الإعلام المغربي.. بين فرنسة القيم وتنميط المخالف

27 سبتمبر 2018 18:17
سميرة سيطايل.. مديرة الأخبار بدوزيم تغادر القناة

هوية بريس – حاتم الكوراجي

الجزء الأول: القوة الناعمة و قوة الصورة

 “إن انتصار السلاح لا يعني النصر الكامل؛ إن القوة تبني الإمبراطوريات؛ و لكنها ليست هي التي تضمن لها الاستمرار و الدوام.  إن الرؤوس تنحني أمام المدافع؛ في حين تظل القلوب تغذي نار الحقد و الرغبة في الانتقام”

جورج هاردي

“تغطي الصحافة الأحداث ،و في اختيارها الأحداث التي تغطيها و طريقة تغطيتها تشكل نتيجتها”

كاتلين هول جاميسون، بول والدمان

في الحروب الأخيرة عرف العالم تغير وسائل السيطرة التي تعتمدها الدول الكبرى لإخضاع الدول  من أجل ضمان التبعية فلم تعد المدافع أهم هذه الوسائل بل أولت القوى الاستعمارية اهتمامها الأكبر إلى محاولة السيطرة على عقول الجماهير التي لعبت دائما دورا مهما، ولكنها لم تلعب هذا الدور بنفس حجم الأهمية التي تلعبه اليوم[1] فإخضاعها يعني بالضرورة توجيهها نحو مصالح القوى الاستعمارية المهيمنة و يشير “غوستاف لوبون” إلى كون التغيرات الضخمة التي يعرفها العالم من قبيل سقوط حضارة و صعود أخرى أو الغزو أو تغير السلطة الحاكمة راجعة في أساسها إلى التغيير الذي يصيب أفكار الشعوب فيقول:إنالإنقلابات التي تسبق عادة تبديل الحضارات تبدو للوهلة الأولى و كأنها محسومة من قبل تحولات سياسة ضخمة.نذكر من بينها الغزو الذي تتعرض له الشعوب ،أو قلب السلالات المالكة.و لكن الدراسة المتفحصة عن كثب لهذه الأحداث  تكشف لنا غالبا أن السبب الحقيقي الذي يكمنوراء هذه الأسباب الظاهرية هو التغير العميق الذي يصيب أفكار الشعوب . ..و أما الأحداث الضخمة المأثورة التي تتناقلها كتب التاريخ فهي ليست إلا آثارا مرئية للمتغيرات الامرئية التي تصيب عواطف البشر.[2] و سر نجاح أي سلطة حاكمة مرتبط بمدى قدرتها على ترويض الجماهير و كيفية التعامل معها ،فنابليون بونابارت مثلا كان ينفد بشكل رائع إلى أعماق نفسية الجماعيرالفرنسية،و لكنه كان يجهل بشكل كلي أحيانا نفسية الجماهير التي تنتمي إلى أجناس أو أعراق مختلفة[3].

وقد أدرك الاستعمار أن القوة قادرة على إخضاع الأبدان لكن لها آثارا سلبية على مخططات المستعمر، فالقهر لا يولد إلا ردة فعل  عنيفة و مقاومة عكسية و إن تأخرت.  كان من الضروري-وحتى تكتمل الهيمنة و تدوم و لو بعد الانسحاب الشكلي للجيوش- إخضاع العقول و توجيهها كما يقول جورج هاردي: إن انتصار السلاح لا يعني النصر الكامل؛ إن القوة تبني الإمبراطوريات؛ و لكنها ليست هي التي تضمن لها الاستمرار و الدوام.  إن الرؤوس تنحني أمام المدافع؛ في حين تظلالقلوب تغذي نار الحقد و الرغبة في الانتقام. يجب إخضاع النفوس بعد أن تم إخضاع الأبدان. و إذا كانت هذه المهمة أقل صخبا من الأولى؛ فإنها صعبة مثلها؛ و هي تتطلب في الغالب وقتا أطول.

و قد أثبت التجربة العملية نجاعة وسائل السيطرة المرنة أو الناعمة التي تستهدف العقول و الوعي ،فلم يعد من الضروري لتحكم شعبا أو تضمن تبعية دولة أن تجيش لذلك الجيوش و تجند آلاف الجنود و ترهق ميزانية الدولة بالنفقات العسكرية الضخمة، بل أصبح من الممكن تحقيق كل ذلك و زيادة بعمليات أقل كلفة و إن كانت أكثر تعقيدا و صعوبة. ولا يعني ذلك أن الغرب والدول المهيمنة قد تخلوا عن استعمال القوة المادية في عملية السيطرة و الإخضاع ، لكن ذلك لم يعد يحصل في معزل عن استعمال القوى الناعمة توازيا مع الجهود العسكرية المادية، وفي الغالب يتم للجوء للقوة  لإزالة العوائق التي تحول دون وصول قوى التغيير النفسية و العقلية للفئات المستهدفة كما حدث في حالة العراق، فرغم الحصار و التجويع و سياسات العقوبة ظل هذا البلد العربي عصيا على تغلل الغزاة  الجدد و كانت قيادته السياسية-بقطع النظر عن الاتفاق معها من عدمه- سدا منيعا في وجه التدخل الغربي في المنطقة و الاستفادة من مزيد الثروات التي حواها هذا البلد، فما كان من الولايات المتحدة إلا أن قامت بإسقاط النظام بالقوة لتتم لها السيطرة على ثروات العراق و تضمن التبعية ولو جزئيا و قد كان العراق قبل الغزو يملك أفضل نظام تعليمي في المنطقة،قبل أن تحكم العقوبات الطوق عليه كانت نسب التعليم فيه أعلى نسبة في البلدان العربية[4].

و أهم ما تتميز بها القوى الغربية القدرة العريضة على تكييف وسائل التغيير المرن تبعا للأحداث المستجدة فبعيدا عن نظرية المؤامرة التي تقضي بأن الغرب هو الذي يصنع الحدث على الأرض العربية الإسلامية و يسيره كيفما شاء و حيثما شاء، فإن الثابت أن لديه القدرات الاستراتيجية الضخمة للاستفادة من أي تغيير يقع بعيدا عن الوسائل العسكرية –إلا في نطاق محدود- المستنزفة فحتى و إن بدا هذا الحدث لا يتماشى و المصالح الغربية بادئ الأمر،  و هذه في الحقيقة هي الخطوة الكبيرة التي لا زال يتقدم بها الغرب علينا فإن كنا قادرين كأنظمة سياسية أو شعوب على القيام بالفعل و إحداثه فالغرب لا زالت لديه إمكانية الاستفادة منه و توجيهه ليصب في قناة مصالحه، لأن أفعالنا نتيجة ردود أفعال غير مدروسة، و أفعالهم تنزل على أرض الواقع تبعا لدراسات استراتيجية معمقة تقوم بها معاهد تنفق عليها هذه الحكومات ميزانيات ضخمة –معهد راند كمثال فيما يخص الحالة الإسلامية-. فالركن الأساسي في خصائص القوى العظمى هو ضخامة و نوعية الموارد المادية والبشرية و الفكرية،مما يمكنها من الاستفادة من الأحداث على أي وجه ألقت رحالها[5].

بعد حرب فيتنام بدأت الإدارة الأمريكية إعادة النظر في فعالية القوة المادية العسكرية لفرض النموذج الغربي و إقامة نظم تضمن استمرار المصالح الأمريكية خاصة و الغربية عامة .إذأن هذه القوة ظلت قاصرة عن تحقيق أهدافها بل و أرهقت كاهل الميزانيات الدفاعية بشكل كبير.فبرزت نظرية السيطرة الناعمة التي تستهدف ابتداء التأثير على العقول و توجيهها داخيا و خارجيا و لا شك أن هذه السياسة ناجحة داخليا بشكل مبهر و بنسبة أقل خارجيا و أبرز دليل على ذلك أن الولايات المتحدة الامريكية منيت في حروبها في الدول الإسلامية بخسائر أضعاف ما كان عليه الحال في فييتنام، لكن توجيه العقول و القو ى الناعمة جعلت المواطن الأمريكي بارد ردة الفعل إلا قليلا و فتحت عينه على جانب واحد و هو خطر الآخر-الإرهابي- على القيم الحداثية الأمريكية  بينما كانت توابيت الجنود الأمريكان قتلى هذه الحروب خارج التغطية محظورة العرض و التصوير.و حتى النقد الموجه للسياسات الأمريكية داخليا لا يخرج عن الإطار المعد مسبقا فكل كوارث أمريكا و إجرامها إنما يندرج في خانة الأخطاء الفردية و الانفعالات الآنية لبعض الجنود مع الحرص على إبعاد التهمة عن الإدارة و مدى مسؤوليتها عن هذه الكوارث، بل إن التفكير في دوافع هذه الحروب أصالة و أسبابها لا يتم إلا في دوائر مغلقة يثيرها بعد الأفراد من حين لآخر دون أن تجد صداها في المجتمع الأمريكي.و من أغرب ما شاهدته منظر أولئك الأمريكيين الحداثيين المنطلقين الذين يسألهم المذيع عن رأيهم في الحرب التي ستشنها الولايات المتحدة الأمريكية على الدولة الارهابية الفلانية-ثم يذكر دولة صديقة لأمريكا بل تعد من أبرز حلفائها- فيجيب هؤلاء دون تردد “نحن نؤيد سيادة الرئيس”[6].المشهد على بساطته يلخص تأثير الصورة و الإعلام –أهم وسائل القوى الناعمة- في توجيه الرأي العام و قولبة الأفكار حتى تصير متماهية بدون أدنى تفكير أو تساؤل.نفس هؤلاء المواطنين لن يستنكروا تعذيب هذا الإرهابي الذي يهدد أمنهم- بعدما رأوا في أفلامهم أن ذلك ضرورة ملحة و أنه قد يجنبهم إذاية بالغة- و حرياتهم كما أقنعتهم وسائل الإعلام و لن يتعاطف معه و لو قتلبأبشع الطرق بل و لو قتل المئات و الآلاف ممن لا علاقة لهم بذلك في سبيل القضاء عليه.

الإعلام أو الصورة أحد أهم- إن لم يكن أهمها- ركائز القوة الناعمة فالصورة، و منذ أوائل ظهورها بشكلها المبسط  البدائي نالت إعجاب الإنسان و أبهرته أما في وضعها الحالي فقد صارت أكثر إبهارا و تأثيرا.

و يذكر غوستاف لوبون في معرض حديثه عن الوسائل المباشرة التي تأثر في وعي الجماهير أن الصورة أو مصطنعة  تأثر بشكل خاص في مخيلة الناس ،يقول غوستاف :عندما درسنا مخيلة الجماهير رأيناها تتأثر بالصور بشكل خاص فهي تبهرها فعلا .و إن لم نكن نمتلك الصور فإنه من الممكن أن نثير في مخيلة الجماهير عن طريق الاستخدام الذكي و الصائب للكلمات و العبارات المناسبة.فإذا ما استعملناها بشكل فني لبق فإنها تستطيع عندئذ أن تمتلك القوة السرية التي كان أتباع السحر يعزونها إليها في الماضي.[7]

ففي أمريكا  لم يكن للرئيس ويلسون إبان فترة الحرب العالمية الأولى سوى استخدام القوى الناعمة لتغيير وعي الناس و دفعهم لقبول دخول الولايات المتحدة الحرب و ضرورة تدمير ألمانيا ،بعد أن كان شعار حملته الانتخابية “سلام بدون نصر” و على أساسه اختير رئيسا ،فكانت المهمة تحويل المواطن الأمريكي المسالم المناهض للحرب إلى متعطش لها ،و في سبيل تحقيق ذلك استحدث ويلسون “لجنة كريل” و هي لجنة حكومية للدعاية للحرب و ضرورة شنها و تدمير ألمانيا ،و قد استطاعت اللجنة أن تحقق ذلك في مدة قياسية لا تتعدى ستة أشهر،و لم تكتف إدارة ويلسون بذلك بل استغلت هيستيريا الناس للحرب و ضرورة وجود عدو قومي لا بد من مواجهته و القضاء عليه لشن حملة على القوى العمالية في الداخل تحت شعار “محاربة الشيوعية” هذه المرة ،و تم توظيف هذا التكتيك لإثارة هيستيريا ضد الرعب الشيوعي و قد نجحت إلى حد كبير في تدمير الاتحادات العمالية و القضاء على بعض المشكلات الخطيرة ،مثل حرية الصحافة و حرية الفكر السياسي ،و كان هناك تأييد قوي من وسائل الإعلام.[8]فبعد أن تم حشو عقل المواطن الأمريكي بهاجس الخوف بواسطة وسائل صناعة الوعي سهل بعد ذلك تجييشه ضد أي عدو، حقيقيا كان أم وهميا.لا بد أن يتخوف الناس و يشعروا بالخطر الداهم ليؤيدوا الفظائع و يسهل توجيههم ذلك أن عامة الجمهور لا يجدون سببا للتورط في مغامرات خارجية أو عمليات قتل و تعذيب و لذا لا بد من تحفيزهم ،و لفعل ذلك لا بد من أن تثير مخاوفهم[9] و أسهل طريقة لصناعة  الرعب هي الصورة سواء كانت مرئية أم ذهنية ناشئة عن نقل الأحداث و توجيهها لتؤدي هذا الغرض ،و هذا هو مجال اشتغال وسائل الإعلام ،و قد رصد نعوم تشومسكي في كتابه “السيطرة على الإعلام ” كيف تستطيع رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية التحكم في الرأي العام و توجيهه إلى الاقتناع بعكس ما كان عليه قبل بضع سنين فقط ، و من ذلك تحول صدام في الوعي الشعبي الأمريكي من حليف لأمريكا  في الشرق الأوسط يزوره رامسفيلد و يتباحث معه الشؤون السياسية و ينقل له تحيات الرئيس إبان الحرب العراقية –الإيرانية ،ليتحول و بعد سنوات قلائل إلى أيقونة للشر في الشرق الأوسط ،يريد السيطرة على العالم و تدميره و مناطق النفط في الكويت و السعودية.و من طريف ما يذكر أن أمريكيا متأثرا بما تبثه وسائل الإعلام حول صدام ظل مختبئا في كهف لمدة 10 سنين منقطعا عن العالم خوفا من وصول صدام إلى ولايته [10]،ولاية كاليفورنيا ،و لعل هذه درجة متطرفة من تأثير الإعلام على عقول البشر لكنها تجسد حقيقة تأثر المشاهد بما يلقى إليه من وسائل الإعلام المرئية و السمعية و الكتابية و قابليته لتصديق أي شيء.

و يذكر تشومسكي أن من أهم طرق صناعة الوعي و التحكم فيه التي انتهجتها الصحافة الأمريكية   اختيار الأحداث و التركيز على بعضها دون الآخر و تغطيتها بطريقة إيحائية مركزة ، كما يقول “كاتلين هول جاميسون” و “بول والدمان” :تغطي الصحافة الأحداث ،و في اختيارها الأحداث التي تغطيها و طريقة تغطيتها تشكل نتيجتها[11]،ففي مايو 1986 نشرت مذكرات السجين الكوبي” أرماندوفالاديرز”،و سرعان ما أصبح حديث وسائل الإعلام ،فوصف حينها كاسترو في الصحافة الأمريكية بأنه ديكتاتور مجرم و أنه خلق نوعا جديدا من الاستبداد الذي أسس للتعذيب كأحد ميكانيزمات السيطرة الاجتماعية ،و تمت مهاجمة كل من يدافع عن كاسترو بوصفه مدافعا عن الديكتاتورية و التعذيب، في نفس الشهر تم القبض على أعضاء مجموعة حقوق الإنسان بالسلفادور و عذبوا،كان عددهم حوالي 432 محام ،و قاموا بتوقيع إقرار شرحوا فيه أساليب التعذيب التي لاقوها في السجن ،و سرب هذه التقرير و شهادات بالفيديو صور فيها هؤلاء و هم يقدمون شهاداتهم حول ما لاقوه من تعذيب،ثم ماذا حدث؟رفضت الصحافة القومية تغطية الحدث إلا صحيفة يتيمة محلية في سان فرانسيسكو.[12]

و في إيطاليا لم يكن برلسكوني -المثقل بالفضائح المالية و الجنسية و القضائية- بحاجة إلا لجهاز إعلامي فعال يتولى مهمة رسم صورة شاعرية عنه و هدم الصورة القبيحة الملتصقة به في أذهان الناس،فقامت القنوات المرئية التابعة له و صحيفتي “إل جورنالي” و “إل فوليو” المملوكتين له ،و مجموعة مواقع إلكترونية كانت تحت تصرفه بهاته المهمة و تحول برلسكوني من “رجل الفضائح” إلى “رجل السياسة الأول” الذي يحسب له خصومه ألف حساب،و كما قامت”الإمبراطورية الإعلامية ” -و التي كان أولاده و زوجته هم من يديرها- لبرلسكوني بالترويج لصورته الجديدة و نجاحاته الاقتصادية فقد تولت نفس المهمة لتبرير إخفاقاته السياسة بعد توليه لرئاسة إيطاليا.

و لا يمكن الحديث عن تأثير الإعلام عامة و المصور بشكل خاص على المتلقي دون الإشارة إلى ما يمكن اعتباره أهم وسيلة لصناعة الوعي و هي السينما،و المثال الأكثر وضوحا هو السينما الأمريكية  و تأثيرها على عقول الأمريكيين،فإنه لا يمكن تجييش رأي الأمريكيين لقضية ما دون تناولها في أفلام مصورة تعكس وجعة النظر الرسمية،لذلك لا تتوانى الإدارة الأمريكية عن تقديم الدعم المادي و المعنوي لمنتجي هذه الأفلام و يندر أن تجد فيلما سينمائيا يناهض سياسات الإدارة الامريكية و إن وجد فلا يتعدى حدود المسموح به ، و قد رصد “جاك شاهين “بعض جوانب تأثير هوليود على الوعي الأمريكي فيما يخص العرب و المسلمين في كتابه “صورة العرب السلبية في أفلام هوليود” و خلص بعد جرد و عرض كامل لما أنتجته هوليود حول العرب و المسلمين أن الصورة النمطية للعربي أو المسلم التي تروجها السينما الأمريكية سلبية إلى درجة مبتذلة فلا تخرج عن كونه مجرما يميل للبذخ و النساء يسكن في كهوف في الجبال أو في الخيام في وسط الصحاري المقفرة.

يقول جاك شاهين:أن الصورة النمطية السلبية للعرب مزوعة عميقا في الثقافة الشعبية الغربية،و هي بمثل صلابة صخور ما قبل التاريخ.و يتضح ذلك على نحو لا مثيل له في أفلام هوليود،حيث تتواصل أبلسة المسلمين العرب ،خلافا للمجموعات العرقية و الإثنية الأخرى ،على شاشات السينما …و بحلول سبعينات القرن العشرين،أي :بعد عقدين من قيام دولة إسرائيل ،كان تصوير هوليود للشخصية العربية”عرب الأفلام السينمائية” يقوم على إظهار العرب غالب في هيئة شيوخ ميالين للنساء و أثرياء ،و تواقين للانتقام، و فاسدين، وجبناء، و بدينين، بشك ثابث جزئيا…و اعتبارا من ثمانينيات القرن العشرين و ما بعدها :سيطر النزاع العربي-الإسرائيلي على العناوين الرئيسية ،عززت هوليود ببساطة تصوير العرب على أساس أنهم أصوليون ،إسلاميون ،يائسون.

يتم في الأفلام دائما تصوير المسلمين كإرهابيين،رغم أنهم كانوا في العقد الأخير ضحايا على المستوى العالمي أكثر من غيرهم.و لنتذكر في هذا الصدد:القتلى في البوسنة و فلسطين ،و كوسوفو،والشيشان.و نتيجة للصورة النمطية لا يجد مرتادو السينما فرصة لمشاهدة العرب أو المسلمين على الحقيقة أو التعاطف معهم كضحايا للقمع[13].

و قد بلغ التنميط ذروته بعد الحادي عشر من سبتمبر و زاد إغراقا في الابتذال حتى صار تدمج هذه الصور النمطية في أفلام لا علاقة لها بالعرب و المسلمين كما وقع في فيلم”The Majestic” و الذي تظهر فيه لقطة نشاز لا تتماشى مع سيناريو الفيلم  حين يشاهد بطل الفيلم – و يلعب دور  كاتب سيناريوهات  سينمائي ذو ميول شيوعية فقد ذاكرته بعد تعرضه لحادث و كان محل مذكرة بحث من الشرطة- شريطا سينمائيا،إذ يظهر عربي يحاول اغتصاب فتاة فيقوم بطل الفيلم بتخليصه منها و يطعنه طعنة قاتلة بالسيف ليكون آخر ما ينطق به هذا العربي قبيل موته”عليك اللعنة يا كافر”،هذا المشهد لا علاقة له البتة بأحداث الفيلم و كان من الممكن تعويضه بأي مشهد آخر يؤدي الغرض ،لكن ذلك لم يكن عبثا بل مقصودا لإيصال فكرة لذهن المشاهد خصوصا و أن فكرة الفيلم الأساسية دعوة إلى الحرية و التسامح مع الأفكار التي قد لا تبدو موافقة لما عليه الأمريكان ،فكانت اللقطة عبارة عن توضيح لا بد منه و هو كون هؤلاء الإرهابيين المسلمين حالة استثناء في القبول و التسامح معهم.[14]

إن مجال تأثير الصورة لم يكن محصورا في اختيارات الناس السياسة فقط بل استعملت في شتى المجالات التي سيكون من مصلحة من يملك السلطة و القوة أن يوجه فيها الطبقات المستهدفة،ففي عالم الاقتصاد مثلا يهتم الفاعلون الاقتصاديون بدراسة الوضع الاقتصادي العام و خصوصا المستهلكين الذين هم مادة التسويق ، و تعد عملية الإشهار من أهم التقنيات التي توجه المستهلك نحو سلعة ما أو نحو تفكير استهلاكي معين على أنه لا يمكن فصل ذلك عن نمط الحياة العام ،فمثلا كلما زادت نسبة “أمركة”[15] مجتمع ما و محاكاته للنمط الحياتي الأمريكي ستزداد نسبة استهلاكه للهمبورغر و الكوكا، فهذه المواد الاستهلاكية لم تعد مجرد طريقة لتلبية الحاجات الضرورية لكنها نمط عيش ،و يرى عبد الوهاب المسيري أن هذا التأثير و التوجيه الاستهلاكي استعمار لا يلجأ للقسر و إنما للإغواء[16] ،لذلك لم يكن مستغربا أن تنشأ مراكز دراسة خاصة بالسياسات الإشهارية و ما يتعلق بها تقول بدراسة المجتمعات الاستهلاكية لتتحكم في طريقة الاستهلاك ،و تقوم بعملية إقناع المستهلك بالنمط الاستهلاكي المرغوب فيه ،كمركز التواصل المتقدم الذي أنشأه “برنار كاتيلا” سنة 1971 في فرنسا و أول ما سيقوم به دراسة أسلوب حياة الفرنسيين و تطوره،لقد كان إسهامه كبيرا في تحول الإشهار الفرنسي و في تحول إرساليته شكلا و مضمونا [17]، و قد اكتسب الإشهار مكانته  في عالم الاقتصاد بقدرته على التوجيه و التأثير بعد أن  كان في بداية أمره محل توجس حتى من الاقتصاديين أنفسهم الذين رأوا فيه عبئا زائدا على تكلفة الإنتاج ،و مع مرور الزمن و ظهور نجاعته في تسريع وتيرة الاستهلاك أصبح من أهم مكونات العملية الانتاجية و تسلل إلى مجالات أخرى غير الاقتصاد ليختلط بالسياسة و الفن و غيرهما.

 

الجزء الثاني: تنميط المخالف (الإسلاميين نموذجا)

“ومن يتصور أن المؤسسات الاعلامية مجرد مناخ معرفي بحت فهو يعيش وهماً كبيراً, فالمؤسسات الإعلامية كائنات سياسية لها أجندتها الخاصة وانحيازاتها العميقة, ولكن لها أدواتها الخاصة في الاستقطاب والتوظيف بما يتناغم مع بنيتها مثل: منصب كاتب عمود صحفي, أو مشرف صفحة الرأي, أو مدم تلفزيوني, أو معد برامج, أو ضيفاً دائماً يوضع تحت اسمه خبير في الجماعات الإسلامية, ونحوها من المناصب الإعلامية التي تخطف لب الشاب في عصر الشاشة”

إبراهيم السكران،مآلات الخطاب المدني

تحرص وسائل الاعلام بشتى اتجاهاتها المرئية  المكتوبة و المسموعة على تقرير نظرية و كأنها مسلمة في عالم الصحافة ،لا يمكن للمشتغل بالحقل الاعلامي تجاوزها أو على أقل تقدير قل أن تتجاوز، و هي الحيادية، غير أن الناظر في أكثر الوسائل الإعلامية المشهودة لها بالنزاهة و لو من خصومها يجد صعوبة بل استحالة تحقق هذا المعنى و لو جزئيا .ففي ظل عالم السوق و الأعمال تبقى الأداة الإعلامية مرهونة بما يجلب لمن يتولى الإشراف عليها الربح أي أن مفهوم المصلحة ثابث لا ينفك عن السياسات الإعلامية، و في تحقق آخر يكون العامل السياسي حاسما في توجيه الأدوات الإعلامية و أدلجةطرحها.فالقنوات الرسمية التي تمول من ميزانية الدولة لا يمكنها البتة الخروج عن الخطوط العريضة لسياسات السلطة الحاكمة- و في أكثر البلدان ديموقراطية- عن الإطار العام  ،صحيح أنها قد تمارس نقدا من وقت لآخر غير أن هذا النقد في غالب الوقت لا يكون خارج الإطار المرسوم لما تحدده الجهات المهيمنة.يحدث مثل هذا في البلدان التي تدعي أنها أم الحريات في العالم و مصدرها، و ما فتأت تعير غيرها بالنقص في هذا المجال كالولايات المتحدة الأمريكية ،حيث لا يسمح لوسائل الإعلام أن تجاوز مثلا حدود انتقاد السياسات خارج الإطار، فكل ما يقدمه الإعلام من نظرة نقدية صريحة أحيانا و على استحياء أحيانا أخرى لا تخرج عما هو مقرر داخل الخط العام لسياسات الخارجية الأمريكية، فليس مسموحا أن يتجاوز نقد الممارسات إلى نقد أصل السياسات الخارجية كجدوى الحرب و دوافعها .و إن كان النقاش دائرا حول استقلالية الوسائل الإعلامية الخاصة، فإن تبعية العمومية منها للنظام السياسي المهيمن لا ينتطح فيه عنزان إذ هو من أوضح الواضحات ،و قد يعسر تحديد الجهة التي تتبعها الوسائل الإعلامية الخاصة  و يتطلب ذلك دراسة عميقة مفصلة أما في حالة الوسائل التابعة للدولة فالأمر يسير و الخطب سهل لا يحتاج إلى كثير تأمل و نظر و يتم ذلك في العادة باستقراء الخط التحريري العام ،فإنه و إن خفي من يمول و يوجه فالسياسات التي تعكس توجها عاما تعني تبعية هذه المنابر لهذه التوجه و أقطاب هذا التوجه.

في هذا السياق يأتي تعاطي القنوات الإعلامية المرئية مع خصوم التيار الحداثي الفرنكوفوني تابعا للنظرة التي يتبناها الحداثيون  و متماهيا  مع نظرتها و موقفها منهم .و لا شك أن للتيار الفرنكوفونيأعداء كثر لا بد من مواجهتهم و الحد من تأثيرهم في الأوساط الاجتماعية لكي لا يكونوا مصدر استقطاب أو إلهام لغيرهم ، و الضابط في ذلك أن كل من له قوة تجميعية في اتجاه غير اتجاه الفرنكوفونية يعتبر مناوئا أو على أقل تقدير منافسا.و باعتبار الخصوصية اللغوية و الدينية للمغرب فمن الواضح أن أيرز خصوم الفرنكوفونية هو الخطاب الشرعي و ذلك لسببين اثنين:

-الخطاب الإسلامي ذو قوة فائقة على التجميع و الاستقطاب خصوصا أن البيئة مهيئة تاريخيا و انتماء فهو ليس بغريب عن المنطقة و لا وافد جديد بل هو من صلب الهوية المغربية ،و جزء لا يتجزء من  مكوناتها ،و الذين يتبنونه مكون مهم من التركيبة الاجتماعية و القبلية، بهذا الاعتبار يشكل هذا الخطاب أهم مناوئ للحداثة الغربية عامة و الفرنكوفونية خاصة، و ليس هذا بالأمر الذي يخفى على الفريقين. يقول  “روبرت ساتلوف” : الإسلاموية ،السعي إلى تنظيم المجتمع ،و إنشاء حكومة مرتكزة  على قانون إسلامي هي أعظم تحد إيديولوجي يواجه الولايات المتحدة اليوم[18] و يقول” فرانسيس فوكوياما” : إن الإسلام هو الحضارة الرئيسية الوحيدة في العالم التي يمكن الجدال بأن لديها بعض المشاكل مع الحداثة  بل يذهب “هانتنغتون” بعيدا ليعتبر معركة الإسلام مع الحداثة الغربية معركة وجود و بقاء فيقول :الإسلام هو الحضارة الوحيدة التي جعلت بقاء الغرب موضع شك[19]زد على ذلك أن هذا الخطاب يقف متوجسا من أي دخيل فكري أو عقدي يخالف الشرع و يروم إزاحة الوحي عن مركزيته و حاكميته المطلقة .فإن المسلمين و إن طال بهم العهد و مورس عليهم مسخ هوياتي مركز إلا أن قلوبهم لا تخلوا من بقية خير و حب لهذا الدين قد تتفجر في أي لحظة يقظة يسببها موقف أو كلمة ،و قد ارتج العالم أجمع لما وقعت الإساءة للنبي صلى الله عليه و سلم ،و ثار لها المسلمون من شتى المذاهب و الأطياف.

– الحداثة الفرنكوفونية تبوأت مقعدها تسلقا على أكتاف هذا الخطاب و في لحظة ضمور اضطرارية أملتها الظروف السياسية و الدولية العالمية، و لا شك أن هذا الخطاب يسترد عافيته يوما بعد يوم بل إنه في لحظة ظن فيها أنه لا قائمة له إلا بعد زمن ليس بالقليل و عند أول حراك اجتماعي فيما سمي بالثورات العربية ،عاد ليظهر من جديد بل و أقوى مما كان عليه و حاز ثقة و اختيار من مورس عليهم هذا المسح الذهني الهوياتيالمركز.فمن الطبيعي جدا أن تحتد معركة الوجود بين الحداثة الغربية و الخطاب الشرعي و مناصريه في مثل هذه الظروف التي يحاول كل منهما أن لا يخسر معاقله و لا أن يتراجع إلى الوراء. لذلك قامت القنوات المرئية و الجرائد و المجلات ذات التوجه العلماني الحداثي  في كل تناول لموضوع يمس الإسلاميين أو ما يتعلق بهم بما قد يسمى حربا ممنهجة لا هوادة فيها ،فلم تكتف بتغييبهم المطلق عن شاشتها ،حتى حين يكون الأمر خاصا بهم ،و  تهميشهم بشكل متعمد و كأنهم ليسوا جزءا من المجتمع، و كأن لا وجود لهم على أرض الواقع ليتم الإيحاء و كأنهم مجرد كائنات هامشية عددا و فعلا لا وجود لها،و من طريف ما يذكر أن القناة الأولى في نقلها لصلاة التراويح تتحاشى إظهار ذوي اللحى على شاشتها و تركز على غيرهم غير أن كثرتهم خصوصا بقرب الإمام لا تمكنها من ذلك ، يستثنى من هذا ما وقع من اختراق محدود لحزب العدالة و التنمية لبعض البرامج الحوارية فكان بعض قادته يظهرون على الشاشة، و إن كان البعض قد يعتبر هذا الحضور باهتا غير مرضي و لا ممثلا للخطاب الإسلامي، إذ أن هذا الحزب و إن كان يصرح بخلفتيه الإسلامية فإنه لم يجد بدا من علمنة خطابه و طرحه ليتماهى مع الوضع السياسي العام  و متبنيا منهج فصل الدعوي عن السياسي، فصارت تغيب عن أطروحاته و برامجه سمات إسلامية خالصة فلا تكاد تتميز برامجه عن غيره من الأحزاب الشيوعية و الإشتراكية و غيرها، ناهيك عن حرص كثير من أقطابه على التبرؤ من أسلمة خطابه لتجنب بعض الإشكالات التي يطرحها ارتباطه بالمرجعية الإسلامية، و لتلافي بعض الانتقادات الموجهة له من بعض خصومه بهذا الخصوص،و هذا دليل واضح على سيطرة الفرنكوفونية و خطابها على الحقل السياسي المغربي ، يقول عبد الله بوانو في حوار له مع جريدة هسبريس الإلكترونية :لا بد من التمايز في المجالات و الرموز و الخطاب..لأنه ليس مطلوبا مني أنا كسياسي استحضار الآيات في ممارستي السياسية بقدر ما أنا مطالب بتطبيق القانون و التشريع.

هذا التغييب للمكون الاسلامي و طرحه على الشاشات العمومية بلغ الذروة ليصل إلى المواضيع التي تخصهم و يكونون طرفا مهما فيها,و فيما يلي بعض الأمثلة التي توضح طريقة تعاطي القنوات العمومية الرسمية مع بعض الأحداث التي تخص الإسلاميين و تغييبهم و سلب حق الظهور و الدفاع عنهم بل و إدانتهم في بعض الأحيان ليترك الصحفي موقعه و يلبس عباءة القاضي والحكم.

الحدث الأول: تعليقات أبي النعيم الشيخ السلفي المعروف على تصريحات بعض أقطاب حزب الإتحاد الاشتراكي بضرورة مساواة المرأة للرجل في الميراث.

يذكر الكاتب أحمد عشوش في كتابه”المغالطات المنطقية في وسائل الاعلام” مغالطة تعتمدها وسائل الاعلام في عمليتها الممنهج لتزييف الوعي عند المتلقي و محاولة الالتفاف على الحقيقة تسمى (مغالطة سمكة الرنكة الحمراء) يعتمد مرتكب هذه المغالطة صرف اهتمام الآخرين بالحديث عن قضية أخرى و اثارة مشاعرهم بها للتغطية على قضيته التي يعجز عن اثباتها[20].

في تعاطي القناة الثانية مع القضية و من خلال تقرير مرئي[21] -استضافت فيه كل المعنيين و زادت عليهم من لم يكن معنيا إلا صاحب القضية أبو النعيم- اعتمدت هذه المغالطة بشكل بين حيث تم إ،همال القضية الأساس في الموضوع و أصله و هو تصريحات القيادي في الحزب بضرورة المساواة بين الرجل و المرأة في الميراث و تم القفز إلى تصريحات أبي النعيم  تحليلا و تفكيكا و ربطا للإتصال بجمعيات حقوقية لاستكمال فصول المسرحية مرورا بالاستشارة القانونية لمتابعة أبي النعيم قضائيا-وقد كان- انتهاءا بإصدار حكم بالإدانة في آخر التقرير، ليتم لفت انتباه المشاهد بالكلية عن القضية الأساس ، و هي الدعوة إلى المساواة بين الرجل و المرأة في الميراث، و هي قضية خطيرة كان حريا بالقناة العمومية و تماشيا مع المرجعية الدينية المعتمدة رسميا أن تسلط عليها الضوء ، فهذه الدعوة مناقضة في جوهرها و الأمن الروحي للمغاربة بل و لصريح القرآن في دولة تعلن أن دينها الرسمي هو الإسلام .فالاعتراض على القرآن و مخالفة الدين الرسمي للدولة و الخروج على الثوابت لم يكن بالموضوع ذي البال في عرف القناة الثانية إلا حين يتعلق الأمر بالإسلاميين، و أخطر ما ورد في التقرير تعليق لأحد رؤساء الجمعيات الحقوقية مفاده أن هذه الحادثة تفتح الباب أمام ضرورة تبني العلماء لخطاب تجديدي يعيد النظر في الأحكام الشرعية على ضوء ما استجد من القوانين العالمية المتعلق بحقوق المرأة ،لتنحاز القناة الثانية بشكل سافر لطرح المساواة بين الرجل و المرأة في الميراث و ثبت هذه الجرعة المركزة خارج سياق التقرير، لتلقي رسالة ذهنية سريعة لينقلب الموضوع رأسا على عقب فيصير الداعي إلى خلاف الشرع  محقا و ما دعا له قطعي ينتظر إعادة نظر الفقهاء في آرائهم المتشددة، ليضيفوا عليها بعض بهارات التجديد، في حين يعتبر المستمسك بالوحي مجرما يستحق العقاب و المحاكمة ،كل هذه المغالطات يتم تسريبها بشكل خفي لا ينتبه لها ذهن المشاهد العادي الذي لا يجعل نصب عينيه تفكيك الخطاب المقدم له و لا يملك حسا نقديا بل يكتفي بالمشاهدة و مع تكرار هذه الرسائل و تراكمها في العقل الباطن تصير موجهة للوعي و السلوك دون وعي و عملية التكرار مهمة جدا لترسيخ الرسائل المراد إيصالها للجمهور و بلوغها درجة اليقين ،و قد عدها غوستاف لوبون من أهم الوسائل التي يستعملها محركو الجماهير لإقناع الجماهير، يقول لوبون:و لكن الإعلان لا يكتسب تأثيرا فعليا إلا بشرط تكراره باستمرار،و بنفس الكلمات و الصياغات ما أمكن ذلك،كان نابليون يقول بأنه لا يوجد إلا شكل واحد من أشكال البلاغة هو :التكرار.فالشيء المؤكد يتوصل عن طريق التكرار إلى الرسوخ في النفوس إلى درجة أنه يقبل كحقيقة برهانية[22] .

الحدث الثاني:ما نسب للمغراوي حول فتواه بخصوص إباحته تزويج القاصرات.

ولنقارن ردة الفعل الباردة لهذه التصريحات-الخاصة بموضوع أبي النعيم- و محاولة ترويجها و الحملة الشعواء التي شنتها نفس القناة على المغراوي في ما عرف آنذاك ب”فتوى تزويج القاصرات” فزيادة على ما ذكرنا من تغييب صاحب القضية في أي تقرير عمدت القناة إلى استحضار قاموس جديد كان غائبا في خطابها العام، لتصبح حريصة على الأمن الروحي للمغاربة و  عدم مخالفة الثوابت و التشغيب عليها، رغم أن نفس الفتوى معمول بها في القضاء المغربي و لو بشروط[23] و  حقيقة كلام المغراوي لم تكن فتيا بقدر ما كانت بيانا لحكم موجود في القرآن لا تعلقا بنازلة معينة، و قد صرح هو نفسه أنه لا يقبل واقعا بتزويج ابنته الصغيرة قبل أن تبلغ سن الرشد.فالموضوع في أساسه ليس مهما بقدر أهمية تشويه قائله إن كان من الإسلاميين ،فلا ضير أن تناقض الثوابت و القواطع و يهدد الأمن الروحي من قبل أصحاب التوجه العلماني لكن البأس كل البأس حين يفهم من كلام لأحد الإسلاميين مخالفة هذه الثوابت إنه كيل بمكيالين وميزان ظلم أعوج ذو كفتين متباينتين، فتغيب شعارات الحيادية و القيم الصحفية و كل كلمات القاموس الوردي حين التعاطي مع الإسلاميين  .

ومن أهم الوسائل التي تعتمدها  وسائل الإعلام في مجملها في التعاطي مع الإسلاميين و قضاياهم ما يطلق عله بالتنميط الذهني أو الصورة الذهنية و هذه الوسيلة هي الأخطر على الإطلاق إذ تعمد في أساسها على فرض صورة مشوهة للإسلامي باستحضار أنماط قد توجد و قد لا توجد في الواقع ثم تعميمها بشكل طولي لتشمل كل إسلامي كيفما كان و إلى أي تيار انتمى.

يقول أحد سالم:الصورة الذهنية هي تصور عقلي شائع ،فرديا ،او جماعيا ،نحو شيء معين ،و قد يكون هذا الشيء فردا ، أو جماعة ،أو شعبا ،أو دينا أو رأيا ، أو مذهبا ،بحيث تتحول هذه الصورة إلى مدلول يستحضره الذهن بمجرد استحضار هذا الشيء،و قد يبني المتصور لهذه الصورة مواقفه و علاقاته مع هذا الشيء بناء على هذا التصور،مما يؤدي مع التراكم إلى تحول الصورة الذهنية إلى مركب من الأحكام و التصورات،و الانطباعات المتنوعة.

و الذهن يقوم ببناء هذه الصورة عن طريق الاعتماد على وسائط معرفية،و إدراكية ،تبدأ من أدواته هو المعرفية ، كالحواس مثلا، و تنتهي بمصادر المعرفي التي يجد فيها مادة تتعلق بالشيء الذي بريد تكوين الصورة عنه،مثل:الكتب،و الأخبار، و الاتصال ذاتي باشيء و نحو ذلك  مرورا بالذهن الذي يقوم بالربط بين المعلومات لتي تتاح له عبر امصادرالمعرفية،لينتج الصورة الذهنية المطلوبة ،و الحقيقة أن قدرة الحواس على الاتصال مع عالم بهذا الاتساع تضل قدرة محدودة، من هنا كانت الوسائط المعرفية الأخرى هي وسيلة صناعة الصورة في غالب الأحيان.[24]

وهذه الطريقة مركبة من خللين منهجيين كبيرين أولهما التنميط ثم التعميم أي صناعة الصورة الذهنية النمطية ثم تعميمها لتشكل كل جزء من الكل و كل فرد من المجموع و هي ما يصطلح عليها ب”مغالطة التعميم المطلق” يقول أحمد دعشوش متحدثا عن هذه المغالطة :يرتكب البعض هذه المغالطة عندما يصر على تعميم حكم ليشمل كافة العناصر المعينة به دون السماح بأي استثناء،وهو غير مقبول منطقيا و لا علميا،فقد يكتشف الإنسان يوما في المستقبل وجود استثناء للقاعدة[25]. ومثال ذلك أن يقول صحفي مثلا ”وجد في بيت الإرهابي كتاب العالم الفلاني و كل الإسلاميون يقرؤون لهذا العالم فكل الإسلاميين إرهابيون”،أو يقول مثلا :”الإرهابي الفلاني لم يكن كث اللحية و عليه فكل صاحب لحية خفيفة إرهابي مفترض”.

والتنميط لا يتوقف دائما على ذكر مقدمة ثم تعميمها بل يقع أحيانا في شكل مقدمات عامة  يتحلى بها كثير من الإسلاميين كاللحية و حمل السبحة فيتم جعل ذلك خصيصة “للإرهابي” كأن يظهر و هو يحمل سبحة أو يناديه ابنه “أبي” أو غير ذلك، ليتولى ذهن المستقبل تعميم الحالة على كل من تلبس بهذا الفعل .فالمشاهد العادي غير معني بتحليل الرسائل الإيحائية التي يتلقاها باتباع نهج منطقي يبدأ بالملاحظة ثم التحليل فالاستنتاج بل يكفيه الوجبات التنميطية السريعة أو التعميمات السطحية التي لا تحتاج كثير تأمل و نظر.

و لا شك أن ما يقدم كسلوكيات تعمم على أفراد الكل قد يكون موجودا في الواقع لكنها في الغالب محدودة ومثار استهجان من الاسلاميين أنفسهم ،و الجزء الأكبر من الصور النمطية- زيادة على التشويه الفج- يعتمد على معطيات غير صحيحة و تصورات منقولة مشاعة غير مشاهدة و لا متحققة.

و الصور النمطية التي يحاول الإعلام إلصاقها بالإسلاميين كثيرة نذكر من بينها:

1- الإسلامي جاهل:

خطورة الإعلام و رسائله التوجيهية تتجلى في كونها مخاطبة للاوعي حيث تمرر الرسائل بشكل متكرر لتتراكم على شكل ربط مفاهيم و معاني معينة بأشخاص معينين، هذه العلاقة البينية تجعل العقل و بغير وعي يستحضر المعني الإيجابي أو السلبي مباشرة بعد ذكر من ربط به ،أو العكس، حيث يتم استحضار المعاني و الخرائط الذهنية التي شكلتها الرسائل المدسوسة للإعلام كلما ذكر الشخص .و هذا ما يفعله الإعلام بالضبط عند تناوله لصورة الإسلامي حيث يتم ربطه بأوصاف لا تنفك عنه من أكثرها شيوعا كونه جاهلا بالعلوم الدنيوية و يقبع في الدرجات الدنيا للمعرفة و التحصيل العلمي.

في إحدى حلقات متتابعة يعرضها برنامج مسرح الجريمة حول بعض ما ينسب لمعتقلي ما يسمى بالسلفية الجهادية، يظهر أمير الجماعة الذي لا يعرف من اللغة العربية إلا كلمة “الفيء”،و تجاوزا للمثلين الهواة الذين كانوا يؤدون أدوارهم و كأنهم في مسرحية تجريدية  و طريقتهم البسيطة المسطحة و كأنهم يخاطبون جمهورا من ذوي الإعاقات الذهنية أو ممن لم يبلغ الحلم بعد في تبسيط درجت عليه وسائل الإعلام خصوصا المرئية منها على مخاطبة مشاهديها عليه  و كأنهم جماعة من الحمقى و المختلين عقليا ،يظهر أميرهم هو يخاطب أحد أعضاء الخلية و الذي سيعقد قرانه على امرأة و هو يقول ”جوجتكإياها” بدل “زوجتك إياها” .أول انطباع سيحصل للمشاهد كون هؤلاء  الإسلاميين جهال لا يفقهون شيئا  بل لا يستطيع أحدهم تركيب جملة تامة كاملة، لكن الخطير في المشهد هو تنميط هذا الأمرو تعميمه ليشمل السلفيين على وجه الخصوص و إن كانوا ممن لا يتبنون خيار العنف المسلح و يتعداه إلى كل الإ،سلاميين بعد ذلك ففي نفس الحلقة يحرص المخرج على ربط الإرهابيين المفترضين بالمظهر السلفي المعروف بل و يتجاوز ذلك ليظهر أحدهم و هو يحمل سبحة .اللافت هنا هو أن معظم السلفيين لا يرون جواز استعمال السبحة، لكن الرسالة المراد إرسالها هي أن هؤلاء الإسلاميين بشتى أصنافهم نمط واحد لا فرق بين توجهاتهم أو أفرادهم، و أن كل أولئك الذين تشاهدهم يمشون بهدوء و سكينة و ربما يبتسمون في وجهك كل صباح أو يقدمون لك هدية، هم مشروع إرهابي محتمل. و الإشكالية هنا أن رجل الشارع العادي غير مشغول البتة بالتصنيفات و التحليلات العميقة بل يكفيه منها التعميمات السطحية و الاختزالية المطلقة و هذا ما يحرص على تأكيده البرنامج المعروض لكن بربط الكل بمعان سلبية كالجهل.

والحقيقة أن تناول الإسلاميين بهذه الطريقة، زيادة على كونه سقطة أخلاقية كبيرة، يعد غير واقعي فإن نشأة كثير من التنظيمات العنفية كانت على أيدي أفراد من ذوي التعليم العالي كجماعة الهجرة و التكفير و قد كانت كلية الطب في القاهرة مرتعا لجماعة الجهاد المصرية، و التدين عامة سواء السلفي أم غيره يملأ الجامعات و المدارس العليا للمهندسين و يكفي أن يعلم في هذا المقام أن كثيرا من الشخصيات الإسلامية الناشطة هم من حاملي الشهادات العليا و لو انطلقنا نضرب الأمثلة للزمنا كراريس.

2-الاسلامي المنافق النفعي:

من أخطر ما يمكن أن تشاهده في خطة تنميط الإسلامي حلقة من سلسلة “ساعة في الجحيم”، حيث أن المخرج تعامل مع القضية بدهاء كبير متجاوزا التناول الساذج و المباشر الذي تعتمده

جل باقي الوسائل الإعلامية، واعتمد على الرمز و الإشارة دون الإيضاح و التصريح.

في بداية الحلقة يظهر شاب ذو لحية خفيفة يضع فوق رأسه طقية بيضاء غامقة يقطن في غرفة سوداء مظلمة مبعثرة الأركان تشبه الزاوية، لا يشاركه سكناه إحد.سمته الهدوء و يحرص أشد الحرص على قضاء حوائج جارته العجوز دون تردد، لكنه سرعان ما ينقلب إلى شخص هستيري يحدث نفسه و يصرخ ببلاهة و عنف كلما اختلى بنفسه.هذا الشاب الرمز يمثل هنا الحركات الإسلامية التي يراد تصويرها هنا و كأنها تعاني حالة انفصام مزمنة، حيث تظهر للناس بمظهر الطهر و النقاوة و المثالية بينما هي في الحقيقة تخفي خلف وجهها الباسم المنفرج عنفا و أحقادا لا تنتهي، و غايتها الأساسية اختطاف المجتمع ، الذي سيرمز له بفتاة أراد هذا الشاب الزواج منها فاختطفها و احتجزها في غرفته مقيدة مكبلة. يتدخل الصحافي الحداثي المنطلق ليحرر هذه الشابة-المجتمع-من براثن هذا الوحش لكن بطريقة الحوار و التلطف و الإقناع ،و بينما تسير الخطة على أحسن ما يرام يتدخل الشرطي-السلطة- لتفسد خطة الصحافي-الحداثة و العلمانية- لتكون النتيجة تراجيدية مؤسفة تنتهي بقتل الفتاة .مشهد إلقاء القبض على الشاب ستكون ذروة الإشارة و زبدة التنميط حين تظهر الفتاة و هي في كرسي متحرك يدفعه الشاب هربا من الشرطة  و قد ألبسها نقابا يخفي وجهها هذا المشهد يختزل رؤية أخرى يراد إيصالها و هي علاقة الإسلامي بالمرأة التي لا تخرج عن الاحتجاز قهرا أو خنق حريتها و سلب روحها ،فلا ينظر إليها إلا نظرة الشهوانية و الابتذال، و ينظر إليها نظرته إلى الأشياء التي يملكها فحتى إن دافع عنها أو ضحى لأجلها فدافعه الأول اعتبارها ملكا له لا يريد التنازل عنه لا من حيث كونها امرأة و لكن من جهة كونها شيئا يملكه.

3- الإسلامي العنيف:

ينشر أحد أشهر المواقع الإخبارية الإلكترونية خبرا بعنوان”هجوم سلفي على معرض  الكتاب بالجزائر” القصة و ما فيها أن المقال يتحدث عن الإقبال الكثيف للسلفيين على شراء الكتب من المعرض و الكاتب لم يجد عبارة أفضل من”الهجوم”.الاختيار لا يبدو عبثيا خصوصا مع تكرار مثل ذلك كثيرا في الصحافة المقروءة فترى في ابتذال سخيف لا تقوم به حتى الصحافة الغربية محاولة الربط بين التدين و كل ما هو عنفي بدمج كلمات من قبيل”هجوم”،”حد”،”جلد”،”قطع”يد”،”اغتصاب”…بكلمات من قبيل “سلفي”،”إماممسجد”،”ملتحي”…ليتم ربط هذه الحمولة السلبية العنفية بالتدين السلفي خاصة و الإسلاميين عامة .نفس هذه الصحف تعرض الجرائم المستشنعة و الاعتداءات اليومية على صفحاتها دون أدنى إشارة لخصيصة عرقية أو أيديولوجية للفاعل ،فلن تجد في يوم من الأيام مثلا عنوانا مثل –علماني متزوج  يعقد على مناضلة علمانية سرا – فالعناوين و المضامين الكيدية لا علاقة لها بممارسة باقي الفئات المجتمعية ،و إن اختلفت أعراقها ،و إن كان الدافع للعنف أيديولوجيا فلن يشار إليه كما وقع في حادثة مقتل الطالب الإسلامي في جامعة فاس على يد القاعديين العلمانيين، و ما يقع هنا مع الإسلاميين يقع عكسه في مثل ما ذكرنا فبعد الحادثة و في أول تغطية صحفية للقناة الأولى للحادث تذهب القناة إلى أن ما حصل كان نتيجة فوضى و اشتباكات متبادلة دون الإشارة و لو بعبارة موهمة بالطبيعة المؤدلجة للجريمة ،و لك أن تسرح بخيالك قليلا فتفرض رد الفعل الاعلامي العلماني لو ان ما وقع العكس و تم قتل طالب قاعدي على يد إسلاميين ؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]غوستاف لوبون،سيكولوجية الجماهير،ص:41،ترجمة :هاشم صالح،دار الساقي.

[2]نفسه ،ص:43.

[3] نفسة،ص:48.

[4] نعومي كلاي،عقيدةالصدمة،نسخة إلكترونية.

[5]أحمدسالم،تغريدةله علىصفحتهفيالفايسبوك.

[6]https://www.youtube.com/watch?v=in-oP6HCoUM

[7] غوستاف لوبون ،سيكولوجية الجماهير ،ص:116.

[8] نعوم تشومسكي ،السيطرة على الإعلام ،ص:8،تىجمة :أميمة عبد اللطيف،مكتبة الشروق الدولية.

[9]نفسه ،ص:17.

[10]عبد الله الغدامي ،الثقافة التلفزية،ص:35،المركز الثقافي العربي.

[11] عبد الحليم حمود ،فن غسل الأدمغة،ص:25.

[12] نعوم تشومسكي،السيطرة على الإعلام،ص:25و26.بتصرف.

[13] صورة الإسلاميين على الشاشة،أحمد سالم،ص:64،65،مركز نماء.

[14] نقلا بتصرف و اختصار عن أحمد سالم،صورة الاسلاميين على الشاشة:ص:67،77،78.و ينظر هنالك تحليلات قام بها الكاتب لأفلام أخرى .

[15]الأمركة:صبغ مجتمع أو فرد بالصبغة الأمريكية و إشاعة نمط الحياة الأمريكية،عبد الوهاب المسيري،العلمانية و الحداثة و العولمة.

[16] عبد الوهاب المسيري ،العلمانية و الحداثة و العولمة،ص:261.

[17]برنار بروشان،مقدمة  كتاب “الإشهار و المجتمع” برنار كاتيلا،ترجمة :سعيد بنكراد،دار الحوار للنشر و التوزيع.

[18] نقلا عن أحمد سالم ،صورة الإسلاميين على الشاشة،ص:61.

[19]نفسه ،ص:29.

[20] أحمد دعدوش ،المغالطات المنطقية في وسائل الإعلام،ص:20،نسخة إلكترونية.

[21] رابط التقريرالمرئي على اليوتوب،

https://www.youtube.com/watch?v=A4-pprVyZ0c

[22] غوستاف لوبون ،سيكولوجية الجماهير ،ص:133.

[23]  و قد ورد في تقرير من إصدار وزارة العدل و الحريات المغربية حول تزويج القاصرات ما يلي:”فلا ينجز الزواج إلا بإذن القاضي ،بمقرر معلل يبين فيه المصلحة و الأسباب المبررة لذلك ،بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي،و الاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي ،و هي ضمانات يتعين على القضاء تحقيقها و تفعيلها على أرض الواقع ،وذلك بفرض طلبات الأذن بالزواج دون سن الأهلية كلما بدا له انتفاء المصلحة أو احتمال حصول ضرر تترتب عنه عواقب وخيمة على الصحة النفسية أو الجسدية للمعنية بالأمر”

www.justice.gov.ma

[24] أحمد سالم ،صورة الإسلاميين على الشاشة،ص:55.

[25] أحمد دعدوش ،المغالطات المنطقية في وسائل الإعلام،ص:12.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M