الحكومة والأساتذة المتدربون.. من يتحمل مسؤولية العنف وانتهاك كرامة المواطن؟

15 يناير 2016 21:25
خطيب سلا.. معركة جديدة بين العلمانيين والمؤمنين؛ فكيف سيحكم الوزير التوفيق؟

ذ. إبراهيم الطالب (مدير جريدة السبيل)

هوية بريس – الجمعة 15 يناير 2016

ربط المسؤولية بالمحاسبة المفضية إلى العقوبة في حالة ثبوت المخالفة والتقصير، شعار يبقى مستعصيا على استفحال الفساد والارتجال في العمل، مثله مثل الشعارات الأخرى التي يزايد بها السياسيون على بعضهم البعض، في ساحة الشأن العام الذي يبقى في ظل الانتهازية والتحكم، منضبطا وفق الشريعة التي تفرضها حماية مصالح الفئة النافذة المستقوية بالمال والسلطة، لا ما يفرضه القانون والشريعة والأعراف الصالحة.

ولعل ما شهده ملف الأساتذة المتدربين، والطريقة المرتجلة في تدبيره، والعنف الدموي الذي تم التعامل به مع رجال التعليم، يبقى من المؤشرات التي تدل على بعد شأننا العام عن دولة الحق والقانون، التي من أهم وظائفها حماية أمن المغاربة بالتوازي مع حفظ كرامتهم، إذ لا يمكن أن يقبل في دولة تحترم أفراد شعبها، أن تنتهك حقوقهم وتمس كرامتهم بدعوى واجب الحفاظ على الأمن العام.

صحيح أن الأمن في ظل الانفلاتات التي قد تعرفها مظاهرات مثل مظاهرة الأساتذة، يبقى مطلبا وواجبا على مسؤولي الأمن أداؤه، لكن بالمقابل كرامة المواطن بَلْه أستاذِ الغد القريب، هي الأخرى يجب أن تكون مكفولة ومصونة عن أي انتهاك أو مساس.

ألم يكن من الممكن أن يكتفى بالحواجز الحديدية لتأطير مسار المسيرة؟

ولِمَ لم نر خراطيم المياه كما نراها في فض المسيرات عند الدول التي تحترم كرامة مواطنيها، أم أن مصالح الأمن لا تتعدى تجهيزاتها الهراوات والأصفاد؟

ثم بعد تصريح وزير الداخلية بإجراء تحقيقات في أحداث العنف ضد الأساتذة، هل سنرى فعلا تحقيقات تنتهي بتحديد من المسؤول عنها، ومن أعطى الأمر باستعمال القوة ضد المتظاهرين، وهل ستكون تحقيقات تفضي إلى محاكمة المخالفين؟ أم إنها سيلفها كفن النسيان لتودع في مقابر الأرشيفات الإدارية، كنظيراتها من التحقيقات والمحاضر التي تصطدم بصخرة السلطة والتحكم وحماية المخالفين؟

لقد صرح وزير الداخلية أن تدبير ملف المظاهرة المعلومة كانت كل إجراءاته تتم بالتنسيق مع رئيس الحكومة، الأمر الذي جعل أصحاب المزايدات السياسية من خصوم حزب العدالة والتنمية يحملون المسؤولية لرئيس الحكومة، رغما أن الجميع يعلم أن وزارة الداخلية هي وزارة سيادية لا تربطها بالحكومة سوى لوازم الضرورة وطاولات مجلس الحكومة.

فهل سيذهب حق من شجت رؤوسهم سدى، ويضيع بين دروب التركيبة الهجينة لحكومة الاستثناء المغربي؟

إننا ونحن نطالب بحماية حقوق وكرامة المغاربة، لا نزكي مخالفة القوانين المنظمة لحق التظاهر، ولا نقر كثيرا مما يشوب هذه المظاهرات من مخالفات، لكن ما رأيناه من مناظر وإن حاول بعض المسؤولين نفي أغلبها، يدل على أن مسيرة تنظيف مصالح أمننا من هكذا سلوكيات، لا زالت في بدايتها، رغم كل المجهودات المبذولة والتي نقرها ونعترف بها.

ثم قبل هذا كله، ألم يكن لدى الوزارة الوصية حل لملف الأساتذة المتدربين بدل أن تكتفي، بضرب وجوه 10 آلاف مغربي منهم بمرسومين سياديين تضع مصير 3 آلاف منهم في دائرة الاستغلال الذي يمارسه أرباب المدارس الخاصة في حق الأساتذة، علما أن هناك خصاص فظيع في الأطر التربوية، مما ينتج ظاهرة الاكتظاظ الذي يعتبر من أهم أسباب فشل التعليم ببلدنا.

ولماذا جمع من يدبر هذا الشأن لهؤلاء المساكين بين “الخسارة والرزية” كما يقول المغاربة؟

ثم نتساءل بعد هذا كله، كيف سيتعامل هؤلاء الأساتذة الذين مُرّغت كرامتهم بالوحل ممزوجا بدمائهم مع أبنائنا التلاميذ؟

كيف سيقومون بواجب التعليم والتربية وقد استهلوا مشوارهم المهني بالمظاهرات والعنف والخوف والمصير المجهول؟

وكيف يمكن لملف اكتنفه كل هذا الارتجال والعنف أن يجد طريقه إلى الحل خصوصا في ظل المكابرة والعزوف عن نهج سبيل الحوار من طرف المسؤولين على القطاع؟

هل كان السيد بنكيران محتاجا إلى ملف ملغوم مثل هذا ليختم به ولايته، خصوصا بَعد أن اتخذ بُعدا شعبيا، ودخلت فيه النقابات والمنظمات الحقوقية وشبيبات الأحزاب ورموز السياسة، وأصبح موضوعا للمزايدات والمهاترات السياسية؟

ألم يكن من المتيسر أن يمهد الساهرون على القطاع لمثل هذا التدبير بمرحلة انتقالية؟ خصوصا وأن المرسومين جاءا قُبيل بداية سنة التدريب حيث تمت المصادقة عليهما من طرف مجلس الحكومة خلال اجتماعه الأسبوعي المنعقد يوم الخميس 23 يوليوز 2015، وربما لم يسمع كثير من الطلبة الذين راهنوا على مباراة ولوج مراكز التكوين بصدورهما، علما أن نشرهما في الجريدة الرسمية لم يتم إلا بعد بداية السنة الدراسية الحالية.

فهل من الحكمة في ظل استفحال البطالة بين حاملي الشهادات الجامعية، أن يتم اللجوء بهذا الارتجال إلى فصل التكوين عن التوظيف وخصم النصف من منحة هي في الأصل غير كافية لمتطلبات الأساتذة المتدربين والذين غالبيتهم من الغرباء عن المدن التي يتواجد بها مراكز التكوين؟

إن معضلة إفلاس التعليم لن تزيدها مثل هذه المراسيم المرتجلة إلا استفحالا، ولا يمكن أن تعالج إلا بمقاربة شمولية متجانسة، ولا يمكن أن تأخذ طريقها إلى التطبيق إلا بتعاون وتضحية رجال التعليم، ومنهم هؤلاء الآلاف من الأساتذة المتدربين الذين آثرت حكومة السيد بنكيران أن تتعامل معهم بلغة الهراوات والأبواب الموصدة، والتعنت الذي لن يخدم بالتأكيد المصالح الانتخابية لمَن يعقد المغاربة عليهم أمل الإصلاح ومحاربة الفساد.

وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

[email protected]

آخر اﻷخبار
2 تعليقان
  1. أعجبني المقال حتى وصلت لـ : بمقاربة شمولية متجانسة ،. مبقيت فهمت والو فيما جاء بعدها … حتى وصلت لخير الهدي عاد فقت

  2. السلام عليكم
    أشكركم أستاذي الفاضل على هذا المقال ولكن هناك أشياء تحصل من داخل المراكز الجهوية ومن داخل التنسيقية الوطنية للأساتذة المتدربين
    كوني أستاذ متدرب كنا على علم بالمرسومين قبل اجتياز المباراة
    بمعنى آخر نحن انتهازيين استغلنا الثغرة التي حصلت بخصوص نشر المرسوم الثاني المتعلق بفصل التكوين عن التوظيف الذي تأخر ولم ينشر في الجريدة الرسمية إلا بعد ولوجنا للمراكز والتحاقنا بالتكوين.وكان علينا مراسلة الوزارة الوصية ببلاغ نلتمس فيه الحوار حول أضرار المرسومين وتبعاته كما جاء في مقالكم القيم…

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M