السلفية المدخلية نموذج للفكر المعطوب

18 فبراير 2016 18:09
العدالة والتنمية في مواجهة العاصفة (شروط النصر السبعة)

أحمد الشقيري الديني

هوية بريس – الخميس 18 فبراير 2016

ما هي السلفية؟

السلفية هي العودة للينابيع الأولى للإسلام، الكتاب والسنة، بفهم الصحابة والأئمة الكبار الذين ظهروا في القرون الثلاثة الأولى بعد وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، من أجل إحياء ما اندرس من الدين، وتجديد فهمه، وإزالة ما شابه من بدع وانحراف في الاعتقاد والسلوك والتشريع.

ولاشك أن الإسلام اختلط بثقافات شعوب وأمم دخلت فيه وهي لم تتخلص من رواسب معتقداتها القديمة، كما أنه اصطدم بالفكر اليوناني مبكرا بعد الترجمة التي قام بها المسلمون للتراث اليوناني، وكان للنزاع السياسي الدور الحاسم في نشوء الفرق الكلامية خوارج وشيعة ومعتزلة ومرجئة وجهمية وغيرها؛ وكان للترف الذي أصاب بعض طبقات المجتمع الإسلامي بفعل الفتوحات الغنية انعكاسه على ظهور أهل التزهد والفقر إلى الله والاشتغال بالآخرة عن زخرف الدنيا وزينتها.. وهو ما عرف فيما بعد بـ”التصوف”، والذي أنتج أصوله وقواعده وطقوسه، ثم تطور فيما بعد في اتجاهين:

الأول فلسفي غنوصي انتهى للقول بالحلول والاتحاد، وهي فلسفة مأخوذة عن زهاد الهند، حتى قال قائلهم: (ما في الجبة إلا الله)..

والثاني طرقي بدعي أضاف لمرجعية الكتاب والسنة: مرجعية الكشف والإلهام، و”حدثني قلبي عن ربي”، و”التقيت الخضر”، وأكثر من وضع الحديث الذي لا أصل له، ثم غلا في شيوخه أحياء وأمواتا، وبنى عليهم القباب، وتوسل بجاههم لكشف الكرب وابتغاء الرزق ..

بالموازاة مع ذلك، لم يخل زمان من دعاة العودة للينبوع الصافي للإسلام، ينكرون على أولئك بدعهم وشركهم وخرافاتهم، ويدعونهم لما كان عليه السلف من فهم صحيح للدين والعمل به، وسموا ب”أهل السنة والجماعة”، ثم بـ”السلفيين” نسبة للسلف.

لكن أعظم من ظهرت حجته بالكتاب والسنة، وانتشر فكره، وحطم أصنام فلاسفة اليونان وجمود الفقهاء وشطحات الصوفية ولغو المتكلمين، الإمام الحجة شيخ الإسلام أبو العباس عبد الحليم ابن تيمية (ت.728هـ)، وترك تراثا علميا ضخما، فيه تأسيس وتجديد لقواعد المنهج السلفي، وتلامذة عظاما نشروا فكره وفقهه ورتبوه، من أشهرهم الإمام ابن القيم.

ومن أشهر من تأثر بفكر ابن تيمية في القرون الثلاثة الأخيرة إمامان:

الأول هو الإمام محمد بن عبد الوهاب (ت.1791م) الذي أسس بتحالف مع الأمير محمد بن سعود آل مقرن الذي قبل دعوته الدولة السعودية، واستمر هذا التحالف بين ذرية الإمام وذرية الأمير إلى يومنا هذا، وإليهما تنسب اليوم “السلفية النجدية” أو ما يسميه البعض بـ”الوهابية”.

الثاني هو الأستاذ الإمام محمد عبده (ت.1905م) الذي انتهت إليه رئاسة الأزهر بمصر، ومن أعظم تلامذته الإمام رشيد رضا، وإليهما تنسب اليوم “السلفية الإصلاحية” وروادها الكبار أمثال: شيخ الإسلام أبي شعيب الدكالي والمختار السوسي وعلال الفاسي وغيرهم، وبدعوتهما تأثر الإمام الشهيد حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين.

انتهت السلفية اليوم إلى ثلاثة اتجاهات: السلفية السلطانية، والسلفية الإصلاحية، والسلفية الجهادية.

تعزز هذا الفرز في الصف السلفي بعد حرب الخليج الثانية مع مطلع التسعينات عندما غزا الرئيس العراقي السابق صدام حسين دولة الكويت، واضطر حكام دول الخليج، بما فيها المملكة السعودية، الاستعانة بالقوات الأمريكية من أجل دفع الخطر البعثي المتعاظم، فصدرت فتاوى تؤيد الاستعانة بالأجنبي لصد العدوان، وأخرى ترفضه.. ولكل أنصاره وأشياعه.

ظهر اتجاه ثالث تشدد في الفتوى، واعتبر من يحرم دخول القوات الأجنبية أرض الحرمين من الخوارج تجب محاسبته، تزعمه الشيخ ربيع بن هادي المدخلي، أستاذ الحديث بالجامعة الإسلامية سابقا، وإليه ينسب التيار السلفي المدخلي.

ثم تطور هذا التيار وانتشر في الخليج، وظهر في أوروبا وفي جل الدول الإسلامية، وله مواقف ومقولات شاذة، منها اعتباره لما يسمى اليوم بالمعارضة السياسية خروجا على الحاكم، ويرى النصح للحاكم إنما يكون في السر، ولا يجوز نقد سياساته، لا في الإعلام ولا في البرلمانات ولا غيرها، ومن باب أولى يحرم كل أشكال الاحتجاج السلمي، فضلا عن الخروج المسلح، فيرفض التظاهرات السلمية والإضرابات والثورات وغيرها من أشكال الاحتجاج، ولهذا فهو يدعو اليوم في تونس لعودة الحاكم السابق ابن علي الهارب..

ويرفض التعددية السياسية، ويعتبرها تفريقا للأمة التي يجب أن تجتمع على الكتاب والسنة وفهم السلف فحسب..

وبالتالي فهو يرفض الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية، فضلا عن غيرها من الأحزاب الاشتراكية والليبرالية والحداثية عموما، وينعتها بالخوارج والضلال ورؤوس الفتنة..

وسبب هذه الأعطاب التي ابتلي بها هذا التيار راجع إلى ابتعاد شيوخه عن السياسة والعمل السياسي، ونهيهم تلامذتهم عن خوض لججه، وانشغالهم بكتب الحديث والفقه والعقيدة، ولو اقتصروا على ذلك لانتفعوا ونفعوا غيرهم في مجالات اختصاصهم، لكنهم قفزوا فجأة إلى قوارب السياسة، وهي تجري بهم في موج كالجبال، وهم لم يحسنوا السباحة ولا تعلموا فن التجديف، فبحثوا فيما معهم من كتب الثرات فوقعوا على أخشاب مهترئة، فدعوا الناس للتمسك بها فهلكوا وأهلكوا من معهم..

لقد أنتجوا أحكاما سياسية خطيرة، ما لهم بها من علم، واتهموا خصومهم بدون علم، ولما كانوا عند أتباعهم ثقات في نقل الحديث وفي شرح العقيدة، وهي أعلى علوم الشريعة، أحسنوا بهم الظن في مقولاتهم السياسية ومواقفهم من الحكام ومن المعارضة، فعادوا ووالوا من أجلها، وهي في حقيقتها ليست مواقف ولا مقولات أولئك المشايخ لجهلهم بمعانيها وملابساتها وتداعياتها، بل هي لدهاة الساسة يوظفونهم ضد خصومهم السياسيين على لسان رجال دين يفتون بما لا يعلمون..

 وتأمل خرجات المسمى “الرضواني” أحد شيوخهم الذي تجاوز سبع حلقات على قناة “البصيرة” المصرية، يتهم فيها حزب العدالة والتنمية المغربي الذي يقود الحكومة الحالية بتدبير انقلاب على الملكية، ومن جهله السياسي عدم انتباهه أن الذي سرب إليه هذه “المعلومة الفاسدة” سربها له في سنة انتخابية يريد توظيفها ضد الحكومة لا غير..

لقد عملت السلفية المدخلية على تفتيت الصف السلفي من خلال آليتين:

الأولى: ترسيخهم لدى الأتباع قاعدة اختصاصهم بصفة “السلفية” الحقة دون غيرهم، وأنهم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة المذكورة في الأحاديث.

الآلية الثانية: القذف والسب والشتم وإخراج من خالفهم من دائرة “السلفية”، والحكم عليه بالضلال والبدعة (ويسمونه إسقاطه)، وهي الآلية التي عوضوا بها آلية التكفير عند “السلفية الجهادية”.

فهم لا يتورعون عن نعت الإمام القرضاوي بـ”الشيطان” والإخوان المسلمين بـ”كلاب جهنم”.. إلخ.. ثم ينتقلون إلى صفهم فيفتتونه تفتيتا بنعت مشاهير الدعاة السلفيين بـ”الضلال”..

ولهذا كله نحذر من اللعب بورقة “المدخليين”، ونعتبر ذلك خطأ فاحشا وخطرا كبيرا، لأن منهجهم الفاسد لا يفصله عن منهج التكفير إلا خيط رفيع.

آخر اﻷخبار
5 تعليقات
  1. عجبي من أصحاب الموقع أكبر من عجبي من كاتب المقال.
    فكاتب المقال يهرف بما لا يعرف. . أما أصحاب الموقع فهم يزعمون أنهم سلفيون , فكيف سمحوا لأنفسهم بنشر مقال كله تشويه للسلفية والسلفيين.
    لا نريد أن نسمع أن المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الوفع, لأنه كما أن أصحاب الموقع لا يسمحون أن ينشروا ما يشتمل على تشويه للإسلام.وذلك لأنهم مسلمون. فكذلك لا ينبغي لهم أن يسمحوا بنشر ما يشتمل على تشويه السلفية وذلك ‘ن كانوا سلفيين…

  2. سامحوني سأعلق حسب ما يليق بالمقال

    واش كَاع اللي ركب جملة بغا يكتب مقال؟
    واش هاد العلوم الشرعية اللي جا بغا يدوز عليها برجليه ممغسولينش؟؟
    تاتهدروا فالعلوم الشرعية بحالا كاتهدروا على شهيوات شميشة.
    ولكن لقيتوا ما بغيتوا فهي فعلا فوضى ولا أبا حفص لها.

  3. اولا: لا أظنك تجهل ان ما ذكرته من علامات (المداخلة)من تحريم المظاهرات ووجوب نصح الولاة سرا وترك التشتغال بالسياية الجائرة وغير ذلك = مما يقول به ابن باز وابن عثيمين واﻷلباني فهلا تكلمت فيهم ونسبتهم إلى هذا التيار (المنحرف جدا)إن كانت عندك غيرة صادقة على الدين.
    ثانيا: من العجب أن تنكر أن التعددية السياسية تفرق فهل هي اجتماع ام ماذا؟!! لو راجعت كتب الشيخ بكر حكم الانتماء.. فحبذا لو تستفيد منه كما استفدت من كتابه تصنيف الناس فالمنبع واحد.
    ثالثا: ارجوك ان تتأمل هذه اﻷوصاف هلكوا وأهلكوا- منهج فاسد – لا يفصله عن التكفير إلا..- تفتيت الصف السلفي- جهلهم ب…- اﻷعطاب – الخ أليس هذا عو ما تتقده عليه من اﻹسقاك والتضليل !! ام حلال لكم حرام عليهم. ولكن …

  4. رابعا: إدراج حسن البنا في جملة السلفيين لا أدري بماذا أصفه لكنه لعله سبق قلم وإلا فلو كان حيا لغضب منك ولاعتبر هذا من الغيبة كيف وقد نص في ذكرياته بانه صوفي طرقي يحتفل بالمولد وينشد فيه اﻷشعار الشركية. فراجعه حتى تصلح مما كتبت.
    خامسا : انتقادك لمنهج بكامله وطائفة برمتها بتصرف فرد ينازعونك أصلا في كونه منهم من قلة اﻻنصاف والعدل. وهب أن علمانيا انتقد اﻹسلام بفعل الرضواني هداه الله فهل ستعتبر هذا خللا في اﻹسلام فإن قلت نحن لا نقره على هذا فيقال والمشايخ السلفيون أيضا لا يقرون الرضواني بل بعضهم لا يعرفونه أصلا.

  5. تابع 3
    سادسا : تذكر انك تكتب اليوم ولا أحد يسائلك وسيكون لي ولك ويوم في موقف عظيم نسأل فيه عما نكتب فحبذا لو نتريث قبل اﻹقدام على الكتابة فضلا عن النشر
    ثم ليتذكر المسؤولون على هذا الموقع ان كونهم يكتبون لسنا مسؤولين عما يكتبه الكتاب فهذا قد ينفعهم في مساءلة القانون أما شرعا فقد قال تعالى وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم.
    والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M