الروهينغا.. شعب أسير وواقع مرير

19 سبتمبر 2017 16:05
غوتيريش "قلق للغاية" إزاء اكتشاف 5 مقابر جماعية للروهنغيا في ميانمار

هوية بريس – محمد أجغوغ

ـ لعله إذا وقفنا وتقفينا آثار ما تعيشه الأقليات الإسلامية في الدول الآسيوية أو في افريقيا، لاحتجنا الى كتب ومجلدات عديدة لنقف على ما تعانيه هذه الأقليات من مصائب واهوال تقشعر لهولها الأبدان.. وتصطك لبشاعتها الأسنان من هول هذه الجرائم الوحشية التي يعانيها المسلمون هناك، تكشف مدى نفاق النظام العالمي واهتزاز المنظومة الليبرالية التي طالما تغنى العالم بحضارتها وقيمها الإنسانية، خاصة فيما يتعلق بـ(حقوق الأقليات) التي عادة ما يستغلها النظام الدولي كذريعة لممارسة الضغوط على الدول بهدف التدخل في شؤونها، ولكن حين يتعلق الأمر بالأقليات (الإسلامية)، فتقلب عندها الحقائق، وتنصب حينها أعواد المشانق،  وتسل فيها السكاكين والسيوف وأعتى وأشد أنواع الأسلحة حتى تلك المحرمة دوليا، حينها تظهر ازدواجية المعايير لدى المجتمع الدولي.

– والآن ورغم كل ما تطالعنا به وسائل الإعلام بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي التي ساهمت بشكل كبير في إيصال الصور المروعة عن مذابح ومجازر وأهوال ضد الأقليات الإسلامية الآسيوية على وجه الخصوص، والتي صارت عند عجائز البوادي من المسلمات، سيتبين لنا كم أن المسلمين في (بورما)، هذا الشعب الذي يذبح في صمت منذ نصف قرن، شعب يئن وسط هالة من الوحوش البشرية التي تحيط به، وتاريخه مليء بالأشواك والجثث والعرق والدموع، رغم وصول قضيته الى المجتمع الدولي والى الأمم المتحدة منذ السبعينات، فلم نرى سوى التجاهل المطبق من قبل هذه الأخيرة والاكتفاء فقط بإصدار البيانات والتقارير والتوصيات وسط حلقة مفرغة، ضاربين بعرض الحائط الاتفاقيات الدولية ومواثيق حقوق الإنسان، ولم نرى صدور المحكمة الجنائية الدولية لأي مذكرة قبض بحق المسؤولين البوذيين في ميانمار أو تصنيف الجماعات البوذية الإرهابية على قائمة الإرهاب رغم أن الجرائم تصل الى مرتبة الإبادة الجماعية بخلاف ما حدث سنة 2009 حين أصدرت المحكمة الجنائية أمرا باعتقال الرئيس السوداني عمر حسن البشير.

– ومع ذلك فإنهم يذرفون الدموع في حال إذا ما وقع حادث في باريس أو مدريد، ولكنهم يذرفون الدماء في مالي وفلسطين وكشمير وتركستان وبورما والقوقاز وغيرها وسط صمت دولي مطبق.

ـ فليسمع هؤلاء الذين يتغنون بالحضارة الليبرالية والقيم التي جاءت بها هذه الحضارة، في ظل نظام القطبية الأحادية وحقوق الأقليات التي طالما صدعوا رؤوسنا بها، وما يجري للأقليات الإسلامية المستضعفة خاصة في الدول الآسيوية، وسنبدأ بقضية المسلمين الروهينغا في (ميانمار) هذه القضية التي أثارت الرأي العام الدولي منذ أربع سنوات بعد تسريب صور وفيديوهات ومجازر يتقزز من رؤيتها الإنسان، صور تدل على مدى العمق النفسي الحاقد لهؤلاء، ليتبين لنا لأي صنف ينتمي هؤلاء البشر، (البوذيون) وإرهابهم يطال جميع الفئات العمرية بما فيهم الأطفال ذكورا وإناثا، والشيوخ وسط ترحيب دولي، ولا عجب في ذلك ما دام الرئيس الامريكي السابق باراك أوباما أثنى على الرئيس الميانماري وجهوده في بناء الديمقراطية، ولست أدري عن أي ديمقراطية يتحدث، الديمقراطية التي تحرق في ظلها الأشلاء وتداس تحتها الجماجم.

ولم نكن ندري أن هذا الشعب يتوجع في صمت لأكثر من ستين سنة، منذ سنة 1942، تمر عليه الساعة وكأنها دهر، حياة أهله دم ونار، يقاسي مرارة الذل والهوان..

– أجرت صحيفة (الفتح) العدد السابع يوم 15 أبريل 1992، حوارا مع محمد إقبال عضو (جبهة مسلمي الروهينغا) وهي المنظمة الوحيدة الممثلة لمسلمي الروهينغا، ومما جاء في نص الحوار نأخذ مقتطفات منه: ( عدد المسلمين في بورما ستة ملايين نسمة، وفي أراكان يوجد ثلاثة ملايين نسمة) ويضيف: (لقد منع شعبنا من حرية العبادة وحرية التنقل، كما مورست ضدنا أبشع أنواع الاضطهاد، علاوة على تدمير البيوت والمساجد…يواجه شعبنا اعتقالات مستمرة، وقد اعتقل من أبناء شعبنا خلال أسبوع واحد أكثر من عشرين ألف شخص، وكمثال فقد قتل يوم الجمعة 24.1.1991،  مائة شخص على يد الجيش البورمي، ويستمر القتل كل يوم.. ويضيف: (لقد حاولنا جهدنا إطلاع المسلمين على قضيتنا، وشاركنا في مؤتمر جدة سنة 1982، وفي عام 1986 شاركت في مؤتمر إسلامي، وشرحنا مشكلاتنا للرئيس ضياء الحق (الرئيس الباكستاني) ولكنا لم نجد آذانا صاغية… ولكن حكومة بورما لم تصبر حيث واصلت إجراءاتها التعسفية ضد أبناء شعبنا). انتهى

وبعد أن قمنا بأخذ عينة عما يجري للمسلمين في بورما لسنوات خلت والمذابح الممنهجة التي نظمت لهم، ولم تحظى بورما رغم ذلك لا بالاهتمام الدولي والإقليمي نظرا لأنها منطقة معزولة جغرافيا ولا تتوافر على أي ثروات طبيعية كالبترول والغاز يجعلها في مصاف المستهدفة دوليا، باستثناء ما قامت به بعض الهيئات الإغاثية الإسلامية التي دخلت الى بورما ووقفت على أحوال (الروهينغا) وما يلاقونه هناك.

ولننتقل الآن الى كتاب (المسلمون في بورما.. التاريخ والتحديات) العدد 115 سنة 1991، من منشورات دعوة الحق، وهي منشورات تصدرها (رابطة العالم الإسلامي) بمكة المكرمة الذي قام بسرد الحقائق بشكل تفصيلي، ويذكر معطيات تاريخية مهمة لا تكاد تكون معروفة، وهي أن السكان الأصليين لأراكان مسلمون وأطلقوا على أنفسهم اسم (الروهينغا) وهي مشتقة من الكلمة العربية (ركن) وأنهم استقروا في منطقة أراكان قبل قبائل (الماغ) البوذية بسنوات، ويستند بذلك إلى ما ذكره المؤرخ البريطاني هاروي في تاريخ بورما، وهو أنه توجد الكثير من المساجد على طول سواحل البحر من آسام الى سواحل ملايا وتسمى هذه المساجد باسم (بدر مقام) وبنيت هذه المساجد قبل القرن العاشر ميلادي، وذكر ورورد الرحالة الى أركان، كالرحالة الشهير (ابن خردادبة)، ومما جاء أيضا في الكتاب ص 47: إن الرئيس الوزراء يونو صرح سنة 1954 بأن (الروهينغا) هم سلالة أصلية، وسمح بإذاعة برنامج بلغة الروهينغا من إذاعة حكومة بورما ثلاث مرات في الأسبوع، كما يذكر مؤلف الكتاب أن مملكة الروهينغا المستقلة تأسست سنة 1420 م، ومؤسس هذه المملكة اسمه (سليمان شاه) وهذه دلائل أن المسلمون لهم ماضي بعيد)، بالإضافة الى الآثار التاريخية هناك: كمسجد (سندي خان) و(مسجد الديوان موسى) الذي بني سنة 1258م، ومسجد ولي خان الذي بني في القرن في الخامس عشر بالإضافة الى الكثير من المساجد والعذران وخاصة في مدينة منبيا بقرية ساداتفاره.

ـ ثم يواصل المؤلف في كتاب (المسلمون في بورما، التاريخ والتحديات) مجموعة من الحقائق أهمها:

ـ الأول: إبان الاحتلال البريطاني لبورما، لعب المسلمون دورا رياديا كبيرا في حركات التحرر الوطني رغم أنهم أقلية الى جانب البوذيين، ولاقى الاستعمار البريطاني قوة وبأسا شديدين من قبل المسلمين هناك، مما دفع بريطانيا أن تضم بعضا من البوذيين الى صفوفها ليتم ارتكاب أكبر مذبحة للمسلمين الروهينغا في التاريخ بأراكان سنة 1942، وقاموا بقتل حوالي مئات الآلاف من المسلمين على أيدي العصابات الماغية الأراكانية التي تحمل اسم (شنغ شوانغ ومنغ شهابوا) هذه المجزرة طالت جميع الفئات العمرية بما فيهم النساء والأطفال والشيوخ، وتم تحويل المساجد الى معابد بوذية كما قاموا بحرق المحاصيل الزراعية، بل بلغت وحشية هؤلاء البوذيين الى بقر بطون الحوامل بالإضافة الى إغلاق المعاهد والمدارس الإسلامية والمحاكم الشرعية، والمدن التي استولوا عليها هي: بوتع ـ كيوكتو ـ راسيدونغ ـ ممبيا ـ رابشونع.

ثانيا: في سنة 1982: صدر قانون المواطنة في بورما يصنف المسلمين على أنهم مواطنون من الدرجة الثالثة، كأجانب دخلوا بورما إبان الاستعمار البريطاني كلاجئين، وبموجب هذا القانون تسحب الجنسية منهم، وتم حرمانهم من المجال السياسي والخدمات العامة كالصحة والتعليم، وبالتالي فقد أصبحوا مواطنين من الدرجة الثالثة وبإمكان حكومة بورما ترحيلهم وقت ما شاءت.

ثالثا: احتجاز من سحبت منه الجنسية في السجن لمدة محدودة، وغالبا ما يتم احتجازه في (معسكرات الاعتقال) ويفرض عليه العمل في الإنتاج، وإذا أحسن العمل في معسكرات الاعتقال فمن النادر أن يسمح له بحمل شهادة تسجيل الأجانب، على أن يعيش في منطقة نائية، ومن المعروف أن مسلمي بورما كانوا يعاملون كمواطنين من الدرجة الاولى في بورما ويتمتعون بحقوق مدنية وسياسية إبان الحكومة المدنية بعد الاستقلال من الاستعمار البريطاني سنة 1948، وتقلد العديد منهم مناصب سياسية في الحكومة والبرلمان، الى أن جاء الجنرال (نوين) الذي قاد انقلابا عسكريا سنة 1962، وفرض الشيوعية كمذهب رسمي في البلاد وأعلن أن الإسلام هو العدو الأول للشيوعية، لتبدأ بذلك حملات تطهير ممنهجة ضد المسلمين، وتمت مصادرة أكثر من 15000 مؤسسة تجارية أغلبها لتجار مسلمين تحت ذريعة (التأميم) في الوقت الذي تم الإبقاء على ممتلكات البوذيين، واستمرت الانتهاكات والملاحقات حتى بعد وفاته سنة 1974، حيث انه في سنة 1978، قامت السلطات البورمية بسحب بطاقات الجنسية من المسلمين وتم إحراق منازلهم وقراهم، والتجأوا إلى حدود بنغلاديش، وعددهم أكثر من ثلاثمائة ألف مسلم، من أراكان، و(قد بلغ الطرد الجماعي ذروته حتى وصل العدد الى مليون وخمسة وعشرون ألف لاجئ في بنغلاديش) في سنة 1978. ص 49 و50.

ـ رابعا: بعد وصول الجنرال الشيوعي (نوين) الى الحكم أمر بتأميم الأملاك والعقارات من المسلمين في أراكان بنسبة 90 في المائة، ولم تؤمم من البوذيين سوى 10 في المائة، (رغم أن الشيوعية مذهب مادي يعتبر جميع الأديان رجعية) كما أمر: بنزع الحجاب والتسمية بأسماء بوذية وكتابة القرآن الكريم بالأحرف البورمية، والأضحية تحتاج الى تعليم تصريح من السلطة، كما أمر بمنع الصلوات ورفع صوت الآذان وتأميم جميع الأوقاف والمساجد، ومنعهم من أداء فريضة الحج، ولا عجب في ذلك من قيام الحكومة الشيوعية سنة 1968 بالتعاون مع الرهبان البوذيين بإلقاء القبض على المسلمين الروهينغا وإيداعهم السجون وتنكيلهم بأشد أنواع التعذيب، لتتكرر هذه الحادثة سنة 1974، حين أرتكب الجيش البورمي في بورما في قوارب للجيش البورمي وأنزلوهم في جزيرة خالية من السكان ولم تمكث هذه العوائل حتى ماتوا جميعهم جوعا وعطشا.

ـ وهنا ورد في كتاب (المسلمون في بورما، التاريخ والتحديات) ص 67 نقلا عن مجلة الرابطة صورا من المجازر الوحشية التي ارتكبت في (مجزرة مسجد شيكالي) حين قام رجال الأمن البوذيون بمحاصرة المسجد أثناء أداء المسلمين لصلاة الجمعة وأرادوا منع الصلاة من المسجد، وحين تصدى لهم المصلون هناك، أطلقوا عليهم النار فقتلوا 35 مصليا من المسلمين فثأرت القرية، لتتم محاصرتها بأكثر من 500 شرطي بوذي وأشعلوا الحرائق في العديد من البيوت، وقد فر عدد كبير من المسلمين من هذه القرية فرارا على الأقدام لأكثر من أسبوع.

ولا يفوتنا هنا أن نذكر أن الهيئات الإغاثية الإسلامية بما فيها رابطة العالم الإسلامي كما ورد في الكتاب تقدمت بتقرير شامل مرفقا بالصوت والصور للأمين العام للأمم المتحدة آنذاك الدكتور كورت فالدهايم واللجنة الدولية لحقوق الإنسان دون إبداء أي اهتمام بالحالات اللاإنسانية التي يعانيها أهل بورما.

هذه هي أكذوبة السلام العالمي وحقوق الأقليات وشعارات التحرر والديمقراطية وحقوق الإنسان، في الوقت الذي يذبح فيه أكثر من ثلاثة ملايين مسلم في ميانمار وسط ترحيب دولي وغض الطرف والاكتفاء فقط بإصدار التوصيات والبيانات.

– هذه هي حقيقة الأمة، قد أضناها المسير وأثقلتها القيود، حياتها دماء وجحيم.. لا لشيء سوى أنهم مسلمون.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M