الخطوة التالية؟

30 مايو 2017 15:25
الدعوة بإضحاك الناس، رضوان بن عبد السلام نموذجا

حامد الإدريسي – هوية بريس

في خضم الأحداث تغيب الخطوة التالية، لا أحد يحب أن يفكر فيها، ولا أحد يريد أن يجيب عن هذا السؤال : وماذا بعد؟
الشعب المستضعف ليس له من وسيلة أمام جلاده إلا أن يصرخ ويندد، وهذا الجلاد ليس من السهل أن يسمح بتمريغ كرامته في الأرض، وبين طغيان هذا وآلام هذا تشتعل النار وتزيد، فهذا يقول سوف يستسلم المستبد، وهذا يقول سوف يستسلم الشعب، ووسط هذا التحدي والعناد تحدث أحداث مفاجئة تنقل المسألة إلى دائرة خارجة عن السيطرة، ويصبح ذلك الحراك الضخم كرة من الجليد لا يملك أحد إيقافها ولا حتى أصحاب الحراك نفسه، وهنا وسط الزحام تتخدل الأيادي الخفية التي لا تنشط إلا في مثل تلك الأوقات، سماسرة لا يعملون إلا في هذه الأسواق.
الحراك في طبيعته تحكمه عاطفة جياشة تربط بين عناصره وتوحد رؤيتهم، التحكم في هذه العاطفة وتوجيهها أمر سهل على شاب مثل ناصر الزفزافي وكاتبة مثل مايسة سلامة ولكن لو سألت أحدهما هذا السؤال : وماذا بعد؟ لن تجد لديهم جوابا، إلا أن يعيدوا سرد آلام المستضعفين التي هي المضمون الوحيد الذي يتولى تأطير المشهد فكريا ونفسيا.
مشكلة الحراك أنه يتحول فجأة إلى ثورة، وقد بدأ فعلا يتحول إلى ثورة، وأما مشكلة الدولة فهي أنها تعاني من عقدة العظمة التي تُعميها عن رؤية الخطر قبل حدوثه، نعم ثمة داخل طوابير الدولة عقول صغيرة في هذا الجسم الكبير تدرك الخطر لكنهم لا يستطيعون أن يسيطروا على الروح العامة التي تسيطر على فكر الدولة وهي ما يمكن أن نعبر عنه بعقلية “طحن مو” هذه العقلية التي تفرض نفسها على موظفي الدولة وتجعل من يريد أن يتكلم بينهم بلغة العقل والمنطق يحس بنفس الشعور الذي أحس به الآن حين أريد أن أخاطب الجماهير بالتعقل، نعم إنها الروح التي تُخلق في كل تجمع، فللدولة روح “طحن مو” وللجمهور روح “مال مهم” إن صح التعبير، أي الشعور بتلك القوة الخارقة التي تحول الفرد الجبان إلى بطل صنديد ، وهي روح الجمهور التي تكلم عنها غوستاف لوبون في كتابه “سيكولوجية الجماهير”.
والسؤال الآن من هو الذي ينبغي له أن يتعقل؟ هل الدولة التي هي صاحبة النظام والحكم والتي أكلت أموال هؤلاء المستضعفين؟ أم المستضعف المسكين المقهور، الذي أخرجته الحاجة ودفعه الجوع إلى الاحتجاج بعد أن استوى عنده الربح والخسارة؟
من الصعب الإجابة عن هذا السؤال، لأن كلا الطرفين يخشى من إظهار تعقله للآخر، كي لا يفهم على أنه استسلام، وفي انتظار أن يستسلم أحد الطرفين تخرج الأمور عن السيطرة بحادث قد لا يكون مفتعلا في كثير من الأحيان، وهناك يصبح كلا الطرفين متفرجا، ومنساقا وراء ردود أفعال لا بد أن يستجيب لها…
ولذلك فإن على الطرفين أن يجدا في داخلهما من يطالب بالتعقل.
الخطوة التالية تستدعي تدبيرا مسبقا، وهذا ما تفتقده الشعوب الغاضبة والجموع الملتهبة، إنها لا تستطيع أن تفكر، وهذه إحدى الخصائص التي أثبتها غوستاف لوبون حين قال: الجماهير لاتفكر، وبالتالي فإن صاحب الخطة التالية هو دائما ما يكون خارج الجمهور، وغالبا ما يكون خارج البلاد، بل غالبا ما يكون من المحترفين في التخطيط للمرحلة التالية، هذه الجهات قد فكرت وجهزت ورتبت كيف تستفيد من انفلات الوضع في المغرب، وقد أجابت عن هذا السؤال وجهزت سيناريوهات الخطة التالية فيما لو اشتعلت النار فعلا بين الفريقين.
الدولة اليوم بحاجة إلى التعقل والاستجابة لمطالب المحتجين، ولكنها تخشى من أن يفهم ذلك انهزاما فيؤلب الآخرين على المطالبة بمثل هذه الحقوق، وخصوصا أنها تعلم مدى ظلمها وتقصيرها في حق شعبها، لذلك فإن خوفها الشديد يبرر لها ما تقوم به من قمع وعدوان، ولسان حالها يقول: لو أعطيناهم ما يريدون فسيقوم المغرب كله يطالب بحقه، فينبغي للحراك أن يقدم حلولا تحافظ للدولة على كرامتها، إن حال الدولة اليوم كمن يقول: طلق ونطلق، لأنه يحس بألم تلك الخنقة التي خُنقها، لكن كرامته لا تسمح له أن يطلق أولا.
وفي انتظار من يطلق أولا: هاهي النار تستعر أمام أعيننا ، وها هو شعبنا قد انقسم إلى قسمين، ولم يبق على ساعة الصفر إلا وقوع قطرات من الدماء الزكية على سطح الأرض، لتخلق شهداء الحراك وتهب ريال الانتقام التي لا تبقي ولا تذر.
نسأل الله اللطف والعافية. آمين.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M