الجهر بالإفطار في رمضان بين «نسخة المتقدمين» و«نسخة المتأخرين»

26 يونيو 2016 16:15
الجهر بالإفطار في رمضان بين نسخة المتقدمين ونسخة المتأخرين

هوية بريس – إبراهيم بقلال

الأحد 26 يونيو 2016

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فهذه أسْطر لتكثير بياض الخير وتعزيز مقالات النصح التي استوفزتها كلمة الشيخ الوقير الدكتور أحمد الريسوني حفظه الله وقوى به دينه، بخصوص قانون تجريم الإفطار في نهار رمضان بغير عذر. وللشيخ حفظه الله مكانة مصونة تُحَرِّجُ على كل متعقب أن يُسبغ على كلامه لأْمَة أدب. والنفس تُؤْثِرُ السلامة من التقَحُّم، لكن سلامة الدين أولى و”كُرهاً تركب الإبل السَّفر”.

صوَّت بعض المعلقين: “المسألة إلهاء للرأي العام” يقصد عن القضية الأهم التي هي حسب رَصْفه “مناقشة إنجازات الحكومة خلال سنوات الولاية”، كنا نتمنى ألا تُثار، لكن كيف وقد قيل!؟ أيكون الرأي العام إذا اشتغل بها مُدافعة ومُراغمة أيكون في لهو أم جد؟ وهل شيء أعظم من الحفاظ على ثبات الشريعة وهيبتها في النفوس؟ بل لو تعطلت بعض المصالح ولو دينيةً لإعزاز حق وتوطيده لما كان ذلك إلا صواباً، ففي “ترتيب المدارك” أن مالكاً رحمه الله قضى في أخٍ أردى أخاه في البئر فأخذ رداءه، أن يُقتل، فقال الأبوان أيُقتل ابننا أمس ونفجع في الآخر اليوم؟ فقال الوالي لا طالب لهما وقد عفيا، فقال مالك (وكان يراها حِرابة): “والذي لا إله إلا هو تضرب عنقه أو لا أتكلم في العلم بعد هذا أبداً” فسكت فلم يتكلم وارتجت المدينة لعلمهم أنه لا يحنث وقالواْ فمن نسأل إذا سكت مالك، فلم يجد الوالي بُدّاً من ضرب عنق القاتل.

قال الشيخ الريسوني حفظه الله: “الأصل في الدين كله هو الالتزام الذاتي لأن تحويل الشريعة في معظمها إلى قانون هو جناية على الشريعة… الشريعة والدين يقوم أساساً على الوازع الإيماني لا على الوازع السلطاني، فالثاني مكمل اضطراري في أضيق الأحوال“.

لا شك أن الدين الذي يحبه الله ويرتضيه لعبده ويطالبه به هو الالتزام الذاتي وهو مناط الأجر، لكن هذا الخطاب يُوجَّه إلى المكلِّف بهذا التدين لكي يعبد الله باحتساب لا رهبة من سلطان أو سنان، إذ لا أجر لمن لا حسبة له، فهنا يستقيم الخطاب، لكن أن نوجهه إلى ولي الأمر أو الحاكم ليسقط التعزيرات بل والحدود لأن الدين يقوم على الوازع الديني لا السلطاني فهذا خلاف النصوص ولو كان الأمر كذلك لكان أول من ينبغي ترك تعزيره هم الصبيان غير المكلَّفين الذين شُرِع ضربهم تأديباً على ترك الصلاة، وقاس عليه بعض الحنبلية ضربهم على ترك الصيام في نفس السن وهو مرجوح. فكيف يُعقل تأديب غير المُكلَّف وإرسال المُكلَّف بل المُكلَّف المُعاند.

إن من يوجه ذلك الخطاب للحاكم أو العالم المفتي بالتعزير ويقول له الدين يقوم على الوازع الإيماني لا السلطاني في سياق المطالبة بإسقاط التعزير لا المطالبة بتحقيق الموازنة بين التربية الإيمانية وتوفير ظروفها وبين العقوبة كما أشار الشيخ عادل رفوش في مقاله حفظه الله ولا أرى حمل كلام الشيخ الريسوني عليه، إن من يخاطبه بذلك كمن يخاطب الزوج بحقوقه على الزوجة والراعي بحقوقه على الرعية، فهذا تسريب للخطاب عن مساره، بل يخَاطَب الزوج بحقوق الزوجة عليه والعكس، ويخَاطَب الراعي بحقوق الرعية عليه والعكس، ويخاطب السلطان باستعمال التعزير إذا لم تنفع المواعظ وهدايات الكتاب التي يُروِّجها، ويُخاطَب المكلَّف بمراقبة الله واستنطاق واعظ قلبه وألا يفعل ويدَعَ فقط رهبة من السلطان.

ويقول الشيخ إن الوازع السلطاني هو مكمل اضطراري، نعم، لكن لا يجوز إلغاؤه حين نضطر إليه ومسألتنا من مواطن الاضطرار لما فيها من حفظ هيبة الدين في نفوس الناشئة خصوصاً.

فإن كان لابد من بيان محاسن الشريعة ومعنى العقوبة فيها فليس بإلغاء العقوبة أو تضييقها بغير حجة، بل بأن نقرر مثلاً -وهذا مثال- حجمها وغرضَها، فالعقوبة في شرعنا شُرعت للتخويف أكثر منها للتطبيق كما يقول الفقهاء، واعْتَبرْ ذلك برجم الزاني المُحْصن فإن هذه العقوبة لا يكاد يقع تطبيقها إلا بإرادة الزاني وذلك إذا أقرَّ، لأن الشرائط التي وُضعت لإقامة الحد عليه عسيرة التحقق ونادرة وذلك بأن يشهد على الإيلاج أربعة شهود، فالظاهر أن تخويف المحصن قصدته الشريعة بهذا التشريع قبل أي شيء. ومثله القصاص في القتلى (ولكم في القصاص حياة)، وذلك أن من يعلم أنه سيُقتل سيُخوِّفه ذلك ويكُفُّ يده فيستبقي حياته وحياة غيره، وحتى لو قتل ففي الدية أو العفو حفظٌ للنفس من غير تَجْريء، لأن العفو غير مضمون فيبقى التخويف غيرَ ممسوس.

فتبرير إسقاط التعزيرات كُلاًّ أو بعضاً لأن الدين يقوم على الوازع الديني لا السلطاني هو خلاف النصوص والقواعد، فإن من كمال الدين أنه قام على سلطانين: سلطان الحجة وسلطان القوة، ولا غنى لأحدهما عن الآخر، لهذا يقول العزيز الحكيم (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس)، فـ”الكتاب” يقوم به العلم والإيمان و”الميزان” تقوم به الحقوق المالية وشبهها، و”الحديد” تقوم به الحدود والعقوبات. فمن عَدَل عن الكتاب قُوِّم بالحديد، لهذا كان قِوام الناس بأهل الكتاب وأهل الحديد، الأمراء والعلماء. رُوي عن جابر بن عبد الله (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نضرب بهذا (يعني السيف) من عدل هذا (أي المصحف)).

ثم إن هذه التعزيرات قد عمل بها السلف وأولهم الصحابة الميامين في زمن الخلفاء ولم تزل دواوين الإسلام تتناقل مشروعية ذلك قرطاسا إلى قرطاس فهل نحن أعلم منهم بالشريعة ومجالات العقوبة وأحوالها؟

وقد أورد الشيخ البشير عصام في مناقشته الهادئة نصوص المالكية في مشروعية التعزير في جزئيتنا هذه وتتابعواْ على ذلك بلا شذوذ يُعرف، وهم أعلم بقواعدهم الخاصة مناطاً ومجالاً فقد عاشواْ ربيع تقعيدها وتنزيلها، وقبل أن يُنحت أي مذهب من المذاهب الأربعة التي لم تخل من هذا الحكم نجد التعزير على ترك صلاة الجماعة سنة همِّية للنبي صلى الله عليه وسلم، لم يمنعه من إنفاذها إلا العلة المشهورة، والصيام ركن كالصلاة فلا تهاون فيه أيضاً.

ولقد عمل بالتعزير على التفريط في الصلاة الحكام والولاة في كل بلاد الإسلام إلى عهود قريبة، وطبقواْ تلك الأحكام المبثوثة في كتب الفقه فصارت واقعاً لما اضطرواْ إليها وهم في دينونة أحسن من أوقاتنا، فهذا السلطان أبو عنان المريني حاكم المغرب في القرن الثامن يقول عنه أبو زيد الفاسي في “تاريخ بيوتات فاس” أنه كان يُنيب أبا المكارم ليحرض الناس في الأسواق على الصلاة في أوقاتها ويضرب عليها بالسياط والمقاريع.

ويذكر سحنون في “نوازله” أن عمر بن عبد العزيز يأمر إذا فرغ من صلاة الجمعة من يخرج فمن وجد لم يحضر الجمعة ربطه بعمد المسجد. وكان مالك يخالف قول عمر بن عبد العزيز بالربط في المسجد، وإنما ينبغي أن يؤدب على ذلك بالسجن أو الضرب، كما نبه عليه ابن رشد في البيان والتحصيل.

لهذا نقول إن التعزيرات على الإفطار في نهار رمضان من الأمور الشرعية التي ينبغي الحفاظ على ثباتها لأن ذلك مما جاءت به الشريعة وأجمع عليه السلف والحفاظ على ثبات الأحكام من مهام العلماء والفقهاء الذين نعتبر الشيخ منهم. وبهذا يتبين أننا حين ندافع عن وجوب تعزير المجاهر بالإفطار نهار رمضان بغير عذر لا نكون حوّلنا أو شرعنا في تحويل الشريعة في معظمها إلى قانون هو جناية على الشريعة كما يقول الشيخ، ولكن نكون حافظنا على ثبات الشريعة من تحويل لها عن حقيقتها التي طبقها السلف وهذا التحويل عن سنتهم وهديهم الموافق للنصوص هو الجناية على الشريعة حقيقة.

قول الشيخ حفظه الله “من الحالات التي أجد نفسي فيها مع هؤلاء ولو أن نيتي غير نيتهم وقصدي غير قصدهم“.

لو قال الشيخ أجد نفسي معهم وسكت لزدنا غير مترددين طرفة عين “مع أن نية الشيخ غير نيتهم…” فما علم الناس على فضيلته من سوء، إن من الأقوال والآراء ما يكون حقّاً في ذاته لكن قد يلحقه الخطأ من جهة المخاطَب به أو من جهة توقيته المكاني والزماني، فليس كل ما يُعتقد يُقال على كل حال، وهذا النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق إلا بالحق يقول لمعاذ “لا تبشرهم فيتَّكلواْ” وعند البزَّار بسند حسنه الحافظ -ابن حجر- عن أبي سعيدٍ أن النبي عليه الصلاة والسلام أذن لمُعاذٍ في التبشير فلقيه عمر فقال لا تَعْجل، ثم دخل فقال: يا نبي الله أنت أفضل رأياً، إن الناس إذا سمعواْ ذلك اتكلواْ عليها، قال فردَّه.

ومراعاةً لمآلات الفتوى ذهب بعض العلماء ومنهم النووي في مقدمة المجموع إلى جواز الافتاء بخلاف الاعتقاد تفريقاً بين العلم والدعوة ومراعاةً للأحوال، ومن صور ذلك أن يفتي من لا يرى فدية في النسك في غير المنصوص عليه بالفدية في كل محظور إذا رأى تهاون الناس و رِقّة دينهم. وقد علل ابن عباس فتواه بخلاف ما يعتقد في توبة القاتل بقوله عن السائل “إني أحسبه رجلاً مُغضباً يريد أن يقتل مؤمناً ” (كما عند ابن أبي شيبة). وقد استدلَّ النووي بقصة ابن عباس هذه بلفظ آخر على ما ذهب إليه.

وعند البخاري، أن عمر رضي الله عنه غضب في حَجته الاخيرة لقولةٍ سمعها فهمَّ أن يخطب في الناس ويقول فصلاً وهو المحَدَّثُ الذي أجرى الله الحق على لسانه فقال له عبد الرحمن بن عوف “يا أمير المؤمنين: لا تقم في مِنًى، فإن فيها الغوغاء وفيها رعاع الناس، وسوف يحملون كلامك على غير محمله، ويطيرون به في الآفاق…”.

إن هذه الآثار مع اختلاف أبوابها فالحبل الناظم لها هو مراعاة المآلات، والله يقول للصحابة: (لا تقولواْ راعِنا)، فحرص الشرع على مخالفتهم حتى في اللفظ مع أن القصد غير القصد وكذلك المعنى والمآل، أما قضيتنا فتؤول إلى توافق النتيجة بين الشيخ وبين خصومنا وخصومه وهي إلغاء العقوبة، فلا ينبغي لأصحاب الفضيلة أن يعتدواْ لأصحاب الرذيلة مُتَّكئاً أو يؤتواْ رُوَّاد الفتن سكِّيناً، بل الواجب العكس، وهو قطع الطريق عليهم وسد الذرائع دون تسلُّقهم، ورحم الله الإمام أبا المعالي الجويني حين يستبق إلى سد الباب على من يستغلون اصطلاح المصلحة لمخالفة الشرع والتوسع في السياسات، ونبه على الأمر قبل وقوعه فقال رحمه الله: “وإنما أرخيت في هذا الفصل فضل زمامي، وجاوزت حدَّ الاقتصاد في كلامي لأنني تخيلت انبثاث هذا الداء العضال في صدور الرجال” (الغياثي).

أما مسألة تدخل الحاكم في العبادات وموقف المالكية منها، فالقرافي الذي نُسب إليه تشهير القاعدة المشار إليها في كلام الشيخ هو نفسه القائل عن التعزير: “أما موجبه فهو معصية الله تعالى في حقه أو حق آدمي” وهو القائل: “وأما المستوفي للتعزير فهو الإمام”، والذي نص الفقهاء على عدم تدخل الحاكم فيه بشأن العبادات هو التعرض للفقهاء فيما يتنازعون فيه من تفاصيل الأحكام، وحتى هذه التفاصيل لو أدت إلى فتنة فقول الحاكم يرفع فيها الخلاف، ومسألة الصيام وتركه ليست من التفاصيل التي تنازعواْ عليها، فيجب تدخله فيها حماية للدين ودرءاً للفتن وقد صح عن علي رضي الله عنه أنه جلد رجلاً شرب الخمر في نهار رمضان مرتين: الأولى حدَّ الشرب، والثانية في اليوم الثاني تعزيراً على انتهاك حرمة الشهر، وهو من الخلفاء الراشدين الذين أُمرنا باتباع هديهم ولم يُنكر عليه أحد من الصحابة.

قال صاحب المنهج المنتخب وهو يذكر ما ينبغي الرجوع فيه للحاكم:

أو مـا يؤدِّي لخيانة ومــا***إلى فساد العرض أو خوف الدِّما

قال المنجور شارحا: (أي وما يؤدي إلى خوف الدماء، وهذا النوع الثالث)، وقصده بالنوع الثالث ما سبق له ذكره من كلام القرافي عما يحتاج للحاكم وهو خمسة أنواع قال (النوع الثالث: ما يؤدي أخذه للفتنة كالقصاص في النفس والأعضاء يُرفع ذلك للأئمة، لئلا يقع بسبب تناوله تمانع وقتل وفتنة أعظم من الأولى، وكذلك التعزير، وفيه أيضاً الحاجة للاجتهاد في مقداره بخلاف الحدود في الحدود). فالتعزير كالحدود لا تقيمه إلا السلطات بل هو أخصُّ بأن يكون من اختصاص القضاة لأنه موكول إلى الاجتهاد غير محدد، فلو ترك لعامة الناس لحصلت فتنة وهرج.

فقول الشيخ “المجتمع هو الذي يمنع الناس من الإفطار العلني” مخالف لكلام الفقهاء، ولست أدري أيقصد الشيخ أن المجتمع يمنع باليد والقوة وهو بعيد لأنه سيتناقض مع مبدأ أصلية الالتزام الذاتي في الدين، وسينتج عنه تناقض آخر وهو أن إلغاء قانون التجريم يعني أن الإفطار في نهار رمضان لغير عذر عمل مسموح به وهذا يتضمن تلقائياً تجريم من يعتدي على من يمارس حرية قانونية، فينقلب المجتمع من مُحَاسِب إلى مُحَاسَب. وإن كان يقصد الشيخ أن المجتمع يمنع من الإفطار بجلباب الحياء وهيبة الجو العام فهذا غير مُجْدٍ مع قومٍ لا يستحون.

فالصواب أن للحاكم التعزير على معصية الله في حقه وأن ذلك واجب عليه أن العفو الذي جاز له عند العلماء ليس تخييراً مستنداً إلى التمني، فإن الاحتساب حق للجميع ولهم المطالبة به، خصوصاً إذا أضرَّ بهم في دينهم وهو أولى بالحماية من النفس والعقل والمال والنسل، فإن الناس يخافون على أبنائهم أن ينشأواْ في مجتمع لا حرمة فيه للدين، وهذا هو المعيار الصحيح في التعزير، وهو مقدار الضرر الملموس باعتبار ترتيب ما جاء الدين لحفظه وأعلى ذلك حفظ الدين، أو حتى إذا لم نقل بأرجحية هذا الترتيب فباعتبار أن الضروريات تتداخل ولا معنى لواحدة منها دون الأخرى، فما فائدة المال والنفس إذا ضاع الدين وفسد، وبه يُعلم بُعد ما قاله الشيخ حفظه الله من أنه إذا لم ينتقل الأمر إلى أشكال الاعتداء والجناية على الناس في أبدانهم وأموالهم فيبقى الشخص موكولاً إلى حوافزه الداخلية.

ثم أُنبِّهُ إلى أن الشيخ حفظه الله لم يقل إلا ما هو منسجم مع رؤيته في موضوع الحرية فلا يعدو موقفه هذا أن يكون تخريجاً على الأصل في قضية حرية التدين، فهو لا يرى الإلزام لا بالصيام ولا بالصلاة ولا بالشهادتين لمن اختار الارتداد عن الإسلام، استدلالا بقوله تعالى: (لا إكراه في الدين) وأن الدين والإكراه لا يجتمعان، وتمشياً مع أصله حفظه الله فإنه يرى عدم مشروعية حدِّ الرِّدَّة (أنظر حد الردَّة والإشكال الأصولي للريسوني) وهو أمر أغلظ من مسألة تعزير مُفطرٍ غير جاحد بغير عذر، وورد فيه حديث صحيح لا يأخذ به الشيخ بحجة أن الآية محكمة غير منسوخة وعامة غير مخصوصة، والحديث آحاد، ولنقل كما قال الشيخ إنها محكمة عامة، لكن الصواب أن موضوعها ليس متعلقاً بالردة والخروج من الدين ولم يحملها عليه أحد من المفسرين فيما أعلم، وإنما مجالها الإكراه على الدخول في الدين لا الخروج منه، فالآية عامة لكن هناك فرق بين عموم اللفظ وبين موطن العموم.

ثم إن ترك السنن بدعوى مخالفتها لظواهر القرآن طريقة الخوارج كما قال ابن تيمية، والتزامه أن نقول بجواز الجمع بين المرأة وعمتها فإن القرآن لم يُحرم إلا الجمع بين الأختين، وحديث النهي آحاد ولا يخص قطعي الدلالة بظني الدلالة! وليس غرضي من هذه الإشارة إلا أن هناك مجالاً أولى وأوسع لمناقشة موضوع موقف الشريعة من الحريات مع الشيخ.

وتنبيه آخر لا بد منه وهو أن دفاعنا عن القانون موضوع النقاش لا يعني أننا نراه هو الجزاء الشرعي للمتداعين إلى الإفطار العلني تحدِّياً، فإن عقوبة الضرب أو الغرامة أو الحبس هي للمفطر العاصي الملتزم بالصيام اعتقاداً، أما هؤلاء فجاحدون معاندون رافضون للإسلام وأحكامه.

ودونك هذا القول الجميل ينصح به الشيخ الريسوني سدَّده الله أبناءه وقرَّاءه، اجتلبته من مقالاته في الحرية، يقول حفظه الله: “في تراثنا العلمي الإسلامي هناك شيء جميل ينبغي الانتباه إليه والاستفادة منه، وهو ما يحظى به (المتقدمون) من الاعتبار والأولوية في القضايا والأصول الدينية، فحينما يقال ذهب المتقدمون أو الأقدمون إلى كذا… وذهب المتأخرون أو بعض المتأخرين إلى كذا… فإن هذا في الغالب يعني التزكية والمصداقية للقول الأول، والتضعيف والانتقاص للقول الثاني… ولذلك يجب دائماً دائماً (هكذا مكررة) الرجوع إلى الوراء، وإلى النسخة الأولى (نسخة المتقدمين) للأخذ عنها، أو المقابلة عليها والتصحيح منها”.

فنسأل الله أن يوفقنا إلى الرجوع إلى النسخة الأولى جميعاً نسخة القرون المفضلة علماً وعملاً،

والله الهادي.

آخر اﻷخبار
5 تعليقات
  1. الحمد لله الذي سخر أناس ينهون عن المنكر وإلا عمنا الله بعذاب أليم.
    جز الله خيرا هذه الجريدة وبارك فيها

  2. لله درك شيخنا ، وفي الكلام الأخير لفتة مهمة ينبغي التنبه لها ، وهي أن مناقشة الشيخ لا بد من شموليتها وبدئها من الأساس الذي هو رأي الشيخ في قضية الحرية الدينية أساسا ….

  3. جزيت خيرا شيخنا.اساله جل في علاه ان يرزقنا واياكم النعيم المقيم الدي لا يزول ولا يحول

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M