الانقلاب الفاشل… نحو حل لغز مفتعل!!

19 يوليو 2016 22:23
الانقلاب الفاشل... نحو حل لغز مفتعل!!

هوية بريس – ذ. مصطفى بن عمور

بالأمس اختلفت الآراء والمواقف والأفكار حول الانقلاب الفاشل في تركيا… فمن الناس من حمد الله أن جنب تلك البلاد سوءا مدلهما… ومنهم من فرح بحبور وانبساط لا حدود له في البداية ثم لما انجلى الغبار… كاد يمج دما من الغيظ والحنق…

وستعلم إذا انجلى الغبار***أفرس تحتك أم حمار

وبعد السكرة حضرت الفكرة… فتفتقت عبقرية الغاضبين من فشل الانقلاب وخاصة صعاليك الإعلام المصري ودجاجلته… عن فكرة جهنمية خطيرة وهي: هذا الانقلاب مصطنع…!!!

قلت لأحدهم حاورني: ما دليلك؟… فسرد علي معلومات كلنا نعرفها…

قلت: هذا لا دليل فيه ولا برهان.

قال: الدليل على ذاك هو انه فشل بسرعة…

قلت له: فماذا لو نجح بسرعة… هل كنت ستقول انه مصطنع…؟؟

فدارت عيناه في محجريهما من صدمة المفارقة…

فقلت سريعا: إن ميزة كل انقلاب هي المفاجأة والسرعة… وفي المقابل تكون النتيجة مفاجئة وسريعة… فلماذا تقبل بنتيجة النجاح وترفض نتيجة الفشل؟؟ أما أن الحقيقة لا تكون ألا كما ترون وتتمنون؟؟

قال: فما مبرر ما وقع… فإنه صادم ومفاجئ… خاصة أنهم في ليلة وصباحها أصدروا أمرا بتوقيف كذا وكذا قاضيا وتنصيب آخرين مكانهم… وهو أمر يحتاج إلى وقت طويل، مما يدل على أنهم هم من افتعل ذلك الانقلاب وأنهم كانوا متهيئين له ليتخذوه ذريعة لذلك وتبريرا؟…

قلت: إن الجواب عن تساؤلك متضمن في طبقات كلامك .

قال: كيف؟؟

قلت: لقد ذكرت معلومتين مختلفتين…

الأولى: أن أردوغان ومن معه افتعلوا الانقلاب…

والثانية: أنهم كانوا متهيئين له مستعدين بكامل جاهزيتهم… كأنهم على موعد معه..

وتفنيد فكرة الافتعال سهلة لمن له عقل ولب… فمن غير المعقول أن يغامر مدير مثلا بانقلاب مفتعل على بعض المسؤولين في الشركة أو الإدارة بوظيفته خاصة مع عناصر محدودة لغرض في نفسه يتغياه… خوفا من أن يقع فريسة لمغامرته المحدودة تلك فيخسر خسرانا متوقعا أو غير متوقع… فكيف يغامر رئيس دولة كبيرة ومن معه وسط أجواء شديدة الخطورة… وسريعة الاشتعال سياسيا وعسكريا في محيطها الملغوم ليفتعل انقلابا في دولة اعتاد عسكرها على الانقلاب نفسيا وعمليا…؟؟ سيكون أعمى وأضل سبيلا… بينما الأعداء متربصون بمخابراتهم وجواسيسهم وعيونهم التي لا تنام…

ولذلك لا يقبل هذه الفكرة إلا شخص لا يستطيع لضعف في مستواه العقلي والنفسي والمعلوماتي أن يفقه خطورتها وشدتها… أو شخص يعرف ولكنه يصدقها ذريعة للتنفيس عن حقده وغضبه لفشل الانقلاب…

وأما الفكرة الثانية: وهي أن أردوغان ومن معه كان متهيئا لذلك الانقلاب… فهاهنا معقد القضية ومربط فرسها ، لأنها من المتشابه الذي لا يفقهه إلا الحكماء وذوي التدبر العقلي المتسامي…

وأنا أقول: نعم !! لقد كان متهيئا له متحفزا ينتظره ويستعد له.. ولكن بغير المعنى المتهافت الذي اخترعه دجاجلة الإعلام شرقا وغربا…

كيف؟؟

لا يختلف اثنان أن السياسة الخارجية لتركيا سواء كانت في نظرنا صائبة أو خاطئة… قد دفعت كثيرا من الدول شرقا وغربا على الحفر المستمر سياسيا واقتصاديا ومخابراتيا… لإصابة تركيا بضربات مؤلمة تضعفها وتؤدي إلى زعزعة توازنها داخليا وخارجيا… فعمدوا إلى إثارة جهات داخلية للقيام بمظاهرات تقسيم ومحاولة تشويه الإسلاميين الحركيين وعلى رأسهم أردوغان وحزبه وحكومته… ثم الضربات الإرهابية… وآخرها لم يمض عليه وقت طويل… إضافة إلى نشر الشائعات عن علاقة تركيا بالتنظيم الإرهابي (داعش)… أمام هذا التكالب المحموم لا بدع أن تتسلح تركيا بيقظة فائقة ووعي مركز بكل ما يحيطها، وأن تجهز مخابراتها بكل ما يحفظ الدولة داخليا وخارجيا… ومن المعلوم أن المخابرات التركية من ارسخ المخابرات في الشرق ومن أشدها قوة تنظيم وتغلغل في تفاصيل الداخل والخارج وخاصة سراديب العسكر الذي لم تتورع مؤسسته عن تأسيس تاريخ انقلابي متراكم طيلة عقود… فهذه المؤسسة نظرا لخطورتها وموقعها كانت في إنسان عين مخابرات الدولة التركية الموالية للشعب والتجربة الديمقراطية… وفي بؤبؤ وشغاف اهتمامها… كما أن اهتمامها مسلط على بعض الهيئات أو الجهات التي قد تسبب قلاقل أو مشاكل للدولة وشعبها وسلامها… مثل الأكراد أو بعض الجماعات الصوفية والطرقية التي تعارض نهج حزب العدالة معارضة سافرة وعدوانية كجماعة فتح الله كولن الصوفية النقشبندية، ذات الولاء المديد للعلمانية الاتاتوركية ككثير من الطرق الصوفية كالبكداشية والرفاعية والمولوية… مما لا يعرفه الكثير من الإسلاميين الذين لا يرون من كولن سوى المفكر الإسلامي المسالم والمربي… كما يقع مع كثير من الشخصيات التاريخية أو المعاصرة… دون الكشف عن الوجه الاخر الخفي او المسكوت عنه، ولعل أهم ما زعزع الارتباط بين حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان والجماعة الصوفية هو انه متهم عندها بخروجه عن الخط الصوفي (الذي تخرج من بوتقته هو نفسه وقبله نجم الدين اربكان وعبد الله جول) عندما ساند جماعة الإخوان المسلمين في مصر (علما أن جماعة الإخوان ذات جذور صوفية /حصافية ) إضافة إلى موقف الحكومة التركية بقيادة أردوغان من القضية السورية… وهذا ما أكد عليه شيخ الطريقة الحبيبية في مصر عبد الباقي الحبيبي الذي أكد في حواراته مع الإعلام سنة 2013 أن الطرق الصوفية كانت تناصر الحكومة التركية لأنها كانت تناصر الطريقة التقشبندية… .فلما زاغت عن هذه الطريقة فإنها أي الطرق الصوفية سوف تشارك في الثورة على الحكومة وهذا من المعلوم الموثق في الشبكة العنكبوتية… قبل سنوات.

بعد هذه الجولة العابرة للواقع الذي يتربص بالحكومة والدولة التركية لا مفر من الإيمان بأن المخابرات التركية كانت تحيط وتتبع الكثير من الخيوط التي تكون نسيج المؤسسة العسكرية وكذلك الطرق الصوفية خاصة النقشبندية وتحركات فتح الله كولن وجماعته الصوفية في الداخل والخارج خاصة أمريكا مستقر منفى كولن… وبذلك نجد أنفسنا أمام خطين اثنين متناقضين سطحيا إلا إنهما متفقين في العداء للحكومة التركية والرئاسة الرجبية… ويسعيان حثيثا منذ مدة لإفشالها أو مواجهتها وإثارة الفتن في طريقها…

1- الخط الاتاتوركي العلماني الشرس في الجيش والقضاء

2- والخط الصوفي الموالي منذ عقود طويلة للتوجه العلماني والذي يسيطر على فئات لا بأس لها في الجيش والقضاء أيضا… .فهل المطلوب والمنتظر من المخابرات التركية أن تغض الطرف عن كل ذلك الحراك الاتاتوركي الصوفي وأعماله ونياته المناهضة للحكومة والتجربة الإسلامية الحركية المحنكة لحزب العدالة… أم انه ينبغي على المخابرات أن تحيط علما ومعرفة بسراديب وأنفاق ذلك الحراك خاصة في الجيش والقضاء…؟؟؟… وعلينا أن نعلم أن ذلك الحراك كان يفعل فعله منذ سنوات خاصة مع الأزمة السورية وداعش ومشكلة الإخوان المسلمين في مصر… ولا بد أن القائمين وراءه من الجيش والقضاء خاصة كانوا يطبخون ويعملون في الخفاء لإنجاح خططهم وترتيبها وتطبيقها ساعة الصفر…

إن ذوي التحليلات السطحية الغافلة او النيات المبيتة الحاقدة يلغون عمل المخابرات ويحجبون أو يتناسون دورها الخطير في المراقبة والتتبع لحفظ النظام والشعب… لذلك كان استغرابهم شديدا حين انكشف الانقلاب المخطط له سريعا… وحين أصدرت الحكومة أمرها بتوقيف عناصر من الجيش ومئات القضاة… وكأنهم لا يعلمون أو لا يفكرون واقعيا وعلميا أن المخابرات كانت تعرفهم قبل شهور وربما سنين… وأسماؤهم وأنشطتهم مسجلة بدقة في ملفات المخابرات كما هو حال جميع مخابرات الدول أم يريدون أن تكون المخابرات التركية بدعا وشذوذا صماء بكماء عمياء؟؟؟…

وهنا يتجلى الذكاء الأردوغاني الذي فاجأ الجميع وأربكهم… فلو أن أردوغان ألقى القبض على أفراد من الجيش والقضاء وعزلهم لضلوعهم في السعي لقلقلة الوضع في تركيا عن طريق التخطيط لانقلاب مستقبلي… لو حدث ذلك لكان بابا واسعا ينفتح لكل ذوي النيات السيئة والتوجهات المشبوهة والشخصيات الموتورة للطعن في قرارات ادوغان وتحميل حزبه وحكومته مغبة تلك الخطوة… ولثارت بذلك فئات المتربصين أو الغافلين ضده… لذلك كانت خطته في نظري المعزز بالأدلة هي أن يتركهم في عملهم وخططهم يعمهون مطمئنين… إلى أن تأتي لحظة الصفر… ويشرعون في تنفيذ مخططهم… فينقض عليهم في زمن ولادته قبل أن يستهل صارخا صرخته المنكرة…

فكان ما كان مما لم يستسغه اعداء التجربة الرجبية الإسلامية… من مرتزقة الإعلام الشرقي والغربي أو المغفلين الذين يهيمون مع كل صوت ويتبعون كل ناعق… أو من تنقصهم الحنكة الفكرية والسياسية والمعلومات الضرورية لتكوين تصور منضبط عن هذه النازلة وعناصرها وخيوطها…

وبعد؛

لا ندري ما ستأتي به الأيام بعد تعدد الأصوات وتداخلها في تقويم هذه الواقعة وما فيها وما بين يديها… إلا أنني على يقين أن تجربة الطيب أردوغان وقوته وحنكته ودهاءه لا يمكن المصادرة عليها كيفما كانت النتائج… وأننا لنرجو ونطلب من الله أن يكون الأمر إلى خير تركيا وشعبها المسلم… وأن تنقشع سحابة هذه الفتن عن الشرق الإسلامي كله… والله قدير.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M