الإرث.. مُجَرَّدُ أسئِلةٍ

26 مارس 2018 15:24
الإرث.. مُجَرَّدُ أسئِلةٍ

هوية بريس – أيوب أبسومي

لطالما سُئلنا عن الشريعة وأجبنا، ثم كثيرا ما بالسفاهة قُذِفنا، فهَلَّا أجابنا أحد عقلاء التنوير عن أسئلتنا، وبرر لنا بالمنطق والحجة موقفه من شريعتنا؟!!

إن تغيير بُندٍ من بنودِ الإرث يقتضي تغييرا جذريا لكافة الأنظمة المبنية على المال، نفقةً واجبةً أو استحقاقا مفروضا، وفي هذا نورد ما جاء في مدونة الأسرة المغربية فيما يتعلق بالنفقة على الزوجة:

المادة 194:

تجب نفقة الزوجةِ على زوجها بمجرد البناء، وكذا إذا دعته للبناء بعد أن يكون عَقدَ عليها.

المادة 195:

يُحكم للزوجة بالنفقة من تاريخ إمساك الزوج عن الإنفاق الواجب عليه، ولا تسقط بِمُضيّ المدة إلا إذا حكم عليها بالرجوع لبيت الزوجية وامتنعت.

المادة 196:

المطلقة رجعيا يسقط حقها في السكنى دون النفقة إذا انتقلت من بيت عدتها دون موافقة زوجها أو دون عذر مقبول.

ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻃﻼﻗﺎ ﺑﺎﺋﻨﺎ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺎﻣﻼ، ﺗﺴﺘﻤﺮ ﻧﻔﻘﺘﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺗﻀﻊ ﺣﻤﻠﻬﺎ، ﻭﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺣﺎﻣﻼ، ﻳﺴﺘﻤﺮ ﺣﻘﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻜﻨﻰ ﻓﻘﻂ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﻋﺪﺗﻬﺎ.

المادة 198:

تستمر نفقة الأب على أولاده إلى حين بلوغهم سن الرشد، أو إتمام الخامسة والعشرين بالنسبة لمن يتابع دراسته. وفي كل الأحوال لا تسقط نفقة البنت إلا بتوفرها على الكسب أو بوجوب نفقتها على زوجها. ويستمر إنفاق الأب على أولاده المصابين بإعاقة والعاجزين عن الكسب.

وفي المادة 102:

للزوجة طلب التطليق بسبب إخلال الزوج بالنفقة الحالة الواجبة عليه، وفق الحالات والأحكام الآتية:

1- إذا كان للزوج مال يمكن أخذ النفقة منه، قررت المحكمة طريقة تنفيذ نفقة الزوجة عليه ولا تستجيب لطلب التطليق.

2- في حالة ثبوت العجز، تحدد المحكمة حسب الظروف، أجلا للزوج لا يتعدى ثلاثين يوما لينفق خلاله وإلا طلقت عليه، إلا في حالة ظرف قاهر أو استثنائي.

3- تطلق المحكمة الزوجة حالا، إذا امتنع الزوج عن الإنفاق ولم يثبت العجز. انتهى.

كل هذه التكليفات المادية المُناطة بالرجل ستختل إذا تمت المساواة بين الجنسين، أم أن القوم يريدونها في الربح فقط دون الخسارة؟!!

سألت شخصيا حوالي خمسين امرأة ذات مكانة ثقافية بين المحترمة والعالية، كلهن بدون استثناء أجبن بالرفض القاطع والجازم للمساواة في الإرث، وكذلك فعَل واستقرى مَن أثق فيه وفي عقله، لتبقى الأسئلة مطروحة على الجميع:

– لماذا يقوم المُريدون لهذه المساواة بعرض بعض الحالات الاجتماعية الشاذة ليتم تعميمها على الجميع، عازفين في ذلك على العاطفة بتصوير الكوارث الاجتماعية جراء تقسيم الإرث وِفق ما جاء في القرآن؟!

– لماذا يتم اجتزاء مثال العم البعيد الذي يُخرِج بنات أخيه من بيوتهن بعد وفاة هذا الأخير، ولماذا لا نقول أن هذا العم هو الذي كان واقفا بجنب أخيه ويُنفق عليه، في حين كانت بناته فيما دون الثلاثِ سنوات؟ ولماذا لا نقول بأن هؤلاء البنات لهن فرصة الانتقال إلى مسئولية أزواجٍ يقُومون مقام الأب في النفقة والمسئولية، وتتزوج المرأة زوجا آخر يتكلف بما له عليها، أم أن الدراما تقف دائما عند عتبة المأساة، لتجذب الأنظار وتكسب التعاطفات؟!

– لماذا الأشخاص الذي يطرحون هذه الحملة الحقوقية المفاجئة لهم نفس التوجه، ونفس الأفكار، وخصوصا نفس اللامنهج في التعامل مع الشريعة، قراءة واستنباطا وتنزيلا؟!!

– لماذا إلغاء التعصيب وتحويل مال الهالك إلى أبنائه فقط، فماذا نصنع إذا مع الرجل العقيم؟ هل نعود إلى توريث الإخوة والأعمام، أم أن المال يتقاسمه من لا صلة له بالهالك؟!

– لماذا عندما سألتُ شخصيا في مَوطِنَينِ أحدَ زعماء هذه الحركة التنويرية بشكل علمي عن منهجه تجاهَل جوابي، وعندما هاجمه آخرُ -وأنا ضد هذا الهجوم- مثَّل دور الضحية ناسبًا التشدد للإسلام والطوائف الإسلامية رغم أن القذف كان من صاحب التعليق لا من سكان بورما والشيشان؟!!

– لماذا تتم معالجة قضية الإرث في منأىً عن مفهوم الاستخلاف في الأرض، والذي يشمل الاستخلاف في المال؟ إذ أنهم يقولون بقول قارون، (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِي)، وأنّ لي الحرية الكاملة في التصرف فيه، بينما الإسلام يقول أن الإنسان مجردُ مستخلفٍ في الأرضِ والمالِ، وأن ماله ليس ملكاً له ملكاً مُطلَقا، بل تجب عليه فيه النفقة والزكاة، وإذا مات صار تركةً يقسمها مَن خَلقَه واستخلفه عليها على مَن شاء، وهو الله..

فأي سبيل نسلُك؟ أَسَبيلَ الله: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ) (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا) (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ) (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) أم نسلك سبيلَ أصحابنا التنويرين -المعروفين- بشعاراتهم (مساواة) (الإسلام ظلم المرأة) (التعصيب نظام بائد) (تاريخانية القرآن)…

– بالله عليكم، هل هذه المساواة منحصرة في الإرث أم في كل تشريع؟

– إذا كانت في الإرث، طالب الرجال بدورهم بإعفائهم من النفقة، لتنتقض عُروة أخرى من عُرَى الشريعة، ثم تنفَكُّ بعدها عُروةُ الأسرة حين نصير إلى الربح الذاتي، والنفقة الذاتية والخسارة الذاتية، ثم الآراء الذاتية، فما الذي سيجمع رباط الأسرة بعد هذا؟

– إذا كانت مساواتكم تقصدون بها الإرث فقط، فسنعود إلى تلك المواد التي قرأناها آنِفا لنقف حَيَارَى، هل نتركها على حالها، وهذا يرفضه الرجل، أم نُحوِّل تكليفاتها تجاه المرأة وهو تكليف لها بما لا تطيق، أم نقعد نتبادل التملص من المسئولية؟! حتما سنصير إلى ما يُعَبَّر عنه بالدارجة ” شد ليا نقطع ليك”.

– أما إذا كان طلب المساواة يَطَالُ كلَّ تكليف، فهذا ظُلمٌ للمرأة لا أرتضيه لها كرجل، بل لم يرتضِهُ اللهُ لها من قبل، لأنها ستصير – أي المرأةُ- مُلزَمةً بصلاة الجماعة في المسجد، والدفاع عسكريا عن الوطن والدين، وتلزمها النفقة على أولادها، ويلزمها صَداقُ زوجها، وتلزمها كسوته، بل يلزمها مسكنه… الخ. فضلا عن فروع العبادات التي تم التخفيف في كثير منها عن المرأة بخلاف الرجل..

بعد أن تُجيبونا عن أسئلتنا هذه وتُفَكِّكوا إشكالاتها، بشكل علمي لا بشكل عاطفي، نزيدكم أسئلةً أخرى تقف أمام قَبولنا لمساواتكم، وتحول بين رضوخنا لتنويركم، فصراحةً، لا زلنا لم نعرف حقيقةً موقِفَكم تجاه تغيير أحكام الإرث والشريعة معا: أغيرةٌ هذه أم جهل، أم كيدٌ دُبِّر بِلَيل؟

المصدر: موقع يقين

آخر اﻷخبار
2 تعليقان
  1. بناءا على الأسئلة التي طرحها الأستاد أيوب أبسومي في موضوعه أعلاه ، يتضح جليا لكل عاقل وحتى من شم رائحة العقل فضلا عن متقف أم عالم بمقاصد الشريعة أن هؤلاء الذين يطالبون بتعديل المدونة ميما يتعلق بالإرث لم يستوعبوا المتواليات المترتبة على مطلهم لو تحقق .
    أمرهم عجيب ، لاهم راعًوْ حُرمة الدين ولاهم راعَوْ حٌرمة التوابت ، نسأل الله سبحانه وتعالى أن َيرُدّ بهم إلى الصواب إن كان فيهم خير وأن يكفينا شرهم إن كان فيهم شر ، إنه والي ذلك والقادر عليه ، والحمد لله الذي لم يجعل بينه وبين عباده وسائط.

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M