الإسلاميون بين المشاركة بالملاحظة والملاحظة بالمشاركة؟

17 سبتمبر 2016 19:30
الإسلاميون بين المشاركة بالملاحظة والملاحظة بالمشاركة؟

هوية بريس – د. محمد وراضي

حتى لا ننسى التاريخ (7 أكتوبر 2016م)؟ وحتى لا نتيه في عالم المفاهيم، نؤكد أن الإسلاميين هم من صح وصفهم دون غيرهم ب”أهل السنة والجماعة”. والله تعالى هو الذي اختار لهم هذا الوصف إذ يقول: “من يطع الرسول فقد أطاع الله“. وتنفيذا من الرسول لما خاطبه به ربه: “وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم” وجه إلى المسلمين هذا الأمر: “عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين من بعدي“. كما وجه إليهم وصية بليغة تقول: “تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله وسنتي“. ثم إنه حذرهم حتى يتجنبوا الوقوع في الضلال والتضليل فقال: “من رغب عن سنتي فليس مني“.

فتكون هكذا هوية الإسلاميين قد حددت بما يكفي من الوضوح. مع وجوب الإشارة إلى أن كافة المبتدعين في القديم والحديث لا يعدون من المتسننين المخلصين بأي وجه كان؟ فإن كانت الاستجابة لله وللرسول من دعائم قناعاتهم كأهل السنة والجماعة المتميزين عن بقية الفرق الإسلامية، فإن مبدأ “الولاء والبراء” دعامة أخرى بمثابة مقياس يعتمد حين التطبيق والممارسة.

وبناء عليه، يتحدد اختياران للإسلاميين بالمفهوم المتقدم: الاختيار الأول هو المشاركة بالملاحظة. والاختيار الثاني هو الملاحظة بالمشاركة. ولا وجود لاختيار ثالث أو رابع أو خامس؟

نذكر هنا طالبا كان يحمل شهادة معمقة في علم الاجتماع الديني، فسجل لنيل دبلوم الدراسات العليا موضوعا محوره الدور الاجتماعي لطريقة صوفية مغربية كظاهرة اجتماعية دينية. وقبل شروعه في إنجاز الرسالة، احتار في الاختيار بين منهج المشاركة بالملاحظة، ومنهج الملاحظة بالمشاركة. لأن المنهج الأول كما بدا له لن يتيح له فرصة تحقيق نتائج مرضية. إذ الطريقة الصوفية بمثابة مجتمع مغلق صغير، بإمكان شيخها والمريدين من حوله أن يمدوا الدارس ببعض مما يطلب الحصول عليه. لكن المنهج الثاني سيضعه في قلب الظاهرة ويجعله يغوص فيها حتى الأعماق حيث يتم له الاندماج كمريد تابع، مع بقية المريدين التابعين للشيخ، هذا الذي يقودهم كعميان لغاية ما يدركون أهدافا تربوية واحدة تلو أخرى، إن هم أصبحوا فعلا كأموات بين يديه كمغسل آمن يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال كما يشاء!!!

وبما أن اختيار الطالب قد وقع على الملاحظة بالمشاركة، فإنه لم يشعر إلا وقد وظف كل نشاطه الذهني والعاطفي لخدمة الطريقة من خلال المبالغة في إطراء شيخه! ومن خلال الترويج لقناعاتها على الصعيد النظري والتطبيقي. والحال أنه كان عليه -وهو يدرس ظاهرة اجتماعية دينية- أن يعتمد منهج المشاركة بالملاحظة حتى لا يكون ضحية الذاتية، هذه التي ألقت به بعيدا عن الدراسة الموضوعية التي تقف عند حدود الوصف. مع العلم بأنها بمثابة العلامة المميزة لكافة العلوم التجريبية؟

وكمطلب ملح متوقع مفروض على الإسلاميين -المعدودين من “أهل السنة والجماعة”- هو تمسكهم بـ”مبدأ الولاء والبراء”.

هذا المبدأ الذي هو بمثابة بوصلة، باعتمادها سوف يتأكدون من كون “الملاحظة بالمشاركة” لن تؤدي بهم إلا إلى الذوبان في أجساد خصوم العودة إلى النظام الإسلامي. وأن “المشاركة بالملاحظة”، أقدر من غيرها على أن توفر لهم العزة وحب الجماهير التي باتت تميز بين الأطهار الورعين، وبين المهينين الموبوئين بمرض العظمة والتهافت على الدنيوي المتسخ الزائل، إلى حد أنهم لم يترددوا عنده عن بيع دينهم بدنيا الحكام وجلاوزة الحكام!!! أي إنهم يبيعونه لـ”الأقلية الخادعة”؟ أو لـ”مافايا الفساد” المتمرسة في إطفاء الأنوار لتظل الظلمات هي السائدة المتحكمة؟

فالإسلاميون المتحررون الذين يرفضون بإباء وشمم بيع آخرتهم بدنيا الحكام، يمعنون النظر في الإقدام، أو في عدم الإقدام، على المشاركة في العمل السياسي. فبين أيديهم بوصلة “الولاء”، وبوصلة “البراء”. يوالون من يوادون الله ورسوله. ويقاطعون من يحادونهما. والموالاة هنا تعني التأييد والمناصرة والمحبة، كموالاة المسلمين المتبادلة. لأن المسلم لأخيه -لا لعدو دينه- كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا. فصح أن الولاء الذي تنطق به الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، متقدم على البراء، تقدم البروق النيرة على الرعود المزمجرة. فالأول مطلب ديني ملح، والثاني محظور لأنه وخيم العواقب. وتفاصيل المحظورات على أرض الواقع تواجهنا في كل لحظة وفي كل حين، ونحن نشاهد الممارسات السياسية للحكام العلمانيين… خمور… دعارة… الفساد الأخلاقي… المراقص… نهب خيرات الشعوب… والإثراء السريع اللامشروع عن طريق الحرام… وتزوير الوثائق للاستيلاء على الأراضي… وحرمان الناس من حقوقهم الأساسية… منها المساواة والعدل… ومراقبة المكالمات الهاتفية… والمتابعات… والمحاكمات لمجرد الظنة… وهتك الأعراض… أو انتهاك الحرمات… والاغتصاب بمختلف أنواعه وألوانه وأشكاله… مما يجعلنا نتساءل عما إذا صح أن نرافق في الطريق من يلحدون في آيات الله ويسخرون منها ويستهزئون! ويعتبرونها ظلاما لا بد من استبداله بالنور الذي على أساسه يقوم النظام العلماني، في مقابل الظلام الذي يقوم عليه النظام الإسلامي إذا ما تم الإقدام على تطبيقه! مما يفرض على الإسلاميين -كما حددنا هويتهم- اعتماد “البراء” لا الولاء” بأي وجه كان؟؟؟

 يعني أن “البراء” هو الذي يفرض نفسه والعلمانية المتوحشة في صورتها الليبرالية فاغرة فاها لالتهام البقية الباقية من الدين الحق؟ وحتى إن تم تبرير مشاركتهم في العمل السياسي بحجة أنه يستهدف التغيير من الداخل – كما زعموا – فإنهم سوف يعرفون مآل دراسة الطالب للظاهرة الطرقية الدينية الاجتماعية، بعد أن اختار “الملاحظة بالمشاركة” بدل “المشاركة بالملاحظة”؟؟؟

وعقلاء الناس لن يطلبوا منا أمثلة على ما ندعيه، وإن طلبوها أحلناهم على الجماعات الإسلامية التي بادرت إلى المساهمة في الممارسات الانتخابية على جميع المستويات، حتى أصبح بعض أعضائها نوابا برلمانيين ووزراء في الحكومات العلمانية، دون أن ننخدع نحن -كمشاركين بالملاحظة- بمسمى الحكومة الإسلامية؟ أو بمسمى حكومة الملتحين؟ إذ الإسم بالنسبة لهذه الحكومة لا يطابق المسمى؟ ثم إن الحديث عن أحزاب إسلامية تضليل للرأي العام! لكن لماذا؟ لأن الدول الخاضعة للنظام العلماني، لا تسمح بتأسيس أحزاب دينية. وإنما سمحت -بعد أخذ ورد- بتأسيس ما يطلق عليه أحزاب ذات مرجعية دينية! إرضاء للعلمانيين الذين يملكون الحق كل الحق في تأسيس أحزاب تحت أي اسم يختارونه من ناحية. ومن ناحية ثانية لا يبيح قادة الدول العلمانية إنشاء أحزاب إسلامية من شأنها أن تهدد قناعاتهم الفكرية اللائكية التي يرون من خلال التخلي عنها مخاطر محذقة بالأنظمة التي يديرونها! وكأننا مع الشيوعيين الروس -على لسان لنين وستالين- الذين يعتبرون تعدد الأحزاب خطرا داهما على النظام الشيوعي؟ وكان أن حدا حدوهم بعض من حكام العرب الذين تشبثوا بالحزب الوحيد، ما دام أساتذتهم السوفياتيون قد تشبثوا به؟؟؟

والسماح -بعد حين من الصراع- بقيام أحزاب ذات مرجعية إسلامية، هو إلغاء “مبدأ الولاء والبراء”! لأن في قبول الإسلاميين بممارسة العمل السياسي تحت رعاية الدول العلمانية، معناه الاعتراف الفعلي باللائكية! خاصة وأن العمل السياسي الذي يمارسونه جد محدود، إلى حد أنهم لا يتميزون عن بقية الأحزاب التي تشاركهم في القيام به؟؟؟

ونؤكد هنا أن أحدا من الملاحظين الجادين، لم يقتنع بأن حكومة بنكيران منذ قيامها، تنهمك على تفعيل مبدأ “الولاء والبراء”؟ بل إن العكس هو الصحيح بأدلة قاطعة دامغة! فالفكر الظلامي يغطي كل ادعاء بأن الإسلام المغربي يتمثل في المذهب المالكي وعقيدة الأشعري وطريقة الجنيد؟ فلا البرلمانيون الإسلاميون نظموا حملات من خلال استنطاق رئيس الحكومة ووزير الأوقاف بخصوص المزارات البدعية من مغارات ومن منابع المياه، ومن أضرحة أصحابها تقدم إليهم القرابين، وتتم الاستعانة بهم لقضاء الحاجات؟ وما قصة بويا عمر المخزية ببعيدة عنا؟ وهي التي لم تصل بعد إلى فصلها الأخير؟ أليست بدع القبورية المحمية رسميا، وبعلم من نواب الإسلاميين، وبعلم ممن أصبحوا منهم وزراء، أو ليست مدعاة لتفعيل مبدأ “البراء” علنا، كي يدرك الشعب المغربي مدى إسلامية الإسلاميين وعلمانية العلمانيين؟؟؟ والطرقية التي تنال نفس ما تناله القبورية من حظوة رسمية، لماذا سكتت الحكومة الإسلامية عنها وعن ضلالها المبين الذي تنشره؟ والذي هو مناف -كما قلنا ونكرر- لسنة نبي الهدى والرحمة؟ والبغاء الذي استشرى في ربوع المملكة المغربية، حتى بات مغربنا معروفا بالتفشي فيه، إلى حد أنه أصبح مقصدا للزناة القادمين من شتى دول المعمور؟ أم إن الأخلاق لم تعد قائمة على أساس ديني، منطلقه الحياء الذي لم يعد بإمكاننا أن نقرأه، أوأن نشاهده بكيفية مباشرة وبكيفية غير مباشرة على شاشات القنوات التلفزية المغربية الرسمية ذاتها؟ ويدرك التلاعب بالدين وتشويهه وتحريفه ذروته، حينما تقدم قنواتنا الأرضية والفضائية مناظر تدعو إلى الجهل والتخلف والاستهزاء بالمشاعر والأحاسيس الدينية النظيفة، التي تشمئز من رؤية أضرحة حولها مسمى القيمين عليها أو زوارها الذين يقبلون درابيزها المزركشة لأغراض لا صلة لها بالدين على الإطلاق؟ فضلا عن كون العلمانيين أنفسهم لم يعترضوا على تلك المناظر التي تعمق الجهل والخضوع للخرافات والأوهام التي جاء الإسلام ليحرر العقول منها كظلاميات، وليزودها بالأنوار التي هي بمثابة وسائل للتقدم والرقي والازدهار؟؟؟

ouradimohamed.wordpress.com

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M