القرآن.. والعزة المنشودة

07 يونيو 2019 10:14
القصص القرآني والقراءة الحداثية للقرآن الكريم

هوية بريس – د. أحمد اللويزة

لا زالت الأمة ومنذ عقود تبحث لها عن موضع قدم على خارطة العزة والكرامة، ومنذ زمن بعيد وهي تجرب في الوصفات، وتسلك مختلف السبل لتحقيق العزة المنشودة والكرامة المطلوبة. لكن المحزن المؤسف أنه لا شيء من ذلك تحقق، بل لم تزدد الأمة الاسلامية إلا ذلا وهوانا حتى عند أحقر البشر وأراذل القوم.

هذه النتيجة تدل بما لا يدع مجالا للشك عند العاقل الحصيف أن الأمة قد ضلت الطريق وحادت عن السبيل الصحيح في تحقيق ما تريد، من استرداد المجد الفقيد والعز التليد، وهنا لابد من أن نقدم لهذه الأمة عامتها وخاصتها طوق النجاة حتى لا تضيع جهود وأوقات وأموال في البحث عن العزة بين ركام السراب والوهم، لنقول للجميع مصدر عزكم وكرامتكم أقرب إليكم من شَرك نعالكم وحبال أوردتكم.

هو بين أيديكم ضيعتموه من جهتكم، وعمل عدوكم -وهو أعلم بخطره عليهم وصلاحيتهم لكم- على أن يضلوكم عنه ويشغلوكم عن الاشتغال به، لأن الاشتغال به حتما يقود إلى ما قاد إليه الأوائل من المجد والكرامة والعزة التي عز لها النظير عبر التاريخ. لذلك طوقوا الأمة ببرامج التفاهة والوضاعة من أفلام وأغاني ومباريات ومسابقات ومهرجانات وغير ذلك حتى تتيه بين أودية الضلال والانحلال، ولا تجد من الوقت ما تشتغل فيه بكتاب الله خشية أن يقع التغيير ويحصل ما لا ترجوه قوى الفساد والاستكبار.

إنه القرآن الكريم الوحي المنزل من عند الله، ذلك الكتاب الذي يحوي دستورا للحياة، ومنهجا للتألق وسبيلا للكرامة والعزة والقوة والمنعة. جزما وبلا نقاش هو كذلك، بالدليل الشرعي والواقعي والتاريخي؛ يقول ربنا عز وجل -الذي يوتي الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء- في القرآن الكريم متحدثا عن بعض مقاصده، بل هذا مقصد أسمى وأجل، {لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ}. ففي هذا الكتاب ما يحقق للأمة المتمسكة به الشرف والعزة، فمن تخلى عنه ذل وهان ومن يهن الله فما له من مكرم، وذلك حال الأمة اليوم. ذل في الدنيا وحساب في الآخرة عن التخلي عن مصدر عزتها، يقول سبحانه: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ، وسَوفَ تُسألُون”، سنسأل عن تخلينا عن القرآن الذي هو سبيل عزة الأمة وعزة الدين، لأن عزة الأمة وقوتها صون للدين من أن يتجرأ عليه الأعداء ويتطفل عليه المنافقون.

وقد أنكر القرآن على المشركين الذين حاربوا دعوة الاسلام وحاربوا القرآن وصدوا عنه، إعراضهم عن القرآن رغم أنه مصدر كرامتهم وعزتهم، نفس الإنكار ينصرف إلى الأمة اليوم لإعراضها عن القرآن، حيث يقول جل في علاه: “بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُم عن ذِكرِهم مُعرِضُون”.

فيا لدقة التوصيف من كتاب الله لحال الأمة اليوم، وكأن التاريخ يعيد نفسه. لقد أعرض المشركون عن كتاب الله وقد علموا أنه سيكون مصدر عز وفخر للعرب كما شهد بذلك كبير من كبرائهم وسيد من أسيادهم أبو الوليد عتبة بن ربيعة: حين قال وقد سمع من النبي عليه السلام شيئا من القرآن: قد سمعت قولا ما سمعت كمثله قط! والله! ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا الكهانة! يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي: خلُّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه، واعتزلوه، فوالله لَيكوننّ لقوله الذي سمعتُ نبأ؛ فإن تُصِبْهُ العرب فقد كُفِيتُموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فمُلْكُه ملككم، وعزّه عزكم، وكنتم أسعد الناس به. قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه! فقال: هذا رأي لكم؛ فاصنعوا ما بدا لكم! (السيرة لابن إسحاق بسند حسَّنه الألباني). وقد شهد بذلك الوليد بن المغيرة أيضا.

ولذلك لنا هنا أن نستحضر الواقع والتاريخ، كيف كان يعيش العرب قبل بعثة النبي عليه السلام، وما الحالة التي كانوا عليها؛ هوان وضعف وتشرذم وجهالة، يعيشون على هامش الحياة، لايعرفون لها معنى، لا معنى للنظام والترتيب والمدنية والحضارة، يعيشون بلا هدف ولا مشروع. يتوزع ولاؤهم بين الدولتين اللتين تمثلان الحضارة آنذاك؛ فارس المجوسية والروم النصرانية. حيث يستعمل العرب في الحروب دفاعا عن إحدى الحضارتين.. لكن لما جاء الإسلام وما الإسلام إلا كتاب الله الذي نزل وحيا على نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فجعل يقرؤه على العرب في قريش فآمن من آمن وكفر من كفر، وبعد مضي زمن يسير وصار القرآن هو الموجه لحياة العرب بعد الإسلام صاروا هم القادة والسادة، وتحولوا من الذيل إلى المقدمة، ومن الذلة إلى العزة، ومن الوضاعة إلى الشرف، ومن الفوضى إلى النظام، ومن العبثية إلى حسن التدبير، ومن أمة لا يعبأ لها إلى أمة ترعب الأعداء مسيرة شهر.

إنه القرآن الذي صنع من المسلمين بعد الإسلام أبطالا أفذاذا، وساسة عباقرة، وحكاما في العدل نجوما باهرة، وفي الإدارة عقولا مبتكرة، وهكذا تحولت حياة العبث والهوان إلى حياة القوة والعزة والكرامة، بالقرآن وبالقرآن فقط، ولولا القرآن ما كان للعرب خاصة والمسلمين عامة شأن يذكر بين الأمم من ذلك الحين إلى اليوم.

فلا سبيل اليوم إلا أن تعكف الأمة على القرآن قراءة وتدبرا وعملا وتحاكما وتعليما وتعلما، بعيدا عن البهرجة والغوغائية والاحتفاليات الباردة.

إن القرآن ما نزل ليصير لوحات تذكارية تزين بها الصالونات وغرف الانتظار، أو تقدم على شكل هدايا وأعطيات تزين بها المحلات وقلائد النساء، ولم ينزل ليقرأ على الأموات كما صار مستقرا في أذهان الناس اليوم، فما أن يسمعوا القرآن يقرأ في بيت أو خيمة أو محفل إلا خطر ببالهم مباشرة أن السبب موت وعزاء، وما علموا أن الموت حقيقة هو الذي حل بقلوب المسلمين فلم تعد تسمع للقرآن، وإن سمعته لا تستوعبه.

إن القرآن نزل ليقرأ على الأحياء للعبرة والاستجابة، ومن العجيب أن يقول الله في السورة التي تقرأ على الموتى اليوم سورة “يس”: {إن هو إلا ذكر وقرآن مبين لتنذر من كان حيا}، فالقرآن هو حياة القلوب، وسر الحياة الأجساد، قال عزّ جاهه: {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا}، هذا الروح الذي كلما حل بقلب إلا قاده إلى الإيمان وحياة الكرامة والعزة والفخار، قال سبحانه{أو من كان ميت فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس}، وقال تعالى ذكره {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}، ولم تكن دعوته عليه السلام إلا إلى القرآن وبالقرآن.

ولتعلم الأمة أنها ما تاهت وضلت وتقهقرت واحتقرت إلا لما تخلت عن القرآن منهجا للحياة، وفرطت في وصية الصادق الأمين الرحيم بهذه الأمة حين قال: “وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله”. رواه مسلم من حديث جابر.

أبَعد هذا يجوز لأمة الاسلام أن تبذل جهدا أو تنفق وقتا إلا في كتاب الله؛ تعود إليه عودة ميمونة ليس بالقراءة والتبرك  فحسب، كما نراه ونشاهد خاصة في شهر رمضان، ولكن ينبغي أن نرى القرآن في حياتنا، تحوله الأمة من الكتاب المسطور إلى الواقع المنظور. تُحل حلاله وتُحرم حرامه، وتقف عند حدوده، وتتخلق بأخلاقه وتسترشد بتوجيهاته، ولا تصدر في أمر إلا بإشارة منه،  قدوتها في ذلك الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- الذين كان خلقه القرآن، وبدون هذا فلننتظر سنوات أخرى من الضلال والضياع ولا حول ولا قوة الا بالله.

حالنا يصدق عليه قول القائل:

كالعيس في البيداء يقتلها الظما … والماء على ظهورها محمول

آخر اﻷخبار
1 comments
  1. صحيح ،ومازال التيه والضلال والذل والصغار مستمرا.بل ويبحثون عن التقدم والرقي في المباريات والمهرجانات ووو ……
    لذا نهيب بكل أب غيور ومسؤول أن يربي ويزرع في نفوس أبنائه حب الدين وحب القرآن كي يساهم في بناء جيل يعيد لهذه الأمة مجدها وتألقها كما نسأل الله تعالى العلي القدير أن يحيينا حتى نعيش أو نرى بشائر النصر لهذه الأمة التي أنهكتها الصراعات والمؤامرات . وما ذلك على الله بعزيز. ” والله غالب على أمره “.

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M