القرآن الكريم في حياة النبي الأمين وصحابته والتابعين

11 مايو 2019 22:10
الداعية خالد مبروك يكتب: قصتي مع مسلم جديد

هوية بريس – محمد أكجيم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد: فلقد عاش الناس قبل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- أحقابا غشيتها ظلمة الجهل والظلم، فأكرم الله البشرية ببعثته، وأنزل عليه القرآن الكريم، فأخرج الله به العباد من الظلمات إلى النور .
قال تعالى: (الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [إبراهيم01].
قام النبي -صلى الله عليه وسلم- بأعباء الدعوة أتم القيام فبلغ الرسالة وأدى الأمانة؛ أسس للقرآن الكريم مجلس تلاوته ومدارسته، قولا وعملا ليوثق صلة أمته بالقرآن الكريم فقال: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده). صحيح مسلم رقم 2699.
يتلو القرآن في مجالسه وفي خطبه، يحاور به الوفود التي تفد إليه، حتى لقد جعل الله تعالى تلاوته للقرآن من أخص صفاته فقال: ﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً﴾ [البينة:2].
إن قرأه تدبر، وتأمل ودعا واستغفر، وبكى وخشع، وإن قرِئ عليه فاضت عيناه وذرفت دموعه، إن أوصى أوصى بالقرآن، وإن وعظ وعظ بالقرآن، وإن أمّر أميراً قَدَّمَ صَاحِبَ القرآن، وإن اختار إماماً فضل حَامِلَ القرآن، وإن دفن أصحابه قدم صاحب القرآن، وإن حاور حاور بالقرآن، وإن جاءه متزوج ليس لديه مهر زوجه بما معه من القرآن.
امتزج القرآنُ بعقلِه ومشاعرِه، وبلغتْ قوةُ تأثيره عليه أن شيَّب شعرَه، فقد دخلَ عليه أبو بكر – رضي الله عنه – يوماً فقال له: شِبْتَ يا رسول الله قبل المشيبِ. فقال له مبيّنًا السببَ: (شيبتني هودٌ وأخواتُها قبل المشيب) . سنن الترمذي رقم 3297.
تشبّع – صلى الله عليه وسلم – بالقرآنِ تشبّعًا تامًا، وتأثّرَ به تأثّرًا بالغًا لدرجةِ أن الإمامَ الشافعي – رحمه الله- يعتبر أنَّ كلَّ ما حكمَ به رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – فهو مما فهمه من القرآن . تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/ 7. تحقيق سامي بن محمد سلامة.
اختلطتْ معاني القرآن برسولِ الله – صلى الله عليه وسلم – فصارت واقعًا حيًّا في أقواله وأفعاله وخصاله وخلاله، كما قال تعالى: (قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ) [الطلاق: 10، 11].
أما صحابته الكرام؛ فتلك سيرهم الحميدة وأعمالهم الجليلة شواهد ساطعة وحجج واضحة على وثوق صلتهم بالقرآن الكريم، وهو ما أوجب لهم من الله تعالى الثناء والمحبة والرضوان.
تلقى الصحابة الكرام وصايا نبيهم – صلى الله عليه وسلم – بالقبول والإذعان، والعمل والتطبيق، فكان لبيوتهم دوي كدوي النحل بالقرآن.
ولم يكن ينزل على الرسول – صلى الله عليه وسلم – من القرآن آيٌ جديد حتى يكون الآيُ السابق قد ارتفعت له في نفوس أصحابه أسوارٌ عالية وحصونٌ، يبني أرواحهم، لتبني في الدنيا والآخرة عمرانهم.
أما التابعون وتابعوهم بإحسان.؛ فروي عن الحسن البصري أنه ردد ليلة قول الله تعالى: ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا) [النحل:18] حتى أصبح ، فقيل له في ذلك، فقال: إن فيها معتبرا؛ ما نرفع طرفا ولا نرده إلا وقع على نعمة، وما لا نعلمه من نعم الله أكثر . مختصر قيام الليل” للمروزي ص:151.
وحكي عن أبي سليمان الداراني أنه قال: إني لأتلو الآية فأقيم فيها أربع ليال أو خمس ليال، ولولا أني أقطع الفكر فيها ما جاوزتها إلى غيرها. إحياء علوم الدين، الغزالي 1/282.
إن كل تقصير يقع فيه الإنسان، علمياً كان بالتأويل والتحريف للشريعة، أو سلوكياً بالرضوخ لدواعي الشهوة، فإنه بسبب البعد عن وحي الله الناشئ عن قسوة القلب، دليل ذلك: قول الله تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الحديد:16].
إنه ما كانت الأمة الإسلامية قبل نزول الآيات الأولى من (سورة العلق) شيئا مذكورا وإنما كان هذا القرآن فكانت هذه الأمة، وكانت (خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران:110].
فلنطلب عزنا ومجدنا ووحدتنا وقوتنا وسعادتنا بتجديد صلتنا بالقرآن الكريم، ولنغتنمها فرصة في شهر رمضان شهر القرآن لانطلاقة جادة في تجديد العهد معه سائر العام؛ تلاوة وتدبرا وعملا.
وإن من واجب العلماء أن يضاعفوا الجهد في تبصير الناس بعظمة هذا القرآن الكريم، والكشف عن جمال آياته، وجلال هداياته، ويرسخوا في نفوسهم أنه لا سبيل لسعادتهم في الدنيا والآخرة إلا من خلاله؛ مصداقا لقول ربنا الكريم: ( فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى، ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يو القيامة أعمى) [طه 123، 124].
وبهذه المناسبة أقترح: أن يعمل القائمون على تحفيظ القرآن الكريم وتدريس علومه، على العناية بمفردات غريب القرآن الكريم موازاة مع حفظ آياته وسوره.
وأن تؤسس مسابقة دورية راتبة في مدارس تحفيظ القرآن الكريم وتدريس علومه أقترح أن تكون في شهر شعبان؛ ليتهيأ بها القراء لشهر رمضان. في تفسير غريب القرآن الكريم على مستويات:
المسنوى الأول: في القرآن الكريم كله.
المستوى الثاني: في نصف القرآن الكريم.
المستوى الثالث: في ربع القرآن الكريم.
عسى أن تقرب هذه المسابقة الأجيال من تدبر القرآن الكريم بمعرفة غريبه، والترقي من خلاله إلى التعمق في بيانه وتفسيره.
ويا ما تمنيت لو كان شرح الغريب مصحوبا مع حفظ القرآن الكريم في اللوح، لكنا اليوم إلى تدبر القرآن الكريم والانتفاع بهدايته أقرب فأقرب….
وما استعـصى على قومِ منالٌ***


إذا الإقـدام كـــان لــهـم ركابا
وفقنا الله لصالح القول والعمل
والحمد لله رب العالمين
– أهم المراجع: الطريق إلى القرآن، إبراهيم السكران.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M