التليدي يكتب: المغرب أكبر من نكسة انتخابية

09 سبتمبر 2021 22:27
التليدي يقطر الشمع على المبررين الذين كانوا يستنجدون بأطروحة المحيط الدولي والإقليمي الضاغط لتقديم التنازلات

هوية بريس – بلال التليدي”

تم اليوم في وقت مبكر الإعلان من قبل وزارة الداخلية المغربية عن النتائج المؤقتة الانتخابات التشريعية بالمغرب، وظهر في العنوان العريض لهذا الاستحقاق نكسة كبيرة للإسلاميين في المغرب، إذ تراجعوا بما يزيد عن 113 مقعدا، محصلين فقط على 12 مقعدا، أي ما لا يسمح لهم بتشكيل فريق نيابي في البرلمان.
الدلالة الرمزية الأولى لهذه النكسة، أن الإسلاميين بعد عقد من التدبير الحكومي، رجعوا إلى نقطة البداية، أي إلى 12 مقعدا التي حصلوها في أول انتخابات تشريعية دخلوا إليها سنة 1997 (فازوا بتسعة مقاعد سنة 1997 والتحق بهم ثلاثة نواب سنة 1998).
الإشارة السريعة الأولى الملاحظة في نتائج الانتخابات، أن الحزب لم يتراجع برتبة أو رتبتين، بل تدلى آخر الترتيب (الرتبة الثامنة).
الإشارة الثانية، أن الحزب، الذي كان المجال الحضري مركز ثقله، وكان لا ينافسه أي حزب آخر فيه، منذ اعتماد نظام الاقتراع اللائحي، خرج خالي الوفاض من أغلب المدن. مدن الشمال مثل طنجة وتطوان التي كان يحقق فيها عدد أصوات إلى 60 ألف صوت، لم يحصل فيها على أي مقعد، كما خسر مقاعده في العاصمة، ومراكش، وسلا ووجدة، وبالكاد حصل على مقعد واحد في منطقة سوس التي كانت تشكل معقل الحزب، بينما خرج من الرشيدية -مركز الثقل العدالة والتنمية ـ بصفر مقعد. الإشارة الثالثة السريعة، أن القيادات التي ترشحت، بمن في ذلك بعض الوزراء، منيت بهزيمة ثقيلة، فخسر الأمين العام المقعد في دائرة المحيط بالرباط، وخسر وزير الشغل السيد أمكراز المقعد في مدينة تزنيت، وفشل نائب الأمين العام، سليمان العمراني في تحصيل المقعد في دائرة تمارة، وفشل الوزير السابق في الاتصال السيد مصطفى الخلفي في كسب مقعد في دائرة سيدي بنور، وسقط المقرئ الإدريسي أبو زيد في دائرة مديونة ولم ينج من هذه القيادات سوى عمدة الدار البيضاء السيد عبد العزيز العماري.
الإشارة الرابعة، أن قيادة الحزب التي كانت تعتقد أن القاسم الانتخابي، يشكل آلية جهنمية لتقليم أظافره، كانت هي المستفيدة الأول من هذا القاسم، إذ بسببه حصل الحزب بعض المقاعد.
الإشارة الخامسة، أن الحزب خرج بالكامل من الدوائر التي حقق فيها اختراقات مهمة في انتخابات 2016، بما في ذلك الأقاليم الجنوبية الصحراوية، وبعض المدن المتوسطة والصغرى (سطات، برشيد، الجديدة، سيدي بنور، آسفي، الصويرة، بني ملال….).
خطاب قيادة الحزب لحد الآن، يمضي في أطروحة المعطى الموضوعي، أي رمي الكرة على سيطرة المال الحرام، وحدوث خروقات خطيرة في العملية الانتخابية، دون الحديث عن أي أسباب ذاتية تتعلق بتدبير القيادة للاستحقاق الحالي.
أغلب المحللين السياسيين، لاسيما القريبين من الجهات المعادية للحزب أو المنافسة له، تطرح فرضية العقاب السياسي، بل بعضهم يطرح فرضية الانتقام السياسي من عقد من التدبير السياسي.

التحليل المتأني لهذه المعطيات، يفترض اختبار كل هذه الفرضيات، بدءا من فرضية استهداف الحزب وإزاحته من الطاولة، تلك الفرضية التي تسعى قيادة الحزب الحالية إلى تعزيزها ربما خشية من ردود فعل داخل الحزب اتجاهها.
تبدو هذه الفرضية ضعيفة من جهتين، الأولى، أن قيادة الحزب استثمرت طويلا في نقد القاسم الانتخابي، لكن المعطيات الانتخابية، أثبتت أن هذا القاسم كان حبل النجاة للحزب لتحصيل المقاعد القليلة التي حصلها (12 مقعدا) والثانية، أن الدفع بقضية المال الحرام، وبإسناد الإدارة الترابية لبعض الأحزاب أو غض الطرف على ممارستها، هو دفع ضعيف، فهذه الاعتبارات كانت حاضرة بقوة في انتخابات 2015 و 2016، ووقفت الإدارة الترابية بكل ثقلها إلى جانب «الأصالة والمعاصرة» لكن النتيجة أن الحزب وقتها هزم هذه الأحزاب وهزم القوانين الانتخابية، وبدأ البعض يتحدث عن سقوط أطروحة «ريمي لوفو» التي فسر بها مختلف المحطات الانتخابية، وذلك حين اعتبر أن المجال القروي (الأرياف) الذي تصر وزارة الداخلية على إعطائه 75 في المائة من الدوائر، هو الذي يصنع الخارطة الانتخابية بالمقارنة مع المدن رغم كثافتها السكانية.
الأحزاب التي تصدرت النتائج، أي «الأحرار» و«الأصالة والمعاصرة» ليست لها قاعدة مناضلين، وليست لها حاضنة شعبية، لكنها استفادت من لعبة تزكية الأعيان ورجال الأعمال، ومن استعمال المال والهيمنة على وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي عبر آلية الدعاية المدفوعة الأجر، وحتى «الاستقلال» الذي يحتفظ بجزء من قاعدته النضالية، انخرط هوالآخر في الآليات نفسها.
البعض يعتقد أن عقدا من الزمن في التدبير الحكومي استنزف الحزب وخلق حالة غضب شعبي منه، لكن الذي فاز في الانتخابات، هو الآخر من الأغلبية الحكومية، مما يطرح سؤال جدل «العقاب» و«الإسناد» لأحزاب في الأغلبية، لاسيما وأن العدالة والتنمية حقق اكتساحا كبيرا في انتخابات 2016، التي جاءت عقب خمس سنوات صعبة من التدبير الحكومي، اتخذ فيها الحزب قرارات مؤلمة بقصد استعادة التوازن المالي للدولة.
ثمة معطيات مهمة ترتبط بالذات الحزبية تعين في فهم جزء من هزيمة العدالة والتنمية، تتلخص كلها في فقدان نقاط قوته في انتخابات 2016، ونقصد بذلك أولا التماسك التنظيمي، فالحزب دخل الانتخابات في حالة شرخ قيادي مزدوج، صراع بين جناحي الحزب (العثماني/ بن كيران) وصراع داخل القيادة التي أدارت المرحلة (العثماني/ الرميد) فضلا عن شرخ امتد للقاعدة بين تيارين، لم تستطع القيادة جمعهما، واعتمدت نهج التغلب بتقريب الموالين وإقصاء المعارضين. ثاني هذه الاعتبارات، وهو الأخطر في تقديري، وهو أثر القاسم الانتخابي على الداخل الحزبي، ففعالية هذا التعديل في القانون الانتخابي، ساهمت في إحداث تصدع خطير في بنية الحزب، ذلك أن نقص الحظوظ الانتخابية (القاسم الانتخابي لا يمكن إلا لمقعد واحد فقط) ساعد في تأجيج الخلافات والصراع على وكيل اللائحة، مما أثمر آلية الكولسة والزبونية والعلائقية في التزكية، وأثمر في المقابل تصدعات واستقالات وتمردات، بل أضعف الجاهزية الانتخابية بشكل كامل، فكان واضحا امتناع شرائح كبيرة من مناضلي الحزب عن تقديم الإسناد الانتخابي لمرشحي الحزب في عدد من الدوائر.
ثالث هذه الاعتبارات، هو الحملة الانتخابية الضعيفة، والخطاب الانتخابي الهزيل المتمحور فقط حول الإنجاز والحصيلة، إذ لأول مرة، يغادر العدالة والتنمية العنوان السياسي، ويدخل بعنوان الدفاع عن الحصيلة، ويمتنع عن سجالات انتخابية قوية، يحتاجها الشعب للتمييز بين مكونات الفعل السياسي. رابع هذه الاعتبارات، هو ما يرتبط بتدبير القيادة للمرحلة السياسية، وتغييبها للسياسي، واقتصارها على التدبيري، وتورطها في مواقف مضرة للحزب سياسيا وحقوقيا وهوياتيا، مما جعلها تفقد جزءا من قواعدها التقليدية. خامس هذه الاعتبارات، وربما كان من بين أهمها، هو التدبير لجائحة كورونا، حيث ساهمت بعض القرارات الحكومية، في تفقير فئات وشرائح اجتماعية واسعة دون تقديم بدائل مقنعة، ولا الدخول في حملة تواصل سياسي في هذا الخصوص، مما ولد حالة غضب شعبي عارم من رئيس الحكومة.
سادس هذه الاعتبارات، هو فقدان القيادة للرؤية السياسية، فقد كان رئيس الحكومة، يدير دفة الحكومة من غير بوصلة، يباشر العمل الحكومي بمنطق انتظاري، خوفا من إزعاج دوائر في السلطة، مما جعل الحكومة برمتها، مرتهنة إلى الدولة، التي لا يمكن لها أن ترى الفراغ يستبد بمؤسسات الدولة ومناشطها الرئيسية في سياق اجتماعي تتوفر فيه كل مؤشرات الاحتقان.
هذه بعض المعطيات الذاتية، التي تحتاج إلى قراءة معمقة في تأثيراتها السياسية على بنية الحزب وتمكسه الداخلي وجاهزية السياسية والانتخابية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

” كاتب وباحث مغربي.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M