الاحترام مجاهدة في السلوك والمعاملات

18 نوفمبر 2019 16:46
الاحترام مجاهدة في السلوك والمعاملات

هوية بريس – د. صفية الودغيري

إنك لا تقدر أن تفرض احترامك على من حولك بسلطة الجَبْر والإلزام ، ولا بسلطة الغَلبَة والقَهْر، بل أنت من تعلِّمهم كيف يحترمونك وكيف يهابونك، ويرتقون بك المراتب العُلا، ومنازل الرِّفعة والسُّؤدد، بقدر انتهاجك للمنهج القويم في التفكير، وببراعتك في منطقك وأسلوب تعبيرك البديع، وسلوكك السُّلوك الطيِّب، ومعاملاتك الحسنة؛ وبصدقك في قولك وفعلك، وإخلاصك لواجبك ورسالتك، ومهامِّك ووظيفتك، وبالتزامك بمسؤولية رعايتك لنفسك، ورعايتك لمن أنت مسؤول عن رعايتهم على الوجه المرضي والمشرِّف، وبتحكيمك لأحكام شرع الله تعالى في كل أحوالك وشؤونك، وانضباطك بمبادئ دينك، وبسهرك على بذل المعروف في حفظ أخلاقك، ورعاية ضميرك ليظل يقِظًا صاحِيًا، وما من شأنه يجعلك أَهْلًا للاتِّباع والاقتداء بسيرتك وحسن تديُّنك، وصحَّة طريقتك وسلوكك ..
فالاحترام رسالة، والاحترام غاية نبيلة، والاحترام سلوك ومعاملات..
قال محمّد بن المغيرةِ المازني؛ قالت الحُكَماء: “الْعَقْلُ رَائِدُ الرُّوحِ، وَالْعِلْمُ رَائِدُ الْعَقْلِ، وَحَيَاةُ الْمُرُوءَةِ الصِّدْقُ، وَحَيَاةُ الرُّوحِ الْعَفَافُ، وَحَيَاةُ الْحِلْمِ الْعِلْمُ، وَحَيَاةُ الْعِلْمِ الْفَهْمُ، وَحَيَاةُ الْفَهْمِ الْعَمَلُ، وَحَيَاةُ الْعَمَلِ الْقَبُولُ”.
فأنت من تمنح نفسك القيمة التي تطمح إلى أن تدركها في حياتك؛ وأنت من تصنع لنفسك حياة حرَّة بما تعنيه الحرية التي وهبنا الله إياها، لا تلك التي ابتدعها الإنسان الذي مسخ بشريته وإنسانيته فخالف فطرته النقية التي فطره الله عليها، وشذ َّعن طبيعته البشرية فغالى في الشذوذ واتخذ له كل نِحْلة فاسدة، وانتهج له كل طريقة بهيمية منحرفة، اوانسلخ عن جلدته وعن دينه وهويته، وتقاليده وأعرافه..
وأنت إنسان حرٌّ في عبوديتك لله، وأنت إنسان حرٌّ في حفظك لاتّزانك وهدوئك، وحكمتك وتعقُّلك في أغلب أحوالمن همك وأمورك، وفي تمسَّك بثقتك بنفسك واعتزازك بذاتك، فلا تريق ماء وجهك، ولا تقبل أن تٌهان مروءتك أو تُذَل أو تداس كرامتك، أو ينتهك عرضك أو شرفك، ولا تقبل على نفسك أن تخالف قيمك وفضائلك، أو تنفصل عن جذورأرضك وأصولك الطيبة، أو تثور على ثوابت دينك وهويَّتك التي أنت تنتسب إليها وبها تتقوِّي وتقوِّي أركانك وسواريك، وتمتِّن لقواعد شخصَّتك، وتشدُّ بها سواعد همَّتك المُرابطَة في ساحات نضالك ونِزالك في الحياة، وأنت من تفرض وجودك على مساحات أرحب من مساحات وجودك الضيق، وترفع نفسك إلى حيث تكون أهلاً للنُّهوض بأعبائك ومسؤوليَّاتك الجسيمة، وأداء واجباتك تِّجاه نفسك وتِّجاه، والتي تسمح لك باتِّخاذ قراراتك المناسبة في زمانها ومكانها، واختيار ما يناسب ذوقك ومصلحتك، وممارسة حرِّياتك المشروعة وفق الدين والأصول والثَّوابت..
ولأن الأخلاق الحميدة هي الأصل والجوهر، قد دعا الإسلام إلى التحلّي بمكارم الأخلاق في كثير من الآيات والأحاديث النبوية، كقول الله -تعالى- مثنيًا على خيرِ خلقه وخاتم رسله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ (القلم: 4). وقوله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ (الأعراف:199).
وقوله تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ (البقرة:83).
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: ((إنَّ المؤمن لَيدركُ بحسنِ خلقه درجةَ الصائم القائم)).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّما بُعثتُ لأتمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ)).
ولأن التوسُّط والاعتدال في الخُلق يجنِّب صاحبه الذَّميم من الأخلاق، ويقدِّمه ويرفع شأنه ويُشَرّفه، قال ابن القيم في مدارج السالكين: “فَإِنَّ النَّفْسَ مَتَى انْحَرَفَتْ عَنِ التَّوَسُّطِ انْحَرَفَتْ إِلَى أَحَدِ الْخُلُقَيْنِ الذَّمِيمَيْنِ وَلَا بُدَّ (…) وَصَاحِبُ الْخُلُقِ الْوَسَطِ: مَهِيبٌ مَحْبُوبٌ، عَزِيزٌ جَانِبُهُ، حَبِيبٌ لِقَاؤُهُ. وَفِي صِفَةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ. وَمَنْ خَالَطَهُ عِشْرَةً أَحَبَّهُ..”.
وقال أيضا: “الدين كله خلق؛ فمن زاد عليك في الخلقِ، زاد عليك في الدين”.
وقد رُوِي أنّ الرَّشيد لما أحضر رجلا ليولّيه القضاء قال له: “إنِّي لا أُحْسِن القضاء ولا أنا فقيه. قال الرشيد: فيك ثلاث خِلال: لك شرفٌ والشَّرف يمنع صاحبه من الدَّناءة. ولك حِلْم يمنعك من العَجلة، ومن لم يَعْجَل قلًّ خطؤه. وأنت رجلٌ تُشاوِر في أمرك، ومن شاوَر كَثُر صوابه، وأما الفقه فسينضَمُّ إليك من تتفقّه به”. فوُلِّي فما وجدوا فيه مَطْعنًا..
وما أحسن ما قالَه مُحَمَّد بن النَّضْر الحارثِي: (أَوَّلُ المروءَة طَلَاقةُ الوجه، والثَّاني التَّوَدُّد إِلَى النَّاس، والثَّالث قضاءُ الحَوائِجِ، وَمَنْ فاتَهُ حَسَبُ نَفْسِه؛ لم ينفَعْهُ حَسَبُ أبيه (يريدُ الدِّين).
ومن كلمات إسحق بن حنين بن إسحق -وهو من ندماء المكتفي بالله- أنّه قال يوماً للوزير العباس بن الحسن: “أيها الوزير إنَّ من تصدَّى لحفظ مصالح الناس، ذكرته الألسُن بالمدح والذَّم، فاجتِهد أن تكون ممدوحاً في ذاتك، لا بحسب أغراض الناس”..

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M