الذكرى الرابعة لمذبحة رابعة.. الألم والأمل!!

20 أغسطس 2017 00:22
الذكرة الرابعة لمذبحة رابعة.. الألم والأمل!!

هوية بريس – إبراهيم عبد الله صرصور*

لم تكن مذبحة رابعة العدوية والنهضة التي نفذها السيسي ضد رافضي الانقلاب العسكري في مصر من كل التيارات الثورية في الشعب المصري وفي قلبهم الاخوان المسلمين، مذبحةَ العصر وحسب، بل كانت التجسيد الابشع والاعنف للصراع بين أنظمة الاستبداد والفساد التي حكمت الامة العربية منذ الاستقلال، فتركت البلاد العربية خرابا ينعق فيها البوم ويصيح فيها الغراب دكتاتوريةً وظلما وتخلفا وتمزقا وهزائما وانحطاطا وفقرا وجهلا وشللا وإحباطا، وبين القوى الحية التي تسعى بكل إصرار وثبات لتحقيق النهضة المطلوبة في اكثر معانيها عمقا واتساعا ديموقراطيةً وحريةً وعدالةً وتنميةً ومساواةً وعزةً ووحدةً وانتصارا وأملا.

اللافت للانتباه في المشهد المبكي لمشهد المذبحة أن اوساطا وتيارات محسوبة على الليبرالية والعلمانية والحداثوية والقوى المدنية من الذين كانوا شركاء في الثورة على النظام المصري القديم، سرعان ما انقلبوا على شركائهم لمجرد ان الجولات الانتخابية التي تلت نجاح الثورة في مصر دفعت بسواهم وبالذات الاخوان المسلمين الى منصة الحكم على المستويين البرلماني والرئاسي، إضافة الى مصادقة الشعب على الدستور الجديد الذي صُنِع على عين هيئة دستورية ما عرفت مصر مثيلا لها في تاريخها خبرة ونزاهة وموضوعية وحيادية وتغليبا للمصلحة الوطنية العليا على كل المصالح الاخرى..

انتظمت هذه القوى في إطار ما سمي في حينه ب – (جبهة الإنقاذ ” الخراب” الوطني) والتي تشكلت في 22 تشرين ثاني/نوفمبر 2012، جمعت في صفوفها خمسة وثلاثين حزبا سياسيا وحركة سياسية وثورية وجميعها ذات أيدولوجيات ليبرالية ويسارية، من ابرز شخصياتها محمد البرادعي وحمدين صباحي وعمرو موسى وعمرو حمزاوي ومحمد أبو الغار وأسامة الغزالي حرب وجورج اسحق وغيرهم.  قادت هذه الجبهة مدفوعة بأحقاد دفينة وإحباطات عاصفة لفشلهم في اكثر من استحقاق انتخابي، أسوأ ثورة مضادة في مصر مهدت للانقلاب العسكري الدموي الذي امتطى ظهرها حتى إذا وصل إلى أهدافه انقلب بدوره عليها ونفاها الى صحراء السياسة، فتبخرت قياداتها وكوادرها التي ملأت شوارع مصر صخبا وتخريبا وقتلا وسحلا وتدميرا لمؤسسات الدولة وتقويضا لأسسها المدنية على مدى العام اليتيم الذي (حكم!!) فيه الدكتور محمد مرسي كرئيس،  فلا تحس من هذه المعارضة الكرتونية من احد او تسمع لهم رِكْزا.

تحالُفُ أكثر القوى والحركات والأحزاب الليبرالية والأخرى الاسلاموية (النور والسلفيين) مع العسكر، ودعمهم العلني لحراك الثلاثين من حزيران/يونيو، وانقلاب الثالث من تموز/يوليو العسكري ضد اول تجربة ديموقراطية حقيقية في مصر بعد قرون من الملكية وعقود من الدكتاتورية، أثبت بما لا يدع مجالا للشك خيانتهم لمبادئ وقيم الليبرالية من جهة، وسقوطهم الأخلاقي في معركة الحرية والديموقراطية، وانحيازهم للانقلاب العسكري الدموي الذي أعاد مصر لأكثر عهودها سوادا وإجراما، وتقديمهم مستقبل مصر واجيالها القادمة قربانا على صخرة ثاراتهم القديمة من التيار الإسلامي.

يظهر هنا الفرق الواضح بين سلوك المعارضة اللبرالية والعلمانية التركية في مواجهة الانقلاب العسكري الفاشل بتاريخ 15 تموز/يوليو 2016، وبين مثيلتها المصرية في سلوكها تجاه الانقلاب العسكري في  3  تموز/يوليو 2013 ..

استوعبت المعارضة التركية دروس الماضي ووصلت الى قناعة ان مستقبل تركيا مرتبط أساسا في إقامة نظام ديموقراطي متطور وحقيقي يضمن ويتيح لجميع القوى السياسية والايدولوجية الفرصة المتساوية لممارسة حياة سياسية ترتكز أساسا الى طروحات الأحزاب وإرادة الشعب صاحب الحق الوحيد في تحديد من يحكمه وشكل الحكم الذي يرتضيه لنفسه. لذلك لم يكن غريبا ان تقف المعارضة التركية ضد الانقلاب لا دعما لحزب العدالة والتنمية ولكن دعما للشعب التركي وحقه في العيش حرا بعيدا عن تجربة الانقلابات العسكرية المرة.

المعارضة المصرية في المقابل فشلت في هذا الامتحان الدقيق والحساس، فبدل ان تقف في مواجهة الانقلاب العسكري الذي خبرته على مدى 60 عاما، ووقفت على نتائجه الكارثية والتي بسببها شاركت في ثورة 25 كانون ثاني/يناير 2011، خدمة للتجربة الديموقراطية الوليدة، انحازت  المعارضة الى الانقلاب وتسببت في اكبر كارثة سياسية ستعاني منها الأجيال القادمة إذا لم تتدارك قوى التغيير الثورية المصرية كلها الامر وتنهض لاستكمال الثورة وهزيمة الانقلاب مهما كلفها ذلك من ثمن. لم تستوعب المعارضة المصرية لأسباب انتهازية مصلحية وانانية قصيرة المدى أن الضمان الوحيد لنهضة مصر يكمن في تمكين الديموقراطية وبناء مؤسساتها وتعزيز قيم الحرية والتعددية وتداول السلطة السلمي على قاعدة الشعب كمصدر للسلطات وصندوق الاقتراع كَحَكَمٍ وحيدٍ لفض المنافسات السياسية، ورفض الانقلابات العسكرية ناهيك عن ان يكون للعسكر أي دور في الحياة السياسية او الاقتصادية.

لم تستوعب المعارضة المصرية كمثيلتها التركية أيضا أن حقدها و/او تحاملها وكراهيتها للتيار الإسلامي لا يمكن ان يبرر دعهما للانقلابات العسكرية وتضحيتها بإرادة الشعب، فتكون بذلك كمن يجدع انفه بيده. دعم الحياة الديموقراطية وتحسين أداء الأحزاب وتطوير طروحاتها وبرامجها السياسية لكسب ثقة الشعب، وليس الانقلابات العسكرية، هو الطريق الوحيد لبناء دولة مدنية حديثة نامية ومتطورة وقوية.

تطورات الاحداث بعد الانقلاب العسكري في مصر انتهاء بمجزرة رابعة والنهضة اثبتت مسألتين اثنتين. الأولى، ان الصراع في الدول العربية ليس بين الإسلاميين واللبراليين العلمانيين، وإنما هو بين القوى التي تؤمن بالديموقراطية الحقيقية إسلامية كانت او ليبرالية، وبين قوى الظلام والدكتاتورية والاستبداد والاستئصال سواء كانت اسلاموية او ليبرالية. المسالة الثانية، أن الإسلاميين وعلى رأسهم حركة الاخوان المسلمين ومعهم بعض القوى الليبرالية هم الوحيدون على الساحة العربية الذين يؤمنون حقا وحقيقة بالديموقراطية وتداول السلطة السلمي عبر صناديق الاقتراع، بينما اثبت غيرهم من القوى العلمانية انها ليست اكثر من كذبة كبرى تتاجر بالقيم الديموقراطية بقدر ما تخدم مصالحها، والا انحازت الى العسكر وانطوت تحت جناحه ورضيت ان تكون تحت حذائه الثقيل، واكتفت منه بما يتساقط من موائده من فتات لا يسمن ولا يغني من جوع.

كشفت مذبحة رابعة والنهضة وما تلاها من احداث وانتهاكات وحشية ارتكبها الانقلاب العسكري وطالت كل شيء في مصر والعالم العربية والتي انتهت بمحاصرة قطر، أن مؤامرةً حيكت ضد الربيع العربي استهدفت إنجازاته، لكنها فوق ذلك كله استهدفت اول ما استهدفت قوة المعارضة الأولى وعمودها الفقري في الوطن العربي والاسلامي وهي جماعة الاخوان المسلمين.

ولنا ان نسأل هنا: لماذا هذا الاستهداف للإخوان المسلمين بالذات دون غيرها او اكثر من غيرها؟  قبل الإجابة على السؤال يجب التنويه انه ومنذ ان أقام الامام الشهيد حسن البنا – رحمه الله – حركة الاخوان المسلمين في العام 1928 وحتى الآن، كانت الجماعة هدفا لكل الأنظمة العربية بتفاوت بسيط، وخصوصا الأنظمة المتعاقبة في مصر ابتداء من الملكية مرورا بأنظمة عبدالناصر والسادات ومبارك، وانتهاء بانقلاب السيسي الذي تفوق على سابقيه دموية ووحشية وجبروتا وظلما، وإضافة إلى أنظمة السعودية والامارات والبحرين وغيرها.

لماذا تدفع دول الخليج المليارات من اجل إزاحة الاخوان في مصر واليمن وسوريا وليبيا وتونس وتركيا وغيرها؟ ما هي نتائج هذه الحرب الفعلية، وأي مصلحة جنت هذه الدول من هذه الحرب؟ والاهم من ذلك، ما مصلحة القوى الليبرالية والعلمانية من دعم هذه الحرب وما مصلحتهم في ذلك كله؟  ما السر في لقاء هذه الدول مع “داعش” في حربها على الاخوان، حيث خصص تنظيم داعش خمسا وعشرين صفحة من مجلة “دابق” التي تنطق باسمه، وتعبر عن مواقفه، للتنديد بجماعة الإخوان المسلمين، وتكفيرها. في توصيف لـ”دين الإخوان المسلمين” على أنه مزيج من تعاليم وطقوس الديمقراطية والليبرالية واللاعنفية والاشتراكية “المستوردة من المشركين في الغرب والشرق”، قالت داعش عن الإخوان: “خلال العقود القليلة الماضية، ظهر سرطان مدمر أخذ في التكاثر والانتشار سعيا منه لإغراق الأمة بأسرها في الكفر.”؟!!

يحاربهم العرب والعجم والغلاة المتأسلمون كداعش وحزب النور وعلماء الوهابية وعلماء السلاطين والمؤسسات الدينية الرسمية وزعماؤها ك”بابا!!” الازهر و “شيخ !!” الكنيسة المرقسية  وغيرهم، لأنهم ببساطة قوة المعارضة الوحيدة تقريبا التي ترفض الانحناء لاحد الا لله سبحانه،  ولا تساوم على مبادئها ولا تتهاون في اعلان رفضها الصريح لكل الوان وأشكال الظلم والاستبداد والفساد من جهة، وترفض استعمال العنف وتصر على السلمية طريقا وحيدا للوصول الى الأهداف السامية في انقاذ الامة مهما كلفنا ذلك من ثمن من جهة ثانية، ولأنهم أيضا عنوان الامة وأمل شعوبها التي تعطيهم صوتها راضية مطمئنة عند اول عملية انتخابية حقيقية من جهة ثالثة ، ولأنهم يحملون فكرا وسطيا يأخذ من نبع النبوة الصافي ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين من جهة رابعة  ..

لهذه الأسباب وغيرها  سيظل الاخوان المسلمون رقما صعبا تفنى الأنظمة ويزول الحكام وحلفاؤهم من الليبراليين الاستئصاليين والانتهازيين من طريقهم، ويبقى الاخوان المسلمون .. وكأن ما قال الشاعر لم يقله الا فيهم :

هنا .. على صدوركم , باقون كالجدار

نجوع .. نعرى .. نتحدى

ننشد الأشعار

ونملأ الشوارع الغضاب بالمظاهرات

ونملأ السجون كبرياء

ونصنع الأطفال .. جيلا ثائرا .. وراء جيل

كأننا عشرون مستحيل ..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*** الرئيس السابق للحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M