الخروج عن القانون

10 مارس 2019 19:42

هوية بريس – الذاكر رشيد
إنها فلسفة قرآنية رائعة، عندما يتحدث كتاب الله عن استشراء الفساد واستمرائه حتى يصير عادة متحكمة، يكبر على الناس تركها أو التخلي عنها، لدرجةٍ يصل بهم الحال إلى اعتبار التارك لها مخالفا للقانون العام، رغم كون ذلك القانون: هو عنوان الفساد والظلم والعتو في الأرض، هذا مجرد الترك وعدم المواقعة، فكيف يكون حال من يجابه هذا القانون بالنكير ويعلو صوته بالتشديد على محاربته؟ ووضرورة تغيره؟
ولنضرب على ذلك مثالا واحد من القرآن الكريم: فقد ذكر الله تعالى: قصة قوم لوط وكيف سرت فيهم فاحشة إتيان الرجال: إلى درجة أن أصبح عادة كريمة في نظرهم – الأخلاق نتاج اجتماعي هكذا زعموا- قال الله تعالى على لسان لوط عليه السلام واصفا حال قومه: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} فهناك إذن وصف لفاحشة غير مسبوقة: وهي إتيان الرجال – الشذوذ الجنسي- وقطع السبيل، وإتيان المنكر في الاجتماعات والأندية، كل هذه الأعمال في التصور العام أصبحت قانون واجب الرعاية والاحترام وإن عُلمت نكارته، لكنه هكذا القانون، فلما قارعهم لوط عليه السلام بمنهج التغير والاصلاح، {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } فلوط عليه السلام وفي إطار منهجه في الاصلاح: نبه القوم: أن قضية الفساد مرتبطة بأمرين اثنين الأول: اتباع الشهوات، والثاني: الجهل، فأوضح لهم عليه السلام مسلك الحكم الذي غيروا به قضية إجرامية حتى جعلوها قانونا واجب الاتباع والاحترام وهي الجهل بمسالك التفرقة بين الخير الشر، لأن من لم يعرف هذا قد يظن الخير شرا والشر خيرا، إذن لابد في الحكم على الشيء صلاحا أو فساد من علم منير، ولابد من التحكم إلى العقول بدل الشهوات، وهذه قضية كبرى في الإصلاح وإشكال خطير في حياة الناس وخاصة في زماننا هذا وهي فلسفلة التمييز بين حكم العقل وحكم الهوي فالسائر على نهج الفساد يخيل إليه أنه ملصح {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ } وقد تنبه إلى هذه القضية المشكلة الراغب الأصبهاني (502هـ) في كتاب الذريعة إلى مكارم الشريعة، فعقد بابا في منازعة العقل للهوى، وأنه قد يلتبس على الإنسان التمييز بينهما، وعليه وجب الرجوع إلى الأصل الأول: وهو العلم.
ولما سلك لوط عليه السلام هذا المسلك: أعني التقرير العلمي، والتميز بين العقل والهوى في الحكم على صلاح الفعل أو فساده، كان رد الجهة السياسية الراعية للقانون العام في البلاد: أن وجهت له عليه السلام أصابع الاتهام بمخالفة القانون بدل أن تنزل معه إلى مناقشة صلاح السلوك من فساده، فكان الحكم السياسي على نوعين: الأول: استعمال أسلوب التحذير من مخالفة القانوون العام {قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ} [الشعراء: 167] والثاني: النفي والإبعاد حفاظا على المصلحة العامة ومراعاة للأمن والاستقرار {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [النمل: 56].
لو تأملت أيها القارى الكريم في هذا المثل وحده ومثله العشرات في القرآن العظيم، ثم قمت بفهم صورة واقعك السياسي المعيش في عصرك الواحد والعشرين، لوجدت عين الصور وإن اختلفت الأساليب، فهكذا يكون الحال والمصير، عندما يعم الفساد حتى يتصوره المستفيد عين الصلاح، ولأن الحياة لا تخلو كما تشهد وقائع التاريخ من رجال الاصلاح في كل زمان ومكان رغم اختلاف العدد ووالمدد، فإنه عندما يقوم المنادي – فردا أو جماعة- بضرورة اصلاح سلوك معين أخلاقي أو اقتصادي أو إجتماعي، وخاصة إذا نحى نحو الصبغة السياسية فإن جبهة الإنقاد السياسي ستعلن بلا هوادة الحرب اتجاهه – قد تختلف أساليبها ولكنها تبقى حربا- بدعوى أنه خلاف السائد وخلاف ما جرى به العمل وأستقر عليه اختيار الناس، وعليه فمحاولة أصلاحه: هي نسخ أو مسخ ما اتفق عليه من القانون العام، والعقل مع من فعل مثل هذا يستحق العقوبة، وقد كان الواجب الرجوع إلى روح الحوار والاقناع، ولكنهم على دراية من خطورة الحوار مع عقلاء المصلحين، لأن فطنتهم وذكائهم قد يجرهم إلى الاقناع سواء لهم أو لغيرهم: ولذلك لابد من حسم مادة الفساد – الاصلاح – وقطعها من جذورها حماية للقانون العام.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M