الجامعة المغربية والعامية.. هل هي بداية تثبيت “النظرية العيوشية”؟

11 مارس 2020 17:43

هوية بريس – د.محمد عوام

بداية أقرر ما قرره حذاق الخبراء، ونجباء العلماء، والمهرة الفهماء، أن الأمة، أي أمة، لا يمكن أن ترتقي في سلم الرقي والتمدن، والبناء العمراني والحضاري، ما لم تعتمد على لغتها الأصيلة، التي رضع أبناؤها من ثديها، واختلطت مفاهيمها وتراكيبها بدمائهم، حتى صارت جزءا من كيانهم، وقيامهم وقعودهم، ولا أدل على ذلك من التجربة، وشهادة الواقع.

إذ نرى اليوم كثيرا من الدول، التي شهدت طفرة من التقدم العلمي والتقني، تدرس أبناءها كافة العلوم بلغتها، (تركيا، إيران، إسلاندا، الصين، اليابان، كوريا، الباكستان،…) ثم تضيف لهم لغات أخرى تكون تكميلية، حتى تضمن لهم الانفتاح والتتبع والاطلاع على ما عند غيرهم.

ونحن في المغرب لازلنا ذيلا للاستعمار الفرنسي، ندرس أبناءنا وأجيالنا بلغة المستعمر الفرنسي، وهي لغة كما يقرر غير واحد من الدارسين والخبراء لغة متخلفة، لم يعد لها تأثير في الحياة العلمية والعالمية، بل إن أبناءها خاصة الباحثين منهم، أشاحوا بوجوههم عنها، فولوا وجوههم قبل اللغة الإنجليزية، فأصبحوا يقرؤون ويكتبون بها.

والأدهى والأمر أننا اليوم بدأنا نرى طائفة من الأساتذة الجامعيين يدرسون ويحاضرون ويتكلمون باللغة العامية، من غير خجل ولا وجل، مما زاد في ضعف تحصيل الطلبة، وتدني مستواهم العلمي والفكري، فتجد الطالب إذا أراد أن يسأل يعجز عن صياغة سؤاله باللغة العربية الفصيحة، فتراه يبدي ويعيد في تركيب جمل بالعامية ركيكة المبنى، ضعيفة المعنى، ذاهبة بالمغزى. وكنت دائما ولله الحمد ألزم طلبتي بالتحدث باللغة العربية، وكنت أحفزهم على ذلك، رافعا شعارا مفاده “تكلموا بالعربية، لئن تخطئوا في الكلام بالعربية، فيصحح، خير من أن تتكلموا بالعامية”.

لكن الكارثة العظمى أن يوما من أيام الدراسة سنة 2010م جاءني طالب إفريقي عند انتهائي من الحصة، يشكو لي أحد الأساتذة قائلا: “يا أستاذ إن الأستاذ… يتكلم بالعامية، وأنا لا أفهم العامية، فأخرج بلا فائدة، خاوي الوفاض” ثم طرق سمعي من مصدر موثوق أن الدكتور فلان يغلب عليه التدريس بالعامية وشيء قليل من العربية.

وأزداد سوء في صيف سنة 2018م، عندما طلب مني بعض الطلبة التيلانديين، أن ألقنهم بعض الدروس في اللغة العربية، وكان يغلب على حصتنا الحوار والقراءة، فإذا بهم يشتكون لي من بعض الأساتذة في بعض الكليات التي يدرسون بها في المغرب، بحيث يدرّسهم بعض الأساتذة بالعامية، فلا يفهمون ما يدندنون حوله. مع العلم أنهم جاؤوا لبلد عربي ليتعلموا العربية، فبما يرجعون به إلى أهليهم، وهم يجدون أبناء الدار يفقدونها، وما هي انطباعاتهم على الجامعة المغربية؟ وهل يليق بالأستاذ الجامعي المغربي أن يحكم عليه مبتدؤون عجم في اللغة العربية؟ أليس هذا موقع في الجنون؟

والبارحة حضرت مناقشة لأطروحة في علم الاجتماع، فإذا بي أحس بغصة الألم تنتابني، وتألمت كثيرا، حين سمعت الدكتور…المناقش يتكلم بالعامية المبتذلة، من أول مناقشته إلى منتهاها، وتبعه في ذلك زميله الدكتور…، أما الثالث الدكتور… فتكلم باللغة الفرنسية، مع العلم أن الأطروحة مكتوبة باللغة العربية، ماعدا رئيس الجلسة فقد أحسن حين تكلم باللغة العربية.

أرأيتم إلى هذه المهازيل التي وصلت إليها كلياتنا، نبتت فيها الطائفة العيوشية، من غير أن يوقع لهم عيوش نفسه، يقتلون اللغة، وبها يقتلون الفكر، وإذا مات الفكر مات الإنسان، وإذا مات الإنسان فعلى الدولة السلام.

نحن اليوم فعلا في أزمة، حيث فقدت الجامعة المغربية رجالاتها الأفذاذ، ولو اختلفنا مع بعضهم في الفكر، لكنهم ما كانوا يسمحون لأنفسهم بهذا التدني والاندحار، كانوا فرسان اللغة، وأرباب الفكر، وفحول العلم، تشهد لهم كتبهم ومؤلفاتهم وندواتهم بمكانتهم العلمية السامقة، وكونوا جيلا معطاء.

أما اليوم فتسلل إلى الجامعة من هم ليسوا من أهلها، فجنوا على طلابها، فهل يعقل أن تضم الجامعة أساتذة قضوا بها أكثر من عشرين عاما، وبعضهم على وشك نيل التقاعد، ولا مؤلف واحد عنده، ولا بحث محكم يتسم بالجدة وله جدوى، وزاد من تفاقم وضعها أن لا محتسب على العلم والبحث العلمي بالجامعات، يفعلون ما يشاؤون، طبعا أقصد طائفة العيوشيين وأضرابهم، وإلا فلازال بها أولوا بقية من العلم والفكر، غدوا في القلة كالتبر في الترب.

فإذا أردنا أن نصلح الجامعة المغربية، فأول شرط أن لا يلجها من ليس بباحث جاد ونزيه ومتخلق بأخلاق العلم، وأن لا يستمر في التدريس بها، من لا يؤلف ولا يكتب، ويشهد له بذلك العلماء والمفكرون ذوو الخبرة والنزاهة، وأعني بذلك مؤلفات وبحوث محكمة، لا أن ينقل من هنا وهنا ويقال هذا بحثنا، كما أصبح شائعا وذائعا. وعلى الجامعة أن ترفع شعار “لا مكان للعيوشيين” في الجامعة المغربية. إن توهين الجامعة أول خطوة تدميرية للنموذج التنموي، فلا تنمية من غير جامعة فعالة وجادة، كما على الدولة المغربية التي ترفع شعار التنمية أن ترفع من ميزانية البحث العلمي وتستثمر فيه لبناء الدولة والأجيال القادمة، فلا يعقل أن تصرف ميزانيات ضخمة في عبثية المهرجانات، وتترك الجامعة تقتات على الفتات، أو تترك المخلصين من أهلها كالمتسولين ليقيموا الندوات وغيرها، فهذا لعمري هو الخراب بعينه. “وما ربك بظلام للعبيد”.

آخر اﻷخبار
1 comments
  1. صاحب المقال متناقض، ينادي باستعمال اللغة الام،ثم ينادي باستعمال اللغة العربة الفصحى، ياأستاذي اللغة الام عند المغاربة هي الدارجة والامازيغية، واللغة العربية هي لغة ثانية او ثالثة بالنسبة لنا

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M