الاسم المستعار بين الاستخفاء من الناس ومبارزة الله بالعناد والمكابرة “شبح sifao نموذجا”

03 يونيو 2018 14:14

محمد بوقنطار – هوية بريس

عندما تحدث القرآن الكريم عن النفاق والمنافقين خصّهم في تجرد بديع بأوصاف ومئنّات من شأنها أن تسعف المؤمنين فيأخذون حذرهم، ويكونون بمنأى ومنجا من عداوتهم الباطنة والمتوارية وراء لحن القول ومعسوله، ولا شك أن مكشوفات الوحي للظواهريقين وعنوان لا يخطئ مكنونات السرائر.

إنهم في السياق القرآني والإخبار الرباني المتجرد العادل المنصف، أناس يلمزون المطوّعين من المؤمنين والصالحين، ويستهزئون بالله وآياته، ونبي الإسلام وسنته، يتميّزون بالتخديل والإرجاف، ويقعون في أعراض المؤمنين والمؤمنات، ويفسدون في الأرض بزعم الإصلاح، ينسون خالقهم ويقبضون أيديهم شحا، ويعتذرون كذبا ويرمونا بهتانا، ويفرحون وتقر أعينهم الخائنة بما يصيب المؤمنين من قرح وحزن، وتستبشر قلوبهم في شماتة بكل مغنوم يقع منا في أيدي عدو الأمة ومحبوبهم، يستخفون من الناس ويبارزون الله جل في علاه بالذنوب والمعاصي والموبقات المهلكات.

نعم إنهم كائنات وأشباح تستخفي من الناس وتبارز الله في غير كلل ولا ملل بالعناد والمكابرة، يلبسون الخدور والأقنعة، ويرخون الأستار رجاء أن يحال بين إسمهم ورسمهم وفضيحة معرفة الناس لأعيانهم وذواتهم، تضيق عليهم أصول أسمائهم خوفا وطمعا فيلجؤون إلى استعارة أقنعة ضرار يمررون عبرها ومن خلفها مكنون صدورهم ومنطوق ألسنتهم الأشحة على الخير.

يفزعون إلى التكنّي بأسماء مستعارة ليركبوا صهوة الشجاعة زعما وإدعاء، ليفتحوا باب الجرأة ونوافذ الصفاقة وصلادة الوجه غير السافر وأمراض القلوب التي تتجشأ حنقا وتفيض غيضا، يحسبون علينا كل صيحة من وراء ذلك القناع المتسفل في نقيصة التلوّن والتحوّل، والمنقاد في خبيئة بغض ولجوج خصومة، والخابط أينما حلّ أو ارتحل خبط عشواء.

ترى لهم العين والأثر والركز والوكز والأز أينما حطّت ركائب المؤمنين أو فاحت أنفاس الدين والتدين، همّهمالاستدراك وتسجيل الحضور في ذيل المقالات ومع سيل التعليقات طعنا ولعنا وتسخطا وفجاجة، كأنهم بهذا  يبررون وجودهم ويستدلون عليه حضورا ومهاجمة وقبحا ونذالة، منطقهم هنا وهناك يحكمه رهان “نكون ولا يكون ولا يكونون”، وكأنهم… بله هم جنود مجندة لهدف واحد ووحيد مفاده الاعتراض الناسف والرمي الزائف.

استطابت لهم التورية واطمأنوا لها وقد نأت بهم أقنعة الاستعارة عن منطق المؤاخذة واللوم والمتابعة، نواجههم بأسمائنا التي عقّ عنها الآباء نسيكة الشكر، ويعرفوننا برسومنا وذواتنا التي فطرنا الله عليها، نواجههم بأفكارنا التي نؤمن بها في واضحة النهار وندين الله بها أينما أناخت بنا مطايا الانتساب إلى الدين والوطن، بينما هم يجلبون علينا بخيلهم ورجلهم ويروننا من حيث لا نراهم، وكأنهم أشباح قد وقب غاسقها فنالهم من جنح ظلامه ستر وشر، يفهمون الناس ومريدي أفكارهم بأن أسماءهم ضاقت بها رسومهم وأحلامهم فآثروا سجنها بين الظل والظلمة .

ولم يكن صاحب الاسم المستعار في حقيقة الأمر إلا جبان يقدم زعما درسا في الشجاعة، أو فاقد للشيء يزعم الجود به، أو ناصح يدعي الأمانة أو مُراء يتدثر بدثار الإخلاص، أو خواف خائف يركب دعوى الشهامة والمروءة.

ولم يكن صاحب الاسمالمستعار من جهة قصدنا وتصويب بنان التهمة والتجريم من جنس من اضطرهم التسلط والبغي إلى نسبة منتوجهم المعرفي إلى غيرهم ممن سبقوهم وكانوا لهم قدوة كما فعل الجاحظ حيث كان ينسب الكثير من مصنفاته إلى كتاب سابقين عنه خوفا من اهتياج نار الحسد في صدور الحاسدين.

ثم أين هذا وأمثاله من الشرفاء والصلحاء والعلماء الربانيين من هؤلاء الذين سهل عليهم الهدم عبر تعاليق وأعمدة معدودة الألفاظ محدودة المباني، اقتحموا سهلها بعبث وسذاجة وبلطجة فكر ومأجورية استدراك، يحسب أصحابه من الأخسرين أعملا أنهم يحسنون صنعا.

 إن حب هؤلاء للغرب وانسرابهم مع مصالحه أولا وأولوية، وكراهيتهم للعروبة والإسلام والمسلمين هما سر ومسوِّغ تأميلهم البئيس وانخراطهم المفلس اليائس، وهم جوقة من المترفين المجهولي العين لطالما جمعهم مأمول ومقصد انتظار النصر واستلهام أسبابه من اللصوص والبغاة والمعتدين، ممن لا يتورعون عن وصفهم برعاة الحضارة وملهمو العدالة وصناع الأمن والسلم العالمي.

وليس يدري المرء أين يضع هذه الحالة من الختل والمواربة والتقطع النفسي، أيضعه في ضغت الأسباب أم يدسه في متربة النتائج الكارثية التي أطمعت فينا السفهاء قبل العقلاء، والصغراء قبل الكبراء، وتداعى على قصعتنا الشبعان قبل الجوعان.

وإن المتابع لأحوال هؤلاء ليستغرب ويتعجب من جلد بعض من هذه الأعيان المجهولة الرسم والاسم، وكيف أنها صارت، بل قطعت أشواطا مسترسلة في اتصال وحركة غير منقطعة الأنفاس، يحكمها الحقد والبغض والكراهية المطلقة من جنس ما تحمله مكنونات صدورهم وتفوح به مضاغطأناملهم من روائح ركس ونجاسة رقن ومن ثم بهتان محبور، ولعلني بِدُرْبَةِ متابعة ومخصوص رصد ومراقبة لا زلت ولا أزال وأنا أتماهى مع معهود التعليقات التي تتذيل مقالات الرأي وخاصة منها ما شُمَّ منه رائحة التزام أو تدين أو مدافعة إفك وتهمة فصلت مقامعها حصرا وقصرا على مقاس الإسلام والمسلمين، لا زلت أقف جاهدا لأتفرس في محبورات ذلك الشبح الذي سمّى سراب وجوده وبقيعة طيفه ب “sifao”، وأحاول على كلفة ومضض أن أرسم لهذه الكومة والركام من الأدران اللفظية صورة سريالية تشخص أو تتجمع بين ملامح إنسية مفترضة لذات وشخصية هذا الحقد الدفين والكره المتين الذي لا تزال هذه المعدة بل القمامة تتجشؤه بين الفينة والأخرى مما تقارب نقعه وخاب سعيه…

لطالما في غير استنكاف أحسست كغيري من الأسوياء بحنق وغصة وأنا أتذوّق مرارة ما تحمله تعاليق هذا الكائن الهلامي من نزق وطيش ومروق وسب ولعن وملاسنة، تعددت الألفاظ وتنوّعت التسفلات وتغوّلت النقائص، ثم إنها بقيت من جهة العزو والإسناد متصلة تدور في فلك الجهل المركب، وتخرج في زهو من كسر يشكو مقامه من العته والسفه، يظن أعلاه أنه ينعم أو يجوب ساحات العلم والفهم والمعرفة، بينما في غير أسف ولا استرجاع نجد أن الكثير من هؤلاء الأشباح والكائنات الظلامية تلعن الظلام من موقع الظلام، وهي التي آثرت في شبق رغبة أن تعيش حياتها على أنقاض دينها والباقية الباقية من مروءتها وكرامتها وعزة وطنها ومكانة أمتها بين الأمم.

وليس ثمة ما يمكن أن يجعل كلامنا هذا أو يضعه في سياق يلبسه ويقيّده بمثلبة الخوف من هذا أو من هؤلاء الأشباح، أو يلزمنا بإحساس المغلوبية في مواجهة صولاتهم السرابية وجعجعة أنينهم المبثوث هنا وهناك وهنالك، فلنا أن نعلن بالصوت والصورة والرسم والاسم مرحبين بالمواجهة الفكرية والأدبية والعلمية والمعرفية في دائرة ثبات كريم وعزم عظيم، ولا شك أنه ترحاب بمواجهة يفرضها علينا دهاقنة الاستعارة المتوارين بجبن وقلة حياء وراء الخدور وأقنعة التدليس تواري اللصوص والبغاة وقطاع الطرق والمدلجين بشرورهم متى ما وقب غاسق الليل فأسدل على فعالهم المقبوحة ستره الكالح والمستعاذ من شره، ومن شر ما خلق، ومن شر النفاثات في العقد، ومن شر حاسد إذا حسد.

وليس يدري المرء كيف يمكن لأحدنا أن يخشى مواجهة مساجين الظل والظلمة والنسبة المزيفة والعلامةالمستبهمة، من جنس أولئك الذين يخشون من بنات أفكارهم، ويفرون من فضح الضوء فرار الحمر المستنفرة من قسورة، إذ لا تخرج المواجهة عن نطاق مدافعة جبان يقدم درسا في الشجاعة، أو فاقد للشيء يزعم الجود به، أوناصح يدّعي الإخلاص، أو خائف يركب مطيّة الشهامة، أو لص يتدثر بدثار الشرف والمروءة، أو خائن يتسامى بالفضيلة، كما لا تخرج الحقيقة عن طوق التسليم الذي مفاده أن من يقول ما لديه بجرأة يلزم أن يتحمل نتائج ما قالهأو يقوله في إصرار وترصد، وليس وراء هذا التسليم غير عربدة تطفح بالنفاق الممزوج بالخوف والمداهنة والتحريف الذي يقدس كل شيء، وينحني لأي شيء، ويمجد كل شيء، ويهرول في مسعى الدفاع عن أي شيء سوى مصلحة الإسلام واستثناء لدم المسلمين وأعراضهم المستباحة.

ولنا في الأخير بالحق والصدقوملء الفم أن نفتح باب التحدي أمام هذه الأشباح الهلامية، ومنها بطبيعة الحال بطلنا الكارتوني المسمى “sifao” وقد أسرّ يوما على بساط المدافعة ووطيس المواجهة وأفاد أن اسمه المستعار يعني عند الأمازيغ “النور”، داعين ومتحدِّين له ولغيره ممن هم على شاكلته بالخروج من جحور الظلمة ومستبهم الغلس وخدر التقية المارقة إلى جزء من معنى هذا الإسم أي إلى وضوح الضوء ومكاشفات النهاروعمق رمزية النور، وما أسهل هذا بالقول وما أصعبه وأعسره حد الاستحالة بالفعل، على جوقة هؤلاء المجاهيل…

 وتلك الأيام وهذه لياليها بيننا لإنفاذ هذا الوعد المتوعِّد بمثل هذا التحدي المحمودالموقّع بالوجه السافر والاسم المعروف.

فهلّا أفحمتنا بهذا الخروج وذلك الكشف وتلك الطلعة المقتحمة لعقبة الخوف والمستشرفة لما وراء أكمة الاختباء والتواري عن الأنظار لكل هذا الوقت.

[email protected]

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M