العنصرية.. وصور من محاربة الإسلام لها

01 يونيو 2020 23:41

هوية بريس – مصطفى أماخير 

أولا ليعلم أن أول من نادى بالعنصرية هو إبليس عليه لعنة الله تعالى حيث قال: {أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}، يقولالطبري رحمه الله: “يقول جل ثناؤه: قال إبليس لربه: فعلت ذلك فلمأسجد للذي أمرتني بالسجود له لأني خير منه وكنت خيرا لأنك خلقتنيمن نار وخلقته من طين، والنار تأكل الطين وتحرقه، فالنار خير منهتفسير الطبري (21/ 239).

ويكفي العنصرية شناعة أنها من أمهات أخلاق الشيطان، وهي بينالبشر مجموعة من الممارسات الخاطئة بحيث يتم من خلالها معاملةمجموعة معينة من الناس بشكل مستبدّ ومختلف بحيث تسلب حقوقهموتتحكّم بهم بمجرد أنّهم ينتمون لدين ما وعرقٍ آخر، وتُعدّ العنصريّةمن الأمراض المتفشية في عصرنا هذا مع العلم بأنهّا موجودة منذالقدم وتسبّبت في تفرقة الناس واندلاع الحروب، فتتعرض الفئةالمظلومة إلى أقصى درجات التمييز والتهميش والاستبداد فقطلاختلاف الدين والعرق وحتى اللون وغيرها من الأسس التي وضعهاالبشر واعتمدوها في تطبيق عنصريتهم كاللغة، والعادات، والمعتقدات،والثقافات، والطبقات الاجتماعية، والتي يتمّ من خلالها ممارسة الظلموالإعتداء، وللعنصرية مصطلحات أخرى تشترك معها في المعنىوالدلالة مثل الاثنية والعرق.

وقد سعى الإسلام إلى محاربة العنصرية من اليوم الأول حيث شرعالأخوة الإيمانية بين جميع المسلمين، وحرم ظلم جميع الأجناسالبشرية، فعن النعمان بن بشيررضي الله عنهماقال: قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهممثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهروالحمى، وقال صلى الله عليه وسلم: “مَثَلُ الْمُسْلِمِينَ فِي تَوَادِّهِمْوَتَعَاطُفِهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ“.

فجميع المؤمنين سواسية ولا فرق بينهم إلا بالتقوى، أَخْرَجَ أَحْمَدُ فِيمُسْنَدِهِ: قوله صلى الله عليه وسلم: “أَيُّهَا النَّاسُ! كُلُّكُمْ لِآدَمَ، وَآدَمُ خُلِقَمِنَ التُّرَابِ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَالِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِتَقْوَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ“. ويقول سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْشُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13].

بل وجعل الإسلام أهم أسباب الاختلاف، أي اللغة واللون من آياتهالعظمى، ليزيد الإيمان واليقين في القلوب، وبالتالي فيكون من صميمهذا الإيمان إلغاء جميع الفوارق والإبقاء على معيار واحد وهو تقوىالله وطاعته، قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُأَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ﴾ [الروم: 22].

ولطالما حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الفخر بالآباء وحميةالجاهلية باعتبار ذلك ليس من الدين وليس من النور الذي جاء به بلظلام في النفس وجاهلية جهلاء، روى أبو داود أن رسول اللَّهِ صلى اللَّهعليه وسلم قال: “ليس منَّا مَن دعا إلى عصبيَّة، وليس منَّا من قاتل علىعصبيَّة، وليس منَّا من مات على عصبيَّةضعَّفه الألباني.

وروى البخاري ومسلم عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: كنافي غَزاة فكَسَع رجلٌ من المهاجرين رجلًا من الأنصار (والكَسْع: ضربُالدُّبرِ باليد أو بالرجل)، فقال الأنصاري: يا للأنصارِ! وقال المهاجري: يا للمهاجرين! فسَمِع ذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: “مابالُ دعوى الجاهليَّة؟!”، قالوا: يا رسولَ الله، كَسَع رجلٌ من المهاجرينرجلًا من الأنصار، فقال: “دَعوها؛ فإنها مُنْتنةٌ“.

ومن مظاهر محاربة الإسلام للعنصرية أيضا الدعوة لعتق العبيد،ليصار إلى مجتمع بلا عبيد ولا إماء بطبقة واحدة موحدة متآخية، روىأحمدُ في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم: “مَن أعتَقَ رقبة مؤمنةً، أعتق الله بكل إِرْبٍ منهاإرْبًا منه من النار، حتى إنه ليعتِقُ باليدِ اليدَ، وبالرِّجْلِ الرِّجْلَ، وبالفَرْجِالفَرْجَ“.

وكان من نتائج هذا الاتجاه النبوي أن عاش جميع الصحابة في ودوحب كبيرين مهما اختلفت مناطقهم فصار عندنا سلمان (الفارسي)،وصهيب (الرومي)، وبلال (الحبشي)، عاشوا في مجتمع واحد فيغاية الحب والوئام،  ونحم نقولُ: رضي الله عنهم أجمعين؛ فبهذا تبينأن الإيمان أزال وأذاب الفوارقَ التي تقومُ على أساسٍ من الجنس أوالعِرق أو اللون.

فاللهم اجعل قلوبنا خالية من العنصرية البغيضة.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M