التاريخ الذي لم يقرأه سفاح مسجدَي نيوزيلاندا

02 أبريل 2019 18:48
وقفات مع اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد النساء

هوية بريس – د. محمد ويلالي

يقول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).

لقد اقتضت حكمة الله العليم الخبير، أن يُخلق الناس مختلفي الألوان والألسنة، متعددي المشارب والأفكار والمعتقدات والأمكنة، ابتلاءً لبعضهم ببعض، فقال -تعالى-: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا). وقال -عز وجل-: (وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ). وبهذا الاختلاف تقع سنة التدافع، التي لا تصلح الحياة إلا بها، كما قال -تعالى-: (وَلَوْلَا دِفَاعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ). قال الزمخشري -رحمه الله-: “ولولا أن الله يدفع بَعْضَ الناس بِبعض ويكفُّ بهم فسادهم، لغلب المفسدون، وفسدت الأرض، وبطلت منافعها، وتعطلت مصالحها“.

ولإحداث التوازن المطلوب بين البشر، أمرهم الله -تعالى- باحترام بعضهم بعضا، مهما كان بينهم من الاختلاف العقدي والفكري، حتى ينتشر السلم بين الناس، وتعم الطمأنينة في الأرجاء، حتى إذا كان هناك نقاش وجدال، كانت الحسنى قائدا، والحكمة رائدا، والحجة حَكَما، والدليل فيصلا. وهو ما التزم به المسلمون على طول العصور، ونقضه غيرهم على مر الدهور.

وما حادثة سفاح مسجدي نيوزيلاندا التي هزت العالم في الجمعة الماضية، إلا دليل على إرهاب حقيقي لا يزال متجذرا في بعض النفوس الغربية المتطرفة، التي لم تقرأ تاريخ المسلمين، ومعاملتهم لغيرهم من أهل الملل الأخرى، وبخاصة احترام معابدهم من كنائس، وأديرة، وبِيَع، وصلوات، واحترام مَن فيها من العباد النصارى واليهود.

– فقد بعث البطريق النسطوري ياف الثالث رسالة إلى رئيس أساقفة فارس يقول فيها: “إن العرب الذين منحهم الله سلطان الدنيا، يشاهدون ما أنتم عليه وهم بينكم، ومع ذلك، فهم لا يحاربون العقيدة المسيحية، بل على العكس، يعطفون على ديننا، ويكرمون قُسُسَنا، ويجودون بالفضل على الكنائس والأديرة”.

– ويتحدث غوستاف لوبون -بإعجاب-  عن احترام خلفاء المسلمين في معاملة  المخالفين لدينهم ويقول: “كانوا يحترمون عقائد الشعوب وعُرَفَها وعاداتهم.. كما حافظوا على كنائس النصارى ولم يمسوها بسوء”.

ويعترف  المؤلف الأمريكي “لوثروب ستودارد” بما كان عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومَن بعده من احترام لمقدسات النصارى ويقول: “كان الخليفة عمر يرعى حرمة الأماكن المقدسة النصرانية أيما رعاية. وقد صار الخلفاء من بعده على آثاره، فما ضيقوا على النصارى، وما نالوا بمَساءة طوائفَ الحجاج النصارى الوافدين كل عام إلى بيت المقدس من كل فج من فجاج العالم النصراني”.

لقد نسي هؤلاء المتطرفون الغربيون، أن المسلمين كان بإمكانهم أن يستأصلوا النصرانية من جذورها، وكانوا من العزة والمنعة، بحيث لو أرادوا إبادة الدين النصراني لفعلوا، وهو ما يشهد به المستشرق “توماس أرنولد” حين قال: “لم نسمع عن أية محاولة مدبرة لإرغام الطوائف من غير المسلمين على قبول الإسلام، أو عن أي اضطهاد منظم قصد منه استئصال الدين المسيحي. ولو اختار الخلفاء تنفيذ إحدى الخطتين لاكتسحوا المسيحية بتلك السهولة التي أقصى بها  “فردينالد” و”إيزابلا” دين الإسلام من إسبانيا .. ولهذا، فإن مجرد بقاء هذه الكنائس حتى الآن، لَيحملُ في طياته الدليل القوي على ما قامت عليه سياسة الحكومات الإسلامية، والنظم السياسية بوجه عام، من تسامح نحوهم”.

ومن مبادئ شريعتنا، عدم إكراه الآخر على الإسلام. بل ذهب الفقهاء إلى عدم صحة إسلام من أكره على الدخول فيه، إلا أن يدخله عن طيب خاطر. قال في المغني: “وإذا أُكرِه على الإسلام من لا يجوز إكراهه، كالذمي والمستأمَن، فأسلم، لم يَثبُت له حُكْم الإسلام، حتى يوجد منه ما يدل على إسلامه طوعًا”.

وتتوالى شهادة  المنصفين الغربيين في تعميق انبهارهم بروح التسامح التي جللت معاملة المسلمين لغيرهم. يقول المؤرخ “وول ديورانت” المتوفى أواخر القرن العشرين: “لقد كان أهل الذمة (المسيحيون والزردشتيون واليهود والصابئون)، يتمتَّعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح لا نجد نظيرًا لها في البلاد المسيحية في هذه الأيام، فلقد كانوا أحرارًا في ممارسة شعائر دينهم، واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم، وكانوا يتمتَّعون بحُكْم ذاتي، يخضعون فيه لعلمائهم، وقضاتهم، وقوانينهم”.

وتقول المستشرقة الألمانية “زيغريد هونكه”: “العرب لم يَفرِضوا على الشعوب المغلوبة الدخولَ في الإسلام؛ فالمسيحيون والزرادشتية واليهود الذين لاقوا قَبْل الإسلام أبشعَ أمثلة للتعصب الديني وأفظعَها، سُمِح لهم جميعًا – دون أي عائق يَمنعهم – بممارسة شعائر دينهم، وترَك المسلمون لهم بيوت عبادتهم وأديرتهم وكهنتهم وأحبارهم دون أن يَمسُّوهم بأدنى أذى. أوَليس هذا منتهى التسامح؟ أين روى التاريخ مِثل تلك الأعمال ومتى؟”.

بل نجد معاملة المسلمين للنصارى أرأف وأرحم من معاملة حكام النصارى للنصارى، لما فيها من مراعاة للمشاعر الدينية والإنسانية، مما جعل بعض طوائف النصارى يفضلون المسلمين على حكامهم وإن كانوا على دينهم.

فقد كتب النصارى في الشام إلى أبي عبيدة بن الجراح: “يا معشر المسلمين، أنتم أحب إلينا من الروم وإن كانوا على ديننا؛ أنتم أوفى لنا، وأرأف بنا، وأَكَف عن ظلمنا، وأحسن ولاية علينا، ولكنهم غلبونا على أمرنا وعلى منازلنا”.

ويقول أحد كبار رجال الدين البيزنطيين: “إنه لخير لنا أن نرى العمامة في مدينتنا من أن نرى فيها تاج البابوية”.

– ويقول  “وول ديورانت”: “وكان اليهود في بلاد الشرق الأدنى قد رحبوا بالعرب، الذين حرروهم من ظلم حكامهم السابقين .. وأصبحوا يتمتعون بكامل الحرية في حياتهم، وممارسة شعائر دينهم”.

ويقول -أيضا-: “وكان المسيحيون أحراراً في الاحتفال بأعيادهم علناً.. وأصبح المسيحيون الخارجون على كنيسة الدولة البيزنطية، الذين كانوا يلقون صوراً من الاضطهاد على يد بطاركة القسطنطينية.. أحراراً آمنين تحت حكم المسلمين”.

ويقول “روبرتسن”: “إن المسلمين -وحدهم- الذين جمعوا بين الغيرة لدينهم وروح التسامح نحو أتباع الأديان الأخرى، وإنهم مع امتشاقهم الحسام نشراً لدينهم، تركوا مَن لم يرغبوا فيه أحراراً في التمسك بتعاليمهم الدينية”.

وليس أوضح من كلام “عيشو يابه”، الذي تقلد منصب البابا سنة 657م حين قال: “إن العرب الذين مكنهم الرب من السيطرة على العالم، يعاملوننا كما تعرفون؛ إنهم ليسوا بأعداء للنصرانية..”.

وهذا ما يفسر فرح النصارى الإسبان بقدوم المسلمين بلاد الأندلس، وتسليمهم لهم قراهم من غير مقاومة، “فما هو إلا أن تقترب كوكبة من فرسان العرب من إحدى القرى، حتى تفتح لها الأبواب، وتتلقاها بالترحاب .. كانت غزوة تمدين، ولم تكن غزوة فتح وقهر”.

وقال “غوستاف لوبون” في كتابه “حضارة العرب”: “والحق أن الأمم لم تعرف فاتحين رحماء متسامحين مثل العرب، ولا ديناً سمحاً مثل دينهم”.

ويقول المستشرق “دوزي”: “إن تسامح ومعاملة المسلمين الطيبة لأهل الذمة، أدى إلى إقبالهم على الإسلام، وأنهم رأوا فيه اليسر والبساطة مما لم يألفوه في دياناتهم السابقة”.

ذَاقَ النَّصَارَى بِمِصْرَ الذُّلَّ فِي زَمَنٍ * كَانَتْ سَفِينَتُهُمْ رُومِيَّةَ الصَّارِي

حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ كَانُوا كَمَنْ نُقِلُوا * مِنْ جَوْفِ نَارٍ إِلَى أَفْيَاءِ أَشْجَارِ

بل حتى المجوس وجدوا من خلفاء المسلمين ما يدل على روح المسامحة، وعدم الاقصاء، على الرغم من الاعتقاد الجازم بأنهم على باطل.

فيذكر  أرنولد – بكثير من الإعجاب والانبهار – كيف أن زعيم المانوية المجوس  في فارس ويدعى “يزدانبخت”، أتى بغداد، وناظَر المتكلمين المسلمين، في حضرة الخليفة المأمون، فلما أفحمه علماء الإسلام، تاق المأمون إلى أن يُسلِم، ففاتحه في ذلك، لكنه اعتذر في أدب، وقال للخليفة: “نصيحتك -يا أمير المؤمنين- مسموعة، وقولك مقبول، ولكنك ممن لا يُجبِر الناسَ على ترْك مذهبهم”. فتركه المأمون وشأنه. بل وطلب حمايته من العامة حتى يَبلُغ مأمنه بين أتباعه وأنصار مذهبه.

واشتكى يهوديٌّ عليًّا إلى عمر رضي الله عنه، وكان جالسًا بجانبه، فقال له عمر: “قم يا أبا الحسن، قف بجانب اليهودي موقف القضاء”. وبعد تبرئة علي باعتراف اليهودي، لاحظ عمر على وجه عليٍّ تَغيُّرًا، فقال له: “أَوَقد ساءك أني أوقفتُك بجانب اليهودي موقف القضاء؟”. فقال علي: “لا، وإنما خشيت أن يظنَّ اليهودي مُحاباتي عليه، لما ناديته باسمه، وناديتني بـ(يا أبا الحسن)”.

وكل ذلك تأسيا بعدالة النبي صلى الله عليه وسلم ورحمته بأهل الديانات الأخرى.

يقول المستشرق الألماني “برتلي سانت هيلر” عن النبي صلى الله عليه وسلم: “كان في دعوته هذه لطيفاً ورحيماً حتى مع أعدائه. وإن في شخصيته صفتين هما من أجلّ الصفات التي تحملها النفس البشرية، وهما: العدالة والرحمة”.

عن العدلِ لا تعدلْ وكنْ متيقِّظًا * وحكمُك بين النَّاس فليكُ بالقسْطِ

وبالرِّفقِ عاملْهم وأحسنْ إليهمُ * ولا تُبدِلَنْ وجه الرِّضا منك بالسَّخْطِ

ومن عجيب ما خلده لنا التاريخ، مما ورثته أجيال العلماء والأمراء والحكام، من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، ما رواه أبو عبيد في كتاب “الأموال”، أن الوليد بن عبد الملك لما أخذ كنيسة يوحنا من النصارى قهراً، وأدخلها في المسجد، اعتبر المسلمون ذلك من الغصب، فلما ولي عمر بن عبد العزيز، شكا إليه النصارى ذلك، فكتب إلى عامله يأمره برد ما زاد في المسجد عليهم.

ولما أغار أمير التتار “قطلوشاه” على دمشق في أوائل القرن الثامن الهجري، وأسَر من المسلمين والذميين من النصارى واليهود عدداً، ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية ومعه جمع من العلماء، وطلبوا فك الأسرى، فسمح له بالمسلمين، ولم يطلق الأسرى الذميين، فقال له شيخ الإسلام: “لا بد من افتكاك جميع مَن معك من اليهود والنصارى الذين هم أهل ذمتنا، ولا ندع لديك أسيراً، لا من أهل الملة، ولا من أهل الذمة، فإنَّ لهم ما لنا، وعليهم ما علينا”، فأطلقهم الأمير التتري جميعاً.

ولما شكا العمال القائمون على شؤون المال إلى عمر بن عبد العزيز قلة أموال الضرائب والجزية بسبب كثرة من دخل في الإسلام من المسيحيين، واليهود، والزرادشتيين، أجابهم بقولهِ: “والله لوددت أن الناس كلهم أسلموا، حتى نكون أنا وأنتم حراثين نأكل من كسب أيدينا”.

وكتب إلى واليه على خراسان: الجراح بن عبد الله الحكمي قائلا: “إن الله بعث محمداً هادياً ولم يبعثه جابياً”.

هذا بالنسبة لمعاملة المسلمين في باب حرية المعتقد، أما من حيث المعاملة العامة، فقد تميزت باللطف الشديد، والرعاية الفائقة، مما صار مضرب الأمثال عبر التاريخ.

فقد قال الإمام النوويّ – رحمه الله – متحدثا عن أهل الذمة: “ويلزمنا الكفُّ عنهم، وضمان ما نُتلفه عليهم، نفسًا ومالاً، ودفعُ أهلِ الحرب عنهم”.

وأثبت المسلمون لهم حقين لا تراجع فيهما -كما قال الماوردي-: “حق الكفُّ عنهم، وحق الحماية لهم، ليكونوا بالكفِّ آمنين، وبالحماية محروسين”.

ومن مستلزمات الكف عنهم مما التزم به المسلمون، ترك غِيبتهم، أو تعييرهم والاستنقاص منهم ولو بكلمة. يقول الإمام القرافي: “إن عقد الذمة يوجب لهم حقوقاً علينا، لأنهم في جوارنا، وفي خَفارتنا (حمايتنا)، وذمتنا، وذمة الله تعالى، وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودين الإسلام، فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء أو غيبة، فقد ضيع ذمة الله، وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم، وذمة دين الإسلام”.

بل إن الجزية التي كان يدفعها هؤلاء للمسلمين لقاء حمايتهم والدفاع عنهم، كانت تسقط عن العاجز، بل إذا ثبت عجزه أعطي من بيت المال ما يقيم به أوده. فقد أرسل الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى عامله على البصرة عدي بن أرطأة يقول: “وانظر مَن قِبَلك من أهل الذمة، قد كبرت سنه، وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب، فأجرِ عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه”.

وكانوا يتمثلون في كل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: “أَلاَ مَنْ ظَلَمَ مُعَاهَدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ” ص. أبي داود.

ولم يكن هذا اللطف في معاملة غير المسلمين بمن فيهم اليهود قاصرا على العصور الأولى وحسب، بل بقي منسحبا حتى القرون المتأخرة. وهذا نص نادر لظهير أصدره السلطان محمد بن عبد الله سلطان المغرب في 5 فبراير سنة 1864م مما جاء فيه: “نأمر من يقف على كتابنا هذا من سائر خدامنا وعمالنا والقائمين بوظائف أعمالنا، أن يعاملوا اليهود الذين بسائر ولاياتنا بما أوجبه الله تعالى من نصب ميزان الحق، والتسوية بينهم وبين غيرهم في الأحكام، حتى لا يلحق أحداً منهم مثقال ذرة من الظلم ولا يضام، ولا ينالهم مكروه ولا اهتضام، وألا يعتدوا هم ولا غيرهم على أحد منهم، لا في أنفسهم ولا في أموالهم.. لأن الظلم ظلمات يوم القيامة، ونحن لا نوافق عليه.. ومن ظلم أحداً منهم أو تعدى عليه فإننا نعاقبه”.

ولقد مرض غلام يهودي كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فعاده النبي صلى الله عليه وسلم، فقعد عند رأسه، فقال له: “أسلم”. فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له أبوه: “أطع أبا القاسم”، فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: “الحمد لله الذي أنقذه من النار” البخاري؟

واستنتج العلماء من ذلك جواز عيادة مرضى غير المسلمين، إذا كانت تأليفاً لقلوبهم، وطمعا في إسلامهم، وتقريبا لدين الله إلى قلوبهم.

وبمثل هذه الضوابط استنتجوا جواز تعزيتهم إذا مات لهم قريب. قال الحسن: “إذا عزيت الذمي فقل: لا يصيبك إلا خير”، وكأنها دعوة له بالهداية. وعزَّى الأجلحُ نصرانيا فقال: “عليك بتقوى الله والصبر”.

واستنتجوا -أيضا- أن الجار غير المسلمين يستوجب حق الاحترام والتوقير، لأنه داخل في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره” متفق عليه. قال بعض أهل العلم: “إن الجار إذا كان مسلما، فله حقان: حق الجوار، وحق الإسلام. وإن كان قريبا، فله ثلاثة: حق الجوار، وحق الإسلام، وحق القرابة. وإن كان كافرا، فله حق واحد: حق الجوار”.

هذا قليل من كثير. فقارن كل هذه المواقف المشرقة المتسامحة، مع ما أقدم عليه هذا المجرم السفاح من عمل شنيء شنيع، لا يقره دين، ولا عقل، ولا منطق. يترجل من سيارته بكل حرية، ويفرغ سلاحه في صدور المصلين الآمنين، بل ويمعن في القتل، تلذذا بفعلته المخزية، واستمتاعا بقوته الظالمة المظلمة، متنقلا من مسجد إلى مسجد، موثقا -بكل جرأة وصلف- لجريمته بالصورة الحية المباشرة، مع أن تصرفه يحمل توقيع استمرار سلسلة من الاعتداءات على المصلين وعلى بيوت الله.

ففي شتنبر 2016، انفجرت عبوة ناسفة في مسجد بمدينة دريسدن الألمانية.

وبعدها بشهرين، كتب عنصريون متطرفون شعارات معادية للمسلمين على جدران مسجد بمدينة بوردو الفرنسية.

وفي يناير 2017، التهم حريق معظم مسجد في بلدة فيكتوريا قرب مدينة هيوستن بولاية تكساس الأميركية.

وبعدها بيوم، قُتل ستة أشخاص  -على الأقل- في إطلاق نار على مسجد بمقاطعة كيبيك الكندية.

وشهدت لندن في يونيو 2017 حادث دهس، استهدف مصلين قرب مسجد، أسفر عن مقتل شخص، وإصابة عشرة أشخاص.

مَلْكنا فكان العدلُ منا سجيَّة  * فلما ملكتُم سال بالدم أبطَحُ

وحلَّلتمُ قتْلَ الأسارَى وطالما  * غدونا على الأسرى نَمُن ونَصفَحُ

فحسْبُكمُ هذا التفاوتُ بينَنا * فكل إناء بالذي فيه يَنضحُ

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M