة، ولا ذكر سلمة في شيوخه، ومما يؤكد تهافت هذه الرواية أيضا ويزيدها وهنا على ضعف أن الحسن وأخاه عبد الله كانا يعرفان تحريم المتعة على لسان جدهما علي بن أبي طالب من رواية أبيهما ابن الحنفية في الصحيحين وغيرهما، خلاف ما توهمه الرواية الضعيفة من تردد الحسن فيها، ولم تكن المتعة مذهبا لآل البيت أبدا خلاف ما قد يتوهمه تائه.

ومن الغرائب أيضا أن الرواية زعمت أن سلمة كان قد عمي، ولم أجد أحدا من أهل التواريخ والمحاضرات والأدب واللغة ذكر ذلك، خصوصا المحققين منهم كقتيبة في المعارف، أو من كتب في العميان كالجاحظ والصفدي أو من كبار المحدثين المحققين ذكر ذلك عنه، كابن الجوزي في التلقيح، وغيره، خصوصا ابن حجر، فإنه كان مطلعا على مسند الروياني، ولم يعبأ بالرواية، والله أعلم، ومن ذلك أيضا أن الرواية تصور سلمة جبانا، والذي تصر عليه كتب التراجم أنه كان شجاعا.

والذي صح عن سلمة والذي يعول عليه ويعض عليه بالنواجد هو تحريمها مرفوعا كما في صحيح مسلم، ولا يتصور مخالفته لما رواه من تحريمها، بل في حديثه في صحيح مسلم دليل على ضعف رواية التحليل، فعلى طريقة الترجيح عند التعارض يقدم حديث مسلم -السالم من أمثال هذا الانتقاد- على ما في مسند الروياني مع غرابته وتلوثه بانقطاع في إسناده.. فمن بقي للتائه إلا.. الرعيني.. ومعه.. بعض الشيعة.

وقد كنت أريد التوسع، لوجود شبه أخرى وسخ بها التائه كتابه، خصوصا ما يتعلق بأصول الاستدلال والمقاصد، فقد أتى فيها التائه بالعجائب، ولعلني أجعل لها شيئا مفردا إن شاء الله، فإنني أخشى أن أخرج عن شرط الاختصار، ويكفيني من ذلك أن أنبه على أن إباحة المتعة اليوم ستجعل الزناة يمارسون هوايتهم المفضلة جهارا لا سرا، قاصدين الأجر والمثوبة، وستصير بناتنا عرضة للعب بهن واستغلالهن بمكر النهار بعد الليل، وستمتلئ شوارعنا بأبنائها أكثر من امتلائها بأبناء الزنا الصريح.

فهل هذا التائه شيعي؟ لا أعتقد ذلك، فهو تائه! وحسبنا أن نقول: إنه موافق للشيعة الرافضة فيما هو من خصائصهم، واستقر خلافه إجماعا عند المسلمين السنة، ومن تشبه بقوم فهو منهم.

وأخيرا، أعتذر صادقا بسبب هذا الاختصار المخل، وأخطاء الكتابة، وحسبي أن القارئ ذكي وفطن، ويكفيه من كل ذلك ما كتبته، ولا أخفي رغبتي في نشر كتاب مستوف للشروط في هذا إن يسر الله تعالى، يكون حاسما لمادة الفساد في هذا الرجل، وبالمناسبة، فقد قصدت بـ(التائه) معاني ثلاثة ذكرها أهل اللغة، وكلها اجتمعت في هذا المسفسط، وهي: الحائر والمتكبر ومن ذهب عقله، ولو احترم المريض علماءنا لكان خطابي مختلفا. والله المستعان.

آخر اﻷخبار
1 comments

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M