الإصلاح بين الحقيقة والوهم؟!

05 أغسطس 2016 21:42
الإصلاح بين الحقيقة والوهم؟!

هوية بريس – زينب أحمد

يكاد يكون القولُ بأن في النُّفوس أُهبة للتّعلُّق بمن يحملون خُطَطَ انعتاقها، عامّا ومُسلَّما به من الجميع.. بغضّ النّظر عمّا إذا كان هذا العتق لها، من مشاكلها المادية الدُّنيوية أو من سوء مآلها في آخرتها -كما هو الحال بالنسبة للمؤمنين-.. وهذه حقيقةٌ يُفيدها الاستقراء -سواء منه الدّقيق أو العابر- لملامح النفس البشرية في تركيبتها الفردية أو الجماعية؛ حيث يخلُصُ عامّة بقاعدة؛ أنّ هذه النفوس فُطِرَتْ توّاقةً للأيادي الممتدة إليها بالنصح والإرشاد.

لذلك -في المقابل- فأنت يستحيل أن تجد مجتمعاً عبر التاريخ البشري على هذه البسيطة، خاليا من الأفراد الذين رفعوا أصواتا عالية دون الناس ليُعبِّروا من خلالها عن رغبتهم في التغيير والإصلاح.

هذا الشأن المطّردُ، يَجد له هيكلاً مثالياً ومنهجاً كاملاً متكاملا في مجتمعٍ يتولّى فيه الإصلاح الأنبياء والمرسلون، أو ورثتهم من أهل العلم. لكنّه يتأرجح عند غيرهم بين المقبول المخلوط وبين المرفوض المكذوب.

لذلك يأتي هذا المقال كمحاولةٍ لاستيعابِ القاعدةِ التي على أساسها يُمكن أن يوزن صاحب الرؤى الإصلاحية -بالنسبة لمجتمع معين- هل كحاملٍ لخلاص المجتمع أم مجرّد دَعِيّ؟! وفي خلال هذا نُسلِّط الضوء على ملامحِ الإصلاح الحقيقي والوهمي التّخيلي.

وسنحاول -إن شاء الله- الحديث عن المجتمعات بحيادية فيزيائية وكيميائية تامّة؛ أي باعتبارها -المجتمعات- منظومات قائمة على مشتركات إنسانية داخل كل مجموعة، تَعْنِيها وحدها بالضرورة، وتُؤهِّلُها -بالتّالي- للتعايش ضمن القالب الذي تختاره لنفسها. فمع إيماننا الجازم بأن الإصلاح لا يكون إلا بيد أهل الصلاح المُستقِين من مشكاة الوحي، فإنّا سوف نتحدث -تنزُّلا- عن الإصلاح في إطار أُمَمِي عامّ يضمّ أهلَ الأرض قاطبةً وذلك باعتبار التحسين والتقبيح العقليان كما عند المعتزلة؛ أي باعتبار أنّ الإنسان يستطيع استحسان الحَسن ونبذ القبيح بعقله حتى من غير نزول الشرع -والقول للمعتزلة-.

ولأن المقال لن يستوعب الاستفاضة الأكاديمية في تناول المواضيع وللاعتبار السابق أيضا، فإنّا سنتجاوز تلك النّمطية في التّأصيل لمصطلح الإصلاح وتأريخه وما إلى ذلك.. وسنكتفي بالانطلاق من خلاصة مفادها أنّ؛ في كل مجتمع رجالٌ يقومون مُتحدثين عن مشاريع إصلاحية، لكنّها، بين الحقيقية والوهمية، منها ما يَعِدُ بنجاة المجتمع من بعض مشاكله ومنها ما يزيد في إغراق السفينة بعد خرقها في عمق المحيط.

لنخرج -إن شاء الله- بقاعدةٍ عقليةٍ محضةٍ يَنضَبطُ بها نظرنا -كعامّة من الخلق-، في تمييز أهل الإصلاح الحقيقي من أهل الوهم فيهم.. رغم تأكيدنا -ولا بأس من تكرار هذه النقطة- على أنّنا نعتبر أن المجتمع الإسلامي في غنىً عن هذا التَّحليل العقلي المُجرَّد، لأنّ حلولَ مشاكلِهِ مبثوثةٌ في الوحي وبالتالي فحامل مشعل العلم الإلهي هو وحدَه مُصلحها الحقيقي.

فإذن. وبالعودة إلى الخلاصة التي انطلقنا بها.. نجد في المجتمعات رؤساء ووزراء وأعضاء حكومات وعلمانيون وحقوقيون وجمعويون وشباب فايسبوكي وآخر جرائدي.. كل هؤلاء يتحدث عن حلول لإصلاح المجتمع. ولكن لهم في هذه الحلول طريقان في الإسراع إلى القبول بها مُجتمعيا..

1- إمّا أن يحمل المُصلح مشاكل المجتمع منه، ويأتي لها بحلولٍ موافِقَةٍ للأهواء والرغبات التي تتناسب وبعض الأقليات فيه، فيكون بذلك لم يضع حلّا حقيقة إنّما هو بوقٌ يُنفخ من خلاله صوت الأقليات ليُصبح صوتها طاغيا على الساحة، وهو بذلك يُعلن بشكل صريح عن عجزه التّام عن الإنقاذ والإصلاح طالما يعتمد إرضاء الأهواء وقلب موازين المُجتمع من إماتة لصوت الأغلبية وتغليب لصوت الأقلية. ولا ننفي أن تكون له نوايا خفيّة يروم فيها تحقيقِ مآربه الشخصية والانتصار لعصبياته المستورة، أو قد يكون مجرّد بليدٍ يَحْذوهُ حبُّ الإصلاح ولا يستطيع عقله البسيط إلى ذلك سبيلا إلا عبر النّقل عن رغبات الأقليات. لكنّنا نتجاوز إدراج النوايا لأنّها باطنٌ لا مجال لإصدار الأحكام عليه، ونكتفي عنها بظاهر القول الذي يُغني -في هذا الإطار- عن الشقّ عن القلب.

وهذا النوع من الأبواق موجودٌ كثيرٌ وسهلٌ تمييزه داخل المجتمعات:

==> ففي المغرب مثلا، العلمانيون يظنون -ظن سوْءٍ- أن المجتمع غالبيته هاجِرٌ للإسلام بعيد عنه، لذلك تكون حلولهم دائما على نفس هذا الوزان من الإغراء بالتنفير من الدين، وهم في ذلك مجرّد ناقلين عن بعض الأقليّات الواهمة في أنّ المغاربة قد يستحسنون الرؤى العلمانية فقط لأن أصحابها حين تواضعوا للعوامّ بالحديث، استَغْنَوا عن ربطات العنق وظهروا بمظهر شعبي وتحدثوا عن تفاصيل شبابية هزيلة كنوع من “العياقة الخاوية”.. بهذا التعبير البسيط.. وهم غالبا ما ينبشون في حفريات المجتمع للتأصيل لرغباته وليخاطبوا العواطف ويستذرُّوا الدّمع، إذ مشاريعهم من غير ذلك تسقط عند التحقيق العقلاني البسيط.. وهكذا فالأمازيغي ينبش في قبور الوثنية والمُقبل على الانتخابات يَعِدُّ بالإغراء المادي وتحريك عواطف الشباب بحلولٍ وهمية مليئة بالإغواء على طريقته (كصاحب ‘’يخلص قهيوة على صاحبتو!!’’ مثلا)… وكل هؤلاء لا يملك مشروعا إصلاحيا حقيقياً في الأصل وإنّما هو بوق للأقلية وممثّل لها.. وذلك ببساطة لأن أبسط قراءة لتركيبة المجتمع المغربي بمختلف تعقيداته عبر تاريخه تُفيد قطعا أن هذا البلد يستحيل أن يعرف ازدهارا في مختلف مجالاته إلا عبر اعتصامه بدينه وهذه حقيقة يشهد عليها التاريخ وليست القناعة الشخصية لصاحبة هذا المقال.

==> في المجتمع الأمريكي مثلا، الرئيس يُحاول دائما أن يصوغ خطابات عاطفية مستذرّة لدموع شواذّه مؤجّجةً للعنصرية الأمريكية الساذجة، دافعةً إيّاه إلى طلب الرِّيادة الكونية بشكل هستيري، في الوقت الذي لن ينال هذه الرِّيادة سوى أفراد من المجتمع. كما أنّك لن تجد لرئيسٍ أمريكي مُحاولات جدّية للغوص في أعماق المجتمع لإصلاحه، كل ما يستطيعه هو رفع صوت الأقليات والإغراء بنجاح السياسة الخارجية.. لأنّه عاجز فعلا عن وضع حلول لمشاكل مجتمعه، ويُخفي ذلك العجز تحت طاقية “النّويل” الذي يكتفي بتحقيق نزوات ومآرب شخصية لبعض الأفراد الذين أهّلتهم بلادتهم وسذاجتهم إلى رفع أصوات المُطالبة بحقوقهم الوهمية..

==> في المجتمع الفرنسي، خطابٌ عتيقٌ قديمٌ لدولةٍ ماتتْ فيها كل أمجادها، وبقي فيها مُتمسِّحون بالدُّول الأخرى بُغيةَ استعادة تاريخ يُدركون جيدا أنّه لن يعود. لذلك يُعوِّد مُصلحوهُ المُجتمعَ على تَبَنِّي سياسة التَّمسح. فكلّ المصلحين فيها محصورون بهذا القالب الضيق من عدم تجاوز إطار التبجيل والتقديس للدول الرّائدة في نظرهم..

==> بنفس هذه الرغبة في استعادة الأمجاد البائدة، يتحرك الرئيس الروسي؛ مع فارقٍ بسيطٍ يَفْرِضُه تاريخ روسيا الدَّموي، وبالتالي فسياستها الخارجية المُغريةُ للعوامّ كان لا بد لها من أن تتحرّك في هذا الإطار من القدرة على تحريك الاقتصاد عبر إراقة الدّماء.. للأسف بعد أن وجدت الفرصة قد أتيحت في الشام…

وهذه فقط بعض النماذج لطائفةٍ من المُصلحين تنطلق في استلهام حلول مشاكل المجتمع من أحلام سفهائه لتضعها في الواجهة وتستميل عطفهم بها، في تسريعٍ منها للقبولِ بها مجتمعياً وبالتالي سيطرتها على عرش الحكم.. ثم بعدها تنطلق في تحقيق مآربها الخفية والاحتجاج لها بأكاذيب ساذجة بعد أن ضمنت رقبة المجتمع بيديها..

2- ثم هناك طائفة أخرى تنطلق عكس الأخرى فتضع حلولا وهمية من فيض خيالاتها الواسعة وتحاول الغوص بها في المجتمع والبحث عن أرضية لها.. كمن يُركِّب نظريات في عقله ويبحث لها عن فئران لتجريبها.. وهذه طائفةُ الفلاسفة وعلماء النفس والمصلحين الاجتماعيين.. الذين قليلا ما يُصيبون وكثيرا ما يُخطئون خطأ جسيما يكون ضحاياه بشرٌ آدميّون لا يتلقّون لعزائهم أية عبارات اعتذار أو تأنيب ضمير المُجرم..

وبهذه الجولة السريعة يكون الوقوف على صدق المُصلح وقُدرته على تقديم حلول ناجعة للمجتمع، أمراً مُمكنا لذوي العقول القادرة على التحسين والتقبيح فقط بالنظر إلى المرامي التي يسعى إليها المُصلح في حلوله:

 – هل هي مخاطبة الأهواء وإجابة حقوق المنبوذين عُرفيّاً؟

– أم هي حلول سابحة في الخيال غير معتبرة لهامش الخطأ؟!

إن كانت هذه فهو الوهم وإن كان غيرها فذاك فيه بعض من حقيقة الإصلاح.. لأن حقيقته الكليّة ليست في غير الإسلام.

والسلام.

آخر اﻷخبار
1 comments
  1. شتان بين زينب هوية وعقلية الاصلاح اصلحها الله وبارك فيها
    وبين زينب التراكتورية التي جرها الشيطان حتى اصبحت تتكلم بلسانه وتدعوا الى حزبه.

    فلعل زينب هوية المصلحة تتحفنا برد على زينب الهاوية التركتورية الدكتاتورية

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M