الكلمة الافتتاحية للجمعية المغربية لأساتذة التربية في المائدة المستديرة حول “الحريات الفردية: السياق والمحاذير”

10 مارس 2020 13:49

هوية بريس – عابد عبد المنعم

توصلت هوية بريس بالكلمة الافتتاحية للجمعية المغربية لأساتذة التربية التي ألقاها ذ. سعيد لعريض، رئيس الجمعية، اليوم الثلاثاء 10 مارس 2020، في المائدة المستديرة حول “الحريات الفردية: السياق والمحاذير”.

وفيما يلي نص الكلمة:

إيمانا منها بأن مطارحة موضوع الحريات الفردية يكتسي راهنية مجتمعية، فإن الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية تنظم هذه المائدة المستديرة مساهمة منها في النقاش الدائر حولها، وتحريرا لمفهوم الحرية أولا، وللقضايا المرتبطة بها ثانيا. لأجل ذلك استدعت مجموعة من العلماء العاملين، والباحثين الأكاديميين، لتجلية ماهية الحريات الفردية، في بلد ينص دستوره على إسلامية الدولة. وكان وسيلتها في ذلك استكتابا داخليا انخرطت فيه الكفاءات العلمية والبحثية التي تزخرها بها الجمعية في ربوع المملكة المغربية، والذين نشكرهم مسبقا على انخراطهم في هذا الورش الفكري/الحقوقي. كما استدعيت لها خيرية العلماء الذي ندبوا أنفسهم ووقتهم ومالهم لخدمة الدين الإسلامي، وقضاياه العلمية والفكرية والثقافية والمجتمعية والسياسية؛ ويأتي في مقدمتهم الأستاذ الدكتور بنحمزة حفظه الله وأطال عمره، وأمده بالصحة والعافية، يليه صديق الجمعية الدكتور عبد المجيد بن الصغير؛ الذي اعتذر عن المشاركة بسبب عملية جراحية في العين، نسأل الله له أن يعجل بشفائه، وستنوب عنه الدكتورة فاطمة اباش، دون أن ننسى المشاركة النوعية للدكتورة مريم البردعي التي لبَّت دعوتنا لتسليط الضوء على جانب مهم وهو خفي في آن واحد، ويتعلق الأمر بالمقاربة الطبية في قضية الحريات الفردية. كما أننا في الجمعية حرصنا على معالجة هذا الموضوع من نواحي اجتماعية وحقوقية ونفسية، إلا أن التزامات أصحابها حالت دون ذلك. لكننا وجدنا في المحاضرة التأطيرية للشيخ بنحمزة، وفي العروض المقدمة في هذه الندوة عِوَضا لها. على أننا نأمل في نهاية هذه المائدة المستديرة الخروج بتوصيات عملية تُصاغ في مذكرة تُرفع إلى أصحاب الشأن في ذلك، مساهمة من الجمعية في النقاش الدائر في هذا الموضوع الحيوي.

وتجدر الإشارة هنا أن انخراط الجمعية في قضايا الشعب المغربي ليست بدعا، إذ سبق لها وأن شاركت بمذكرات في مواضيع متعددة، فقد صار لها بفضل نشاطها المنتظم والمتميز حضورا قويا بالمشهد المدني بالمغرب، حيث أصبحت فاعلا ومستشارا رئيسيا في قضايا الشأن العام، نشير في هذا السياق إلى:

– مذكرة حول إصلاح التعليم الموجهة إلى اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين سنة 1999.

– وتقديم مذكرة أمام اللجنة الاستشارية لمراجعة مدونة الأحوال الشخصية سنة 2003

– تقديم مذكرة حول الإصلاح الدستوري سنة 2011.

– تقديم ورقة حول أشغال مجموعات العمل الخاصة بالجمعيات المهنية للتربية والتكوين والبحث سنة2018

وهذا يأتي من يقينها التام برسالتيها في مواكبة الشأن المحلي والوطني والدولي المرتبط بقضايا الإسلام والمسلمين. وموضوع الحريات الفردية بالشكل المُثار في الساحة المغربية يمس هوية الشعب المغربي المسلم، وهو ما ينص عليه القانون الأساسي للجمعية في هدفه الأول تحت عنوان ” الإسهام في المحافظة على مقومات الهوية المغربية “. ونحسب أن مفهوم الحرية ثم التهويل منه، حثى غدا قضية تتجاذبه تيارات تتباين في مرجعية مناولته؛ بين منتصر لإسلامية الدولة، مما يرتقي بالدين إلى مستوى المرجعية، وتيار يرى فيها معيارا للحداثة والعصرنة والتحرر من قيود الشرع والانتصار للمرجعيات القانونية الكونية. والحال أن سوء فهم الموضوع أدى إلى مآلات في الوعي بخطورة مفهوم الحرية. فكثير من المقايسات الشكلية في تدين المسلم أو المنسلخ عن هويته الإسلامية –في نظرنا-لم يستوعب مفهوم الحرية جيدا.

فالحرية في الرؤية الإسلامية المتكاملة مرتبطة بالعمران البشري؛ الذي من أجله خلق الله الإنسان واستخلفه في الأرض (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) البقرة/30، وحمَّله أمانة تعميرها وفق سننه في الأنفس والأفاق، وخيّره بين الإيمان والكفر فقال مخاطبا إياه (فمن شاء منكم فليومن ومن شاء فليكفر). فلا عقاب إلا بتكليف، ولا تكليف إلا بحرية. كما أن الحرية الفردية مرتبطة في الإسلام بحرية المجتمع، فلا سيادة للفرد على نظام الجماعة، وهذا ما يجب أن تفهمه النخب العلمانية/ المستغربة/ المستلبة. فحثى في الغرب فالمرجعية القيمية للمجتمع لا للفرد. فالإسلام في عمقه رسالة تحررية على مستوى الوعي والفكر والممارسة، غير أنها منضبطة بضوابط شرعية ومقيدة بتعاليم شرعية، المقصد منها مصلحة الانسان الآجلة والعاجلة. لذلك وجدنا عددا من علماء الإسلام-وعلى رأسهم العلامة الطاهر بن عاشور-في كتابيه الماتعين: “أصول النظام الاجتماعي في الإسلام” و”مقاصد الشريعة الإسلامية” يؤسس لمفهوم الحرية فيراها إحدى المصالح الأساسية والضرورية التي يقوم عليها المجتمع ويجب على ولاة الأمور تحقيقها وصيانتها، وأنها تقوم على ازدواجية متكاملة: أصالة فطرية ملازمة للإنسان في خلقه، وأصالة مبدأ تقيد تلك الحرية وتعقلنها. وإذا كانت الحرية صفة فطرية من صميم خلقة الإنسان ومن صميم مؤهلاته الأولية، فمن الطبيعي أن يجعل الإسلام -وهو دين الفطرة-هذه الحقيقة أساساً مرجعياً تشريعاته وأصوله التشريعية.

ومنهاج مادة التربية الإسلامية تأسس في مفرداته-منذ أن تحررت من أختها مادة اللغة العربية باعتبار أنها كانت ملحقة لها-على توظيف مفهوم “الحرية ” ومتعلقاتها في دروسه، وهكذا وجدنا موضوعات تضع أمام المتعلم نظرة الإسلام لمجموعة من المعتقدات والنظريات الفلسفية في إطار تصوره العام لمفهوم الحرية: كالإسلام والمسيحية، والماسونية والداروينية…. أوكذا في اعتماد بيداغوجية الأهداف، و في بيداغوجية الكفايات؛ تضمين نظام الوحدات، والمداخل مجموعة من الدروس المتضمنة للحرية تيح للمتعلم بناء المعارف والسلوكات المرتكزة على التوابث الدينية والوطنية المتمثلة في القرآن الكريم  والسيرة النبوية، والعقيدة الأشعرية، وإمارة المؤمنين والمذهب المالكي، كما توفر له فرصا تتيح له التشبع بقيم الدين الإسلامي والاعتزاز بالهوية الدينية والوطنية والانفتاح على قيم الحضارة المعاصرة في أبعادها الإنسانية، وكذا التمسك بالسلوك القويم المعتدل والمتسامح، والمثل العليا المستمدة من روح الدين الإسلامي مما يؤهله لفهم وتحليل مختلف مكونات الثقافة الإسلامية.

لذلك كان هذا مدعاة لنا أن نتطرق لموضوع الحرية في هذه المائدة المستديرة، لارتباطه بمنهاج المادة من جهة، وللسياق العام الذي تثار فيه قضية الحريات الفردية في بلدنا المغرب، بين تجاذبات مجتمعية: إحداها يريد رفعُ تجريم “الشذوذ الجنسيّ” والعلاقات الجنسيّة خارج مؤسّسة الزواج، ورفعُ الحظر عن الإجهاض، والإفطار العلنيّ في رمضان، وحريّة الاعتقاد، ومسألة الإرث، وغيرها من القضايا التي تشكّل اليوم مثارَ نقاش العديد من الفعاليّات في مسألة تدبير منظومة حقوق الإنسان. وآخر يرى ضرورة احترام إسلامية الدولة، ويجعل الدين مرجعية عليا في الأحكام.

لذلك سيكون علينا في هذه المائدة المستديرة الإجابة على إشكالية كبرى تتفرع عنها أسئلة محورية:

-هل نسير في إرساء قيمنا المجتمعية وفق المنظومة الحقوقية الكونية، أم نخضع فيها لتعاليم ديننا الإسلامي؟

-أيفرض مطلب التحديث والعصرنة الانسياق وراء موجة التحرر من قيود المجتمع، بدعوى أن الحرية الفردية بكل تجلياها هي المرجع في النهضة والتقدم؟

-ألا يجب التحذير من مخاطر نزع صفة التجريم من القانون الجنائي المغربي على الحريات الفردية من قبل العلاقات الرضائية والشذوذ الجنسي والإفطار العلني … لأن فيه تدمير للأسرة كمؤسسة، ولضرب التدين وقيم المجتمع؟

ختاما ففي الوقت الذي نجد فيه أن علينا أن نزجي الشكر والتقدير للعلماء الأفاضل الذين يسهمون في هذه المادة لمستديرة، وأن نحيي تحية عالية أعضاء فرع الجمعية بمدينة القنيطرة وندعو الله أن يجزيهم خيراً، فإننا نقدر أيضاً أن بعض المحاور لم تتم تغطيتها، لذلك فإننا نأمل في أن تدفع مطارحة هذا الموضوع الآني الأقلام والدراسات من داخل الجمعية وخارجها، لاستجلاء حقيقة القضية/ الحرية؛ التي حق أريد به باطلا.

والله سبحانه الهادي إلى سواء السبيل.اهـ

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M