التنويريون والإصلاح الديني (2)..  قراءة في متاهات الطرح المستهلك

29 مايو 2016 00:30
الليبرالية إحياء للجاهلية وإيغال في الرجعية

ذ. أحمد اللويزة

هوية بريس – السبت 28 ماي 2016

بكل صفاقة وجرأة يلتقي جماعة من المتطفلين البعيدين عن التخصص، -إن لم يكونوا بعيدين عن التدين- أو -بعضهم على الأقل- ليناقشوا التجديد الديني…! ويضعوا لذلك منطلقات ومسلمات…! ويطالبوا المسلمين التقيد بها. باعتبارها منارات في مسار الإصلاح. إنهم التنويريون…!

والمتتبع لمسار التنويريين العرب ولو قليلا، يلاحظ عدة مطبات ومهاوي في خطابهم المتهالك وطرحهم البائد، وأفكارهم المستوردة، ناهيكم عن التناقضات الدالة على بطلان الفكر وفساد الاعتقاد، إذ لو كان حقا ما كان فيه تناقض، وصدق الله إذ يقول: “وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا“.

أول ملاحظة في خطاب التنويريين أنه تكرار واجترار واستيراد لأفكار نبتت في غير المحيط الذي يتكلمون فيه. وسبق بها زمرة من الحاقدين على الإسلام من المستشرقون الذي عمدوا إلى دراسة التراث الإسلامي وتخصصوا في بعض علومه بغاية نشر الشبهات انطلاقا من نصوص التراث، لبث الشكوك والحيرة بين المسلمين، والتي في الحقيقة لا تنطلي إلا على الجهلة بدين الإسلام. ولذلك كان لا بد من إيجاد بيئة جاهلة وجيل من الجهلة، وقد كان ذلك فعلا، وأكبر دليل عليه وجود هؤلاء الذي ينعتون أنفسهم بالعقلانيين والتنويريين الذي صدقوا تلك الشبهات، وراحوا يكررونها كالببغاوات في هذا الوسط الجاهل.

العقلانيون العرب يدعوننا إلى استعمال العقل مع نصوص الشرع في الوقت الذي ألغوا فيه عقولهم مع نصوص الفلاسفة والمفكرين الغربيين، وبعض المخرفين التنويريين من العرب.

يدعوننا إلى عدم تقديس نصوص الوحي في الوقت الذي يقدسون نصوص البشر، ويجعلونها بداية النهاية ونهاية البداية في الفكر والتصور والثقافة.

يعلون من شأن الفلاسفة والمفكرين، ويطالبوننا بإسقاط هيبة المشايخ والعلماء.

يدعون إلى عدم تقديس المقدس، لكنهم يقدسون المدنس من نصوص قديمة لفلاسفة ما قبل التاريخ، في الوقت الذي يعتبرون المسلمين المتمسكين بنصوص الكتاب والسنة رجعيين ماضويين.

ومع ذلك أيضا يطالبون بالقطع مع تراث العلماء والفقهاء، وهم غارقون درجة الهيام في تراث الفلاسفة والمفكرين وصناع الشبهات.

وكفى مثالا بأحد مشايخهم الذين يتحدثون عنه بنوع من التقديس والتبجيل والذي استعاض عن اسمه العربي الحديث باسم موغل في الماضوية والقدم، فصار مشهورا بأدونيس، والذي يفيد معنى «السيد» أو «الرب» كما عند الإغريق. وقد عرف الاسم في بلاد كنعان قبل أن يشتهر به في الأساطير اليونانية الكلاسيكية والهلينية. كما تقول المصادر.

ينادون الأمة بأن تتخلص من وصاية العلماء، وأن تزيل كل الوسائط بينها وبين الله -الذي لا يساوي عندهم درجة أصغر فيلسوف ومفكر غربي-، لكنهم لم يتخلصوا بعد من وصاية ساداتهم، ناهيكم عن استيراد فكرة الوصاية الدينية التي لها ارتباط بواقع ديني متسلط، كان يعتبر طريق دخول الجنة يمر عبر صكوك الغفران التي يمنحها القساوسة والرهبان. وهذا ينم عن بلادة العقلانيين وغباوة الإسقاط على واقع بعيد كل البعد عن ما نشأ فيه صراع الوصاية.

فلم يقل أحد من علماء المسلمين المعتبرين والذين يوجه لهم نقد التنويريين أن صكوك الجنة بأيديهم، إلا ما كان من بعض الطوائف المنتسبة إلى الإسلام والموغلة في الضلال والانحراف، والتي تلقى الدعم والمساندة من التنويريين. ويا للغرابة!

يطالب التنويريون باستعمال العقل مع نصوص الشرع، وقبول ما وافقه العقل ورد ما لم يقبله، وهذا يقتضي فوضى لا مثيل لها، أساسها إلغاء السنة النبوية، وإسقاط العلماء، وانتشار الأفهام المتناقضة بحكم اختلاف العقول في الفهم.

وإلا ما الغاية من بعث الأنبياء وإنزال الوحي؟ ألم تكن للناس عقول من قبل؟ أم من أجل ضبط عقول الناس من الانحراف الذي يسعى إليه القوم؟

ولو كانوا يستعملون عقولهم توافقا مع دعواهم ما كانوا يخضعونها لتوجيه المستشرقين والفلاسفة، ولما كانوا مجترين لكل ما بثوه من الشبه والضلالات. فكل ما يتداوله التنويريون العرب! من مغالطات حول السنة وحجيتها وتدوينها، وقضايا الفقه وعلاقته بالشرائع السابقة، وإشكالات التفسير وما يرد عليه، كلها وغيرها يستلونها من كنانة مصنفات الاستشراق الحاقد. ومن فتش عرف، فأي عقل لهؤلاء؟

إن طرح عصابة الحداثيين والعلمانيين والعقلانيين والتنويريين…؟ -وما أجمل الألقاب…!ـ موغل في التبعية والبلادة والتناقض والسطحية، وينم عن جهل مكعب بدين الإسلام رغم انتساب بعضهم إليه. ولذلك هم يتحدثون عن الأمر مركزين على مخاطبة غرائز المتلقين، ودغدغة مشاعرهم السلبية ليوفروا لسلوكاتهم المنحرفة غطاء من الشرعية المزيفة التي تسعى إلى إباحة الحرام بدعوى تغير الزمان وضرورات الحياة، مستدلين بنصوص في غير سياقها، أو لا تسعفهم في الدلالة على ما يقصدون.

في الختام، فالتنويريون غارقون في الظلام، والتقدميون موغلون في الماضوية، والعقلانيون في قمة البلادة، حين يتمسحون بمقولات أفلاطون وأريسطو وطاليس وسقراط، وغيرهم من الذين عاشوا قبل الإسلام، بل قبل الميلاد. وهذا كاف ليدل على مشكلة هؤلاء ليس مع تجديد الدين كما يدعون، وليس مع الفقهاء كما يزعمون، بل مشكلتهم مع الإسلام نفسه، ومع رب الإسلام ورسول الإسلام.

هذا باختصار دون الخوض في التفاصيل.. والسلام.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M