التطرف بالمغرب بين الدوادي وعصيد

20 يناير 2016 20:55
فصل المقال فيما بين التمر والكيف من انفصال

عبد الكبير حميدي

هوية بريس – الأربعاء 20 يناير 2016

في إطار فعاليات “الجامعة الأمازيغية” التي نظمها حزب الحركة الشعبية قبل أيام، تناوب على الكلمة شخصيات من مشارب وحساسيات مختلفة، لمقاربة واقع الأمازيغية وسبل النهوض بها بالمغرب، باعتبارها رصيدا ثقافيا مشتركا لكل المغاربة، وكان من بين المتحدثين وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور لحسن الداودي.

الوزير الداودي -مذ كان أستاذا للاقتصاد بجامعة فاس- معروف بوضوحه وصدقه وشجاعته، وفي حديثه عن الأمازيغية ميز بين أمازيغيتين:

أمازيغية معتدلة، تسعى إلى تحقيق مطالب لغوية وثقافية وتنموية لا غبار عليها، في إطار ثوابت المغاربة: الإسلام، والوحدة الوطنية والترابية، والملكية.

وأمازيغية متطرفة، عبارة عن إيديولوجية قومية عنصرية معادية للإسلام والعربية، تمتطي الأمازيغية لأهداف سياسية، لخصها الوزير في الرغبة في التموقع.

ولا يخفى ما في هذا الكلام من صحة ومصداقية، تؤيدها عشرات الأمثلة والشواهد، إذ إن نزوعات القوم وطموحاتهم باتت معلنة لم تعد تخفى على أحد، وبغض النظر عن نصيب رأي الوزير من الصواب، فهو يبقى رأيا شخصيا محترما في كل الأحوال.

لكن المثير في الموضوع، كان هو رد العلماني المتطرف أحمد عصيد على كلام الوزير الداودي، والذي جاء فيه: “السي الداودي يتحدث عن شيء غير موجود في المغرب (يقصد التطرف العرقي)، ويتكلم في موضوع لا يفهم فيه شيئا، الموجود عندنا في المغرب هو التطرف الإخواني المصري والوهابية السعودية، الذي يسكت عنه السي الدودي ويتجنب الحديث عنه، اللهم إلا إذا كان سي الدوادي نفسه جزءا من هذا التطرف”.

ومع أن الكلام واضح لا يحتاج إلى تعليق، ويدل على قدر غير يسير من الكبر والتعالم، ومن الوقاحة وقلة الأدب، فإنني أحب أن أتوقف عنده -على سخافته- ببعض التعليقات السريعة:

أولا: من أين عرف عصيد أن الداودي لا يعرف شيئا في موضوع الأمازيغية؟ أليس ينحدر الوزير من منطقة بوكافر ومن قبيلة أيت عطا أحد فروع صنهاجة؟ أليس الوزير الداودي يتكلم الأمازيغية بطلاقة؟ أليس يعتز هو الآخر بانتمائه الأمازيغي في إطار انتمائه الأكبر إلى الإسلام والمسلمين؟ ومن كان هذا شأنه لا ريب يستطيع أن يميز بين الأمازيغية المغربية المسلمة الأصيلة، وبين أمازيغية علمانية لقيطة ممسوخة لا يعرفها المغاربة ولا يتفاعلون معها ولا يشعرون بأنها تمثلهم في شيء.

ثانيا: أية عنجهية وأية وصاية هذه؟ وأي كبر وأي صلف وأي تضخم ذاك يجعل هذا الرجل ينصب نفسه ناطقا باسم الأمازيغ؟ ووصيا على الأمازيغية يشرحها للناس ويبين لهم حقيقتها؟ ويعين من يحق له ومن لا يحق الكلام فيها؟ ويحدد من له أهلية الحديث في الموضوع ومن ليس له ذلك؟ علما أن صاحبنا أعطى نفسه حق الكلام في كل المواضيع، حتى أنه أضحى يفتي ويفسر ويحدث ويجتهد ويجدد، في كل المجالات والتخصصات، وبلا حدود ولا قيود، ويمنع غيره من حق إبداء الرأي، وهو الذي لا يفتأ يتشدق بالتعددية والاختلاف وبالحقوق والحريات.

ثالثا: صحيح أن عندنا في المغرب شيء من تطرف ديني، لكن التطرف العرقي العنصري موجود أيضا، وربما كان أكثر حدة وتشددا، ولا أدل على ذلك من صاحبنا نفسه، وهو يسعى إلى أن يصنع للمغاربة هوية عبثية عدمية وهمية، ليس فيها إسلام ولا عربية، توظف الأمازيغية وتسعى للتمكين للعلمانية. ألم يصرح صاحبنا قبل أيام من قناة “الحياة” التبشرية الصليبية أن “المسلمين -أمة المليار ونصف المليار- عندهم خلل في مفهوم الإيمان”؟ ألم يصرح قبل أيام أن الإسلام ليس هو ما يجمع المغاربة؟

فبئست التصريحات وبئس المصرح.

ثم إننا نحب أن نذكر صاحبنا وأتباعه بأننا لم نسمع بمتطرفين دينيين يشكون بلدهم لدى الأمم المتحدة والهيئات الدولية، ولم نسمع بمتطرفين إسلاميين يتسولون صداقات الصهاينة ويخطبون ودهم بكل وسيلة ويحجون إلى عاصمتهم وحدانا وزرافات متحدين بذلك مشاعر ملايين المغاربة والمسلمين، ولم نسمع عن متطرفين إسلاميين يدعون المغاربة نهارا جهارا إلى حمل السلاح بعضهم على بعض.

رابعا: وأما أن يتهم صاحبنا وزيرا منتخبا في الحكومة، معروفا بين العامة والخاصة باستقامته ووطنيته، وباعتداله ووسطيته، أن يتهمه بأنه “جزء من التطرف الإخواني”، فأن ذلك نوع خبيث من “التكفير” الحداثي ومن الشيطنة العلمانية، التي تهدف إلى إسكات الأصوات الحرة والضمائر الحية، بل هو نوع من الإرهاب الفكري الذي ينطوي على غير قليل من اللؤم والخبث، ومن الحقد والضغينة، ومن التشدد والتطرف، لا يصدر إلا عن ضعاف النفوس وصغار الأحلام من الناس.

عموما، ليست هذه أول مرة يتطاول فيها هذا الدجال على عدد كبير من شخصيات هذا البلد المرموقة، ممن لا يقاسمونه هواه اللاديني ونزوعه الشوفييني، من أمثال: عابد الجابري، وعبد السلام ياسين، وأحمد الريسوني، وعباس الجراري، وعبد القادر الفاسي الفهري، وعبد الإله بنكيران، وغيرهم كثير، وقبل هؤلاء وبعدهم، تطاول على القرآن العظيم، وعلى الرسول الكريم، لكن هواية الأقزام في كل زمان تظل هي تسلق قامات العمالقة والنيل من هامات الكبار، لكن هيهات هيهات. فله ولأمثاله من الأقزام نهدي بيت أبي الطيب المتنبي:

وإذا أتتك مذمتي من ناقص…..فهي الشهادة لي بأني كامل

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M