العالم ما بعد زلزال كورونا.. لقاء مع د.الطيب بوتبقالت

25 سبتمبر 2020 10:02

هوية بريس – حوار

كل الأحداث والوقائع التي كانت تحتل الصدارة في وسائل الإعلام العالمية منذ بداية السنة الحالية تراجعت بشكل مفاجئ وراء ما أفرزته جائحة كورونا من تداعيات على كافة المستويات. لقد تكاثرت التساؤلات والتحليلات حول هذا الموضوع، لكن بدون الوصول إلى أجوبة تقطع الشك باليقين. ففي هذا الباب كان لنا لقاء مع الدكتور الطيب بوتبقالت، الخبير الدولي في علوم الإعلام والاتصال والمتخصص في قضايا التاريخ المعاصر، أستاذ بمدرسة الملك فهد العليا للترجمة بطنجة.

الأسئلة المطروحة على الدكتورالطيب بوتبقالت تدور بالخصوص حول التحولات المتوقعة للعالم ما بعد جائحة كورونا، وحول انفجارالتظاهرات الأخيرة المناهضة للميز العنصري في الولايات المتحدة الأمريكية، وما إذا كان لظاهرة الميز العنصري في أمريكا وجه للمقارنة مع بعض الأحداث التي تم تداولها في مختلف المنابرالإعلامية المغربية في السنوات الأخيرة. 

غيرت كورونا الكثير من حيات الناس الطبيعية، وهناك الكثير من المراقبين والمثقفين الكبار على الصعيد العالمي يذهبون إلى أن العالم ما بعد كورونا سيعرف تحولات كثيرة وربما سيظهر نظام دولي جديد، هل توافق هذا الرأي أستاذ الطيب؟

 هذا سؤال وجيه جدا تفرضه الأوضاع الراهنة التي يمر بها العالم بأسره تحت هول الانتشار الكاسح لجائحة كورونا وما خلفه هذا الوباء السيار من ارتباكات عميقة في حيوات الناس الاعتيادية، وهو سؤال يخفي سؤالا آخر أكثر إلحاحا منه والذي يمكن اختصاره على الشكل التالي : متى ستتمكن البشرية من الخروج من نفق كورونا المظلم؟  وإذا كان من الواضح أنه لا أحد يملك اليوم جوابا قاطعا لهذا السؤال الأخير (على الأقل إلى حدود تاريخ إجراء هذه المقابلة معكم-20 شتنبر2020)، فإن هناك العديد من التكهنات والسناريوهات لما سيكون عليه العالم ما بعد كورونا، بما في ذلك احتمال ظهور نظام دولي جديد الذي أشرتم إليه في سؤالكم.

وقبل أن أبدي رأي الشخصي المتواضع في هذا الموضوع، لا بد من الوقوف عند أهم الاتجاهات التحليلية وفقا لترتيب أولويات الرصد في هذا الشأن، وطبقا لمنهجية التقرير التركيبي الذي تفرضه القراءة المتبصرة لسريان تفاعلات الأحداث وما يطفو على السطح من تأويلات تمتاز بقابلية التصديق. وعليه، فإن أول ما يسترعي الانتباه هو تركيز المحللين والمراقبين على الرجة المفاجأة للنظام الاقتصادي العالمي والانهيار الوشيك الذي أصبح يهدد الأسس التي بنيت عليها المنظومة السوسيواقتصادية العالمية، بما يعني نهاية العولمة الراهنة في شكلها، وربما حتى في مضمونها، وبداية فترة انتقالية تتميز باللايقين وبالارتباك العام الذي طال كافة سلاسل الإنتاج والتوزيع والاستهلاك، بالإضافة إلى الشلل التام لحركة تنقلات البشر والتجميد الكلي لتدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة،  وما خلفه كل ذلك من انعكاسات على التوازنات الجيواستراتيجية.  إنها أكبر وأخطر أزمة  تواجه سكان الكرة الأرضية في الربع الأول من القرن الواحد والعشرين، وإنه لمن الصعوبة بمكان معرفة الحجم الحقيقي لتداعياتها الحالية ونتائجها المرحلية في مختلف قطاعات الأنشطة البشرية في شتى بقاع العالم.

إن آفاق إعادة توزيع أدوار الفاعلين الدوليين النافذين أصبحت آفاقا مرتفعة الاحتمال، إنها تختلف تماما عما شهده العالم بعد 1945. ومن المرتقب جدا حدوث خلخلة عنيفة للعلاقات الدولية والأوضاع العالمية الراهنة.  لقد سجل مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة الذي يوجد مقره بأبوظبي تقريرا جاء فيه أن جائحة كورونا شكلت “نقطة تحول تاريخي في مسيرة العولمة، بدءا من تراجع القيادة الأمريكية، وتنامي ظاهرة الشعبوية  في ديمقراطيات العالم، إضافة إلى صعود نموذج اقتصادي وسياسي وتكنولوجي صيني بديل، وتراجع روسي”. نفس المصدر يؤكد على النتائج الأولى المترتبة عن تفشي هذا الوباء وانعكاساته الآنية على النظام الاقتصادي المعولم : “لقد وجه تفشي فيروس كورونا المستجد ضربة قوية للتدفق العالمي للبشر والسلع  والخدمات، ما جعل العولمة تحت الحصار، كما أجبر الوباء جميع الدول على التوجه نحو الداخل، ما أدى إلى تسريع عملية الركود الجيوسياسي واضمحلال العولمة”. وفجأة تبخرت آمال التعاون الدولي وساد منطق “كل مسؤول عن نفسه أولا وأخيرا”، وكان ذلك واضحا من خلال تقاعس دول الاتحاد الأوروبي في مد يد المساعدة لبعضها البعض من أجل احتواء الأزمة في بدايتها، مما جعل رئيس الوزراء الايطالي يلوح بنهاية الاتحاد الأوروبي الذي “قد يفقد سبب وجوده”… وتبعه في هذا المنحى رئيس دولة صربيا الذي أدان علانية الدول الغربية قاطبة التي جعلته يرتمي في أحضان الصين الشعبية والاستنجاد بها بعد تجاهل العالم الغربي لمساعدة بلده…

ويرى جوزيب بوريل، الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، أنه عادة ما تشكل الأزمات الكبرى علامات تحذيرية في تاريخ المجتمعات البشرية، إلى جانب كونها لحظة مفصلية في تسريع اتجاهات التغيير القائمة أصلا في هذه المجتمعات بشكل محتشم قبل انفجار الأزمات. إنها رجات مزلزلة تؤدي، في نظر جوزيب بوريل، إلى تضخيم الديناميات الموجودة وليست عاملا أساسيا في سر وجودها. و يرى جوزيب بوريل أن هناك  ثلاث ديناميات متفاعلة التي يعتبرها بمثابة عناصر مؤثرة تأثيرا شاملاعلى مسارالعالم ما بعد كورونا، وكلها  محاور رئيسية لها ارتباط وطيد بالتحولات المرتقبة :

  • مستقبل العولمة في ظل الليبرالية الجديدة
  • مستقبل الحكامة العالمية في ظل النظام الدولي الجديد
  • مستقبل الأنظمة الديمقراطية في مواجهة إدارة المخاطر الجسيمة غير المتوقعة

إنه واقع مغايريتشكل تحت أنظارنا بتعقيداته ومفاهيمه الجديدة غير المضبوطة،  وهو ما اعتبره الأمين العام للأمم المتحدة “أكبر تحد يواجه العالم بعد الحرب العالمية الثانية”، وفي ذلك إشارة واضحة لتهديد حقيقي يستهدف مبدأ حفظ السلم والأمن الدوليين على المدى القريب. لقد ظهر جليا أن هناك صراعا محتدما ومنافسة شرسة على قيادة العالم الجديد بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين التي تبذل قصارى جهودها السرية والعلنية للخروج من هذه الأزمة منتصرة كأول قوة عالمية. وفي هذا الشأن يرى بعض الخبراء الأمريكيين، من بينهم مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون شرق آسيا ومنطقة المحيط الهادي في إدارة الرئيس أوباما، أنه “بينما تواصل أمريكا تعثرها، تتحرك بكين بسرعة وحنكة للاستفادة من الفرصة التي أتيحت بفضل الأخطاء التي ارتكبها الأمريكيون. فالصين تقوم اليوم بملء الفراغ، وتصور نفسها على أنها زعيمة العالم فيما يتعلق بالرد على انتشار الوباء”. وجاء على لسان توماس فريدمان، الكاتب والإعلامي الأمريكي المشهور، أن “الرئيس الأمريكي ترامب قرر مواجهة أقدم حضارتين في العالم (الصين وإيران) من دون أن يكون لديه خطط ولاأهداف”… وفي خضم ظروف التوترات المتصاعدة وأجواء الحرب الدعائية الأمريكية الصينية على خلفية كوفيد-19، حذر وزير الخارجية الصيني من مغبة دفع واشنطن وبكين إلى “حافة حرب باردة جديدة”، معلنا أن بلاده  ترفض “أكاذيب واشنطن” بشأن كوفيد-19، وصرح : ” أطالب الولايات المتحدة بالتوقف عن تضييع الوقت وإهدار الأرواح الغالية”. وتحت الضغوطات الأمريكية المتتالية منذ وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، اضطرت الصين إلى الكشف عن أنيابها.  وها هوالرئيس، شي جين بينغ، يؤكد في خطابه بمناسبة الذكرى السبعين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية (أكتوبر 2019) : ” ما من قوة يمكنها أن تهز دعائم أمتنا العظيمة، ما من قوة يمكنها أن تمنع الشعب الصيني من المضي قدما”، وهذا التصريح يوحي بأن التصعيد ما زال في مراحله الأولى…

وأما على مستوى تطور الاقتصاد العالمي تحديدا، فإن هناك شبه إجماع لدى خبراء الاقتصاد البارزين الذين اعتبروا وباء كورونا المستجد أسوأ كارثة اقتصادية عالمية منذ الكساد العظيم لسنة 1929. لقد كان صندوق النقد الدولي متفائلا عندما توقع أن الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية قد تمر بفترة انحدار حاد يليها انتعاش سريع في المدى القريب والمتوسط على شكل “V“، لكن سرعان ما عبرعدد من الخبراء الاقتصاديين عن توقعات تفيد حلول وضع اقتصادي عالمي كارثي يطغى عليه الانكماش والركود لفترة زمنية قد تدوم أعواما على شكل “U “… وتجدر الإشارة إلى أن صندوق النقد الدولي توقع في يناير الماضي زيادة في الدخل العالمي بنسبة 3%، وها هي توقعاته الجديدة تسجل انخفاضا بالنسبة نفسها التي تعد أسوأ من النسبة التي سجلتها أزمة 2008/2009. ويذهب المفكر الأمريكي، نعوم تشومسكي، إلى أبعد من ذلك حيث يرى أن من شأن طاعون الليبرالية الجديدة المتوحشة التي تتحكم في اقتصاد السوق العالمية أن تدفع البشرية إلى مواجهة خطرين وجوديين وشيكين : الحرب النووية والاحتباس الحراري.

وخلافا لبعض الآراء التي ترى في كل نقمة نعمة، على أساس أن جائحة كورونا تشكل فرصة ثمينة لإعادة النظر في الاختلالات العميقة التي راكمها النظام العالمي منذ الحرب العالمية الثانية، وبالتالي الخروج من هذه الجائحة بنظام أكثر عدلا وأكثر توازنا، مع الإشارة إلى بعض الإيجابيات التي كانت غير  متوقعة كتسجيل الانخفاض الكبير في مستويات التلوث وتراجع لافت لمؤشرات حوادث السير، بالإضافة إلى الاهتمام الملحوظ بالبحث العلمي وبمنطق التفكير العقلاني الذي نتج عنه ارتفاع ثقة الرأي العام بالعلم والعلماء، فإن هناك من يرى أن أوضاع العالم لما بعد كورونا ستنتقل من سيء إلى أسوء. ففي حوار مع صحيفة “لوموند” الفرنسية، صرح وزير الخارجية الفرنسي معبرا عن تشاؤمه لما سيحدث بعد الجائحة قائلا: ” أخشى أن يصبح عالم ما بعد كورونا مشابها كثيرا لعالم ما قبله، لكن أسوأ”. ومن جهتها استخلصت جريدة وول ستريت الدولية المتخصصة في قضايا المال والأعمال أن العالم ما بعد كورونا لن يكون مختلفا عن العالم ما قبل كورونا من حيث اللامساواة وغياب العدالة  الاجتماعية، وأكدت الجريدة على احتمال ظهور تكتلات عملاقة جديدة ستتخذ من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي مرتكزها الأساسي في تدبير أنشطتها و توسيع دائرة هيمنتها.

وهكذا، فنتائج الدراسات الأولية وآراء المختصين كلها تدعو إلى القلق والتشاؤم: انكماش اقتصادي عالمي، استفحال البطالة في أوساط ذوي المهارات المتدنية، ارتفاع معدلات الفقر والهشاشة، تغليب سياسات الانغلاق والانعزال مع تبني استراتيجية الاكتفاء الذاتي، المراقبة الأمنية القاسية بهدف تقليص حركة الهجرة، بوادر مقلقة تستهدف زعزعة السلم والأمن الدوليين، اتساع الفوارق الاجتماعية والتفاوتات المجالية، تكريس صارخ لعدم المساواة وتزايد مظاهرالعنف، انهيارقيم التضامن داخل البلدان وخارجها، تفاقم الفجوة الرقمية بين الدول المتقدمة والدول النامية، صعود تيارات اليمين المتطرف وتنامي النزعة الشعبوية المتهورة، تعميق انعدام الثقة بين الحكام  والمحكومين، إلى غير ذلك من الاختلالات الخطيرة التي يتصدرها خنق الحريات وعدم الالتزام باحترام المبادىء الأساسية لحقوق الإنسان. ففي هذا السياق بالذات، يتضح على ضوء جملة من البيانات التي قامت بنشرها منظمة فريدم هاوس برسم سنة 2020 أن هناك تراجعا مضطردا للحقوق المدنية والسياسية في معظم الدول الديمقراطية، وأن جائحة كورونا جاءت لتزيد في الطين بلة، مما جعل الأنظمة الاستبدادية تتخذ المزيد من التدابير والإجراءات المتشددة  قصد الحد من حركة سكانها وضبط آليات وأساليب تحكمها أكثر من ذي قبل. وأخيرا وليس آخرا فإنه بالنسبة لعدد من الدول، الديمقراطية والاستبدادية على حد سواء، تعد جائحة كورونا حليفا قويا غير مرئي، كأنها هبة من السماء جاءت لتعزيز سلطة الدولة وتشديد سطوتها. وأول نتائج هذا التحالف غير المتوقع كانت هي مساهمة كورونا الفعالة في التخفيف من لهيب الحركات الاحتجاجية وكسر شوكة موجات “الحراك” الشعبي الساخط…

فيما يتعلق  بالتقديرات والتخمينات الأولية لما قد يطرأ من تحولات أساسية لعالم ما بعد كورونا، فإنني ألخصها في سبع نقاط:

أولا: لاينتظر أي تحسن يذكر على مستوى العدالة الاجتماعية التي تعد بمثابة الركيزة الأساسية للاستقرار والتنمية المستدامة، وهذا ليس تنبؤاً بقدر ما هو قراءة متمحصة للآثار المترتبة عن الأوبئة السابقة وما يفرضه الحس النقدي من استنتاجات واسقاطات منطقية.  لقد عرف القرن الواحد والعشرون إلى حدود ظهور وباء كوفيد-19 خمسة أوبئة شكلت تهديدا حقيقيا لسكان العالم، وهي كالتالي :

سراس (2003) SRAS،

إتش 1 إن 1 (2009)H1N1 ،

ميرس (2012) MERS،

إيبولا (2014)EBOLA،

زيكا (2016)ZIKA.

وبناء على دراسات إحصائية دقيقة، كان سندها الاعتماد على مؤشر جيني الذي يعتبر مقياسا لتقييم عدم المساواة(نسبة إلى عالم الإحصاء الإيطالي كورادو جيني)،  فإن آثار هذه الأوبئة على توزيع الدخل في خمس سنوات بعد كل وباء نتج عنها اتساع في فجوة اللامساواة بين الأغنياء والفقراء، وبالتالي انحسار شديد للعدالة الاجتماعية. وهذا بالطبع ما ينذر بانفجارات السخط الشعبي المؤدية إلى الفوضى وعدم الاستقرار.

ثانيا: سيلعب التنين الصيني دورا محوريا في هندسة النظام الدولي المرتقب وسينتقل مركز الحضارة الغربية في غضون سنوات قليلة إلى الشرق بعدما كانت أوروبا الغربية عنوانه الرئيسي منذ عصر نهضتها إلى يوم الناس هذا.

ثالثا:  الانتشار السريع لجائحة كورونا وآثارها المذمرة التي لم يسلم منها حتى الجنود المتواجدون على متن البوارج النووية في عرض المحيطات، سيفتح لا محالة مرحلة حاسمة في السباق نحو التسلح البيولوجي والجرثومي بشكل غير مسبوق، وقد لا يكون من قبيل المصادفة أن تتمكن المنظمات الإرهابية من الحصول عليه واستعماله.

رابعا: تسجيل بداية لا رجعة فيها لثورة علمية جديدة تعتمد كليا على الذكاء الاصطناعي وتتميز بانتشار كاسح لثقافة الرقمنة في سياق بيئات الواقع الافتراضي المتطورة  في كل المجالات، وكثيرة هي الأعمال والأنشطة التي ستتم ممارستها عن بعد.

خامسا: أفول الفردانية الراهنة وبزوغ فردانية جديدة لا تقيم  وزنا للمنظومات الأخلاقية والقيم الدينية.

سادسا: تطور اتجاهات عقلانية نقدية جديدة وازدهار حركات فكرية تستمد مرجعيتها من النظرية الداروينية الجديدة تحت شعار “البقاء للأصلح”.

سابعا: من المنتظر ظهور تضامن دولي جديد، ليس كنتيجة لطفرة نوعية هزت الضمير العالمي ورفعت قيم التآزر والتآخي في مواجهة الشدائد، ولكن بالخصوص لأن جائحة كورونا أعطت بالدليل القاطع أن مصير أبناء البشر مصير مشترك يستوجب تضافر جهود المجتمع الدولي من أجل الاستعداد الكامل لمعالجة الأزمات الكبرى والصدمات التاريخية العظمى، إذ لا يستبعد أن يكون ذلك هو أكبر درس تم استيعابه من طرف مختلف المجتمعات البشرية المعاصرة تحت التهديد اليومي المباشرلهذا الوباء الكاسح. مما سوف يدفع المنتظم الدولي إلى إحداث آلية متعددة الأطراف بهدف التدخل الاستباقي لضمان عدم اندلاع وباء مشابه لكوفيد-19، والتخلي النهائي عن المنظمة العالمية للصحة في حالة عدم القدرة على إعادة تشكيلها جذريا.

كان أغلب الأكاديميين والباحثين لا يولون اهتماما للصين بسبب المركزية الأوربية التي باتت معيارا لقياس التحضر والتقدم والتنوير، كيف تابعت تدبير الصين لوباء كورونا؟ وهل مركزية الحزب الشيوعي كانت عاملا رئيسا في محاربة كورونا أم أن هناك أسبابا ثقافية أخرى ثاوية وراء تقدم الصين وقدرتها على مقاومة جائحة كورونا؟

باديء ذي بدء، يجب التذكير بأن الصين كانت تصنف ضمن دول العالم الثالث المتخلفة حتى مطلع ثمانينيات القرن الماضي، ومن الملفت للانتباه أن المغرب – مثلا- كان سنة 1980 أغنى من الصين بخمسة أضعاف، حيث بلغ معدل الدخل السنوي لكل مغربي آنذاك ما تقديره 1075 دولار، بينما لم يتعدى 195 دولار بالنسبة للمواطن الصيني. صحيح أن أغلب الأكاديميين والباحثين لا يولون اهتماما للصين بسبب هيمنة المركزية الاوروبية لقرون عدة، لكن اهتمامهم بالصين في العشر سنوات الأخيرة أصبح اهتماما مكثفا بشكل لم يسبق له مثيل. لقد راكمت الصين من النمو الاقتصادي والتقدم الحضاري في جميع المجالات خلال العقود الثالثة الماضية أكثر مما حققته على امتداد ثلاثة آلاف سنة من تاريخها، ولا يمر حاليا يوم واحد في العالم الغربي دون نشر العشرات من الدراسات والأبحاث والمقالات المعمقة حول هذا العملاق الأسيوي . هناك بعض الباحثين الغربيين القلائل الذين انتبهوا الى “يقظة” الصين منذ ستينيات القرن الماضي بالخصوص، ولم يفتهم أن يوجهوا نقدا لاذعا لنظرة الغرب الاستعلائية تجاه الصين . فهذا الباحث الامريكي، ه. ج. كريل، المتخصص في الدراسات الصينية يؤكد في كتاب صدر له سنة 1963 تحت عنوان “الفكر الصيني” ما يلي:  “… لقد قللنا من قدر ثقافتهم (دون أن نعرف عنها شيئا) وعاملنا حكوماتهم كما لو كانت ألعوبة، ونظرنا إلى الشعب على أنه قطع شطرنج. ولكننا الآن ندفع الثمن. (…) وفي كل بلد غربي تقريبا يلاحظ أن العلماء الذين كرسوا حياتهم لدراسة الثقافة الصينية يكتبون أحيانا عنها بروح واضحة من التعالي”. بعد عشر سنوات على ظهور هذه الدراسة النقدية لنظرة العالم الغربي الاستعلائية للصين، أصدر الأكاديمي ورجل السياسة الفرنسي، ألان بيرفييت، كتابا يحمل عنوانا تحذيريا شديد اللهجة : ” عندما تستيقظ الصين سيرتجف العالم”، وهي عبارة –يقول المؤلف- أنها مستقاة من تعليق للأمبراطور نابوليون بونابارت بعد اطلاعه على مذكرات اللورد ماكارثني، أول سفير انجليزي لدى الصين،  تحت عنوان ” رحلة إلى بلاد الصين وبلاد التتار”، كان ذلك سنة 1816 خلال وجود نابوليون بمنفاه في جزيرة سانت إيلين. ومهما يكن من أمر،  فإن هذا الكتاب الذي صدر في عز الثورة الثقافية الصينية (1966- 1976) لقي رواجا منقطع النظير وأثار اهتمام الساسة الغربيين بما كانت الدعاية المناؤة للصين تطلق عليه “الخطر الأصفر”. كانت فكرة الكتاب المحورية تدور حول المؤهلات البشرية الصينية الهائلة التي إذا ما تمكنت من تحقيق إنجازات ثقافية وتكنواوجية متميزة فإنها ستفرض إرادة الصين وأفكارها على العالم أجمع .. وقد تتبع هذا الأكاديمي الفرنسي التطور الذي عرفته الصين منذ ذلك التاريخ إلى منتصف تسعينييات القرن الماضي. ففي سنة 1996، كتب تحيينا لتوثيقه تحت عنوان “لقد استيقظت الصين” مع تشديد ملاحظاته حول ظاهرة احتكار السلطة من طرف الحزب الشيوعي الصيني، ولم تكن نظرته منافية لواقع النظام السياسي و الإديولوجي الصيني. لكن ما لم يشر إليه ألان برفييت هو أن الحزب الشيوعي الصيني لم يعد ذلك الحزب الذي احتكر السلطة في زمن ماو تسي تونج إلى حدود سنة 1976، بل تأقلم تدريجيا مع متغيرات الأوضاع العالمية وأصبح منفتحا على النظام الاقتصادي الليبرالي لكن تحت مظلة نظام شيوعي صارم بني على نمط الحزب الوحيد.

بدون شك أن الحكامة الجيدة التي أبانتها الصين في محاربة كورونا يعود الفضل في جزء كبير منها إلى قدرة الحزب الشيوعي الصيني على إدارة الأزمات،وهو حزب بلغ تعداد أعضائه ما يناهز 100 مليون عضو.  كما أن الثقافة الكونفوشية التي ظل المجتمع الصيني متشبعا بها على امتداد تطوره التاريخي العريق تلعب دورا حاسما ولها أثر عميق في توجيه وتعبئة الصينيين في مواجهة كل الأخطار المحدقة به آنيا ومستقبليا…

هل انتصرت/ربحت الصين؟ هذا هو عنوان كتاب صدر مؤخرا للدبلوماسي وألأكاديمي السنغافوري، كيشور محبوباني، الذي شغل منصب رئيس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ما بين يناير 2001 ومايو 2002. وفيه إشارات واضحة إلى تقدم الصين وتفوقها على الغرب في مقاومتها لجائحة كورونا، وبالتالي تسللها بتبات إلى مركز ريادة العالم المعاصر…

ما هو تعليقكم على التظاهرات الحاشدة التي عرفتها الولايات المتحدة الأمريكية عقب حادثة مدينة منيابوليس و هل لها علاقة بجائحة كورونا ؟

الشرارة التي كانت وراء اشتعال فتيل المظاهرات الصاخبة والاحتجاجات الغاضبة التي أدت إلى أعمال النهب والشغب في بعض المدن الأمريكية هي موت أحد المواطنين الأمريكيين من أصول إفريقية أثناء اعتقاله على يد شرطة مدينة منيابوليس يوم 25 ماي 2020، وكانت قد اتهمته باستخدامه ورقة عشرين دولار مزيفة أثناء التسوق في إحدى متاجر المدينة : كانت أقل من تسع دقائق، التي قضاها جورج فلويد تحت ركبة ضابط الشرطة الذي كان يضغط على عنقه بحجة إثباته قصد اعتقاله، كافية لإزهاق روحه. ولم يبال ضابط الشرطة بصراخه مرددا أكثر من مرة عبارة ” إنني لا أستطيع التنفس”…

سجل العديد من المتواجدين بعين المكان مقاطع فيديو لهذا الحادث بهواتفهم الذكية، وما هي إلا دقائق معدودة حتى انتشر الخبر بالصوت والصورة كانتشار النار في الهشيم عبر منصات التواصل الاجتماعي، سارعت شبكة س-إن-إن ووسائل الإعلام الأمريكية الأخرى إلى نقله والتعليق عليه تحت عنوان “خبر عاجل”…

لقد دأب الإعلام الأمريكي عموما على تسجيل أحداث يومية من هذا القبيل، التي تصنف عادة في خانة “أخبار متفرقة”، وهي أخبارليس من شأنها أن تثير غضب الرأي العام الأمريكي لأنه بكل بساطة تعود على حدوثها منذ زمن بعيد. لقد أوردت صحيفة واشنطن بوست إحصائيات تشير إلى عدد القتلى على يد الشرطة بمعدل 1000 ضحية سنويا، وفي هذه السنة إلى حدود الأسبوع الأول من شهر يونيو تفيد نفس الصحيفة أن هناك ما لا يقل عن 463 قتيلا سقط على يد الشرطة الأمريكية. لكن الظرفية الحالية تختلف تماما عن هذا السياق المعتاد : لقد بينت جائحة كورونا أن النسبة الكبيرة من آلاف الضحايا الذين تم تسجيلهم إلى حد الآن هم من ذوي البشرة السوداء، وهو ما يعني شريحة المجتمع الأمريكي التي ينتمي إليها جورج فلويد. إنها الشريحة الاجتماعية التي ظلت تعاني من القهر والقمع والفقر والتهميش تحت وطأة العبودية والتمييز العنصري على امتداد التاريخ الأمريكي. لقد كان لهذا الحادث المأساوي وقع القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة للأمريكيين من أصول افريقية. إن الذاكرة الجماعية لهؤلاء الأمريكيين السود تحتفظ  بأحداث لا تقل فجاعة ومأساوية من حادثة مقتل/اغتيال جورج فلويد على يد شرطة منيابوليس، لعل أشهرها وأقربها إلى الأذهان اغتيال الزعيم “الزنجي” مارتن لوثر يوم 4 أبريل سنة 1968، وهو الذي عرف بنضاله المستميت من أجل إنهاء التمييز العنصري ضد السود. لقد اعترف السيد بوش، رئيس الولايات المتّحدة بين العامين2001 و2009 في بيان له بصدد الأحداث الأخيرة، متسائلا:”إن هذه المأساة، وهي جزء من سلسلة طويلة من المآسي المماثلة، تثير سؤالاً لا مفرّ منه: كيف يمكننا وضع حدّ للعنصرية المتجذرة في مجتمعنا؟”.

ومن المعلوم أن  هذه الانفجارات الغاضبة التي همت أوساط عريضة من الشعب الأمريكي خلفت أصداء واحتجاجات واسعة عبر العالم، ليس تعاطفا مع الأمريكيين السود فحسب بل تنديدا لمظاهر الظلم والغطرسة وانعدام العدالة الاجتماعية واستفحال الجرائم ضد الإنسانية في مختلف بقاع العالم المعاصر. ولم تعد المظاهرات – في العالم الغربي بالخصوص- مجرد تعبير عن مناهضة التدخل العنيف لعناصر الشرطة، بل أصبحت تطالب داخل الولايات المتحدة وخارجها بإنهاء الميز العنصري تحت كل مظاهره ومسمياته. لقد تعالت أصوات أعداد غفيرة من المتظاهرين والمتعاطفين، الأمريكيين والأوروبيين، مطالبين بتحطيم المعالم التذكارية التي تمجد الإرث العنصري الكولونيالي. كانت شعاراتهم تشدد ضمنيا وبصريح العبارة على ضرورة وضع حد نهائي لأساليب التمييز العنصري والتصرفات الاستبدادية الجائرة و”الحكرة” بمختلف تلويناتها المادية والمعنوية. طالب المحتجون بإسقاط كافة تماثيل تجار العبيد، كما طالبوا بتغيير أسماء الشوارع والأماكن العمومية التي تحتفظ برموز الاستعمار والعبودية، وعلى رأسها تمثال كريستوفر كولومبوس الذي اتهمه متظاهرون بولاية فيرجينيا الأمريكية بصفته “يمثل الإبادة الجماعية” لسكان أمريكا الأصليين.

قد لا يكون ضربا من الحظ أن يسجل التاريخ تداعيات مقتل جورج فلويد بمثابة صحوة الضمير الدولي من أجل الاحترام الفعلي لمبادئ حقوق الإنسان المتعارف عليها عالميا، وهو الحدث الذي قد يعني تاريخيا البداية الحقيقية لانتفاضة الرأي العام العالمي في وجه الادعاءات الديموقراطية الخادعة التي طالما جسدتها سياسات حكومية عديدة تتبجح باحترامها  للأسس المرجعية لمفهوم “دولة الحق والقانون”…

 لم نعهد أحداثا من هذا القبيل في بلادنا، أو ربما نادرا، فما السبب أو الأسباب وراء ذلك في نظركم؟

أولا هناك مقولة مأثورة تشدد على مبدأ “لا مجال للمقارنة مع وجود الفارق” : المغرب من حيث التاريخ  والحضارة أعرق بكثير من تاريخ وحضارة الولايات المتحدة الأمريكية، وعادة ما نشير إليه في كتب التاريخ وفي السجلات الديبلوماسية لكونه البلد الأول في العالم الذي كان سباقا إلى الاعتراف باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1777. وكان المغرب آنذاك قد راكم قرونا عديدة من البناء المؤسساتي والتلاحم الاجتماعي، مما بوأه التربع على مركز الصدارة العالمية في الزمن المرابطي والموحدي. هذا المسار الزمني الطويل ساعد على انصهار مكونات الشعب المغربي عبر الأحقاب التاريخية المتوالية، وذلك منذ قرون ما قبل وما بعد ظهور الإسلام. مع العلم أن المغرب عرف تجارة الرقيق وكانت عائلات مغربية ميسورة، خاصة في المناطق الجنوبية من البلاد، تمتلك “العبيد” إلى حدود القرن الماضي القريب، لكن يبقى من النادر العثور على آثار ومخلفات صراعات عرقية محضة سجلها التاريخ المغربي الحديث. ويبدو لي جليا أن هذا الانصهار الثقافي والحضاري، تحت تأثير عناصر مختلفة متداخلة قد يطول الحديث في عرضها وتحليلها، هو الذي كان عاملا رئيسيا وبالتالي حاجزا منيعا أمام تطور ظاهرة الميز العنصري ببلادنا. وفي المقابل، ظلت هذه الظاهرة ملازمة للمجتمع الأمريكي منذ نشأته الحديثة التي لم يمر عليها سوى قرون لا يتعدى عددها أصابع اليد الواحدة.

كانت أحداث طنجة الدموية بحي بوخالف قبل 6 سنوات صادمة للرأي العام الوطني على نحو كبير، كيف كان تقييمكم لتعامل الأمن الوطني مع ما جرى، خاصة تجاه المهاجرين الأفارقة ؟

الأحداث التي أشرتم إليها في سؤالكم لا علاقة لها بظاهرة الميز العنصري بتاتا. وللإشارة فإن السبب الرئيسي لهذه الأحداث كان هو تدفق موجات الهجرة السرية لأفارقه جنوب الصحراء في اتجاه أوروبا مرورا بالمغرب. كان تدخل قوات الأمن المغربية بدافع الحفاظ على سلامة الأشخاص والممتلكات ولا شيء غير ذلك. والواقع أنه لم تسجل أي احتجاجات شعبية ضدهم بناء على لون بشرتهم.  لقد بادرت الحكومة المغربية إلى مساعدتهم وتسوية الوضعية الإدارية للآلاف منهم، فيما تحركت هيئات مغربية حقوقية كثيرة لمؤازرتهم.

هل بعض التعبيرات أو التصنيفات، كقولنا “عروبي، جبلي، شرقي، صحراوي، شلح، إلخ.”، يعد نوعا من أنواع العنصرية؟

هذه الوصمات أو القوالب التعبيرية النمطية الاجتماعية موجودة في كل المجتمعات،  وقليلا ما ترقى إلى عنصرية صارخة ومتجذرة. قد نجدها داخل المجال الحضري الواحد، بحيث يصبح أبناء أو سكان كل حي في المدينة معروفين بهوية معينة مدحا أو قدحا… وقد نجدها على مستوى المدن والجهات والقبائل، بل كذلك على مستوى المهنيين والحرفيين وحتى على مستوى الشعوب… إنها ظاهرة عامة كونية من صميم خصوصية الطبيعة البشرية. قد لا تدعو إلى القلق  في الأنظمة الديموقراطية، لكنها قد تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه في غياب الدعامات الأساسية لثقافة التعايش والبناء الماكرو-اجتماعي المشترك…

يتمتع المغرب بروافد عرقية عدة،: أمازيغ، عرب، أفارقه، أوروبيين.. ما الذي يجمع المغاربة في نظركم؟

هذا سؤال مهم جدا لعلاقته الوطيدة بسؤال الهوية الذي يحتل مكانة بارزة في القضايا الفكرية المعاصرة نظرا لانعكاساته على الإحساس بالانتماء الثقافي والحضاري وما يقتضيه ذلك إيجابا من قابلية الاعتراف بالآخر والقدرة على التدبير السلمي للاختلاف معه. إنه سؤال بالغ التعقيد لكون الهوية عملية دينامية متفاعلة مع المحيط العام ومستجداته المتقلبة، إلى درجة أن بعض الباحثين يشددون على أن “الهوية مفهوم لا يقبل التعريف”، ولكنها مع ذلك تظل لصيقة بالسمات والخصائص المؤسسة لكل شعب أو مجتمع على حدة. وكثيرا ما يتم تداول مصطلح “الهوية الوطنية” في زمننا الحاضر بمفاهيم جدلية حتى لا أقول سياسوية.

وهنا لا يسعني إلا أن أحيلكم على خلاصة جامعة مانعة تضمنتها وثيقة من أهم الوثائق الرسمية بالمغرب، وأعني بها الفقرة الثانية للدستور المغربي لسنة 2011، وفيها ما يكفي من العناصر الذاتية والموضوعية للجواب عن سؤالكم، وهي كالتالي : ” المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم وتنوع مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية – الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية. كما أن الهوية المغربية تتميز بتبوإ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، وذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء”.

آخر اﻷخبار
1 comments

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M